الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهدم بالإسكندرية كنيسة الروم وبناها مدرسة وسماها الخضراء. وكان واسع الصدر يعطي الفضلة والذهب. ويعمل الأطعمة في قدور مفرطة الكبر يحمل القدر جماعة عتالين، وفي ملازمته الظاهر يقول الشريف (1) الناسخ.
ما الظاهر السلطان إلاّ مالك ال
…
دنيا بذاك لنا الملاحم تخبر
ولنا دليلٌ واضحٌ كالشمس في
…
وسط السماء بكلّ عين تبصر
لمّا رأينا الخضر يقدم جيشه
…
أبداً علمنا أنه الإسكندر 148 (2)
الأشرف خليل
خليل بن قلاوون، السلطان الملك الأشرف صلاح الدين ابن السلطان الملك المنصور قلاوون الصالحي، جلس على تحت الملك في ذي القعدة سنة تسع وثمانين وستمائة، بعد موت والده، واستفتح الملك بالجهاد، وسار فنازل عكا وافتتحها، ونظف (3) الشام كله من الفرنج، ثم سار في السنة الثانية فنازل قلعة الروم وحاصرها خمسة وعشرين يوماً وافتتحها، ثم في السنة الثالثة جاءته مفاتيح قلعة بهسنا من غير قتال إلى دمشق، ولو طالت مدته ملك العراق وغيرها، فإنه كان شجاعاً مقداماً مهيباً عالي الهمة يملأ العين ويرجف القلب. وكان ضخماً سميناً كبير الوجه بديع الحمال مستدير اللحية، على صورته رونق الحسن وهيبة السلطنة، وكان إلى جوده وبذله الأموال في أغراضه المنتهى، تخافه الملوك في أقطارها؛
(1) مر في ص 403: الشرف.
(2)
الوافي والزركشي 1: 111 والنجوم الزاهرة 8: 3 - 27 والسلوك 1: 756 وما بعدها والبداية والنهاية 13: 334 والشذرات 5: 422 وعبر الذهبي 5: 377.
(3)
ص: ونضف.
أباد جماعةً من كبار الدولة، وكان منهمكاً على اللذات؛ لا يعبأ بالتحرز على نفسه لشجاعته.
توجه من القاهرة ثالث المحرم سنة ثلاث وتسعين وستمائة (1) هو والوزير شمس الدين بن السلعوس وأمراء دولته، وفارقه وزيره من الطرانة (2) إلى الإسكندرية، وعسف وظلم وصادر الناس، ونزل الأشرف بأرض الحمامات للصيد، وأقام إلى يوم السبت ثالث عشر المحرم، فلما كان العصر وهو بتروجة حضر نائب السلطنة بيدرا وجماعة من الأمراء، وكان الأشرف أمره بكرةً أن يتقدم بالدهليز ليتصيد هو ويعود عشية، فاحتاطوا به وليس معه إلا شهاب الدين ابن الأشل أمير شكارة، فابتدره بيدرا فضربه بالسيف قطع يده، فصاح حسام الدين لاجين عليه وقال: من يريد السلطنة تكون هذه ضربته؟ وضربه على كتفه حله، فسقط السلطان إلى الأرض، ولم يكن معه سيف، بل كان وسطه مشدود بالبند، ثم جاء سيف الدين بهادر رأس نوبة (3) ، فأدخل السيف من أسفله وشقه إلى حلقه، وتركوه طريحاً في البرية، والتفوا على بيدرا وحلفوا له، وساق تحت العصايب يطلب القاهرة، وتسمى بالملك الأوحد، وبات تلك الليلة، وأصبح يسير، فلما ارتفع النهار إذا بطلب كبير قد أقبل يقدمه زين الدين كتبغا وحسام الدين أستاذدار (4) يطلبون بيدرا بدم أستاذهم، ودلك بالطرانة، فحملوا عليه فتفرق عنه أكثر من معه، وقتل في الحال وحمل راسه على رمح وجاءوا
(1) زيادة لابد منها.
