الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شهوتَهُ ويكون له فيها أجرٌ. قال: "نَعَم أرَأيْتُم لَوْ وَضَعها في حَرام كان لَهُ وزرٌ" الحديث والاستمتاع بالمملوك خاصٌّ بالرجال، فلا يجوز للمرأة الاستمتاع بفَرْجِ مَمْلُوكِها.
الحديث الثاني
9 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ» .
قوله: "الإِيمان" مبتدأ، خبره بضع، وهو بكسر الباء، وحُكِيَ الفتحُ لغةً، وهو عدد مبهم مقيد بما بين الثلاث إلى التسع، كما جزم به القَزَّازُ، وقيل: إلى العشر، وقيل: من واحد إلى تسع، وقيل: من اثنين إلى عشرة، وقيل: من أربعة إلى تسعة، ويرجح ما قاله القَزَّاز ما اتفق عليه المفسرون في قوله تعالى:{فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ} من أن لبث يوسف عليه السلام في السجن سبع سنين، وما رواه الترمذي بسند صحيح أن قريشًا قالوا ذلك لأبي بكر، وكذا رواه الطَّبَري مرفوعًا وقال الفَرّاء: هو خاصٌّ بالعشرات إلى التسعين، ولا يقال: بضع ومئة ولا بضع وألف، وفي بعض الروايات بضعة بتاء التأنيث، وتحتاج إلى تأويل، وهو أن تُؤوَّلَ الشعبة بالنوع إذا فسرت بالطائفة من الشيء وبالخلق إذا فسرت بالخَصْلة والخلَّة.
وقوله: "وستّون" هو الذي في طرق أبي عامر، وفي رواية عند أبي عَوانة بضع وستون، أو بضع وسبعُون، وفي رواية لمسلم كذلك، ورواه أصحاب السنن بضع وسَبْعون من غير شكٍّ، ورُجِّحَت رواية بضع وستون لأنه المتيقن، وترجيح عِياضٍ والحَلِيمِيِّ رواية بضع وسبعين بكونها زيادة ثقة مردودٌ بأن الذي زادها لم يستمر على الجزم بها، لا سيما مع اتحاد المخرج، وهل المراد حقيقة العدد أو المبالغة. قال الطِّيبِيُّ: الأظهر معنى
التكثير، ويكون ذكر البضع للتَّرَقّي، يعني أن شعب الإِيمان أعداد مبهمة، ولا نهاية لها، ولو أراد التحديد لم يُبْهم، وقال آخرون: المراد حقيقة العدد، ويكون النص وقع أولًا على البِضْع والستين، لكونه الواقع، ثم تجددت العشر الزائدة، فنص عليها.
وقوله: "شُعبة" بضم الشين، أي قطعة، والمراد الخَصْلة، أو الجزء، قال القاضي عِياض: تكلف جماعة حَصر هذه الشعب بطريق الاجتهاد، وفي الحكم يكون ذلك هو المراد صعوبةٌ، ولا يقدح عدم معرفة حصر ذلك على التفصيل في الإِيمان، وقد لَخَّصَ في "الفتح" ما أورده، فقال: إن هذه الشعب تتفرع من أعمال القلب، وأعمال اللسان، وأعمال البدن، فأعمال القلب المعتقدات والنيّات، وتشتمل على أربع وعشرين خصلة، وأعمال اللسان تشتمل على سبع خِصال، وأعمال البدن تشتمل على ثلاث وثلاثين خَصْلة.
فالأربع والعشرون المشتملة على أعمال القلب هي الإِيمان بالله، ويدخل فيه الإِيمان بذاته، وصفاته، وتوحيده بأنه ليس كمثله شيءٌ، واعتقادُ حدوث ما دونه، والإِيمان بالملائكة وكتبه ورسله والقدر خيره وشره، والإِيمان باليوم الآخر، ويدخل فيه المسألة في القبر والبعث والنشور، والحساب، والصراط، والجنة، والنار، ومحبة الله، والحب والبغض فيه، ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم، واعتقاد تعظيمه، ويدخل فيه الصلاة عليه، واتباع سنته، والإِخلاص، ويدخل فيه ترك الرياء، والنفاق، والتوبة، والخوف، والرجاء، والشكر، والوفاء، والصبر، والرضا بالقضاء، والتوكل، والرحمة، والتواضع، ويدخل فيه توقير الكبير، ورحمة الصغير، وترك الكبر، والعجب، وترك الحسد، وترك الحقد، وترك الغضب.
