الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول: أحكام الطلاق
الأهداف الخاصة:
يتوقع منك بعد دراسة هذا المبحث أن تعلم ما يلي:
1-
كيفية معالجة الإسلام ما ينشأ من شقاقٍ بين الزوجين.
2-
معنى الطلاق وأدلة مشروعيته وحكمه.
3-
الفرق بين الطلاق السني والطلاق البدعيّ وحكم كلٍّ منهما.
4-
أركان الطلاق وما يتعلق بها.
5-
النيابة في الطلاق وأنواعها.
6-
التعليق في الطلاق والأحكام المتعلقة به.
تمهيد:
علاج من ينشأ من شقاقٍ بين الزوجين:
هذا الشقاق غالبًا ما ينشأ عن عدم طاعة الزوجة لزوجها، أو اعتداء الزوج عليها دون مبرر معقول، وهو ما يسمى بالنشوز عند الفقهاء، الذي قد يكون من الزوجة، وقد يكون من الزوج، لذلك سنبدؤه بالكلام عن التعريف بالنشوز.
النشوز في اللغة: الارتفاع، يقال: نشزت المرأة، أي: ارتفعت بنفسها عن زوجها.
النشوز في الاصطلاح: الخروج عن الطاعة الواجبة؛ كأن منعته الاستمتاع بها، أو خرجت بلا إذن لمحلٍّ تعلم أنه لا يأذن فيه، أو تركت حقوق الله تعالى كالغسل أو الصلاة1، كما يعتبر من النشوز إغلاقها الباب دونه، أو تتثاقل وتدافع إذا دعاها ولا تصير إليه إلا بتكره ودمدمة2.
والأصل في النشوز وكيفية علاجه قوله تعالى: {وَاللّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ
…
} الآية3.
وهو يكون من الزوج كما يكون من الزوجة، ولكنه باعتبار كثرة حدوثه من الزوجة نبه الشارع عليه، وذكر الطريقة التي يعالج بها وجعلها من عدة مراحل:
المرحلة الأولى:
وهي الطريقة الأخف، وذلك عن طريق لمس ما في القلب من خوف الله تعالى والتذكير بيوم العرض عليه، وأن معصية الزوج إثم عظيم عند الله تعالى.
1 الشرح الكبير جـ2/ 343.
2 الشرح الكبير جـ2 والمغني جـ7 ص46، والدمدمة: الغضب والتضجر، والتلفظ بما يسيء.
3 سورة النساء الآية 34.
روى الإمام أحمد بسنده عن الحصين بن المحصن "أن عمة له أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ذات زوج أنت؟ " قالت: نعم، قال: "انظري أين أنت منه، فإنما هو جنتك ونارك" 1 قال في الفروع: إسناده جيد.
كما يستحسن مداراة الزوجة وعدم محاسبتها على كل ما يصدر منها من صغار الأمور وكبارها، بل ينبغي أن يتغافل عن توافه الأمور التي تحدث منها، وقد ذكر رجل لأحمد بن حنبل ما قيل: من أن العافية عشرة أجزاء، تسعة منها في التغافل، فقال الإمام أحمد: العافية عشرة أجزاء كلها في التغافل2.
المرحلة الثانية:
وهي مرحلة الهجر في المضجع، وهي تكون في حالة ما إذا استمرت في عنادها وعصيانها لأمره، أو تركها لفرائض الله تعالى، فإنه يترك مضاجعتها في فراش الزوجية، ولا يهجرها بترك الكلام معها لأكثر من ثلاثة أيام، لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام" 3، وقد هجر النبي صلى الله عليه وسلم زوجاته شهرًا حين اشتددت عليه في طلب المؤونة والتوسع من مباهج الحياة كبقية النساء حولهن، وذلك في حديث طويل أخرجه البخاري وغيره.
المرحلة الثالثة:
وهي مرحلة الضرب غير المبرح، أي: غير الشديد، وذلك في حالة ما إذا أصرت على النشوز ولم ترتدع بما سبق من العظة والهجر.
لكن هذه المرحلة لا تنفذ إلّا بعد الظن أنها ستفيد في علاج الموقف، وقد نصَّ المالكية على أنه إذا ضربها قبل أن يتأكد أن الضرب سيفيد، فإنه يطلق عليه ويقتص منه.
فإذا تعيَّن الضرب طريقًا للعلاج ضربها بعصا خفيفة أو بسوط رقيق؛ بحيث لا يترك أثرًا على البدن، ولا يقطع لحمًا، ولا يكسر عظمًا، وقد سئل ابن عباس عن أداة
1 مسند الإمام أحمد بن حنبل "4/ 341"، والحديث أخرجه النسائي في "الكبرى"، والحاكم في "المستدرك"، وقال: صحيح الإسناد.
2 كشف القناع جـ5 ص210.
3 متفق عليه.
الضرب فقال: بسواك ونحوه، وقد روى عبد الله بن زمعة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يضاجعها في آخر اليوم"1.
ولا يزيد في ضربها على عشرة أسواط لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط إلّا في حدٍّ من حدود الله" 2، 3.
النشوز من الزوج:
إذا تعدَّى الزوج على زوجته ببينة أو إقرار، بأن كان يضاررها بالهجر أو الضرب أو الشتم، فهناك طريقتان عند المالكية:
الطريقة الأولى:
يزجره الحاكم بالوعظ حسب اجتهاده، فإن أفاد وإلّا ضربه إن ظن إفادته، وأولى إن جزم بذلك.
فإن لم يثبت تعديه عليها ببينة أو إقرار، فإنه يقتصر على الوعظ فقط دون ضرب.