(2)
قرية صغيرة على الشاطئ الغربي لفرع رشيد بمديرية البحيرة.
(3)
وظيفة من وظائف أرباب السيوف، موضوعها الحكم على المماليك السلطانية والأخذ على أيديهم (صبح الأعشى 4: 18) .
(4)
وظيفة الأستاذ دارية هي التحدث في أمر بيوت السلطان كلها من المطابخ والشر ابخاناء والحاشية والغلمان، والأستاذ دار هو الذي يمشي لطلب السلطان ويحكم في غلمانه وباب، وله تصرف تام في كل ما يحاتجه بيت السلطان من النفقات والكساوي (صبح الأعشى 4: 20 وانظر 5: 457) .
به إلى القاهرة، فلم يمكنهم الشجاعي من التغدية، وكان نائب السلطنة في تلك السفرة، فأمر بالشواني كلها فربطت إلى الجانب الآخر، ونزل الجيش على الجانب الغربي. ثم مشت بينهم الرسل على أن يقيموا الملك الناصر محمد أخا الأشرف، فتقرر ذلك، وأجلسوه على التخت يوم الاثنين رابع عشر المحرم، وصار أتابكه كتبغا ووزيره الشجاعي، واختفى حسام الدين لاجين وقراسنقر المنصوري وغيرهما ممن شارك في قتله.
قال الشيخ شمس الدين الجزري رحمه الله تعالى: حدثني الأمير سيف الدين المحفدار (1) قال: كان السلطان رحمه الله قد نفذني بكرة إلى بيدرا بأن يتقدم بالعساكر، فلما قلت له ذلك نفر فيّ وقال: السمع والطاعة، كم تستعجلني! ثم إني حملت الزردخاناه (2) والثقل الذي لي وركبت، فبينما أنا ورفيقي الأمير صارم الدين الفخري وركن الدين أمير جندار عند الغروب وإذا بنجاب قد أقبل فقلنا له: أين تركت السلطان؟ فقال: يطول الله أعماركم فيه؛ فبهتنا، وإذا بالعصايب قد لاحت، وأقبل الأمراء وبيدرا في الدست، فجينا وسلمنا، وساق معه ركن الدين أمير جندار، وقال له: يا خوند هذا الذي تم كان بمشورة الأمرا؟ قال: نعم أنا قتلته بمشورتهم وحضورهم، وها هم حضور وكان من جملتهم حسام الدين لاجين وبهادر رأس نوبة وقرا سنقر وبدر الدين بيسري؛ ثم إن بيدرا شرع يعدد ذنوبه وإهماله لأمور المسلمين واستهتاره بالأمرا وتوزيره لابن السلعوس، ثم قال: رأيتم الأمير زين الدين كتبغا؟ فقلنا: لا، فقال له أمير جندار: عنده علم من هذه القضية؟ قال: نعم، هو أول من أشار بها، فلما كان من الغد جاء كتبغا في طلب نحو من ألفين من
(1) المحفدار: هو الذي يتصدى لخدمة المحفة ومعناه ممسك المحفة (صبح الأعشى 5: 470) .
(2)
يقال لها أيضاً ((السلاح خاناه)) وتشتمل على أنواع السلاح، وصانع السلاح يسمى الزرد كاش (صبح الأعشى 4: 11 - 12) .
الخاصكية (1) وغيرهم، ثم قال كتبغا لبيدرا: أين السلطان؟ ورماه بالنشاب، ورموا كلهم بالنشاب وقتلوه، وتفرق جمعه، فلما رأينا ذلك التجأنا إلى جبل، واختلطنا بالطلب الذي جاء، فعرفنا بعض أصحابنا، فقال لنا: شدوا بالعجلة مناديلكم (2) في أرقابكم إلى تحت الإبط، يعني شعارهم.
