الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
9 -
(1)
ابن هرمة
إبراهيم بن علي بن سلمة الفهري المدني الشاعر المعروف بابن هرمة، من شعراء الدولتين؛ كان شيخ الشعراء في زمانه، وكان منقطعاً إلى الطالبيين، وكان منهوماً في الشراب لا يكاد يصبر عنه، فقال للمنصور: يا أمير المؤمنين، إني مغرم بالشراب، وكلما أمسكني والي المدينة حدَّني، وقد طال هذا، فاكتب لي إليه، فقال: ويحك! كيف أكتب في حدّ من حدود الله تعالى؟ فقال: يا أمير المؤمنين، احتلْ لي في ذلك؛ فكتب إلى عامله بالمدينة:" أما بعد، فمن أتاك بابن هرمة سكراناً، فحد ابن هرمة ثمانين واجلد الذي يأتيك به مائة "؛ فكان يمر به العسسُ وهو سكران ملقى على قارعة الطريق فيقولون: من يشتري ثمانين بمائة؟
ومرّ يوماً على جيرانه وهو ميت سكراً حتى دخل منزله، فلما كان من الغد عاتبوه (2) في الحالة التي أوه فيها: أنا في طلب مثلها منذ دهر، أما سمعتم قولي (3) :
أسأل الله سكرة قبل موتي
…
وصياح الصبيان يا سكرانُ
(1) الأغاني 4: 368 (دار الثقافة) والشعر والشعراء: 639 وتاريخ بغداد 6: 127 وتهذيب ابن عساكر 2: 234 وطبقات ابن المعتز: 20 والسمط: 398 والموشح: 223 والوافي 6: 59 والخزانة 1: 203 وقد جمع ديوانه الأستاذ محمد جبار المعيبد (النجف 1969) والأستاذان محمد نفاع وحسين عطوان (مطبوعات المجمع العلمي بدمشق) وإلى جمع المعيبد أشير في هذا الكتاب؛ وهذه الترجمة لم ترد في المطبوعة.
(2)
ص: فعاتبوه.
(3)
ديوانه: 229.
فنهضوا من عنده، ونفضوا ثيابهم وقالوا: ما يفلح هذا أبداً.
ويقال إنه ولد سنة سبعين، ونادم المنصور سنة أربعين ومائة، وعمّر بعد ذلك دهراً؛ وهو القائل (1) :
ما أظنّ الزمان يا أمَّ عمروٍ
…
تاركاً إن هلكتُ من يبكيني وكان كذلك، لقد مات وما يحمل جنازته إلا أربعة نفر لا يتبعهم (2) أحد، حتى دُفن بالبقيع. وكانت وفاته سنة خمسين ومائة. وكان الأصمعي يقول: ختم الشعر بابن ميادة وابن هرمة، رحمه الله تعالى.
10 -
(3)
إبراهيم بن علي بن خليل الحراني، شيخ حائك، كان عامياً أمياً أناف على الثمانين، وتوفي رحمه الله تعالى سنة تسع وسبعمائة؛ قصده قاضي القضاة شمس الدين ابن خلكان رحمه الله تعالى واستنشده من شعره فقال: أما القديم فما يليق، وأما نظم الوقت الحاضر فنعم، وأنشده:
وما كلَّ وقتٍ فيه يسمح خاطري
…
بنظم قريض لائق اللفظ والمعنى
وهل يقتضي الشرع الشريف تيمماً
…
بتربٍ وهذا البحر يا صاحبي معنا (4)
(1) ديوانه: 243.
(2)
ص: لا يتبعهن.
(3)
الزركشي 1: 17 والمنهل الصافي 1: 101 والوافي 6: 70 وأعيان العصر: 23 والدرر الكامنة 1: 45.
(4)
جاء في الزركشي أن ابن خلكان قال له بعدما سمع البيتين: " أنت عين بصر ".
وله أيضاً:
وقائلٍ قال إبراهيم عينُ بصل
…
أضحى يبيعُ قَباً في الناس بعد قبا
فقلت: مَهْ يا عذولي لا (1) تعنفني
…
لو جعتَ قدتَ ولو أفلست بعت قبا وله أيضاً في الشبكة والسمك:
كم كسبنا بيتاً لكي نمسكَ السكانَ منه في سائرِ الأوقاتِ
…
فمسكنا السكانَ وانهزم البيتُ لدينا خوفاً من الطاقاتِ
…
وله أيضاً:
جسمي بسُقم جفونه قد أسقما
…
ريمٌ بسهمِ لحاظه قلبي رمى
كالرمح معتدل القوام مهفهفٌ
…
مرّ الجفا لكنه حلو اللّمى
رشأ أحلّ دمي الحرام وقد رأى
…
في شرعه وصلي الحلال محرّما
ربّ الجمال بوصله وبهجره
…
لقّى (2) وأصلى جنّةً وجهنّما
عن ورد وجنته بآس عذاره
…
وبسيف نرجس طرفه الساجي حمى
عاتبته فقسا وفيت فخانني
…
قربته فنأى بكيت تبسّما
حكّمته في مهجتي وحشاشتي
…
فجنى وجار عليّ حين تحكّما
يا ذا الذي فاق الغصون بقدّه
…
وسما بطلعته على قمر السّما
رفقاً بمن لولا جمالك لم يكن
…
حلف الصبابة والغرام متيّما
أنسيت أيّاماً مضت ولياليا
…
سلفت وعيشاً بالصّريم تصرّما
إذ نحن لم نخش الرقيب ولم نخف
…
صرف الزمان ولا نطيع اللوما
والعيش غضٌّ والحواسد نوّمٌ
…
عنا وعين البين قد كحلت عمى
في روضةٍ أبدت ثغور زهورها
…
لمّا بكى فيها الغمام تبسّما
(1) الوافي: كم.
