الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خارجاً عن ما كان يعطي من يده.
وكان لا يأكل من هذا المال ولا يشرب، بل النصارى يتصدقون عليه بمؤنته، فلما كان سنة ست وستين وستمائة أحضره
الملك الظاهر
بيبرس، وطلب منه المال أن يحضره أو يعرفه من أين وصل إليه، فجعل يغالطه ويدافعه ولا يفصح له عن شي، فعذبه حتى مات ولم يقر بشي، وأخرج من قلعة الجبل ورمي ظاهرها على باب القرافة، وكانت قد وصلت إلى الظاهر فتاوى فقهاء إسكندرية بقتله، وعللوا ذلك بخوف الفتنة من ضعفاء النفوس من المسلمين.
87 -
(1)
الملك الظاهر
بيبرس بن عبد الله، السلطان الأعظم الملك الظاهر ركن الدين أبو الفتح الصالحي؛ قال عز الدين محمد بن علي بن إبراهيم بن شداد: أخبرني الأمير بدر الدين بيبرس أن مولد الملك السلطان الظاهر بأرض القبجاق سنة خمس وعشرين وستمائة تقريباً، وكانت الغيارة قد أغارت على القبجاق فأسروا جماعة، وكنت أنا والظاهر فيمن أسر، فبيع فيمن بيع وحمل إلى سيواس، فاجتمعت به في سيواس، ثم افترقنا (2) ، واجتمعت به في حلب بخان ابن قليج ثم افترقنا، وحمل إلى القاهرة، فشراه الأمير علاء الدين ايدكين البندقدار وبقي عنده، فلما قبض عليه الملك
(1) الوافي والزركشي: 81 والنجوم الزاهرة 7: 94 وحسن المحاضرة 2: 95 وبدائع الزهور 1؛ 98، 112 وتاريخ ابن الوردي 2: 223 والدارس 1: 394 والسلوك 1: 436 - 641 وتاريخ أبي الفدا 3: 207 وعقد الجمان للعيني وعيون التواريخ لابن شاكر وسيرة الملك الظاهر لابن شداد (مخطوط سليمية رقم 2306) والبداية والنهاية 13: 274؛ وليس من اليسير حصر مصادر أخباره.
(2)
ص: افترقا.
الصالح نجم الدين أيوب أخذ الملك الظاهر في جملة ما استرجعه، وقدمه على طائفة من الجمدارية (1) ، فلما مات الصالح وملك بعده المعظم وقتل وولوا عز الدين أيبك التركماني، وقتل الفارس أقطاي الجمدار، ركب الظاهر والبحرية وقصدوا القلعة فلم ينالواً مقصوداً، فخرجوا من القاهرة مجاهرين بالعداوة للتركماني مهاجرين إلى الملك الناصر صاحب الشام، وكان مع الظاهر بلبان الرشيدي وأزدمر السيفي وسنقر الأشقر وبيسري الشمسي، وقلاون الألفي وبلبان المستعرب وغيرهم، فأكرمهم الملك الناصر، وأطلق للظاهر ثلاثين ألف درهم وثلاث قطر بغال وثلاث قطر جمال وخيل وملبوس (2) ، وفرق في البقية الأموال والخلع، وكتب إليه المعز أيبك يحذره منهم، فلم يصغ إليه، وعين للظاهر إقطاع بحلب، فسأله العوض عن ذلك بزرعين وجينين، فأجابه، فتوجه إليهما، ثم خاف الناصر فتوجه بمن معه من خوشداشيته (3) إلى الكرك، فجهز صاحبها معه عسكر إلى مصر فخرج إليهم عسكر من مصر فكسروهم، ونجا الظاهر وبيليك الخزندار إلى الكرك، وتواترت إليه كتب المصريين يحرضونه على قصد مصر، وجاء إليه جماعة من عسرك الناصر، وخرج عسكر مصر مع الأمير سيف الدين قطز وفارس الدين أقطاي المستعرب، فلما وصل المغيث صاحب الكرك والظاهر إلى غزاة انعزل إليهما من عسكر مصر أيبك الرومي وبلبان الكافري وسنقرشاه العزيزي وبدر الدين ابن خان بغدي وأيبك الحموي وهارون القيمري، واجتمعوا فقويت شوكة الظاهر، وتوجهوا إلى الصالحية، والتقيا بعسكر مصر سنة ست وخمسين، واستظهروا عليهم، ثم انكسر الظاهر والمغيث وهربا، وأسر جماعة وقتلوا صبراً ممن ذكرته أولاً.
