الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة المحقق
مؤلف الكتاب:
محمد بن شاكر بن أحمد بن عبد الرحمن بن شاكر بن هارون بن شاكر الملقب بصلاح الدين (1) : داراني المولد دمشقي الدار، سمع من ابن الشحنة والمزي وغيرهما من علماء بلده، ولكنه حصل أكثر ثقافته - فيما يبدو - عن طريق الوراقة والمتاجرة بالكتب، وقد كان شديد الفقر قبل أن يجد الحرفة الملائمة، فلما غدا كتبياً توفر له من عمله مال طائل. وربما كانت جودة خطه ووضوحه، وذلك الاتقان في الوراقة جملة (كما تدل على ذلك نسخة الفوات بخطه) مما كفل له إقبال الناس على ما ينسخه من كتب، وكسب له حسن المعاملة في التجارة مزيداً من ذلك الإقبال، فقد وصف بأنه كان ذا مروءة في معاملته للناس؛ كذلك كان يذاكر بعض معارفه ويفيد، غير أنه لم يشتهر بين معاصريه بثقافته، وإن وصف نفسه في مقدمة الفوات بإكتاره من مطالعة كتب التاريخ، ولم ينل من عمق الثقافة ودقة الحكم ما ناله مشهورو الوراقين أمثال أبي حيان التوحيدي وياقوت الحموي، بل ظلت ثقافته تقميشاً وتنسيقاً. ويبدو لمن يطلع على نسخة الفوات أن الرجل كان لا يكترث كثيراً بمراعاة الأصول النحوية واللغوية، وربما كانت معرفته بالنحو واللغة بسيطة ساذجة، وهذا يبدو واضحاً إذا قارناه بمؤلفي كتب التراجم من معاصريه، فهم يميلون - في الأغلب - إلى استعمال أسلوب مبسط فيه كثير من طبيعة الحديث الدارج، ولكنهم لا يبلغون في ذلك مبلغ ابن شاكر.
ولا نعرف على وجه قاطع متى ولد ابن شاكر؛ وفي إحدى نسخ الدرر الكامنة أن ذلك كان عام 686، وهو تاريخ غير مستبعد، إلا أننا نعرف على
(1) أصل المعلومات عنه عند ابن كثير، البداية والنهاية 14: 302 - 303 وترجم له ابن حجر ترجمة موجزة في الدرر الكامنة 4: 71 ونقلت تلك الترجمة بنصها في الشذرات 6: 203؛ وانظر كشف الظنون 2: 1185 حيث يذكر أن لقبه " فخر الدين "، وهدية العارفين 2:163.
وجه اليقين أنه عاش حتى شهر رمضان سنة 764؛ يقول ابن كثير: " وفي يوم السبت الحادي عشر من رمضان من العام المذكور صلينا بعد الظهر على الشيخ محمد بن شاكر الكتبي "(1) وبعد شهر، وفي 10 شوال 764 على التحديد، توفي معاصره الشيخ صلاح الدين الصفدي.
مؤلفات الكتبي:
1 -
عيون التواريخ: ذكر حاجي خليفة أنه في ست مجلدات، وقال صاحب هدية العارفين إنه في 28 مجلداً، وإليه أشار ابن كثير حين قال: وجمع تاريخاً مفيداً نحواً من عشر مجلدات ولعل الاختلاف في عدد أجزاء الكتاب راجع إلى تفاوت في طبيعة النسخة التي اطلع عليها كل واحد منهم، وفي مكتبات استانبول عدة نماذج من نسخ هذا الكتاب، تشير إلى هذا التفاوت في التجزئة.
2 -
روضة الأزهار في حديقة الأشعار، ذكره صاحب هدية العارفين.
3 -
فوات الوفيات والذيل عليها.
كتاب فوات الوفيات:
يستفاد من المقدمة القصيرة التي صدر بها الكتبي كتابه هذا أنه قام يجمعه وترتيبه بعد أن أطلع على وفيات الأعيان لابن خلكان فوجد أنه لم يذكر أحداً من الخلفاء وأنه أخل بتراجم بعض فضلاء زمانه وجماعة ممن تقدم على أوانه، فأحب أن يستدرك عليه ما فاته ويذيل على كتابه؛ وفي ذكر هذه الغاية على هذا النحو شيء من المغالطة، فان ابن خلكان قد صرح بأنه لا ينوي أن يترجم للخلفاء، وأنه لن يدرج في كتابه إلا من عرف سنة وفاته، ولم يكن إغفاله الكثيرين ((لذهول عنهم أو لأنه لم تقع له ترجمة أحد منهم)) كما يدعي الكتبي، وإنما جرى ذلك خضوعاً لمنهج محدد.