قال ابن المحفدار: وسألت شهاب الدين ابن الأشل: كيف كان قتل السلطان؟ قال: جاء إليه بعد رفع الدهليز أن بتروجة طيراً كثيراً، فقال لي: امش بنا حتى نسبق الخاصكية، فركبنا وسرنا، فرأينا طيراً كثيراً، فرمى بالبندق وصرع كثيراً، ثم قال: أنا جيعان، فهل معك شيء تطعمني؛ فقلت: ما معي سوى فروجة ورغيف في سولقي (3)، فقال: هاته، وناولته فأكله، ثم قال: امسك فرسي حتى أبول، ثم نزل وجعل يريق (4) الماء ويمازحني ثم ركب، وإذا بغبار عظيم، فقال: سق واكشف الخبر، فسقت، وإذا ببيدرا والأمراء فسألتهم عن سبب مجيهم فلم يردوا علي، وساقوا إلى السلطان وقتلوه كما ذكرنا.
ثم إن بعد يومين طلع والي تروجة وغسلوه وكفنوه ووضعوه في تابوت، وسيروا من القاهرة الأمير سعد الدين كوجبا الناصري فأحضر التابوت ودفن في تربة والدته، وذلك في المحرم سنة ثلاث وتسعين وستمائة، وكان من أبناء الثلاثين أو أقل، رحمه الله تعالى.
ذكر فتوحاته: عكا وصور وصيدا وبيروت وقلعة الروم وبهسنا، وجميع الساحل في أقرب مدة.
(1) الخاصكية: هم الذي يدخلون على السلطان في أوقات خلواته وفراغه ويركبون لركوبه ليلاً ونهاراً ويتميزون بسيوفهم وملابسهم الطرز المزركش (زبدة كشف الممالك: 115) .
(2)
ص: مناديكم (دون إعجام للياء) .
(3)
السولق - بالسين والصاد - مخلاة من جلد يضمها الشخص في حزامه من الجهة اليمنى.
(4)
ص: يرق.
وكان مدة ملكه ثلاث سنين وشهر وخمسة أيام.
وكان كرمه زائداً وإطلاقه عظيم، وكانت واقعته تسمى وقعة الأيدي والأكتاف، لأن جميع من وافق عليه قطعت أيديهم أولاً، وفيهم من سمر، وفيهم من أحرق، وفيهم من قتل، ولم يجدد في زمانه مظلمة، ولا استجد ضمان مكس. وكان يحب الشام وأهله، وفيه يقول شمس الدين ابن غانم:
مليكان قد لقّبا بالصلاح
…
فهذا خليلٌ وذا يوسف
فيوسف لا شكّ في فضله
…
ولكن خليلٌ هو الأشرف وكان مغرى بالهدم، لأنه هدم أماكن، وفيه يقول علاء الدين الوداعي لما أمر بهدم الأماكن المجاورة للميدان بدمشق، ووزع عمارته على الأمراء:
إن أمر السلطان في جلقٍ
…
بهدم ما جاور ميدانه
فإنه قد غار لمّا رأى
…
غير بيوت الله جيرانه وقال أيضاً:
أرى الأمراء قد جدوا وجادوا
…
وشدّوا في بنائهم وشادوا
وهم متسابقون ولا عجيبٌ
…
ففي الميدان تستبق الجياد وقال أيضاً
جزيتم أيها الأمراء خراً
…
على إتقانكم هذه البنيّه
فلا تخشوا على الميدان شيئاً
…
سوى سيل العطايا الأشرفيه ولما افتتح السلطان عكا امتدحه القاضي شهاب الدين محمود بقصيدته البائية المشهورة، وهي (1) :
الحمد لله دلّت دولة الصّلب
…
وعزّ بالترك دين المصطفى العربي
(1) انظر هذه القصيدة في تاريخ ابن الفرات 8: 115.