(1) الجمدار: الذي يحمل البقجة خلف السلطان في الموكب (سيرة الملك الظاهر 2: 171) .
(2)
كذا دون إعراب، وأبقيته على حاله، وكذلك ما أشبهه في هذه الترجمة.
(3)
النجوم: خشداشيته؛ والخوشداشية مماليك ينتمون إلى سيد واحد، فأصبحوا زملاء على مر الزمن (انظر معجم شتاينجاس الفارسي تحت مادة: خواجاتاش) .
ثم حصل بين الظاهر والمغيث وحشة ففارقه، وعاد إلى الناصر على أن يقطعه خبز (1) مائة فارس، من جملتها نابلس وجينين وزرعين، فأجابه إلى ذلك، ومعه جماعة حلف لهم الناصر: منهم بيسري الشمسي وأوتامش السعدي وطيبرس الوزيري وأقوش الرومي الدوادار (2) وكشتغدي الشمسي، ولاجين الدرفيل وأيدغمش الحلبي وأيبك الشيخي وخاص ترك الصغير وبلبان المهراني وسنجر الاسعردي (3) ، وسنجر الهمامي وجماعة، فأكرمهم ووفى لهم، فلما قبض قطز على أستاذه (4) حرض الملك الظاهر الملك الناصر على قصد مصر فلم يجبه، فسأله أن يقدمه على أربعة آلاف فارس، أو يقدم غيره ليتوجه إلى شط الفرات ليمنع التتار من العبور، فلم يمكنه، ففارقه وتوجه إلى الشهرزورية وتزوج منهم، ثم جهز إلى المظفر قطز من استحلفه له، وعاد إلى القاهرة ودخلها سنة ثمان وخمسين فخرج المظفر إلى لقائه وأنزله في دار الوزارة، وأقطعه قصبة قليوب لخاصته، فلما خرج المظفر للقاء التتار جهز الظاهر في عسكر لكشف أخبارهم، فأول ما وقعت عينه عليهم ناوشهم القتال.
ولما انقضت الوقعة بعين جالوت: تبعهم الظاهر يقتص آثارهم إلى حمص، وعاد فوافى المظفر بدمشق. ولما عاد المظفر إلى مصر اتفق الظاهر مع الرشيدي وبهادر المعزي وبكتوت الجوكنداري (5) وبيدغان الركني وبلبان الهاروني وأنس (6) الأصفهاني، على قتل المظفر، فقتلوه على الصورة التي تذكر في ترجمته إن شاء الله،
(1) زدتها من النجوم الزاهرة.
(2)
الدوادار: هو الذي يقرأ للسلطان كتب الأسرار الواردة عليه من الملوك وهو الذي يجيب عنها، ويسفر بينه وبين وزرائه وكتابه (سيرة الملك الظاهر 2: 171) وانظر صبح الأعشى 4: 19.
(3)
النجوم: الباشقردي (أو الباشغردي) .
(4)
النجوم: حتى قبض الأمير قطز على ابن أستاذ الملك المنصور علي وتسلطن
…
الخ.
(5)
النجوم: وبكتوت الجوكندار المعزي؛ والجوكندار: الذي يحمل الجوكان للسلطان، وهو المحجن الذي يلعب به ويضرب الكرة (صبح الأعشى 5: 458) .
(6)
النجوم: وأنص.