ويتراءى لي أن مؤلف الفوات وجد أمامه كتاب الصفدي ((الوافي بالوفيات)) فاختار منه عدداً من التراجم (ربما لم تزد على ستمائة) ، وجعل مصنفه الجديد
(1) تصفحت هذه اللفظة في المطبوعة فأصبحت " الليثي ".
في أربعة مجلدات، وتولى ما ينقله ببعض الاختصار، ولم يزد شيئاً في المعلومات التاريخية والأخبارية، وإنما زاد في بعض المختارات الشعرية، وأكثر منها بشكل واضح في بعض التراجم (1) ؛ وحاول حقاً إلا يكرر ما أورده ابن خلكان من تراجم، إلا أن ذلك لم يكن مطرداً دائماً.
ويبدو أن الكتبي كان يصنع كتبه بالاتكاء على مؤلفات معاصريه من مؤلفي الموسوعات، فقد ذكر حاجي خليفة أيضاً أنه في ((عيون التواريخ)) يتتبع في الغالب ابن كثير، ((ولا سيما في الحوادث، وكثيراً ما ينقل منه صفحة فأكثر بحروفه)) .
متى ألف الكتبي كتاب الفوات؟: في آخر نسخة الفوات التي كتبها المؤلف أن العمل قد تم سنة 753؛ إن هذا التاريخ إن لم يكن تاريخاً لتأليف الكتاب فإنه يعد تاريخ الصورة النهائية التي اعتمدها مؤلفه وارتضاها (2) ، وربما أنه يتكيء على الصفدي في ما نقله، فإن هذا التاريخ يشير إلى أن الصفدي نفسه كان قد انتهى من تأليف كتابه قبل ذلك العام.
تحقيق كتاب الفوات:
لم يكن في نيتي أن أعيد النظر في هذا الكتاب لإيماني بأن التوفير على نشر ما يزال مطوياً من التراث أجدى من إعادة تحقيق ما قد نشر، وخاصة وأني كنت أجد المطبوعات وافية بالمطلولب (3) ، حتى اطلعت على نسخة منه بخط
(1) عرضت الفوات على نسخة من ((تجريد الوافي)) فوجدت التراجم مشتركة بين الكتابين وتؤكد الأجزاء المطبوعة من الوافي (1 - 9) مدى اعتماد الكتبي على الصفدي.
(2)
ربما كان الإختلاف الذي سأشير إليه فيما يلي بين المطبوعة والمخطوطة ناجماً عن قيام المؤلف بالتعديلات على مر الزمن في كتابه، كما فعل ابن خلكان، وإن كنت استبعد هذه المقايسة، لأن المؤلف لا يتعدى الصفدي بينما جمع ابن خلكان مادته من عشرات المصادر
(3)
أشير هنا إلى الطبعة التي صدرت بعناية الشيخ محيي الدين عبد الحميد رحمه الله، في جزءين كبيرين (القاهرة 1951) فقد بذل فيها جهداً طيباً، معتمداً على طبعتين صدرتا في مصر قبل ذلك. وقد اشار في مقدمته إلى اتكاء ابن شاكر على الصفدي.
المؤلف محفوظة بمكتبة أحمد الثالث (طوبقبو سراي)، فوجدت لدى المقارنة أن المطبوعات صورة غير دقيقة من ((الفوات)) لعدة أسباب منها:
(1)
أن ترتيب التراجم فيها مضطرب - وخاصة في حرف الهمزة - ولذلك اختلط بعض التراجم معاً، وبتر بعضها من جراء هذا الاضطراب في الترتيب.
(2)
أن معظم التراجم في المطبوعة يمثل صورة موجزة جداً، حذف منها الكثير مما قيده المؤلف من أخبار أو اختاره من أشعار.
(3)
أن عشرات التراجم سقطت من المطبوعات.
(4)
أن اللغة التي استعملها الكتبي في كتابه قد غيرت في كثير من المواطن لتصبح أقرب إلى الصحة وأخضعت لقواعد النحو، وأن بعض العبارات التركية والفارسية قد حذفت ووضع في مكانها عبارات عربية.
(5)
أن بعض التراجم قد دست في الفوات منقولة حرفياً عن ابن خلكان مثل ترجمة السيدة نفيسة وابن الشجري والبديع الاصطرلابي وابن القطان وواصل بن عطاء ووثيمة بن الفرات (رقم 473 - 479 في طبعة الشيخ محيي الدين عبد الحميد) ولا وجود لها في الأصل الذي ارتضاه المؤلف.
