الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
149 -
(1)
الملك الناصر داود
داود بن عيسى بن محمد بن أيوب، الملك الناصر صلاح الدين أبو المفاخر ابن الملك المعظم عيسى بن الملك العادل الكبير ابن أيوب؛ ولد في جمادى الآخرة سنة ثلاث وستمائة بدمشق، وتوفي سنة ست وخمسين وستمائة؛ سمع ببغداد من القطيعي وغيره، وبالكرك من ابن اللتي، وأجاز له المؤيد الطوسي؛ وكان حنفي المذهب عالماً فاضلاً مناظراً ذكياً، له اليد البيضاء في الشعر والأدب، لأنه حصل طرفاً جيداً من العلوم في دولة أبيه، وولي السلطنة سنة أربع وعشرين بعد والده، وأحبه أهل دمشق، وسار عمه الكامل من مصر ليأخذ دمشق منه، فاستنجد بعمه الأشرف، فجاء لنصرته، ونزل بالدهشة، ثم تغير عليه ومال لأخيه الكامل، وأوهم للناصر أنه يصلح قضيته، فاتفقا عليه وحاصراه أربعة أشهر وأخذا دمشق منه، وسار إلى الكرك وكانت لوالده، وأعطي معها الصلت ونابلس وعجلون وأعمال القدس؛ وعقد نكاحه على بنت عمه الكامل، ثم إن الكامل تغير عليه، ففارق ابنته قبل الدخول، ثم إن الناصر قصد الإمام المستنصر بالله، وقدم له تحف ونفائس، وسار إليه على البرية ومعه فخر القضاة ابن بصاقة وشمس الدين الخسروشاهي والخواص من مماليكه وألزامه، وطلب الحضور بين يديه كما فعل بصاحب إربل، فلم يأذن له، فنظم قصيدته البائية وأولها:
(1) الوافي والزركشي: 112 وعبر الذهبي 5: 229 والشذرات 5: 275 وابن خلكان 3: 496 وذيل مرآة الزمان 1: 126 والنجوم الزاهرة 7: 61 ونفح الطيب 2: 407 والسلوك ومفرج الكروب، والقسم الأعظم من هذه الترجمة لم يرد في المطبوعة.
دان ألّمت بالكثيب ذوائبه
…
وجنح الدجى وحفٌ تجول غياهبه
تقهقه في تلك الربوع رعوده
…
وتبكي على تلك الطلول سحائبه
أرقت له لمّا توالى بروقه
…
وحلّت عزاليه وأسبل ساكبه
إلى أن بدا من أشقر الصبح قادمٌ
…
يراع له من أدهم الليل هاربه
وأصبح ثغر الأقحوانة ضاحكاً
…
تدغدغه ريح الصبا وتداعبه
تمرّ على نبت الرياض بليلة
…
تجمّشه طوراً وطوراً تلاعبه
وأقبل وجه الأرض طلقاً وطالما
…
غدا مكفهرّاً موحشاتٍ جوانبه
وكساه الحيا وشياً من النبت فاخراً
…
فعاد قشيباً غوره وغواربه
كما عاد بالمستنصر ابن محمّدٍ
…
نظام المعالي حين قلّت كتائبه
إمامٌ تحلّى الدين منه بماجدٍ
…
تحلّت بآثار النبيّ مناكبه
هو العارض الهتّان لا البرق مخلفٌ
…
لديه ولا أنواره وكواكبه
إذا السنة الشّهباء شحّت (1) بطلها
…
سخا وابلٌ منه وسحّت سواكبه
فأحيا ضياء البرق ضوء جبينه
…
كما نحلت جود الغوادي مواهبه
له العزمات اللائي لولا نضالها
…
تزعزع ركن الدين وانهدّ جانبه
بصيرٌ بأحوال الزمان وأهله
…
حذورٌ فما تخشى عليه نوائبه
بديهته تغنيه عن كلّ مشكلٍ
…
وإن حنّكته في الأمور تجاربه
حوى قصبات السبق مذ كان يافعاً
…
وأربت على زهر النجوم مناقبه
تزيّنت الدنيا به وتشرّفت
…
بنوها فأضحى خافض العيش ناصبه
لئن نوهّت باسم الإمام خلافةٌ
…
ورفّعت الزاكي المنار مناسبه
فأنت الإمام العدل والعرق الذي
…
به شرفت أنسابه ومناصبه
وأغنيت حتى ليس في الأرض معدمٌ
…
يجور عليه دهره ويحاربه
ومن جدّه عمّ النبيّ وخدنه
…
إذا صارمته أهله وأقاربه
(1) ص: سحت.