الطريقة الثانية:
أن الحاكم يعظه أولًَا، فإن لم يفد ذلك أمرها بهجره، فإن لم يفد ضربه.
قال الإمام الدسوقي: والطريقتان على حدٍّ سواء، ولكن الظاهر الثانية؛ لأن هجرها له فيه مشقة عليه، بل ربما كان أضر به من الضرب4.
لكن محل زجر الحاكم له ثم ضربه له في حالة ثبوت تعديه عليها إن لم يفد الوعظ؛ حيث لم ترد التطليق منه، بل أرادت زجره وإبقاءها معه، وإلّا فإن أرادت التطليق منه للضرر فإنها تجاب إليه، ولو لم تشهد البينة بتكرره.
فإن ثبت تعدي كلٍّ منهما على صاحبه، وعظمها الحاكم أو نائبه، ثم ضربهما
1 متفق عليه.
2 البخاري في الحدود، باب: كَمّ التعزير، ومسلم في الحدود، باب: قدر أسواط التعزير.
3 المغني جـ7 ص47، والشرح الكبير جـ2 ص343.
4 الشرح الكبير جـ2، وحاشية الدسوقي جـ2 ص343.
باجتهاده، فإن لم يثبت التعدي اقتصر على وعظهما فقط1.
المرحلة الرابعة:
أن يسكنها الحاكم بين قوم صالحين إذا ادعت الضرر وتكررت شكواها وعجزت عن إثبات ما ادعته، أو ادعى كلٌّ منهما الضرر وعجزا عن إثبات دعواهما.
وعند الحنابلة يكفي إسكانهما من الحاكم إلى جانب رجلٍ ثقةٍ يشرف عليهما ويكشف حالهما ويلزمها الإنصاف.
فإن لم يفد هذا الإسكان، أو كانت ساكنة بينهم ابتداءً، أو لم تمكن السكنى بينهم، فإن الإمر يصل إلى المرحلة الخامسة.
المرحلة الخامسة:
وهي التحكيم من قِبَلِ اثنين؛ أحدهما من قبلها، والآخر من قِبَلِ الزوج.
هل الحكمان وكيلان عن الطرفين أم حاكمان؟
ذهب عدد كبير من أهل العلم أن الحكمين وكيلان عن الطرفين؛ بحيث لا يملكان التفريق إلّا بإذن الزوجين، وذلك لأن البضع حقه بالعقد، وكذلك المهر حقها بالعقد، وهما رشيدان فلا يجوز لغيرهما التصرف في حق كلٍّ منهما إلّا بإذنه، سواء بوكالة أو ولاية.
وذهب آخرون إلى أنهما حاكمان، ولهما أن يفعلا ما يريانه من جمعٍ أو تفريقٍ بعوض أو بغير عوض، دون حاجة إلى توكيل الزوجين أو رضاهما، وذلك لأن الله تعالى سمَّاهما حكمين في قوله سبحانه:{فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} ولا يمتنع أن تثبت الولاية على الرشيد عند امتناعه من أداء الحق، كما يقضي الدَّيْنَ عنه من ماله إذا امتنع، ويطلق الحاكم على المولى إذا امتنع.
1 الشرح الكبير جـ2 ص344، والمحلى على المنهاج جـ3 ص305، 306.
ما يشترط في الحكمين، سواء قلنا وكيلين أو حاكمين:
1-
أن يكونا عاقلين.
2-
أن يكونا بالغين.
3-
أن يكونا مسلمين.
4-
أن يكونا عالمين بأحكام الجمع والتفريق.
واختلف في اشتراط كونهما ذكرين، وكونهما حُرَّيْن، فذهب بعض أهل العلم إلى اشتراط ذلك إذا كانا حكمين، ولا يشترط ذلك إذا كانا وكيلين؛ إذ يجوز أن يكون الوكيل امرأة أو عبد.
واختلف أيضًا في اشتراط كونهما من أهل الزوجين، لكن الأولى أن يكونا من أهلهما حتى يعلما من أمرهما ما لم يعلم غيرهما1.
1 المحلى على المنهاج جـ3 ص305، 306، والشرح الكبير جـ2 ص344، والمغني جـ7 ص48-50.
تعريف الطلاق ومشروعيته وحكمه
الطلاق في اللغة: رفع القيد.
وفي الاصطلاح: رفع ارتباط قيد النكاح في الحال أو المآل بلفظ مخصوص1.
الأصل في مشروعيته:
1-
من الكتاب العزيز: قوله تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} 2 وقال جل شأنه: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} 3.
2-
من السنة المطهرة: ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أنه طلق امرأته وهي حائض، فسأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مره فليراحعها ثم ليتركها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلَّق قبل أن يمسَّ، فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء" متفق عليه4، وغير ذلك من الآيات والأخبار.
3-
الإجماع: أجمع الناس من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يومنا هذا على جواز الطلاق.
1 الدر المختار مع حاشية ابن عابدين جـ3 ص226.
2 سورة البقرة الآية 228.
3 سورة الطلاق الآية 1.
4 صحيح الإمام البخاري جـ11 ص260 مع فتح الباري.
حكمة تشريعه:
شُرِعَ الطلاق في الإسلام1 ليستطيع الزوجان التخلص من رابطة الزوجية إذا تبيَّن أنها مصدر الشقاء، وأنه لا يمكن أن يتعاشر الزوجان بالمعروف، ولا أن يقوم كلٌّ منهما بحقوق الزوجية وواجباتها، وذلك لأسباب عدة.
