الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
107 -
(1)
جعيفران الموسوس
جعيفران الموسوس ابن علي بن أصفر بن السري بن عبد الرحمن الأنباري من ساكني سامرا، ومولده ببغداد، وكان أبوه من أبناء جند خراسان، وظهر لأبيه (2) أنه يختلف إلى بعض سراريه فطرده، وحج تلك السنة، وشكا ولده إلى موسى بن جعفر الكاظم، فقال له موسى: إن كنت صادقاً (3) عليه (4) فليس يموت حتى يفقد عقله، وإن كنت قد تحققت ذلك عليه فلا تساكنه في منزلك، ولا تطعمه شيئاً من مالك في حياتك، وأخرجه عن ميراثك، وسأل الفقهاء عن حيلة تخرجه عن ميراثه، فدلوه على الطريق في ذلك، فأشهد عليه أبا يوسف القاضي. فلما مات أبوه أحضر القاضي الوصي وسأل جعيفران عن نسبه وتركة أبيه وأقام بينة عدولاً فأحضر الوصي بينة عدولاً تشهد على أبيه بما كان احتال على منعه ميراثه، فلم ير (5) أبو يوسف ذلك، وعزم على أن يورثه، فقال الوصي: أنا أدفع هذا عن الميراث بحجة واحدة، فأبى أبو يوسف أن يسمع منه، وجعيفران يقول: قد ثبت عندك أمري فلا تدفعني، فاستمهل الوصي إلى غد، وكتب في رقعة خبره وما قاله موسى ابن جعفر، ودفعها لمن دفعها إلى القاضي، فلما قرأها دعا الوصي فاستحلفه على ذلك، فحلف باليمين الغموس، فقال: تعال غداً
(1) الوافي وطبقات ابن المعتز: 382 والأغاني 20: 146 وتاريخ بغداد 7: 163.
(2)
ص: لأبوه.
(3)
ص: صادق.
(4)
ص: عطيه (دون إعجام للياء) .
(5)
ص: يرى.
مع صاحبك فحضرا إليه، فحكم أبو يوسف للوصي، فلما أمضى الحكم وسوس جعيفران واختلط، وكان إذا ثاب إليه عقله قال الشعر الجيد.
وعن عبد الله بن سليمان الكاتب عن أبيه قال: كنت ليلة أشرف من سطح داري على دار جعيفران، وهو فيها وحده، وقد تحركت عليه السوداء، وهو يدور في الدار طول ليله ويقول:
طاف به طيفٌ من الوسواس
…
نفّر عنه لذّة النعاس
فما يرى يأنس بالأناس
…
ولا يلذّ عشرة الجلاّس فهو غريبٌ بين هذي الناس
…
ولم يزل يرددها حتى أصبح، ثم سقط كأنه بقلة ذابلة.
وعنه قال: غاب عنا أياماً وجاءنا عريان، والصبيان خلفه، وهم يصيحون به: يا جعيفران يا خرا في الدار، فلما بلغ إلي وقف عندي، وتفرقوا عنه، فقال يا أبا عبد الله:
رأيت الناس يدعوني
…
بمجنونٍ على حال
ولكن قولهم هذا
…
لإفلاسي وإقلالي (1)
ولو كنت أخا وفرٍ
…
رخيّ ناعم البال
رأوني حسن العقل
…
أحلّ المنزل الغالي
وما ذاك على خبرٍ
…
ولكن هيبة المال قال: فأدخلته منزلي فأكل، وسقيته أقداحاً، ثم قلت له: تقدر على أن تغير تلك القافية؟ قال: نعم، ثم قال بديهة:
رأيت الناس يرمون
…
ي أحياناً بوسواس
ومن يضبط يا صاح
…
مقال الناس في الناس؟
(1) ص: لإقلالي وإفلاسي.
فدع ما قاله الناس
…
ونازع صفوة الكاس
فتى حراً 1 صحيح الود
…
ذا برٍّ وإيناس
وإنّ الخلق مغرورٌ
…
بأمثالي وأجناسي
ولو كنت أخا مالٍ
…
أتوني بين جلاّسي
يحيّوني ويحبون
…
على العينين والراس
ويدعوني عزيزاً غي
…
ر أنّ الذلّ إفلاسي ثم قال 2 ليبول، فقال بعض من حضر: أي معنى في عشرتنا لهذا المجنون العريان؟ والله ما نأمنه وهو صاح، فكيف وهو سكران؟ وفطن جعيفران لقوله فخرج وهو يقول:
وندامى أكلوني
…
إذ تغيّبت قليلا
زعموا أنّي مجنو
…
ن أرى العري جميلا
كيف لا أعرى وما أُب
…
صر في الناس منيلا
إن يكن قد ساءكم قر
…
بي فخلوا لي السّبيلا
وأتموا يومكم سرّ
…
كم الله طويلا قال: فرفقنا به واعتذرنا إليه، والله ما نلتذ إلا بقربك، وأتيناه بثوب لبسه، وأتممنا يومنا ذلك معه.