الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثمن آلة عمله التي يتعايش منها لحصول الضرر بذلك، لفوات ما يتحصل منه قوته وقوت زوجته، لكنه يجبر على العمل إن كان قادرًا على التكسُّب لكي ينفق على زوجته ووالديه وأولاده.
وعلى ذلك يبدأ الإنسان بالإنفاق على نفسه، فإن بقي شيء فعلى زوجته، ثم على ابنه، ثم على أبويه إذا كان الجميع في حاجة، لكنه يقدم من كان حاجته أشد.
ومن نفقة الصغير دفع أجرة الظئر1 التي ترضع الولد إن لم يكن للولد مال، فإن كان له مال فنفقة الصغير في مال نفسه، وتختص نفقة الصغير بالأب دون غيره، لقوله جل شأنه:{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} 2 لكن نفقة الظئر خاصة بالحولين لا ما زاد عنهما إلّا أن يتضرر الصغير بترك الرضاع في هذه السن.
وعلى الشخص إعفاف من تلزمه نفقته من أبٍ وأولادٍ إن احتاجوا إلى ذلك وليس لهم ما يتزوجون به. وتقدَّر نفقة من ذكر من الأصول والفروع بقدر نفقة الكفاية من الطعام والكسوة والمسكن بقدر العادة.
1 الظئر: المرضعة.
2 سورة البقرة الآية: 233.
المطلب الثاني: المعاشرة بالمعروف
المعاشرة بالمعروف: هي الصحبة الجميلة بين الزوج والزوجة، وأن يكف كل منهما عن الآخرة أذاه، وأن يمطله بحقه مع قدرته، ولا يظهر الكراهة عند أدائه، بل يبذل ببشر وطلاقة ولا يتبعه منَّةً ولا أذى، لأن هذا من المعروف المأمور به.
والأصل في هذا قوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} 1 وقوله جل شأنه:
1 سورة النساء الآية: 19.
{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} 1.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "استوصوا بالنساء خيرًا فإنهن عوان عندكم، أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله" رواه مسلم.
وقال عليه الصلاة والسلام: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي" 2 فعلى المسلم أن يكون لطيفًا في معاملة زوجته، رحيمًا في محاولة إصلاحها وتقويمها، وألا يشتد في هذا التقويم حتى لا يحدث ما لا تحمد عقباه، فقد قال عليه الصلاة والسلام:" إن المرأة خلقت من ضلع أعوج لن تستقيم على طريقة، فإن ذهبت تقيمها كسرتها، وإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج" متفق عليه.
ويمكن إجمال المعاشرة بالمعروف فيما يلي:
1-
التزين للزوج: قال ابن عباس رضي الله عنه: "إني لأتزين لامرأتي كما تتزين لي، وما أحب أن أستنظف -أي آخذ- كل حقي الذي لي عليها، فتستوجب حقها الذي لها عليّ؛ لأن الله تعالى قال:{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} أي: زينة من غير مأثم.
وعن ابن عباس أيضًا: أي: لهن من حسن الصحبة والعشرة بالمعروف على أزواجهن مثل الذي عليهن من الطاعة فيما أوجبه عليهن لأزواجهن.
ويستفاد من كلام ابن عباس رضي الله عنهما، أنه يستحسن أن يتزين الرجل لزوجته، وإن كان يختلف من شخص لآخر، ومن الشباب إلى الشيوخ، ومن عصر إلى عصر، ومن بيئة إلى أخرى، فالمهم أن يتزين لها بالزينة التي تليق به في سنه وفي وضعه الاجتماعي كي تستلطفه وتشعر باهتمامه بها.
1 سورة البقرة الآية: 228.
2 الترمذي 3895، الدارمي 2/ 159، وابن حبان في صحيحه 4177، وإسناده صحيح.
قال الإمام القرطبي: فإنما يعمل اللائق والوفاق ليكون عند امرأته في زينة تسرها ويعفها عن غيره من الرجال.
2-
إذا دعي للدخول والبناء بها وكان بالغًا وكانت هي مطيقة للوطء فعليه إجابتها لذلك بعد أن يمهل مدةً لتجهيز نفسه بما يناسب حاله، وإلّا وجب عليه أن ينفق عليها وهي في دار أهلها، وقد تقدَّم تفصيل ذلك.
3-
الإذن لها بزيارة والديها، ولاسيما إذا كانت بهما ظروف تقتضي ذلك، وألَّا يمنعهما من الدخول عليها، وكذلك لا يمنع أبناءها من غيره من الدخول عليها، وإن حلف بعدم دخول والديها عليها فإن عليه أن يحنث ويكفر عن يمينه، وكذلك إذا حلف بألا تزور والديها.
ويقضي لها بالخروج وزيارة والديها إن كانت مأمونة ولو شابة، وهي محمولة على الأمانة حتى يظهر خلافها.
ويقضي للصغار من أولادها من غيره بزيارتها كل يوم للتفقد حالهم، وللكبار من أولادها.
4-
أن يجهز لها سكنًا يناسب حالها بعيدًا عن أهله إذا امتنعت عن السكنى مع أهله في دار واحدة، ولو لم يثبت تضرر لها منهم بمشاجرة أو غيرها.
ويستثنى من ذلك إذا اشترط عليها السكنى مع أهله فليس لها الامتناع.
ولها أن تمتنع عن السكنى مع ولده الصغير من غيرها -والكبير أولى، إن كان له حاضن غيرها يحضنه، وإلَّا فليس لها الامتناع من ذلك، سواء علمت به حال البناء أم لا، وكذلك الزوج1.
5-
الوفاء لها بالشروط التي اشترطتها عليه في العقد، مثل عدم السفر بها أو لا
يخرجها من بلدها، وغيرها من الشروط التي لا تناقض مقتضى العقد، ولا تلك التي نهى عنها الشارع، والتي سنفصل فيها القول في مبحث الاشتراط في العقد.
6-
عدم العزل عنها إلّا بإذنها؛ لأن لها حقًّا في الولد وكمال المتعة مثله، فلا يعزل عنها إلا بإذنها.
1 الشرح الكبير جـ2/ 512، 513.