منها: أن الزوجين قد يتبين لهما بعد المعاشرة الزوجية أن بينهما تباينًا في الأخلاق وتنافر في الطباع، وأن ما بذلاه من البحث والتحري في وقت الخطبة لم يظهر الحقيقة التي أظهرتها المعاشرة الزوجية، وأنهما مع هذا التباين والتنافر لا يتبادلان مودةً ولا رحمةً، ولا يقوم واحدٌ منهما بحقوق الزوجية وواجباتها، فلرفع الحرج عنهما فتح الله لهما بابًا للخلاص من هذا الشقاء والتباغض ليستبدل كلٌّ منهما زوجًا آخر قد يأتلف به ويتبادل معه المودة والرحمة:{وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ} .
ومنها أنه قد يتحقق الزوجان أن أهم مقاصد الزواج وهو التوالد والاستمتاع الجنسي لا توصل إليه هذه الزوجية؛ لأن بعض النساء قد تكون عقيمًا مع زوجٍ وولودًا مع آخر، وكذلك بعض الأزواج قد يولد له من زوجةٍ ولا يولد له من أخرى، وكم زوجين عاشا عقيمين، فلما افترقا وُلِدَ له من زوجته الأخرى ووُلِدَ لها من زوجها الآخر، وكذلك الشهوة الجنسية قد تكون مفقودة لبعض النساء وغير مفقودة لأخرى، فمن الحكمة أن شرع الله سبيلًا لتخلص مثل هذين الزوجين من زوجية لا تحقق أغراضها.
ومنها أن الزوج قد يرتاب في زوجته، أو يجد فيها من العيوب الخُلُقيَّة أو الخَلْقِيَّة ما لا يستطيع معه المعاشرة بالمعروف والقيام بحقوق الزوجية.
ومنها: أن الزوجة قد تجد من زوجها ما يحملها على حل العقدة التي تربطهما
1 كما شرع الطلاق في الإسلام شرع في اليهودية والنصرانية، غير أنه في اليهودية لا يباح إلّا لسبب من ثلاثة: الزنا، والعقم، وعيب الخلق والخلق، وفي النصرانية من طلَّقَ زوجته إلّا لعلة الزنا يجعلها تزني، وفي الإسلام أبيح لأيِّ سبب يدعو إلى الخلاص.
كأن يمرض بداءٍ عضالٍ لا يمكن البرء منه ولا معاشرته معه، أو يضارّها بأقواله أو أفعاله أو أخلاقه، أو يكيدها بعدم الإنفاق عليها، أو يعسر عن نفقتها، أو يغيب عنها المدة الطويلة بلا عذر.
فلا ريب في أنه قد تدعو الحاجة القاهرة إلى حل عقدة الزواج، وأن الحاجة قد تبعثهما معًا على الرغبة في الطلاق، وقد تحمل أحدهما، فلو لم يشرع الله سبيلًا لحل عقدة الزواج عند الحاجة القاهرة لنال بعض الأزواج حرج، وكانت بعض الزوجات مصدر شقاء دائم، مع أن الله شرع الزواج ليكون مصدر معونة متبادلة ورحمة ومودة.
وإنما أباح الله لكلِّ واحد من الزوجين أن يحل عقدة الزواج وحده، ولم يلزم تراضيهما وتوافق إرادتهما عليه، كما لزم تراضيهما على عقده؛ لأن الحاجة الملجئة إلى الطلاق قد تدعو أحدهما إلى الخلاص ويتعنت الآخر ولا يوافقه، فزوجة المشلول أو المجذوم تريد الخلاص من زوجيته وهو لا يرضى، وزوج المريبة يريد الخلاص من زوجيتها وهي لا ترضى، فلهذا لا يشترط تراضيهما على إيقاع الطلاق، بل لكلٍّ منهما الانفراد به دفعًا للضرر مع نفسه.
حكم الطلاق:
تعتريه الأحكام الخمسة.
الأول: وهو الأصل: الإباحة: وذلك عند الحاجة إليه إذا ساء خلق المرأة أو ساءت عشرتها.
ثانيها: الكراهة: وهو في حالة ما إذا لم يحدث من المرأة ما يسيء إلى الزوج أو يتضرر به منها، وليس به عجز من نفقتها أو إعفافها.
ثالثها: الندب: وهو عند تفريط المرأة في حقوق الله تعالى مثل الصلاة ولا يمكنه إجبارها عليها.
رابعها: الوجوب: وهو في حالة الإيلاء وعدم فيء الزوج إلى زوجته في
الأجل الذي ضرب له.
خامسها: الحرمة: وهو طلاقها في الحيض، أو في طهر جامعها فيه.
الطلاق السني والطلاق البدعي:
الطلاق السني:
هو أن يطلق الرجل زوجته في طهر لم يصبها فيه، ثم يتركها حتى تنقضي عدتها.
الطلاق البدعي:
وهو ما تخلف فيه قيد من قيود الطلاق السني؛ كأن يطلقها في حيضٍ أو في طهرٍ مسها فيه مثلًا، وذلك لمخالفة الآيتين والحديث المتقدم.
هل يحتسب الطلاق إذا وقع بدعيًّا؟
- جمهور أهل العلم على أنه يحتسب عليه لقول ابن عمر: "حسبت علي بتطليقة".
وبناءً على رأي الجمهور: عليه أن يراجعها، ثم عليه أن يمسكها حتى تطهر، ثم تحيض حيضة أخرى، ثم تطهر، ثم إن شاء طلَّق وإن شاء أمسك1، فإن أبى المراجعة هدد بالسجن، فإن استجاب وإلا سجن بالفعل، فإن أبى هدد بالضرب، فإن أبى ضرب2.