وساقوا إلى الدهليز، فبايع الأمير فارس الدين أتابك للملك الظاهر وحلف له، ثم الرشيدي ثم الأمراء، وركب معه الأتابك وبيسري وقلاون وجماعة من خواصه، ودخل قلعة الجبل سابع عشر ذي القعدة سنة ثمان وخمسين، وجلس في إيوان القلعة، وكتب إلى الأشرف صاحب حمص، وإلى المنصور صاحب حماة، وإلى مظفر الدين صاحب صهيون، وإلى الإسماعيلية، وإلى علاء الدين ابن صاحب الموصل نائب حلب، وإلى من بالشام، يعرفهم ما جرى، وأفرج على من في الحبوس من أصحاب الجرائم. وأقر الصاحب زين الدين ابن الزبير على الوزارة؛ وكان قد تلقب بالملك القاهر، فقال له الصاحب زين الدين: ما لقب أحد بالملك القاهر فأفلح، لقب به القاهر ابن المعتضد، فلم تطل أيامه ثم خلع وسمل عينيه، ولقب به الملك القاهر ابن صاحب الموصل فسم ولم تطل أيامه. فأبطل ولقب بالظاهر. وزاد إقطاعات من رأى استحقاقه من الأمراء وخلع عليهم، وسير أقوش المحمدي بتواقيع الأمير علم الدين الحلبي فوجده قد تسلطن بدمشق، فشرع الظاهر في استفساد من عنده، فخرجوا عليه ونزعوه من السلطنة، وتوجه إلى بلعبك فأحضروه منها وتوجهوا به إلى مصر؛ وصفا الملك بالشام للملك الظاهر وضبط الأمور وساس الملك أتم سياسة، وفتح الفتوحات وباشر الحروب بنفسه.
وكان جباراً في الأسفار والحصارات والحروب، وخافه الأعادي من التتار والفرنج وغيرهم، لأنه روعهم بالغارات والكبسات، وخاض الفرات بنفسه فألقت العساكر بأنفسها خلفه، ووقع على التتار فقتل منهم مقتلة عظيمة وأسر مائتي نفس، وفي ذلك قال محيي الدين ابن عبد الظاهر:
تجمّع جيش الشرك من كل فرقة
…
وظنوا بأنا لا نطيق لهم غلبا
وجاءوا إلى شاطي الفرات وما دروا
…
بأن جياد الخيل تقطعها وثبا
وجاءت جنود الله في العدد التي
…
تميس لها الأبطال يوم الوغى عجبا
فعمنا بسدٍّ من حديدٍ سباحةً
…
إليهم، فما اسطاع العدو له نقبا
وقال بدر الدين يوسف بن المهمندار (1) :
لو عاينت عيناك يوم نزالنا
…
والخيل تطفح في العجاج الأكدر
وقد اطلخمّ الأمر واحتدم الوغى
…
ووهى الجبان وساء ظنّ المجتري
لرأيت سدّاً من حديد ما يرى
…
فوق الفرات وفوقه نار تري
طفرت وقد منع الفوارس مدّها
…
تجري ولولا خيلنا لم تطفر
ورأيت سيل الخيل قد بلغ الزُّبى
…
ومن الفوارس أبحراً في أبحر
لما سبقنا أسهماً طاشت لنا
…
منهم إلينا بالخيول الضّمّر
لم يفتحوا للرمي منهم أعيناً
…
حتى كحلن بكلّ لدنٍ أسمر
فتسابقوا هرباً ولكن ردهم
…
دون الهزيمة رمح كلّ غضنفر
ما كان أجرى خيلنا في إثرهم
…
لو أنها برؤوسهم لم تعثر
كم قد فلقنا صخرةً من صخرةٍ
…
ولكم ملأنا محجراً من محجر
وجرت دماؤهم على وجه الثرى
…
حتى جرت منها مجاري الأنهر
والظاهر السلطان في آثارهم
…
يذري الرؤوس بكلّ عضب أبتر
ذهب الغبار مع النجيع بصقله
…
فكأنّه في غمده لم يشهر وقال ناصر الدين حسن ابن النقيب:
ولمّا تراءينا الفرات بخيلنا
…
سكرناه منّا بالقوى والقوائم
فأوقفت التيار عن جريانه
…
إلى حيث عدنا بالغنى والغنائم وقال الحكيم موفق الدين عبد الله بن عمر المعروف بالورن:
الملك الظاهر سلطاننا
…
نفديه بالمال وبالأهل
اقتحم الماء ليطفي به
…
حرارة القلب من المغل
(1) المهندار هو الذي يتلقى الرسل والعربان الواردين على السلطان وينزلهم دار الضيافة ويتحدث في القيام بأمرهم (ومهمن تعني الضيف بالفارسية)(صبح الأعشى 4: 22، 5: 459) .
