الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
119 -
(1)
المهذب ابن الزبير
الحسن ابن علي بن إبراهيم بن الزبير، أبو محمد الملقب بالقاضي المهذب، وهو أخو القاضي الرشيد؛ توفي القاضي المهذب المذكور في ربيع الآخر سنة إحدى وستين وخمسمائة بمصر وكان كاتباً مليح الخط، جيد العبارة، مليح الألفاظ، وكان أشعر من أخيه الرشيد واختص بالصالح ابن رزيك، ويقال إن أكثر الشعر الذي في ديوان الصالح إنما هو شعر المهذب، وحصل له من الصالح مال جم، وكان القاضي عبد العزيز بن الجباب هو الذي قدمه عند الصالح. ولما مات ابن الجباب شمت به المهذب ومشى في جنازته بثياب مذهبة، فاستقبح الناس فعله ونقص بهذا السبب، ولم يعش بعده إلا شهراً واحداً.
وصنف المهذب كتاب الأنساب وهو أكثر من عشرين مجلدة، كل مجلد عشرون كراسة؛ قال ياقوت: رأيت بعضه فوجدته مع تحققي بهذا العلم وبحثي عن كتبه لا مزيد عليه. وكان المهذب قد مضى رسولاً إلى اليمن عن بعض ملوك مصر واجتهد هناك في تحصيل كتب النسب وجمع منها ما لم يجتمع عند أحد، رحمه الله تعالى؛ ومن شعره:
لقد طال هذا الليل بعد فراقه
…
وعهدي به قبل الفراق قصير
وكيف أرجّي الصبح بعدهم وقد
…
تولّت شموسٌ بعدهم وبدور ومنه:
(1) الوافي والزركشي: 95 والخريدة (قسم مصر) 1: 204 ومعجم الأدباء 9: 47 وابن خلكان 1: 161 والطالع السعيد: 100 والنكت العصرية: 35؛ وقد أخلت المطبوعة بأجزاء كثيرة من هذه الترجمة.
أقصر فديتك عن لومي وعن عذلي
…
أو لا فخذ لي أماناً من ظبا المقل
من كلّ طرف مريض الجفن ينشدني
…
يا رب رام بنجد من بني ثعل (1)
إن كان فيه لنا وهو السقيم شفاً
…
فربما صحت الأجسام بالعلل (2) وله في رفاء:
بليت برفاءٍ لواحظ طرفه
…
بنا فعلت ما ليس يفعله النصل
يجور على العشاق والعدل دأبه
…
ويقطعني ظلماً وصنعته الوصل ومنه:
ولئن ترقرق دمعه يوم النوى
…
في الطّرف منه وما تناثر عقده
فالسيف أقطع ما يكون إذا غمدا
…
متحيّراً في صفحتيه فرنده وقال يرثي صديقاً له وقع المطر يوم موته:
بنفسي من أبكى السموات فقده
…
بغيثٍ ظننّاه نوال يمينه
فما استعبرت إلاّ أسىً وتأسفاً
…
وإلاّ فماذا القطر في غير حينه ومنه:
لا ترج ذا نحس وإن أصبحت
…
من دونه في الرتبة الشّمس
كيوان أعلى كوكبٍ موضعاً
…
وهو إذا أنصفته نحس وله أيضاً:
إذا أحرقت في القلب موضع سكناها
…
فمن ذا الذي من بعد يكرم مثواها
وإن نزفت ماء الدموع بهجرها
…
فمن أيّ عينٍ تأمل العيس سقياها
وما الدمع يوم البين إلاّ لآلىء
…
على الرسم في رسم الديار نثرناها
وما أطلع الزهر الربيع وإنما
…
رآى الدمع أجياد الغصون فحلاها
(1) الخريدة: ألحاظه رب رام من بني ثعل؛ وهو يشير إلى بيت شعر لأمرئ القيس.
(2)
عجز بيت للمتنبي وصدره: لعل عتبك محمود عواقبه.