جمعت شتيت المجد بعد انفراقه
…
وفرّقت جمع المال فانهال كاثبه (1)
ألا يا أمير المؤمنين ومن غدت (2)
…
على كاهل الجوزاء تعلو مراتبه
أيحسن في شرع المعالي ودينها
…
وأنت الذي تعزى إليه مذاهبه
بأني أخوض الدوّ والدوّ مقفرٌ
…
سبارته مغبرّةٌ وجوانبه
وأرتكب الهول المخوف مخاطراً
…
بنفسي ولا أعبا بما أنا راكبه
وقد رصد الأعداء لي كلّ مرصدٍ
…
فكلّهم نحوي تدبّ عقاربه
وآتيك والعضب المهنّد مصلتٌ
…
طويرٌ شابه فاتناتٌ ذوائبه
وأترك آمالي ببابك راجياً
…
بواهر جاه يبهر النّجم ثاقبه
فتقبل منّي عبد رقً فيغتدي
…
له الدهر عبداً (3) طائعاً لا يغالبه
وتنعم في حقّي بما أنت أهله
…
وتعلي محلي فالسّها لا يقاربه
وتلبسني من نسج ظلّك حلّةً
…
تشرّف قدر النيّرين جلاببه
وتركبني نعمى أياديك مركباً
…
على الفلك الأعلى تسير مواكبه
وتسمح لي بالمال والجاه بغيتي
…
وما الجاه إلاّ بعض ما أنت واهبه
ويأتيك غيري من بلادٍ قريبة
…
له الأمن فيها صاحب لا يجانبه (4)
وما اغبّر من جوب الفلا حرّ وجهه
…
ولا اتصلت بالسير فيها ركائبه
فيلقى دنوّاً منك لم ألق مثله
…
ويحظى ولا أحظى بما أنا طالبه
وينظر من لألاء قدسك نظرةً
…
فيرجع والنور الإماميّ صاحبه
ولو كان يعلوني بنفسٍ ورتبة
…
وصدق ولاءٍ لست فيه أصاقبه
ولكنّه مثلي ولو قلت إنّني
…
أزيد عليه لم يعب ذاك عائبه
ولا بالذي يرضيه دون نصيره
…
ولو أُنعلت بالنيّرات مراكبه
(1) ص: كاتبه.
(2)
ص: عدت.
(3)
ص: عبد.
(4)
ص: تجانبه.
لكنت أُسلّي النّفس عمّا أرومه
…
وكنت أذود العين عمّا تراقبه
وما أنا ممّن يملأ المال عينه
…
ولا بسوى التقريب تقضى مآربه
ومن عجبٍ أني لدى البحر واقف
…
وأشكو الظّما والبحر جمٌّ عجائبه
وغير ملومٍ من يؤمل قاصداً
…
إذا عظمت أغراضه ومآربه
وقد رضت مقصودي فتمت صدوره
…
ومنك ترجّى أن تتمّ عواقبه فلما وقف الخليفة عليها أعجبته كثيراً، فاستدعاه سراً بعد مضي شطر من الليل، فدخل من باب السر إلى إيوان فيه ستر مضروب، فقبل الأرض، فأمر بالجلوس، فجعل الخليفة يحدثه ويؤنسه، ثم أمر الخدام فرفعوا الستر، فقبل الأرض وقبل يده، فأمر بالجلوس فجلس، وجاراه في أنواع من العلوم وأساليب الشعر، وأخرجه ليلاً وخلع عليه خلعة سنية: عمامة مذهبة سوداء وجبة سوداء مذهبة، وخلع على أصحابه ومماليكه خلعاً جليلة، وأعطاه مالاً جزيلاً، وبعث في خدمته رسولاً مشربشاً (1) من أكبر خواصه إلى الكامل يشفع فيه في إخلاص النية له وإبقاء ملكه عليه والإحسان إليه، وبلغ الكامل فخرج إلى تلقيهما إلى القصر، وأقبل على الناصر إقبالاً كثيراً، ونزل الناصر بالقابون وجعل رنكه (2) أسود (3) انتماءً إلى الخليفة، وكان الخليفة زاد في ألقابه بالوالي المهاجر مضافاً إلى لقبه، وتوجه من دمشق والرسول معه ليرتبه في الكرك، وذلك سنة ثلاث وثلاثين وستمائة.
(1) مشرشباً: يلبس شربوشاً وهو قلنسوة طويلة تلبس بدل العمامة، وكانت شارة للأمراء (ملحق دوزي) .
(2)
الرنك لفظ فارسي معناه اللون، وهو يستعمل بمعني الشعار الذي يتخذه الأمير لنفسه عند تأمير السلطان له علامة على وطيفة الإمارة التي يعين عليها (حاشية السلوك 1: 672 رقم: 4، وانظر صبح الأعشى 4: 61 - 62) .
(3)
ص: أسوداً.