وقال الشيخ شهاب الدين محمود من قصيدة:
لما تراقصت الرؤوس وحركت
…
من مطربات قسيّك الأوتار
خضت الفرات بسابح أقصى منى
…
هوج الصبا من نعله الآثار
حملتك أمواج الفرات ومن رأى
…
بحراً سواك تقلّه الأنهار
وتقطعت فرقاً ولم يك طودها
…
إذ ذاك إلاّ جيشك الجرار
رشّت دماؤهم الصعيد فلم يطر
…
منهم على الجيش السعيد غبار
شكرت مساعيك المعاقل والورى
…
والترب والآساد والأطيار
هذي منعت وهؤلاء حميتهم
…
وسقيت تلك وعمّ ذي الإيثار وعمر الجسور الباقية إلى اليوم بالساحل والأغوار، وأمن الناس في أيامه. فلما عاد من وقعة البلستين (1) أقام بالقصر الأبلق في دمشق، فأحس في نفس توعكاً، فشكا ذلك إلى الأمير شمس الدين سنقر السلحدار، وكان قد شرب قمز (2) ، فأشار عليه بالقيء، فاستدعاه فاستعصى عليه، فلما كان ثاني يوم وهو يوم الجمعة ثاني عشرين المحرم سنة ست وسبعين وستمائة ركب من القصر إلى الميدان على عادته والألم يقوى عليه، فلما أصبح اشتكى حرارة في باطنه، فصنعوا له دواء فشربه فلم ينجع، فلما حضروا الأطباء أنكروا استعماله الدواء وأجمعوا على أن يسقوه مسهلاً، فسقوه فلم ينجع، فحركوه بدواء آخر فأفرط الإسهال به ودفع دماً محتقناً، فتضاعفت حماه وضعفت قواه، فتخيل خواصه أن كبده تتقطع وأن ذلك عن سم شربه، فعولج بالجوهر، وذلك يوم عاشره، ثم أجهده المرض إلى أن توفي يوم الخميس ثامن عشرين المحرم سنة ست وسبعين وستمائة، فأخفوا موته، وحمل إلى القلعة ليلاً، وغسلوه وحنطوه وصبروه، وكفنه
(1) السلوك (1: 625) الأبلستين؛ وتسمى اليوم البستان، وهي قريبة من إفس.
(2)
نبيذ يعمل من لبن الخيل (راجع ملحق دوزي) .
مهتاره (1) الشجاع عنبر، والفقيه كمال الدين المعروف بابن المنبجي وعز الدين الأفرم، وجعلوه في تابوت وعلقوه في بيت من بيوت البحرة بقلعة دمشق، وكتب الأمير بدر الدين بيليك الخزندار مطالعة بيده إلى ولده الملك السعيد.
وركب الأمراء يوم السبت ولم يظهروا الحزن، وكان الظاهر قد أوصى أن يدفن على السابلة قريباً من داريا وأن يبنى عليه هناك، فرأى الملك السعيد أن يدفنه داخل الصور فابتاع دار العقيقي بثمانية وأربعين ألف درهم، وأمر أن تبنى مدرسة للشافعية والحنفية ودار حديث وقبة للدفن، ولما نجزت حضر الأمير علم الدين سنجر الحموي المعروف بأبي خرص، والطواشي صفي الدين جوهر الهندي إلى دمشق لدفن الملك الظاهر، وكان النائب عز الدين أيدمر، فعرفاه ما رسم به الملك السعيد، فحمل تابوته ليلاً ودفن خامس شهر رجب الفرد من السنة، فقال محيي الدين ابن عبد الظاهر:
صاح هذا ضريحه بين جفن
…
يّ فزوروا من كل فج عميق
كيف لا وهو من عقيق جفوني
…
دفنوه منها بدار العقيقي وفي سنة سبع وسبعين عملت أعزيته بالديار المصرية، ونصبت الخيام العظيمة وصنعت الأطعمة الفاخرة واجتمع الخاص والعام وحضر القراء والوعاظ، وخلع عليهم وأجيزوا بالجوائز السنية.