- خلافًا لابن عليه وهشام بن الحكم والشيعة وابن تيمية، الذين قالوا بأنه لا يقع الطلاق ولا يحتسب عليه، لأن الله تعالى أمر به في قبل العدة، فإذا طلق في غيره لم يقع؛ كالوكيل إذا أوقعه في زمن أمره موكله أن يوقعه في غيره.
أركان الطلاق:
أركان الطلاق أربعة: أهلية وقصد ومحل ولفظ.
1 المغني جـ7 ص8-11، والشرح الكبير جـ2 ص361، والمحلى على المنهاج جـ3 ص323، والدر المحتار مع حاشية ابن عابدين جـ3 ص228، 229.
2 الشرح الكبير جـ2 ص363.
الركن الأول:
أن يكون الموقع للطلاق أهلًا لإيقاعه، سواء كان زوجًا أو نائبًا له أو وليه، وأهم الشروط التي يتحقق بها هذا الركن: الإسلام، والتكليف: وهو يقتضي البلوغ والعقل والطوع ولو سفيهًا، فطلاق الصبيّ لا يقع عند أكثر العلماء خلافًا لبعضهم.
كما أن طلاق المجنون لا يصح باتفاق الفقهاء.
طلاق السكران:
يأخذ السكران بحلال حكم المجنون، أما السكران بحرامٍ فقد اختلف في وقوع الطلاق منه.
فذهب بعض الفقهاء إلى وقوع الطلاق منه لأنه أدخل نفسه باختياره، فعليه أن يتحمَّل تبعة ذلك.
وذهب بعض آخر إلى عدم وقوع الطلاق منه؛ لأنه لا يدري ما يقول، فهو كالمجنون.
الركن الثاني:
وهو القصد، ونتناول فيه طلاق الهزل والإكراه.
أما طلاق الهزل فهو واقع ولو لم يقصد حلّ العصمة على المشهور عند الجمهور لحديث: "أربع جدهن جد وهزلهن جد" 1، وذكر منها الطلاق، خلافًا لمن قال بعدم وقوعه لمقالة في الحديث.
أما من سبق لسانه به أو كان أعجميًّا فلقنه أو هذى به لمرض ونحوه، فإن الطلاق لا يقع في هذه الحالات جميعًا لعدم القصد.
1 الحديث سبق
…
وذكرنا اختلاف العلماء في قبوله ورفضه، وكل أسانيده ضعيفة؛ فمنهم من يقوى بعضها ببعض، ومنهم من يرى عدم صحته.
طلاق المكره:
من أُكْرِهَ عليه بقتلٍ أو بضربٍ شديدٍ أو بسجنٍ أو بقيدٍ ونحو ذلك، سواء كان واقعًا أو متوقعًا، فإن الطلاق لا يقع؛ لأنه وإن وجد فيه قصد إيقاع الطلاق، فإنه قد انتفى معه الاختيار، ولحديث "لا طلاق في إغلاق"1 أي: إكراهٍ، إلا أن ذلك مقيد بما إذا كان المكره قادرًا على إيقاع ما أكره به، وكان يتوقع ذلك منه فور عدم تنفيذه ما أكرهه عليه من إيقاع الطلاق، وألا يوقعه بعد زوال الإكراه عنه، وإلا فلا يعتبر مكرهًا.
خلافًا للحنفية الذين يرون أن طلاق المكره واقع؛ لأنه يملك الطلاق وأوقعه على محله وهي الزوجة، وهو يملك عصمة زوجته وهو مكلف، كما أن عنده نوع من الاختيار وإن انعدم رضاه2.
الركن الثالث:
من يقع عليها الطلاق وهي الزوجة، سواء كانت في العصمة أو في عدة من طلاق رجعي فينفذ طلاقها، ولا ينفذ طلاق الأجنبية وكذلك البائن لا ينفذ الطلاق عليها.
الركن الرابع:
اللفظ وهو أربعة أنواع:
النوع الأول:
الصريح: وهو ما فيه لفظ الطلاق كقوله: أنت طالق، أو طالقة، أو مطلقة، أو طلقتك، أو طُلِّقْتِ مني، فإنه يلزمه الطلاق بهذا كله ولا يفتقر إلى نية.
وإن ادعى أنه لم يُرِدْ الطلاق لم يقبل منه إلّا إذا اقترنت بقرينةٍ تدل على صدق دعواه، مثل أن نسأله أن يطلقها من وثاقٍ فيقول: أنت طالق.
1 رواه أحمد "6/ 276"، وأبو داود "2193"، وابن ماجه "2046"، والدارقطني، والحاكم "2/ 198"، والبيهقي "7/ 357"، وفي إسناده محمد بن عبيد المكي، ضعفه أبو حاتم، وله إسناد آخر ضعيف، أخرجه الدارقطني، والبيهقي، وفيه خزيمة بن سويد وهو ضعيف الحديث، ضعفه ابن معين، والنسائي، وأبو داود، وقال ابن حبان: كثير الخطأ، فاحش الوهم.
وقد قال بعدم وقوعه عمر بن الخطاب وابنه، وعلي وابن عباس، وابن الزبير، وهو قول مالك، والشافعي، وأحمد.
2 الشرح الكبير جـ2 365، 366، 367، والدر المختار مع شرحه حاشية ابن عابدين جـ3/ 335 إلى 341، والمحلى على المنهاج جـ3/ 323، 324، والمغني جـ7/ 113 إلى 118.
وألحق بعض العلماء لفظ التسريح ولفظ الفراق لورودهما في القرآن الكريم بالطلاق الصريح مما لا يحتاج معه إلى نية.
النوع الثاني:
الكناية الظاهرة: وهي التي جرت العادة أن يطلق بها في الشرع أو في اللغة كقوله: أنت بائن أو الحقي بأهلك.