لكل ذلك قمت بتحقيق جديد لهذا الكتاب، معتمداً على نسختين:
(1)
نسخة مكتبة أحمد الثالث باستانبول رقم 2921 (ورمزت لها بالحرف ص لأنها أصل هام) ، وهي تقع في أربعة أجزاء، بخط المؤلف، إلا أن الجزء الثالث منها مفقود، وعدد أوراقها موزعة على الأجزاء الباقية كما يلي: الجزء الأول في 190 ورقة؛ الجزء الثاني في 189 ورقة؛ الجزء الرابع في 180 ورقة؛ وجاء في آخر الجزء الرابع: ((تم المجموع المسمى بفوات الوفيات والذيل عليها في العشر الأول من المحرم سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة من الهجرة النبوية)) . والأجزاء الثلاثة الباقية كتبت
كلها بخط واحد نسخي جميل واضح مشكول شكلاً جزيئاً، وفي الصفحة الواحدة 17 سطراً ومعدل الكلمات في السطر الواحد 11 كلمة. وعلى الجزء الرابع تملكات مختلفة، من أقدمها:((استوعب هذا المجلد المبارك مطالعة العبد الفقير إلى الله تعالى يحيى بن عجلان بن محمد الطائي المكي (1)
…
في أحد شهور سنة 881)) .
(2)
نسخة في مكتبة الصديق العلامة الأستاذ محمد زهير الشاويش (ورمزها: ر) وتقع في 140 ورقة، في الصفحة الواحدة منها 21 سطراً، ومعدل الكلمات في السطر الواحد 12 كلمة، وخطها نسخي واضح جميل مقارب كثيراً لخط النسخة السابقة، حتى ليمكن أن تعد النسختان لدى النظرة العجلى بخط ناسخ واحد. وهي نسخة قديمة أيضاً ولا بد، إذ جاء على الورقة الأولى منها أنها ((للخزانة العالية المولوية المخدومية الأميرية الكبيرية الناصرية ابن فضل الله، عمرها الله ببقائه آمين)) . وعلى الورقة نفسها أنها ((الجزء الثاني من كتاب الفوات)) ، ولكنها في شكلها الحالي مجموعة من الأوراق قد اضطرب ترتيبها واختل، بسقوط أوراق كثيرة في عدة مواطن منها؛ وتمثل التراجم الباقية منها جانباً من الجزء الثاني وجانباً من الجزء الثالث حسب قسمة النسخة (ص) .
وقد كان لهذه النسخة قيمة كبيرة في التحقيق، وخاصة لأنها تسد مسد جانب من الجزء الثالث المفقود. ولما كان الجزء الثالث يتضمن عدداً كبيراً من تراجم المحمدين، فقد كان عرضه على الأجزاء الأربعة الأولى من كتاب الوافي المطبوع (وهي تضم تراجم المحمدين) وعلى مخطوطة عقود الجمان للزركشي (وهي صورة أخرى من الفوات مع اختلاف قليلة) مما ييسر
(1) لا شك في أنه هو الذي ترجم له السخاوي في الضوء اللامع 10: 235 وقال إنه يعرف بابن الشريفة، حفظ القرآن والمناهج وسافر إلى الحبشة والهند والقاهرة والشام للاسترزاق، وكان ينفق ما يدخل عليه أولاً فأولا، ويقال له الطائي نسبة لجدٍ له اسمه طي. إلا أن السخاوي ذكر أنه مات بالقاهرة في طاعون سنة 873. وقد كان الطاعون حقاً في ذلك العام (انظر ابن أياس 3: 26 وما بعدها) فإما أن السخاوي أخطأ في تاريخ الوفاة، وإما أن ابن عجلان وهم في تقييد التاريخ المذكور (بدلاً من 871 مثلاً) .
الاطمئنان إلى النص، ولكني لا أستطيع أن أجزم إن كان الجزء الثالث المفقود يحتوي تراجم لم ترد في مطبوعات الفوات.
وقد اتبعت في تحقيق هذا الكتاب منهجاً أحب توضيحه فيما يلي:
(1)
ذهبت إلى اعتبار الصفدي والزركشي صورتين مشابهتين أو ماربتين لهذا الكتاب فقارنته بهما مقارنة دقيقة، ثم عرضت كل ترجمة على المصادر الأخرى، وأثبت هذه المصادر مجتمعة في الحاشية؛ وقد تعمدت في الجزء الأول أن أذكر كتاب الصفدي اعتماداً على ((تجريد الوافي)) لأقدم نموذجاً يشير إلى مدى الاتفاق في التراجم بين الكتابين، ولكني لم أشر إلى الصفدي في الأجزاء التالية إلا إذا كانت الترجمة موجودة في الأجزاء المطبوعة منه.
