الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
140 -
(1)
ابن عبدل الشاعر
الحكم بن عبدل الأسدي ثم الغاضري الكوفي؛ شاعر مشهور مجيد القول هجاء، نفاه ابن الزبير من العراق لما نفى عمال بني أمية، وقدم دمشق وكان له من عبد الملك بن مروان موضع.
وقال ابن ماكولا: هو الشاعر الأعرج، كوفي مشهور، قال: كان يأتي بشر بن مروان فيقول له بشر: أخمسمائة أحب إليك العام أم ألف في قابل؟ فيقول: ألف في قابل، وإذا أتى إليه في قابل قال له: ألف أحب إليك العام أم ألفان من قابل؟ فيقول: ألفان من قابل؛ قال: فلم يزل كذلك حتى مات بشر ولم يعطه شيئاً.
وقال صاحب الأغاني: كان أعرج أحدب لا تفارقه العصا، فترك الوقوف بباب الملوك، وكان يكتب على عصاه حاجته، ويبعث بها مع رسوله، فلا يحبس له رسول ولا تؤخر له حاجة، فقال في ذلك يحيى بن نوفل:
عصا حكمٍ في الدار أول داخلٍ
…
ونحن على الأبواب نقصى ونحجب
وكانت عصا موسى لفرعون آيةً
…
فهذي لعمر الله أدهى وأعجب
تطاع ولا تعصى ويحذر سخطها
…
ويرغب في المرضاة منها ويرهب وشاعت هذه الأبيات بالكوفة وضحك منها الناس، فكان الحكم يقول
(1) الأغاني 2: 360 وتهذيب ابن عساكر 4: 396 والمؤتلف والمختلف: 242 ومعجم الأدباء 10: 228 والوافي للصفدي، وله تجمة في ابن خلكان هي من مزيدات طبعة بيروت وهو ليس من شرط ابن خلكان لأنه لا يعرف سنة وفاته على التحديد. وقد أخلت المطبوعة بأجزاء متفرقة من هذه الترجمة.
ليحيى: يا ابن الزانية ما أردت من عصاي حتى صيرتها ضحكة، واجتنب أن يكتب عليها كما كان يفعل أولاً.
وكان له صديق أعمى يدعى أبا علية، وكان ابن عبدل قد أقعد، فخرجا ليلة من منزلهما إلى منزل بعض إخوانهما، والحكم يحمل وأبو علية يقاد، فلقيهما صاحب العسس بالكوفة وأخذهما فحبسهما، فلما استقرا في الحبس نظر الحكم إلى عصاه موضوعة في الحبس بجنب عصا أبي (1) علية، فضحك الحكم وقال:
حبسي وحبس أبي علي
…
ة من أعاجيب الزمان
أعمى يقاد ومقعدٌ
…
لا الرجل منه ولا اليدان
هذا بلا بصرٍ هنا
…
ك وبي يخبّ الحاملان
يا من يرى ضبّ الفلا
…
ة قرين حوتٍ في مكان
طرفي وطرف أبي علي
…
ة دهرنا متوافقان
من يفتخر بجواده
…
فجوادنا عكّازتان
طرفان لا علفاهما (2)
…
يشرى ولا يتصاهلان وقال أيضاً من أبيات:
ففي حالتينا عبرة وتفكّر
…
وأعجب منه حبس أعمى ومقعد
كلانا إذا العكاز فارق كفّه
…
يخرّ صريعاً أو على الوجه يسجد
فعكازه يهدي إلى السبل أكمهاً
…
وأخرى مقام الرجل قامت مع اليد وكان بالكوفة امرأة موسرة، وكان لها على الناس ديون بالسواد، فاستغاثت بابن عبدل في دينها وقالت: إني لست بزوج، وجعلت تعرّض أنها تزوجه بنفسها، فقام ابن عبدل في دينها حتى اقتضاه، فلما طالبها بالوفاء كتبت إليه شعراً:
(1) ص: أبو.
(2)
ص: علقاهما.
سيخطيك الذي حاولت مني
…
فقطّع حبل (1) وصلك من حبالي
كما أخطاك معروف ابن بشر
…
وكنت تعدّ ذلك رأس مال وضرب الحجاج البعث على المحتملين ومن أنبت من الصبيان الصغار، وكانت المرأة تجيء إلى ابنها فتضمه إليها وتقول: يا ابني، جزعاً عليه، فسمي ذلك الجيش جيش يبني، وأحضر ابن عبدل فجرد، فوجد أحدب أعرج، فأعفي من ذلك فقال:
لعمري لئن جربتني فوجدتني
…
كثير العيوب سيء المتجرّد
فأعفيتني لما رأيت زمانتي
…
ووفقت مني للقضاء المسدّد
ولست بذي شيخين يلتزمانه
…
ولكن يتيمٌ ساقط الرجل واليد وخرج ليلة وهو سكران محمول في محفة فلقيه صاحب العسس فقال له: من أنت؟ فقال: يا بغيض، أنت أعرف بي من أن تسأل عني، اذهب إلى شغلك فإن اللصوص لا يخرجون في الليل في محفة، فضحك منه وانصرف.
وكانت له جارية سوداء فولدت له ابناً أسود، وكان أعرم الصبيان فقال فيه:
يا ربّ خالٍ لك مسودّ القفا
…
لا يشتكي من رجل مسّ الحفا
كأن عينيه إذا تشوّقا
…
عينا غرابٍ فوق نيقٍ أشرفا وأخباره في الأغاني وشعره كثير؛ وكانت وفاته في حدود المائة، رحمه الله.
(1) ص: حبال.