فحكم هذه العبارات:
عند بعض العلماء كالمالكية يقع بها الطلاق ولو لم ينو.
وقال بعضهم كالشافعية: يرجع إلى ما نواه، ويصدق في نيته.
بل ذهب البعض إلى أنه يقع بها الثلاث، وهو ما نُقِلَ عن مالك، وهي إحدى الروايتين عن الإمام أحمد.
وذهب فريق رابع إلى أنه يرجع إلى ما نواه من واحدة أو أكثر.
النوع الثالث:
الكناية المحتملة مثل: ابعدي عني، واذهبي، وما أشبه ذلك.
وفي هذا النوع لا يلزمه الطلاق إلّا إذا نواه، وإن قال: إنه لم ينو الطلاق قُبِلَ قولُه في ذلك.
النوع الرابع:
ما عدا ما تقدَّم من ألفاظ الصريح والكناية الظاهرة والمحتملة من الألفاظ التي لا تدل على الطلاق كقوله: قومي أو اشربي أو تجرعي، وما أشبه ذلك.
وهذا النوع: إن أراد به الطلاق لزمه على المشهور عند المالكية.
وإن لم يرده لم يلزمه.
وهذا القدر هو ما أمكن استخلاصه من مواقف العلماء مع اتساعها وكثرتها وتباينها، وأرجو أن يكون فيه كفاية لطالب العلم1.
1 القوانين الفقهية لابن جزى الكلبي الغرناطي، ص239، 240.
وفيما يلي عدد من الفروع المهمة:
1-
من قال: أنت طالق ثلاثًَا، فهل تحسب عليه ثلاث طلقات أم طلقة واحدة؟ خلاف بين أهل العلم، والصحيح أنها تحسب عليه ثلاثًا، خلافًا لمن رأى أنها تحسب عليه واحدة، وهو منسوب إلى ابن عباس رضي الله عنهما، والإمام ابن تيمية، وبعض المعاصرين من أهل العلم.
2-
من قال: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، لزمه الثلاث إلّا أن ينوي التأكيد.
3-
من قال: أنت عليّ حرام.
فمشهور مذهب مالك أنها ثلاث في المدخول بها، وينوي في غير المدخول بها هل الثلاث أو دونها.
ومذهب أبي بكر وعمر وابن عباس رضي الله عنهم: أنه يلزمه فيها كفارة يمين لقوله تعالى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} 1.
وقال بعض الفقهاء: ينوي في الطلاق وفي عدده، فإن لم ينو شيئًا فلا يلزمه.
4-
إشارة الأخرس بالطلاق، وإشارة القادرة على الكلام؛ كالكتابة يقع بها الطلاق.
1 سورة التحريم آية 2.
5-
من كتب الطلاق عازمًا عليه لزمه، بخلاف المتردد ليشاور نفسه.
6-
من شكَّ هل طلَّقَ أم لا لم يلزمه شيء.
أنواع الطلاق:
يختلف الطلاق باعتبار أثره المترتب عليه إلى ثلاثة أنواع:
الرجعيّ، والبائن بينونة صغرى، والبائن بينونة كبرى.
أما الطلاق الرجعيّ:
فهو الطلاق الذي يوقعه الزوج على زوجته التي دخل بها حقيقة، إيقاعًا مجردًا عن أن يكون في مقابلة مال، ولم يكن مسبوقًا بطلقة أصلًا، أو كان مسبوقًا بطلقة واحدة، وحكمه: سواء أكان أول الطلقات أم ثانيها أنها يترتب عليه أثران:
أولهما: نقص عدد الطلقات التي يملكها الزوج على زوجته، بمعنى أنه متى وقعت طلقة رجعية، فإن كانت الأولى لم يبق للزوج إلّا طلقتان، وإن كانت الثانية لم تبق له إلّا واحدة، والمراجعة لا تمحو هذا الأثر.
وثانيهما: تحديد الرابطة الزوجية بانقضاء العدة، بعد أن كانت غير محددة، بمعنى: أنه إذا وقع الرجعي وانقضت العدة من غير مراجعة بانت الزوجة بانقضاء العدة.
وهو لا يرفع قيد الزوجية ولا يزيل ملكًا ولا حلًّا، بمعنى: أنه لا يزيل ملك الاستمتاع الثابت بالزواج، ولا يجعل المطلقة محرمة بسبب من أسباب التحريم على مطلقها، فيحل له الاستمتاع بها ما دامت في العدة، ويصير بذلك مراجعًا، وإذا مات أحدهما قبل انقضاء العدة ورثه الآخر، ونفقتها واجبة عليه، ولا يحلّ به مؤخر الصداق المؤجل لأحد الأجلين الموت أو الطلاق، وإنما يحل بانقضاء العدة، والسبب في هذا كله أن الطلاق الرجعيّ لا يرفع في الحال قيد الزواج، والزوجية بعده لا تزال قائمة، وللزوج مراجعة زوجته ما دامت في العدة، فهو ينعقد سببًا للفرقة ولكن لا
يترتب عليه مسببة ما دامت المطلقة في العدة، فإذا انقضت العدة من غير رجعة ترتَّب أثره وبانت منه.