ذكر أولاده رحمه الله تعالى: الملك السعيد ناصر الدين بركة، وأمه بنت حسام الدين بركة خان الخوارزمي، والملك نجم الدين خضر، وأمه أم ولد، والملك بدر الدين سلامش، وله من البنات سبع من بنت سيف الدين دماجي التتري (2) .
(1) المهتار: لقب واقع على كبير كل طائفة من غلمان البيوت، كمهتار الشراب خاناه، ومهتار الطست خاناه، ومهتار الركاب خاناه (مه بالفارسية كبير، وتار أفعل تفضيل) صبح الأعشى 5: 470.
(2)
يستفاد من السيرة أن بناته سبع، اثنتان منهن من بنت دماجي.
ذكر فتوحاته: قيسارية. أرسوف. صفد. طبرية. يافا. الشقيف. أنطاكية. بغراس. القصير. حصن الأكراد. حصن عكار. القرين، صافيتا. مرقبة حلبا (1) .
وناصف الفرنج على: المرقب وبليناس (2) وبلاد أنطرسوس، وعلى سائر ما بقي في أيديهم من البلاد والحصون. وولى في نصيبه الولاة والعمال، واستعاد من صاحب سيس: دربساك، ودركوش، وبليس، وكفردنين، ورعبان، والمرزبان.
وملك من المسلمين: دمشق وبعلبك وعجلون وبصرى وصرخد والصلت وحمص وتدمر والرحبة وزلبيا وتل باشر وصهيون وبلاطنس وبرزيه وحصون الإسماعيلية والشوبك والكرك وشيزر والبيرة. وفتح الله عليه بلاد النوبة ودنقلة وغيرها.
ذكر عمائره رحمه الله تعالى: عمر بقلعة الجبل دار الذهب، وبرحبة الحبارج قبة عظيمة محمولة على اثني عشر عمود من الرخام الملون، وطبقتين مطليتين على رحبة الجامع، وعمر برج الزاوية المجاور لباب السر، وأخرج منه رواشن وبنى عليه قبة، وأنشأ جواره طباق للمماليك، وأنشأ برحبة القلعة دار كبيرة لولده الملك السعيد، وأنشأ دور كثيرة للأمراء ظاهر القاهرة مما يلي القلعة، وإصطبلات، وأنشأ حماماً بسوق الخيل لولده، والجسر الأعظم، والقنطرة الذي على الخليج والميدان.
وجدد الجامع الأقمر والجامع الأزهر، وبنى جامع العافية بالحسينية، أنفق عليه ألف ألف درهم، وزاوية للشيخ خضر (3) ، وحماماً وطاحوناً وفرناً وقبة على المقياس مزخرفة، وعدة جوامع في الأعمال المصرية، وجدد قلعة الجزيرة،
(1) السلوك 1: 628 ومرقبة وحلبا.
(2)
السلوك: وباقياس.
(3)
ستجيء ترجمته في حرف الخاء.
وقلعة العمودين ببرقة، وقلعة السويس، وعمر جسراً بالقليوبية، وجدد الجسر الأعظم على بركة الفيل، وأنشأ القنطرة المعروفة بقنطرة السباع التي أخربها الملك الناصر بن قلاون بعده، وقنطرة على بحر ابن منجى لها سبعة أبواب، وقنطرة بمنية الشيرج، وقنطرة عند القصير بسبعة أبواب، وستة عشر قنطرة تسلك منها إلى دمياط، وقنطرة على خليج القاهرة للمرور عليها إلى الميدان، وقنطرة عظيمة على خليج الإسكندية، وحفر خليج الإسكندرية وكان ارتدم، وحفر بحر أشموم وكان قد عمي، وحفر ترعة الصلاح وخور سرسخا (1) ، وحفر المحايري والكافوري وترعة كيساد وزاد فيها قصبة، وحفر بحر الصمصام وحفر بحر السردوس وحفر في ترعة أبي الفضل ألف قصبة، وتمم عمارة حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمل منبره، وأحاط بالضريح درابزيناً، وذهب سقفه وبيضه، وجدد البيمارستان بالمدينة، ونقل إليه سائر المعاجين والأكحال والأشربة، وبعث إليه طبيباً من الديار المصرية، وجدد قبة الخليل عليه السلام ورمم شعثه وأصلح أبوابه وميضأته وبيضه، وزاد في راتبه المجرى عليه وعلى قوامه ومؤذنيه، ورتب له من مال البلد ما يجري على الواردين عليه والمقيمين به، وجدد بالقدس الشريف ما كان تداعى من قبة الصخرة، وجدد قبة السلسلة وزخرفها، وأنشأ خاناً للسبيل، وبنى به مسجداً وطاحوناً وبستاناً وفرناً، وبنى على قبر موسى عليه السلام قبة ومسجداً، وهو عند الكثيب الأحمر، ووقف عليه وقفاً، وبنى على قبر أبي عبيدة رضي الله عنه مشهداً بعمتا من الغور ووقف عليه وقفاً، وجدد بالكرك برجين كانا صغيرين فهدمهما وكبرهما وعلاهما، ووسع مشهد جعفر الطيار، ووقف عليه وقفاً زيادة على وقفه، وعمر جسر دامية بالغور، ووقف عليه وقفاً برسم ما عساه يتهدم من عمارته، وأنشأ جسور كثيرة بالساحل والغور، وعمر قلعة قاقون، وبنى بها جامعاً ووقف عليه وقفاً،
(1) كذا في ص.
