الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأهيفٍ ناولني خاتماً
…
فخلته ناولني فاه
كأنما الفصّ ولوزاتهم
…
لسانه بين ثناياه
وفضل فيه أنه خاتم
…
من فضةٍ صيّاغه الله 122 (1)
بدر الدين ابن هود
الحسن بن علي بن عضد الدولة أبي الحسن، أخي المتوكل على الله ملك الأندلس ابن يوسف بن هود الجذامي.
قال الشيخ أثير الدين: رأيته بمكة وجالسته، وكان يظهر منه الحضور مع من يكلمه، ثم لا تظهر الغيبة منه، وكان يلبس نوعاً من الثياب مما لم يعهد لبس مثله بهذي البلاد، وكان يذكر أنه يعرف شيئاً (2) من علوم الأوائل، وكان له شعر منه:
خضت الدجنّة حتى لاح لي قبس
…
وبان بان الحمي من ذلك القبس
فقلت للقوم هذا الربع ربعهم
…
وقلت للسمع لا تخلو من الحرس
وقلت للعين غضّي عن محاسنه
…
وقلت للنطق هذا موضع الخرس وقال الشيخ شمس الدين: هو الشيخ الزاهد الكبير أبو علي بن هود، المرسي، أحد الكبار في التصوف على طريقة الوحدة؛ مولده سنة ثلاث وثلاثين وستمائة بمرسية، وكان أبوه نائب السلطنة بها، حصل له زهد مفرط وفراغ عن الدنيا، وسكرة عن ذاته وغفلة عن نفسه، فسافر وترك الحشمة، وصحب ابن سبعين واشتغل بالطب والحكمة وزهديات الصوفية (3) ، وخلط هذا بهذا، وحج
(1) الوافي والزركشي: 97 والشذرات 5: 446 (وفيات سنة 699) وكذلك عبر الذهبي 5: 397: حسن بن علي بن يوسف بن هود.
(2)
ص: شيء.
(3)
ص: الصوفة.
ودخل اليمن وقدم الشام. وكان ذا هيبة ووقار وشيبة (1) وسكون وفنون، وتلامذة وزبون، وكان على راسه قبع كشف (2) ، وعلى جسده دلق (3) ؛ كان غارقاً في الفكرة عديم اللذة متواصل الأحزان، فيه انقباض عن الناس، وحمل مرة إلى والي البلد وهو سكران، أخذوه من حارة اليهود، فأحسن الوالي به الظن وأطلقه وقال: سقاه اليهود خبثاً منهم ليغضوا عنه (4) بذلك، وكان قد نالهم منه أذى، وأسلم على يده جماعة: منهم سعيد وبركات. وكان يحب الكوارع المغمومة (5) ، فدعوه إلى بيت واحد منهم وقدموا له ذلك، فأكل ثم غاب ذهولاً على عادته، فأحضروا الخمر فلم ينكر حضورها، فأداروها ثم ناولوه منها قدحاً، فاستعمله تشبيهاً بهم، فلما سكر أخرجوه على تلك الحال، وبلغ الخبر الوالي فركب وحضر إليه وأردفه خلفه، وبقي الناس خلفه يتعجبون من أمره، وهو يقول لهم بعد كل فترة أي وايش قد جرى؟! ابن هود يشرب العقار؟ يعقد القاف كافاً في كلامه. وكان يشتغل اليهود عليه في كتاب الدلالة وهو مصنف في أصول دينهم للريس موسى (6) .
قال الشيخ شمس الدين: قال شيخنا عماد الدين الواسطي: أتيت إليه وقلت له: أريد أن تسلكني، فقال: من أي الطرق؟ من الموسوية أو العيسوية أو المحمدية؟
وكان إذ طلعت الشمس يستقبلها ويصلب على وجهه.
وصحبه العفيف عمران الطبيب والشيخ سعيد المغربي وغيرهما، ولا صلى
(1) ص: وشبه.
(2)
القبع: غطاء الرأس (ملحق دوزي)، ولم يتضح لي معنى قوله ((كشف)) وفي الشذرات: قبع لباد.
(3)
الدلق: فروة أو ثوب يتميز بلبسه المتصوفة.
(4)
كذا في ص، والصواب ((منه)) .
(5)
في محيط المحيط أن ((الغمة)) هي الرأس، وهي لفظة ما تزال تستعمل في لبنان للدلالة على أكلة الموارع والرأس وما يلحق بها.
(6)
يعني موسى بن ميمون وكتابه هو ((دلالة الحائرين)) ؛ وسيترجم الكتبي له.
عليه قاضي القضاة بدر الدين ابن جماعة، ودفن بسفح قاسيون سنة تسع وتسعين وستمائة.
قال الشيخ صلاح الدين الصفدي (1) : كان بعض الأيام يقول لتلميذه سعيد: أرني فاعد النهار، فيأخذه بيده ويصعد إلى سطح فيقف باهتاً إلى الشمس نصف نهار (2) ، وكان يمشي في الجامع باهت الطرف ذاهل العقل، وهو رافع إصبعه السبابة كالمتشهد، وكان يوضع في يده الجمر فيقبض عليه ذهولاً عنه، فإذا أحرقه رجع إلى حسه وألقاه من يده، وكان تحفر له الحفر في طريقه فيقع فيها ذهولا وغيبة.
ومن شعره عفا الله عنه وتجاوز:
فؤادي من محبوب قلبي لا يخلو
…
وسري على فكري محاسنه يجلو
ألا يا حبيب القلب يا من بذكره
…
على ظاهري من باطني شاهد عدل
تجلّيت لي مني عليّ فأصبحت
…
صفاتي تنادي: ما لمحبوبنا مثل
أورّي بذكر الجزع عنه وبانةٍ
…
ولا البان مطلوبي ولا قصدي الرمل
وأذكر سعدى في حديثي مغالطاً
…
بليلى ولا ليلى مرادي ولا جمل
ولم أر في العشاق مثلي لأنّني
…
تلذ لي البلوى ويحلو لي العذل
سوى معشرٍ حلّوا النظام ومزقوا الثي
…
اب فلا فرضٌ عليهم ولا نفل
مجانين إلاّ ذلّ جنونهم
…
عزيزٌ على أعتابهم يسجد العقل وله قصيدة أولها:
علم قومي بي جهل
…
إنّ شاني لأجلّ منها:
أنا عبدٌ أنا ربّ
…
أنا عزّ أنا ذل
(1) كرر هنا في ص لفظة ((قال)) .
(2)
نصف نهار: مكررة في ص.