والرجعة هي استدامة الزواج القائم وإلغاء عمل السبب الذي حدَّد الزوجية بانقضاء العدة، وهي حق للزوج ما دامت مطلقته رجعيًّا في العدة، لقوله تعالى بعد أن قال:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوء} : {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} ، أي: وأزواجهن أحق بإرجاعهن إلى عصمتهم في ذلك الوقت الذي تربصته، ولكونها حقًّا جعله الشرع للزوج لا يملك إسقاطه، فلو قال: لا رجعة لي فله الرجعة، ولا يشترط لصحتها رضا الزوجة ولا علمها، ولا حضور شهود لها، وإنما ينبغي له أن يشهد عليها خشية أن تنكرها الزوجة بعد انقضاء عدتها فيعجز عن إثباتها، وينبغي له أن يعلمها بها حتى لا تتزوج بغيره بعد انقضاء مدة العدة ظنًّا منها أنها بانت بانقضائها.
وكما تكون بأيّ قولٍ يصدر منه يدل على معناها مثل: راجعتك، أو راجعت زوجتي، تكون بالفعل وهو الوقاع ودواعيه التي توجب حرمة المصاهرة، سواء كانت منه أو منها، ويشترط في الرجعة بالقول أن تكون منجزة لا معلقة على شرط، ولا مضافة إلى وقتٍ مستقبل؛ لأنها كالزواج من بعض الوجوه، والزواج لا يقبل الإضافة إلى الزمن المستقبل، ولا التعليق على شرط غير محقق في الحال.
وإذا انقضت عدة المطلقة رجعيًّا بانت ولا تصح مراجعتها، بل لا بُدَّ لإعادة زوجيتها من عقد ومهر جديدين، وأقل مدة تصدق فيها الزوجة أن عدتها انقضت ستون يومًا؛ لأنها تحتاج إلى ثلاث حيض كاملة يتخللها طهران، فللحيضات الثلاث ثلاثون يومًا بمراعاة أكثر مدة للحيض وهي عشرة أيام، وللطهرين ثلاثون يومًا بمراعاة أقل مدة للطهر وهي خمسة عشر يومًا، فإذا مضى عليها من تاريخ طلاقها ستون يومًا فأكثر، وادَّعت انقضاء عدتها صدقت بيمينها، ولا تصح الرجعة بعد ذلك، وإذا مضى
عليها من تاريخ طلاقها أقل من ستين يومًا لا تصدق في دعواها انقضاء عدتها وتصح مراجعتها.
وإذا اختلف الزوجان في أصل الرجعة فادّعى الزوج أنه راجعها وأنكرت الزوجة دعواه، فإن كان هذا النزاع والزوجة لا تزال في العدة فالقول للزوج؛ لأنه يخبر عن أمر يملك إنشاءه في الحال، فلا معنى لتكذيبه فيه، وإن كان هذا النزاع بعد انقضاء العدة فالبينة على مدعي الرجعة وهو الزوج، فإن لم تكن له بينة فالقول للزوجة بلا يمين.
وإذا اختلف الزوجان في صحة الرجعة فادَّعى الزوج أنها صحيحة؛ لأنها وقعت قبل انقضاء العدة، وأنكرت هي صحتها؛ لأنها وقعت بعد انقضاء العدة، فالقول للزوجة بيمينها إذا كانت المدة بين الطلاق وبين الوقت الذي تدعي فيه انقضاء عدتها يحتمل ذلك، بأن كان ستين يومًا فأكثر.
وأما الطلاق البائن بينونة صغرى:
فهو طلاق الزوج لزوجته قبل الدخول الحقيقي بها، أو طلاقه إياها في مقابل مالٍ تفتدي به نفسها، ولم يكن مسبوقًا بطلقة أصلًا، أو كان مسبوقًا بطلقة واحدة، وحكمه سواء أكان أول الطلقات أم ثانيها أنه يترتب عليه نقص عدد الطلقات، وإزالة قيد الزوجية في الحال، بمعنى: أنه بمجرد صدوره يزيل ملك الاستمتاع الذي كان ثابتًا بالزواج، ولا يعود هذا الملك إلّا بعقدٍ ومهرٍ جديدين بتراضي الزوجين في العدة وبعدها، ولكنه لا يزيل الحل، بمعنى: أن المطلق بائنًا بينونة صغرى يحلُّ له أن يعقد على مبانته في العدة وبعدها بدون حاجة إلى زوجٍ آخر يحلها له؛ لأنها بالبينونة الصغرى لم يقم بها سبب من أسباب التحريم المؤبدة أو المؤقتة.
وإذا كان البائن بينونة صغرى يرفع قيد الزواج بمجرد صدوره، فلا يحل لأحد الزوجين الاستمتاع بالآخر ولا الخلوة به، وتكون منه بمنزلة الأجنبية، وإن مات أحدهما في العدة أو بعدها فلا يرثه الآخر إلا في حالة الفرار كما سيجيء، ويحلّ به مؤخر الصداق المؤجل إلى أحد الأجلين الموت أو الطلاق.
وأما الطلاق البائن بينونة كبرى:
فهو ما كان مكملًا للثلاث، وحكمه أنه يزيل في الحال بمجرَّد صدوره الملك والحلَّ معًا، فلا يملك المطلِّقُ المتعة بمطلقته، وتصير من المحرمات عليه مؤقتًا حتى تتزوج زوجًا غيره بزواج شرعي صحيح نافذ، ويدخل بها الزوج الثاني دخولًا حقيقيًّا ثم يطلقها وتنقضي عدتها منه؛ لقوله تعالى:{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} .
ولا توارث بينهما إذا مات أحدهما، سواء كانت العدة باقية أو انقضت، ويحلّ به مؤخر الصداق المؤجل إلى أحد الأجلين الموت أو الطلاق؛ لانقطاع رابطة الزوجية به في الحال.
فيؤخذ مما تقدَّم أن الطلاق الرجعي لا يزيل الملك ولا الحلّ، وأن البائن بينونة صغرى لا يزيل الحلّ ويزيل الملك، وأن البائن بينونة كبرى يزيل الملك والحلّ معًا.