هذا الذي كانت الآمال لو طلبت
…
رؤياه في النوم لاستحيت من الطلب
ما بعد عكا وقد هدّت قواعدها
…
في البحر للشرك عند البر من أرب
عقيلةٌ ذهبت أيدي الخطوب بها
…
دهراً وشدّت عليها كفّ مغتصب
لم يبق من بعدها للكفر مذ خربت
…
في البرّ والبحر ما ينجي سوى الهرب
كانت تخيلنا آمالنا فنرى
…
أن التفكّر فيها غاية العجب
أما الحروب فكم قد أنشأت فتناً
…
شاب الوليد بها هولاً ولم تشب
سوران: برٌّ وبحرٌ حول ساحتها
…
دار وأدناهما أنأى من القطب
مصفّح بصفاح حولها أكمٌ
…
من الرماح وأبراجٌ من اليلب
مثل الغمائم تهدي من صواعقها
…
بالنبل أضعاف ما تهدي من السحب
كأنما كلّ برجٍ حوله فلكٌ
…
من المجانيق يرمي الأرض بالشهب
ففاجأتها جنود الله يقدمها
…
غضبان لله لا للملك والنّشب
كم رامها ورماها قبله ملكٌ
…
جمّ الجيوش فلم يظفر ولم يجب (1)
لم ترض همّته إلاّ الذي قعدت
…
للعجز عنه ملوك العجم والعرب
ليث أبى أن يردّ الوجه عن أُممٍ
…
يدعون ربّ العلى سبحانه بأب
لم يلهه ملكه، بل في أوائله
…
نال الذي لم ينله الناس في الحقب
فأصبحت وهي في بحرين ماثلة
…
ما بين مضطرمٍ ناراً ومضطرب
جيش من الترك ترك الحرب عندهم
…
عار (2) ، وراحتهم ضرب (3) من الضرب
خاضوا إليها الردى والهجر فاشتبه ال
…
أمران واختلفا في الحال والسبب
تسنّموها فلم يترك تسنّمهم
…
في ذلك الأفق برجاً غير منقلب
أتوا حماها فلم تمنع وقد وثبوا
…
عنها مجانيقهم شيئاً ولم يثب
يا يوم عكا لقد أنسيت ما سبقت
…
به الفتوح وما قد خطّ في الكتب
(1) ابن الفرات: ولم يصب.
(2)
ص: عاراً.
(3)
ص: ضرباً.
لم يبلغ النطق حدّ الشكر منك فما
…
عسى يقوم به ذو الشعر والخطب
كانت تمنّى بك الأيام مبعدةً
…
فالحمد لله نلنا ذاك عن كثب
أغضبت عبّاد عيسى إذ أبدتهم
…
لله أي رضىً في ذلك الغضب
وأطلع الله جيش النصر فابتدرت
…
طلائع النصر بين السّمر والقضب
وأشرف المصطفى الهادي البشير على
…
ما أسلف الأشرف السلطان من قرب
فقرّ عيناً بهذا الفتح وابتهجت
…
بفتحه الكعبة الغراء في الحجب
وسار في الأرض سير الريح سمعته
…
فالبرّ في طربٍ والبحر في حرب
وخاضت البيض في بحر الدماء وما
…
أبدت من البيض إلاّ ساق مختضب
وغاص زرق القنا في زرق أعينهم
…
كأنها شطنٌ تهوي إلى قلب
توقدت وهي غرقى في دمائهم
…
فزادها الطفح منها شدّة اللهب
وذاب من حرها عنهم حديدهم
…
فقيدتهم بها ذعراً يد الرّهب
كم أبرزت بطلاً كالطّود قد بطلت
…
حواسه فغدا كالمنزل الخرب
أجرت إلى البحر بحراً من دمائهم
…
فراح كالراح إذ غرقاه كالحبب
تحكمت وسطت فيهم قواضبنا
…
قتلاً وعفّت لحاويها عن السلب
كأنّه وسنان الرمح يظلبه
…
برجٌ هوى ووراه كوكب الذّنب
بشراك ما ملك الدنيا لقد شرفت
…
بك الممالك واستعلت على الرتب
ما بعد عكا وقد لانت عريكتها
…
لديك شيءٌ تلاقيه على تعب
فانهض إلى الأرض فالدنيا بأجمعها
…
مدت إليك فواصلها (1) بلا نصب
كم قد دعت وهي في أسر العدا زمناً
…
صيد الملوك فلم تسمع ولم تجب
أتيتها يا صلاح الدن معتقداً
…
بأن داعي صلاح الدين لم يخب
أسلت فيه كما سالت دماؤهم
…
من قبل إحرازها بحراً من الذهب
أدركت ثأر صلاح الدين إذ غصبت
…
منه لسرٍّ طواه الله في اللقب
(1) ابن الفرات: نواصيها.