ولمّا أبان البين سرّ صدورنا
…
وأمكن فيها الأعين النجل مرماها
عددنا دموع العين لمّا تحدرت
…
دروعاً من الصبر الجميل نزعناها
ولمّا وقفنا للوداع وترجمت
…
لعيني عمّا في الضمائر عيناها
بدت صورةً في هيكلٍ فلو انّنا
…
ندين بأديان النصارى عبدناها
وما طرباً صغنا القريض وإنما
…
جلا اليوم مرآة القرائح مرآها
وليلة بتنا في ظلام شبيبتي
…
سراي وفي ليل الذوائب مسراها
تأرج أرواح الصّبا كلّما سرى
…
بأنفاس ريّا آخر الليل رياها
ومهما أدرنا الكأس باتت جفونها
…
من الراح تسقينا الذي قد سقيناها منها:
ولو لم يجد يوم الندى في يمينه
…
لسائله غير الشبيبة أعطاها
فيا ملك الدنيا وسائس (1) أهلها
…
سياسة من ساس الأمور وقاساها
ومن كلّف الأيام ضدّ طباعها
…
وعاين أهوال الخطوب وعاناها
عسى نظرة تجلو بقلبي وخاطري
…
صداه فإني دائماً أتصدّاها وله:
فيا صاحبي سجن الخزانة خليا
…
نسيم الصبا ترسل إلى كبدي نفحا
وقولا لضوء الصبح هل أنت عائدٌ
…
إلى ناظري أم لا أرى بعدها صبحا
ولا تأيسا من رحمة الله أن أرى
…
سريعاً بفضل الكامل العفو والصفحا
فإن تحبساني في التخوم تجبّراً
…
فلن تحبسا منّي له الشكر والمدحا ومنه:
وما لي إلى ماء سوى النيل غلّةٌ
…
ولو أنه أستغفر الله زمزم كان القاضي المهذب، رحمه الله تعالى، لما جرى لأخيه الرشيد ما جرى من
(1) ص: وسائر.
اتصاله بصلاح الدين ابن أيوب قبض شاور على المهذب وحبسه، فكتب إليه يستعطفه فلم ينفع فيه، فالتجأ غل ولده الكامل شجاع وكتب إليه أشعاراً كثيرة من جملتها هذه التي قدمناها، فقام بأمره واصطنعه وضمه إليه بعد أن أمر أبوه شاور بصلبه.
ومن شعر المهذب:
أعلمت حين تجاور الحيّان
…
أن القلوب مواقد النّيران
وعلمت أن صدورنا قد أصبحت
…
في القوم وهي مرابض الغزلان
وعيوننا عوض العيون أمدّها
…
ما غادروا فيها من الغدران
ما الوخد (1) هزّ قناتهم بل هزها
…
قلبي لما فيه من الخفقان
وتراه يكره أن يرى أظعانهم (2)
…
وكأنّما أصبحت في الأظعان (3) ومنه القصيدة التي كتبها إلى الداعي لما قبض على أخيه باليمن يستعطفه على أخيه الرشيد فأطلقه، وهي:
يا ربع أين ترى الأحبة يمموا
…
هل أنجدوا من بعدنا أو أتهموا
نزلوا من العين السواد وإن نأوا
…
ومن الفؤاد مكان ما أنا أكتم
رحلوا وفي القلب المعنّى بعدهم
…
وجدٌ على مرّ الزمان مخيم
رحلوا وقد لاح الصباح وإنما
…
تسري إذا جنّ الظلام الأنجم
وتعوضت بالأنس روحي وحشةً
…
لا أوحش الله المنازل منهم
إني لأذكركم إذا ما أشرقت
…
شمس الضحى من نحوكم فأسلم
لا تبعثوا لي في النّسيم تحيّةً
…
إني أغار من النسيم عليكم
إني امرؤ قد بعت حظي راضياً
…
من هذه الدنيا بحظّي منكم
(1) ص: الوجد، والتصويب عن الخريدة.
(2)
ص: أضعانعم.
(3)
ص: الأضعان.
فسلوت إلاّ عنكم وقنعت إل
…
اّ منكم وزهدت إلاّ فيكم
ما كان بعد أخي الذي فارقته
…
ليبوح إلاّ بالشكاية لي فم
هو ذاك لم يملك علاه مالكٌ
…
كلاّ ولا وجدي عليه متمم
أقوت مغانيه وعطّل ربعه
…
ولربما هجر العرين الضيغم
ورمت به الأهوال همة ماجدٍ
…
كالسيف يمضي غربه ويصمم
يا راحلاً بالمجد عنّا والعلا
…
أترى يكون لكم علينا مقدم
يفديك قومٌ (1) كنت واسط عقدهم
…
ما إن لهم مذ غبت شملٌ ينظم
جهلوا فظنّوا أن بعدك مغنمٌ
…
لمّا رحلت وإنما هو مغرم
ولقد أقرّ العين أنّ عداك قد
…
هلكوا ببغيهم وأنت مسلّم منها:
أقيال بأسٍ خير من حمل القنا
…
وملوك قحطان الذين هم هم
متواضعين ولو ترى ناديهم
…
ما اسطعت (2) من إجلالهم تتكلم
وكفاهم شرفاً ومجداً أنّهم
…
أن أصبح الداعي المتوج منهم
هو بدر تمّ في سماء علائهم
…
وبنو أبيه بنو زريعٍ أنجم
ملكٌ حماه جنّةٌ لعفاته
…
لكنّه للحاسدين جهنّم منها:
مع أنّني سيرت فيك شوارداً
…
كالدرّ بل أبهى لدى من يفهم
تغدو وهوج الذاريات رواكدٌ
…
وتبيت تسري والكواكب نوّم
(1) ص: قوماً.
(2)
ص: استطعت.