بناءً على هذا: لو راجع الزوج زوجته بعد أن طلقها رجعيًّا، أو عقد عليها عقدًا جديدًا بعد أن بانت منه بينونة صغرى، تعود إليه بما بقي له من الطلقات؛ لأن الحلَّ الأول ما زال وكأنه هو الذي عاد، فيعود بما بقي من عدد الطلقات، أما لو بانت بينونة كبرى، ثم تزوجها غيره، وبعد أن طلقها عقد عليها زوجها الأول، تعود إليه بحلٍّ جديد وبملكٍ عليها ثلاث طلقات؛ لأن الزوج الثاني أنهى الحلَّ الأول، فالعقد الجديد أنشأ حلًّا جديدًا كامل عدد الطلقات.
الطلاق إما منجز وهو ما كانت صيغته غير معلقة على شرطٍ ولا مضافة إلى زمن مستقبل، وقصد به إيقاع الطلاق فورًا مثل: أنت طالق، أنت عليّ حرام، وحكم هذا أنه متى صدر من أهلٍ لإيقاعه وصادف محلًّا لوقوعه، وأسند إليها وقع في الحال، وترتبت عليه آثاره بمجرد صدوره.
وإما مضاف إلى زمن مستقبل، وهو ما كانت صيغته مقرونة بوقت مستقبل قصد إيقاع الطلاق حين حاوله، مثل: أنت طالق غدًا، أو أول الشهر المقبل، وحكم هذا أنه
متى صدر من أهله، وصادف محله انعقد في الحال سببًا للطلاق، ولكنه لايقع ولا تترتب عليه آثاره إلا حين حلول الزمن المضاف إليه الطلاق، فلا يقع على زوجته الطلاق إلّا إذا جاء الغد أو أول الشهر المعين، بشرط أن تكون حين حلول الوقت المضاف إليه لا تزال محلًّا لوقوع الطلاق عليها حتى يصادف الوقوع محله.
وإما معلق وهو كانت صيغته معلقًا فيها حصول الطلاق على حصول شيء آخر بأداة من أدوات التعليق مثل: إن خرجت من منزلي بغير إذني فأنت طالق، وحكم هذا أنه إن كان غرض المتكلم به التخويف أو الحمل على فعل الشيء أو تركه، وهو يكره حصول الطلاق ولا وطر له فيه، فهو لغوٌ لا يقع به الطلاق، وإن كان يقصد به حصول الطلاق عند حصول الشرط؛ لأنه لا يريد المقام، مع زوجته عند حصوله، مثل: إن مرضت بالسل فأنت طالق، فهذا يقع به الطلاق عند وجود الشرط المعلق عليه1.
وأما طلاق على صيغة اليمين، أي: مقصود به تقوية العزم على فعل شيء مستقبل أو تركه أو تقوية تصديقه في الأخبار عن شيء مضى، مثل عليّ الطلاق لأسافرنَّ غدًا أو لا أسافر غدًا أو ما سافرت أمس، وحكم هذا الطلاق الوارد على صيغة اليمين أنه لغوٌ لا يقع به شيء؛ لأنه ليس الغرض به حل قيد الزواج، بل حمل نفسه على فعل أو ترك أو حمل مخاطبه على شيء.
فالمنجز، والمضاف إلى زمن مستقبل، والمعلق الذي لا يقصد به مجرد التخويف أو الحمل على فعل شيء أو تركه: يقع بها الطلاق إما فورًا، أو حين حلول الزمن، أو عند وجود الشرط.
وأما المعلق المقصود به الحمل على فعل شيء أو تركه، واليمين، فهما لغو لا يقع بواحد منهما الطلاق.
1 وكون التعليق مقصودًا به مجرد التخويف والتهديد والحمل على فعل شيء أو تركه، أو مقصودًا به حل رابطة الزوجية إذا حصل المعلق عليها، يرجع في بيانه إلى قصد المعلق، وإلى مادة صيغة التعليق؛ لأن مثل قوله: إن مات ابني فأنت طالق، لا يحتمل قصد الحمل على فعل شيء أو تركه، كما يحتمله قوله: إن زرت فلانة فأنت طالق.
الخلاصة:
1-
عالج الإسلام ما ينشأ من شقاقٍ بين الزوجين، وجعل طريقة العلاج من عدة مراحل:
المرحلة الأولى: التذكير بالله وبيوم العرض عليه، وأن معصية الزوج إثمها عظيم عند الله.
المرحلة الثانية: مرحلة الهجر في المضجع.
المرحلة الثالثة: مرحلة الضرب غير المبرح.
إن تعدّى الزوج على زوجته، فالظاهر عند المالكية أن الحاكم يعظه أولًا، فإن لم يفد ذلك أمرها بهجره، فإن لم يفد ضربه.
المرحلة الرابع: أن يسكنها الحاكم بين قوم صالحين إذا دعت الضرر وعجزت عن إثبات ما ادعته.
المرحلة الخامسة: التحكيم من قِبَلِ اثنين؛ أحدهما من قِبَلِها، والآخر من قِبَلِ الزوج.
2-
الطلاق في الاصطلاح: هو رفع ارتباط قيد النكاح في الحال أو المآل بلفظ مخصوص.
3-
ثبتت مشروعية الطلاق بالكتاب والسنة والإجماع.
4-
حكم الطلاق: تعتريه الأحكام الخمسة وهي: الإباحة والكراهة والندب والوجوب والحرمة.
5-
الطلاق السني: هو أن يطلق الرجل زوجته في طهرٍ لم يصبها فيه، ثم يتركها حتى تنقضي عدتها، وزاد المالكية شرطًا وهو أن لا يوقع الطلاق على بعض المرأة كوجهها أو يدها مثلًا.