وبنى حوض السبيل، وجدد جامع الرملة وأصلح مصالحها، وأصلح جامع زرعين وما عداه من جميع البلاد الساحلية، وجدد باشورة (1) لقلعة صفد، بنى بربضها جامعاً حسناً، وكانت الشقيف قلعتين مجاورتين فجمع بينهما، وبنى بها جامعاً وحماماً ودار نيابة، وجدد عمارة قلعة الصبيبة (2) بعدما خربها التتار، وكان التتار هدموا شراريف قلعة دمشق ورؤوس أبراجها فجدد ذلك، وبنى الطارمة (3) التي على سوق الخيل، وبنى حمام خارج باب النصر، وجدد ثلاث إصطبلات على الشرف الأعلى، وبنى القصر الأبلق بالميدان، ولم يكن مثله، وجدد مشهد زين العابدين بجامع دمشق، وجدد رؤوس الأعمدة والأساطين وذهبها، وجدد باب البريد وفرشه بالبلاط، ورم شعث مغارة الدم، وجدد دور الضيافة للرسل والمترددين مجاورة للحمام، وجدد ما تهدم من قلعة صرخد وجامعها ومساجدها، وكذلك فعل ببصرى وبعجلون والصلت، وجدد ما تهدم من قلعة بعلبك، وجدد قبر نوح عليه السلام، وجدد أسوار حصن الأكراد، وعقد قلعتها حنايا، وحال بينها وين المدينة بخندق، وبنى عليها أبرجة بطلاقات، وجدد من حصن عكار ما كان استهدم وزاد الأبرجة، وبنى خان المحدثة، وعمل به الخفرا، وبنى من القصير إلى المناخ إلى قارا إلى حمص أعمدة أبرجة فيه الحمام والخفرا، وكذلك من دمشق إلى تدمر والرحبة إلى الفرات، وجدد سفح قلعة حمص والدور السلطانية بها، وقلعة شميمس (4) أنشأها بجملتها، وأصلح قلعة شيزر وقلعتي الشغر وبكاس وقلعة بلاطنس، وبنى قلاع الإسماعيلية الثمان، وبنى ما تهدم من قلعة عين تاب والراوندان، وبنى بأنطاكية جامعاً مكان الكنيسة وكذلك ببغراس، وأنشأ قلعة البيرة، وبنى بها الأبرجة ووسع
(1) الباشورة: سد من التراب يمنع وصول الخيالة أو غيرهم إلى موضع المحاربين (انظر ملحق دوزي) .
(2)
هي قلعة بانياس.
(3)
الطارمة: بيت من خشب، سقفه على هيئة قبة يجلس فيه السلطان (ملحق دوزي) .
(4)
السلوك (1: 446) شميميش، وهي إحدى بلاد كورة حمص.
خندقها وجدد جامعها، وأنشأ الميدان الأخضر شمالي حلب مسطبة كبيرة مرخمة، وأنشأ الجسر للقلعة، وبنى في أيامه ما لم يبن في أيام غيره.