(2)
ص والوافي: ألقى.
مدّ الربيع على الخمائل نوره
…
فيها فأصبح كالخيام مخيّما
تبدو الأقاحي مثل ثغر مهفهفٍ
…
أضحى المحبّ به كئيباً مغرما
وعيون نرجسها كأعين غادة
…
ترنو فترمي باللواحظ أسهما
والطير يصدح في فروع غصونها
…
صدحاً فيوقظ بالهديل النوما
والراح في راح الحبيب يديرها
…
في فتيةٍ نظروا المسرة مغنما
فسقاتنا تحكي البدور وراحنا
…
تحكي الشموس ونحن نحكي الأنجما وله أيضاً رحمه الله تعالى.
ربوع جلّق للأوطار أوطان
…
وليس فيها من النّدمان ندمان
كم لي مع الحبّ في أقطارها أرباً
…
إذ نحن في ساحتي جيرون جيران
أيام تجرير أذيالي بها طرباً
…
ولي مكان له في السعد إمكان
إذ بت أنشد في غزلانها غزلاً
…
لما غزت كبدي باللحظ غزلان
سقياً لجامعها كم قد جمعن لنا
…
فيه من الغيد أقمارٌ وأغصان
وكم حوى الحسن في باب البريد لنا
…
فهل ترى عند ذاك الحسن إحسان
أغنت عن السمر فيه السمر إذ خطرت
…
وسود أجفانها للبيض أجفان
أهلّةٌ تحت ليل الشعر تحملها
…
لفتنة الصبّ قضبان وكثبان
جمالها وأخو الأشواق حين بدت
…
إليه في الحبّ مفتونٌ وفتان
وبعدها ليس يحلو في الهوى أبداً
…
يوماً لإنسانه في الخلق إنسان
نواحه في نواحي جلّق وله
…
بالحسن لا بالنقا والحزن أحزان
فجلق جنةٌ تبدو جواسقها
…
مثل القصور بها حورٌ وولدان
والسبت كالعيد تلقى الغيد سانحةً
…
وقد حوى الغيد ميدانٌ وبستان
أنزه الطرف في الميدان من فرح
…
والقلب مني لطفل اللهو ميدان
قم يا نديمي إلى شرب المدام بها
…
من قبل يدرك بدر السّعد نقصان
فأنت في جنّة منها مزخرفةٍ
…
وقد تلقّاك بالرضوان رضوان
وأنت فيها عن اللذات في كسلٍ
…
انهض فما بلغ اللذات كسلان
أما ترى الأرض إذ أبكي السحاب بها
…
آذارها ضحكت إذ جاء نيسان
والزهر كالزهر حياه الحيا فبدت
…
في الروض منه إلى الأبصار ألوان
زمرد قضبٌ فيها مركبة
…
جواهرٌ ويواقيت ومرجان
كأنما الورد خدّ الحبّ حين غدا
…
له العذار سياجاً وهو ريحان
كأن منثورها إذ لاح مبتسماً
…
جيش من الروم بانت فيه صلبان
كأنما البان أهدى المسك حين بدا
…
فعطر الكون لما أورق البان
كأن ريح الصبا طافت بخمر هوىً
…
من الرياض فكل الكون نشوان
كأنما حمرة التفاح خدّ رشاً
…
لي في هواه عن السلوان سلوان
كأن نارنجها نارٌ وباطنه
…
ثلجٌ وفيه لجين وهو عقيان
والطير تطرب بالعيدان نغمتها
…
ما ليس يطرب بالأوتار عيدان
أبدت فنوناً فأفنت صبر سامعها
…
بالنوح إذ حملتها فيه أفنان
بلابلٌ هيّجت منّا بلابلنا
…
وهاج منّا صباباتٌ وأشجان
وهزنا الشوق إذ غنّى الهزار بها
…
فلا تجفّ لنا بالدمع أجفان
وربّ صافية في الكأس مشرقةٍ
…
كانت وما كان في العلياء كيوان
راحٌ أراحت لمن حلّت براحته
…
روحاً لها القار والفخار جثمان
صبّت لنا فهي ماء في زجاجتها
…
وأشرقت فهي في الكاسات نيران
يسعى بها رشأ بالسحر مكتحلٌ
…
حلو الدلال لجند الحسن سلطان
عذب اللمى ناعس الأجفان منتبه
…
مهفهف القدّ صاحٍ وهو نشوان
كأنما وجهه فيه لعاشقه
…
بستان والخال في البستان جنّان
كأنما خاله لما بدا كرةٌ
…
والصدغ جوكانها والخد ميدان وشعره مقبول، غير أنه لا يخلو من اللحن، رحمه الله تعالى وإيانا.