وجئتها بجيوشٍ كالسيول على
…
أمثالها بين آجامٍ من القضب
وحطتها بالمجانيق التي وقفت
…
إزاء جدرانها في جحفل لجب
مرفوعة نصبوا أضعافها فغدا
…
للكسر والحطم منهم كلّ منتصب
ورضتها بنقوبٍ ذللت شمماً
…
منها وأبدت محياها بلا نقب
وغنّت البيض في الأعناق فارتقصت
…
أبراجها لعباً منهنّ باللعب
وخلقت بالدم الأسوار (1) فانفغمت
…
طيباً ولولا دماء الخبث لم تطب
وأبرزت كلّ خودٍ كاعبٍ نثرت
…
رؤوسهم حين زفّوها بلا طرب
باتت وقد جاورتنا ناشزاً وغدت
…
طوع الهوى في يدي جيرانها الجنب
بل أحرزتهم ولكن للسيوف لكي
…
لا يلتجي أحد (2) منهم إلى الهرب
أضحت أبا لهب تلك البروج وقد
…
كانت بتعليقها حمالة الحطب
وتمت النعمة العظمى وقد كملت
…
بفتح صور بلا حصر ولا نصب
وجارت النار في أرجائها وعلت
…
فأطفأت ما بصدر الدين من كرب
وأفلت البحر منهم من يخبّر من
…
يلقاه من قومه بالويل والحرب
أختان في أن كلا منهما (3) جمعت
…
صليبة الكفر لا أختان في النسب
لما رأت أختها بالأمس قد خربت
…
كان الخراب لها أعدى من الجرب
الله أعطاك ملك البحر إذ جمعت
…
لك السعادة ملك البرّ والعرب
من كان مبدأه عكا وصور معاً
…
فالصين أدنى إلى كفيه من حلب
علا بك الملك حتى إنّ قبته
…
على البرايا غدت ممدودة الطنب
فلا برحت قرير العين مبتهجاً
…
بكلّ فتح مبين المنح مرتقب وقال أيضاً يمدحه عند فتح القلعة الروم سنة إحدى وتسعين وستمائة:
(1) ص: الأصوار.
(2)
ص: أحداً.
(3)
ص: كل منهم.