وكانت العساكر بالديار المصرية في أيام غيره عشرة آلاف فارس فضاعفها أربعة أضعاف، وكانوا الملوك قبله مقتصدين في النفقات والعدد، وعسكره بالضد من ذلك، وكانت كلف المطبخ الصالحي النجمي ألف رطل لحم بالمصري كل يوم فضاعفها عشر مرات، فكانت في الأيام الظاهرية كل يوم عشرة آلاف رطل، وتوابلها عشرون ألف درهم، ويصرف من خزانة الكسوة كل يوم عشرون ألف درهم، ويصرف في ثمن القرط (1) لدوابه ودواب من يلوذ به كل سنة ثمانمائة ألف درهم، ويقوم بكلف الخيل والجمال والبغال والحمير كل يوم خمس عشر ألف عليقة عنها ستمائة إردب، ويصرف للمخابز للجرايات خلا ما يصرف لأرباب الرواتب لمصر خاصة كل شهر عشرون ألف إردب.
وكان رحمه الله تعالى قد منع الخمر والحشيش وجعل الحد على ذلك السيف، فأمسك ابن الكازروني وهو سكران، فصلب وفي حلقه جرة خمر، فقال الحكيم شمس الدين ابن دانيال رحمه الله:
لقد كان حدّ السكر من قبل صلبه
…
خفيف الأذى إذ كان في شرعنا جلدا
فلما بدا المصلوب قلت لصاحبي:
…
ألا تب فإن الحد قد جاوز الحدا وقال القاضي ناصر الدين ابن المنير:
ليس لإبليس عندنا طمعٌ
…
غير بلاد الأمير مأواه
منعته الخمر والحشيش معاً
…
أحرمته ماءه ومرعاه وقال ناصر الدين ابن النقيب الفقيسي:
منع الظاهر الحشيش مع الخم
…
ر فولّى إبليس من مصر يسعى
(1) القرط: البرسيم.
قال مالي وللمقام بأرضٍ
…
لم أمتّع فيها بماء ومرعى وقال الحكيم شمس الدين ابن دانيال:
نهى السلطان عن شرب الحميّا
…
وصيّر حدّها حدّ اليماني
فما جسرت ملوك الجن خوفاً
…
لأجل الخمر تدخل في القناني وقال آخر:
الخمر يا إبليس إن لم تقم
…
وتوسع الحيلة في ردها
لا نفقت سوق المعاصي ولا
…
أفلحت يا إبليس من بعدها ولما أراد الظاهر أن يقرر القطيعة (1) على البساتين بدمشق واحتاط عليها وعلى الأملاك والقرى وهو نازل على الشقيف قال له القاضي شمس الدين ابن عطا الحنفي: هذا ما يحل ولا يجوز لأحد أن يتحدث فيه، وقام مغضباً وتوقف الحال، وصقعت (2) البساتين تلك السنة وعدمت الثمار جملة كافية، فقال في ذلك مجد الدين ابن سحنون خطيب النيرب رحمه الله:
واهاً لأعطاف الغصون وما الذي صنعته أيدي البرد في أثوابها
صبغت خمائلها الصّبا وكأنها قد ألبست أسفاً على أربابها
وقال نور الدين ابن مصعب:
لهفي على حلل الغصون تبدلت من بعد خضرة لونها بسواد
وأظنّها حزنت لفرقة أهلها فلذاك قد لبست ثياب حداد
وظن الناس أن السلطان يرحمهم لذلك، فلما أراد التوجه إلى مصر أحضر العلماء، وأخرج فتاوى الحنفية باستحقاقها، بحكم أن دمشق فتحها عمر بن
(1) القطيعة: الضريبة.
(2)
صقعت: أصيبت بالصقيع.
الخطاب رضي الله عنه عنوة، ثم قال: من كان معه كتاب عتيق أجريناه، وإلا فنحن فتحنا هذه البلاد بسيوفنا، ثم قرر عليهم ألف ألف درهم، فسألوه تقسيطها فأبى، وتمادى الحال، فعجلوا له أربعمائة ألف درهم بواسطة فخر الدين الأتابك وزير الصحبة، ثم أسقط الباقي عنهم بتوقيع قرىء على المنبر، رحمه الله تعالى.
فراغ