6-
الطلاق البدعي: هو ما تخلّف فيه قيد من قيود الطلاق السني، كأن يطلقها في حيض أو طهر مسها فيه مثلًا.
7-
يحتسب الطلاق إذا وقع بدعيًّا عند جمهور أهل العلم خلافًا لابن عليه وهشام بن الحكم والشيعة وابن تيمية.
8-
أركان الطلاق أربعة: أهلية وقصد ومحل ولفظ.
9-
لا بُدَّ أن يكون الموقع للطلاق أهلًا لإيقاعه.
10-
طلاق الصبيّ لا يقع عند أكثر العلماء، وطلاق المجنون لا يصح باتفاق الفقهاء.
11-
طلاق السكران بحلال يأخذ حكم المجنون، وطلاق السكران بحرام اختلف في وقوعه.
12-
طلاق الهزل واقع ولو لم يقصد حلّ العصمة على المشهور عند الجمهور.
13-
يقع الطلاق على الزوجة، سواء كانت في العصمة أو في عدة من طلاق رجعي، ولا ينفذ طلاق الرجعية ولا البائن.
14-
لفظ الطلاق أربعة أنواع:
أ- الصريح: ويلزمه به الطلاق ولا يفتقر إلى نية.
ب- الكناية الظاهرة: عند بعض العلماء يقع بها الطلاق ولو لم ينو، وقال بعضهم: يرجع إلى ما نواه.
جـ- الكناية المحتملة: لا يلزمه الطلاق إلّا إذا نواه.
د- ما عدا ما تقدَّم: لا يلزمه الطلاق إذا نواه.
15-
من قال: أنت طالق ثلاثًا: اختلف أهل العلم، والصحيح أنها تحسب عليه طلقة واحدة؛ لأن الطلقات الثلاث لا تقع إلّا مرة بعد مرة.
من قال: أنت طالق أنت طالق أنت طالق، لزمه الثلاث إلّا أن ينوي التأكيد.
16-
يختلف الطلاق باعتبار أثره المترتب عليه إلى ثلاثة أنواع: الرجعي، والبائن بينونة صغرى، والبائن بينونة كبرى.
17-
الطلاق إما منجز، وإما مضاف إلى زمن مستقبل، وإما معلق، وإما صيغة اليمين.
أسئلة التقويم الذاتي:
1-
ما معنى النشوز لغة واصطلاحًا؟
2-
هات بعض الأمثلة التي توضح كيفية نشوز الزوجة.
3-
وضّح الطريقة التي عالج بها الشارع نشوز المرأة مبينًا مراحلها.
4-
وضّح كيفية معالجة النشوز عندما يكون من الزوج عند المالكية.
5-
قال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} ، هذان الحكمان:
أ- يرى جمهور العلماء أنهما وكيلان عن الطرفين فقط.
ب- يرى جمهور العلماء أنهما حاكمان لهما أن يفعلا ما يريانه من جمع أو تفريق.
جـ- يرى عدد كبير من أهل العلم أنهما وكيلان، ويرى آخرون أنهما حاكمان.
6-
اذكر الشروط المتفق عليها وكذلك المختلف فيها التي تشترط في الحكمين، "سواء قلنا وكيلين أو حاكمين".
7-
اذكر معنى الطلاق لغة واصطلاحًا.
8-
ما أدلة مشروعية الطلاق؟
9-
ما هي الأحكام التي تعتري الطلاق؟
10-
ما المقصود بكلٍّ من الطلاق السني والطلاق البدعي؟
11-
الطلاق البدعي:
أ- يحتسب عند جمهور أهل العلم خلافًا لابن عليه وهشام بن الحكم والشيعة وابن تيمية.
ب- أجمع علماء الأمة على أنه يقع الطلاق ويحتسب عليه.
جـ- أجمع علماء الأمة على أنه لا يقع الطلاق ولا يحتسب عليه.
د- لا يحتسب عند جمهور أهل العلم خلافًا لابن عليه وهشام بن الحكم والشيعة وابن تيمية.
12-
إذا أوقع الرجل الطلاق بدعيًّا
…
ما الذي يجب عليه أن يفعله على رأي الجمهور؟ استشهد لذلك بدليل من السنة.
13-
اذكر أركان الطلاق الأربعة بدون شرح.
14-
ما هي أهم الشروط التي يكون بها الموقع للطلاق أهلًا لإيقاعه؟
15-
ما حكم طلاق كلٍّ من السكران بحلالٍ والسكران بحرامٍ؟
16-
طلاق الهزل:
أ- أجمع أهل العلم على وقوعه.
ب- قال الجمهور بعدم وقوعه لمقالة في حديث "أربع جدهن جد وهزلهن هزل".
جـ- يقع على المشهور عند الجمهور، ولو لم يقصد حلّ العصمة.
د- يتوقف على مراجعة قصد الموقع للطلاق.
17-
وضح بالتفصيل حكم طلاق الإكراه موضحًا القيود التي لا يقع طلاق الإكراه عند تحققها.
21-
اختر الإجابة الصحيحة:
من شك هل طلَّق أم لا
"لم يلزمه شيء - أمر بالفراق - يلزمه فيها كفارة يمين".
إجابة بعض الأسئلة:
"5" جـ
"11" أ
"17" جـ
"20""أمع د"، "ب مع جـ"، "جـ مع هـ"، "د مع ب"، "هـ مع أ".
"21""أمع د"، "ب مع جـ"، "جـ مع ب"، "د مع أ".
"22""أمع جـ"، "ب مع أ"، "جـ مع ب".