لك الراية الصفراء يقدمها النصر
…
فن كيقباذٌ إن رآها وكيخسرو
إذا خفقت في الأرض هدب بنودها
…
هوى الشرك واستعلى الهدى وانجلى الثغر
وإن نشرت مثل الأصائل في وغىً
…
جلا النقع من لألاء طلعتها البدر
وإن يممت زرق العدا سار تحتها
…
كتائب خضر تحتها البيض والسمر
كأنّ مثار النّقع ليلٌ، وخفقها
…
بروق، وأنت البدر، والفلك البحر (1)
لها كلّ يوم أين سار لواؤها
…
هديّة تأييدٍ يقدّمها الدهر
وفتح أتى في إثر فتح كأنّما
…
سماءٌ بدت تترى كواكبها الزهر
فكم وطئت طوعاً وكرهاً معاقلٌ
…
مضى الدّهر عنها وهي عانسة بكر
فإن رمت حصناً سابقتك كتائبٌ
…
من الرعب أو جيشٌ (2) يقدمه النصر
ففي كلّ قطرٍ للعدى وحصونهم
…
من الخوف أسياف تجرد أو حصر
فلا حصن إلاّ وهو سجنٌ لأهله
…
ولا جسدٌ إلاّ لأرواحهم قبر
وما قلعة الروم التي حزت فتحها
…
وإن عظمت إلاّ إلى غيرها جسر
محجّبةٌ بين الجبال (3) كأنها
…
إذا ما تبدّت في ضمائرها سر
تفاوت وصفاها فللحوت فيهما
…
مجالٌ وللنّسرين بينهما وكر (4)
فبعضٌ رسا حتى جرى الماء فوقه
…
وبعضٌ سما حتى همى دونه القطر
يحيط بها نهران تبرز فيهما
…
كما لاح يوماً في قلائده النحر
تخاض متون السّحب فيها كأنها
…
إذا ما استدارت حول أبراجها نهر
على هضب صمٍّ يكلّم صخرها ال
…
حديد وفيها عن إجابته وقر
لها طرق (5) كالوهم أعيا سلوكه
…
على الفكر حتى ما يخيّله الفكر
(1) ص: الجتر.
(2)
ص: جيشاً.
(3)
ص: الخيال.
(4)
ص: ذكر.
(5)
ص: طرقاً.
إذا خطرت فيها الرياح تعثّرت
…
أو الذرّ يوماً زلّ (1) عن متنه الذر
يضلّ القطا فيه ويخشى عقابها ال
…
عقاب ويهفو في مراقبها النسر
فصبّحتها بالجيش كالرّوض بهجةً
…
صوارمه أنهاره والقنا الزهر
وأبدعت بل كالبحر والبيض موجه
…
وجرد المذاكي السفن والخوذ الدر
وأغربت بل كالليل، عوج سيوفه
…
أهلته، والنّبل أنجمه الزهر
وأخطأت لا بل كالنّهار فشمسه
…
جيوشك، والآصال راياتك الصفر
ليوثٌ من الأتراك آجامها القنا
…
لها كلّ يومٍ في ذرى ظفر ظُفر
فلا الريح تسري بينهم لاشتباكها
…
عليهم ولا ينهلّ من فوقهم قطر
يرى الموت معقوداً بهدب نبالهم
…
إذا ما رماها القوس والنظر الشزر
ففي كلّ سرجٍ غصن بانٍ مهفهف
…
وفي كلّ قوس مدّ ساعده بدر
إذا صدموا صمّ الجبال تزلزلت
…
وأصبح سهلاً تحت خيلهم الوعر
ولو وردت ماء الفرات خيولهم
…
لقيل هنا قد كان فيما مضى نهر
أداروا بها سوراً (2) فأضحت كخنصرٍ
…
لدى خاتم أو تحت منطقةٍ خصر
وأجروا إليها من بحار أكفّهم
…
سحاب ردىً لم يخل من قطره قطر
كأنّ المجانيق التي قمن (3) حولها
…
رواعد سخطٍ وبلها (4) النار والصخر
فأحرزتها بالسيف قهراً، وهكذا
…
فتوحك فيما قد مضى كلّه قسر
غدت بشعار (5) الأشرف الملك الذي
…
له الأرض دار وهي من حسنها قصر
وأضحت بحمد الله ثغراً ممنّعاً
…
تبيد اللّيالي والعدا وهو مفترّ
وكانت قذىً في ناظر الدين فانجلى
…
وذخراً لأهل الشرك فانعكس الأمر
(1) ص: زال.
(2)
ص: سور.
(3)
ص: قمت.
(4)
ص: نبلها.
(5)
ص: بشفاء.
فراغ