(2)
حرصت على إبقاء النص كما ورد في نسخة المؤلف، إلا حيث كان الخطأ اللغوي أو النحوي مما يمس رواية شعر قديم، أو يتصل بشخصٍ لم يعرف عنه التساهل في اللغة والنحو، فصوبت المتن، وأشرت إلى نص الأصل في الخاشية. أما ما كان أسلوباً حوارياً أو إخبارياً يمثل اللغة الدارجة في القرنين السابع والثامن - على وجه الخصوص - فقد أبقيته في المتن على حاله دوت تغيير.
(3)
بينت في كل موضع أن كانت الترجمة مما لم يرد في المطبوعات، كما أشرت بشكل عام إلى ما حذف من بعض التراجم، ليتكون لدى القارئ صورة واضحة عن مدى العلاقة بين المطبوعات ونسخة المؤلف.
(4)
حذفت التراجم الدخيلة التي وردت في المطبوعة.
(5)
اقتصرت في الشرح على تفسير بعض الألفاظ الاصطلاحية، وبعض الغريب، ولم أحاول التوسع في الشرح والتخريج.
هذا وأني أتقدم بجزيل الشكر إلى الصديق الأستاذ محمد زهير الشاويش الذي أعارني نسخته الأصلية من هذا الكتاب، وسمح لي باستخدامها في التحقيق وكل ما أرجوه أن تكون هذه المحاولة ذات نفع في خدمة العلم، والله الموفق.
بيروت في (أيلول) سبتمبر 1973. إحسان عباس
بسم الله الرحمن الرحيم
رب يسر واختم بخير
أحمد الله على نعمه التي جلَّت مواقع ديمها، وعمَّت فوائد كرمها، وأشكره على مننه التي جادت رياض التحقيق من سحب الأفكار بمنسجمها، فأظهرت أزاهر المعاني التي انثرت (1) فأشرق الكون بتبسُّمها، الذي حكم بالموت على عباده إظهاراً لبدائع قدرته وحكمها، وأسعد وأشقى فيا فوز فرقة نقل الرواة ما سلف من محاسن شيمها. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة، يقترن بالخلود ذكرها، ويتجدد في كل يوم فخرها، وينسدل على هفوات الإنسان سترُها. وأشهد أن سيدنا محمداً (2) عبده ورسوله الذي قلد بدرر محاسنه الأعناق " وبعثه على حين فترة من الرسل متمماً لمكارم الأخلاق "(3) وجعل شمس شريعته الغراء دائمة الإشراق. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين جملوا بذكر محاسنهم السير، وذهبوا وصف مفاخرهم الآصال والبُكر، ما دوّنت الأقلام ذكر الأفاضل، وجلَت الكتب على أسماع الأواخر ذكر الأوائل، وسلم.
وبعد، فإنّ علم التاريخ هو مرآة الزمان لمن تدبر، ومشكاة أنوار يطلع بها على تجارب الأمم مَن أمعن النظر وتفكر، وكنت ممن أكثر لكتبه المطالعة، واستحلى من فوائده المطالعة والمراجعة، فلما وقفت على كتاب " وفيات الأعيان "
(1) كذا في ص، ولعلها " افترت " كما هي في المطبوعة.
(2)
ص: محمد.
(3)
سقطت من ص.
لفاضي القضاة ابن خلكان، قدس الله روحه، وجدته من أحسنها وضعاً لما اشتمل عليه من الفوائد الغزيرة، والمحاسن الكثيرة، غير أنه لم يذكر أحداً (1) من الخلفاء، ورأيته قد أخلَّ بتراجم بعض فضلاء زمانه، وجماعة ممن تقدم على أوانه، ولم أعلم أذلك لذهول (2) عنهم، أو لم يقع له ترجمة أحد منهم.
فأحببت أن أجمع كتاباً يتضمن ذكر مَن لم يذكره من الأئمة الخلفاء، والسادة الفضلاء أذيل فيه من حين وفاته إلى الآن، فاستخرت الله تعالى، فشرح لذلك صدري، وتوكلت عليه وفوضت إليه أمري. ووسمته ب؟ " فوات الوفيات ".
والله تعالى المسئول أن يوفق في القول والعمل، وأن يتجاوز عن هفوات الخطأ والخطل.
(1) ص: أحد.
(2)
ص: لذهولا.