وأعمال اللسان المشتملة على سبع خصال هي: التلفظ بالتوحيد، وتلاوة القرآن، وتعلم العلم، وتعليمه، والدعاء، والذكر، ويدخل فيه الاستغفار، واجتناب اللغو.
وأعمال البدن المشتملة على ثمان وثلاثين خصلة منها ما يختص بالأعيان وهي خمس عشرة خصلة: التطهير حسًّا وحكمًا، ويدخل فيه اجتناب النجاسات، وستر العورة، والصلاة فرضًا ونفلًا، والزكاة كذلك، وفك الرقاب، والجود، ويدخل فيه إطعام الطعام، وإكرام الضيف، والصيام فرضًا ونفلًا، والحج، والعمرة كذلك، والطواف، والاعتكاف، والتماس ليلة القدر، والفرار بالدين، ويدخل فيه الهجرة من دار الشرك، والتحري في الإِيمان، وأداء الكفارات، ومنها ما يتعلق بالاتباع وهي ست خِصال: التعفف بالنكاح، والقيام بحقوق العيال، وبر الوالدين، وفيه اجتناب العقوق، وتربية الأولاد، وصلة الرحم، وطاعة السادة، والرفق بالعبيد، ومنها ما يتعلق بالعامّة وهو سبع عشرة خصلة: القيام بالإِمرة مع العَدل، ومتابعة الجماعة، وطاعة أولي الأمر، والإِصلاح بين الناس، ويدخل فيه قتال الخوارج والبغاة، والمعاونة على البر، ويدخل فيه الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإقامة الحدود، والجهاد، ومنه المرابطة، وأداء الأمانة، ومنه أداء الخمس، والقرض مع وفائه، وإكرام الجار، وحسن المعاملة، وفيه جمع المال من حله، وإنفاق المال في حقه، ومنه ترك التبذير والإِسراف، ورد السلام، وتشميت العاطس، وكف الأذى عن الناس، واجتناب اللهو، وإماطة الأذى عن الطريق، فهذه تسع وستون خصلةً، ويمكن عدها تسعًا وسبعين خصلة باعتبار إفراد ما ضُمَّ بعضه إلى بعض مما ذكر.
وفي رواية مسلم زيادة: "أعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق" وتمسك بها القائلون بأن الإِيمان فعل الطاعات بأسرها.
والقائلون بأنه مركب من التصديق والإِقرار والعمل جميعًا، وأجيب بأن المراد شعب الإِيمان قطعًا لا نفس الإِيمان، فإن إماطة الأذى عن الطريق ليس داخلًا في أصل الإِيمان حتى يكون فاقده غير مؤمن، فلا بُدَّ في الحديث من تقدير مضاف، أي فروع الإِيمان.
وقوله: "والحياءُ شُعبة من الإِيمان" مبتدأ وخبره، ومن الإِيمان نعت
لشعبة، وهو بالمد، وفي اللغة هو تغير وانكسار يعتري الإنسان من خَوْف ما يعاب به، وقد يُطلَقُ على مجرد ترك الشيء بسبب، والترك إنما هو من لوازمه. وفي الشرع خُلُق يبعث على اجتناب القبيح، ويمنع من التقصير في حق ذي الحق، ولهذا جاء في الحديث الآخر:"الحياءُ خيرٌ كلُّه".
وقال الرّاغب: الحياء انقباض النفس عن القبيح، وهو من خصائص الإنسان ليرتدع عن ارتكاب كل ما يشتهي، فلا يكون كالبهيمة، وهو مركب من جُبْن وعِفَّة، فلذلك لا يكون المستَحي فاسقًا، وقَلَّما يكون الشجاع مستحيًا، وقد يكون لمطلق الانقباض كما في بعض الصبيان.
وقال غيره: هو انقباض النفس خَشْية ما يكره أعم من أن يكون شرعيًّا أو عقليًّا أو عرفيًّا، ومقابل الأول فاسق، والثاني مجنون، والثالث أبله، وقال الحَلِيميُّ: حقيقة الحياء خوف الذم بنسبة الشرِّ إليه، وقال غيره: إن كان في مُحَرَّم فهو واجبٌ، وفي مكروهٍ فهو مندوبٌ، وفي مباحٍ فهو العُرفيُّ، وهو المراد بقوله:"الحياء لا يأتي إلا بخير" ويجمع كل ذلك أن المباح إنما هو ما يقعُ على وِفْقِ الشرع إثباتًا ونفيًا. وحُكِي عن بعض السلف: رأيتُ المعاصي مَذَلَّةً، فتركتها مروءةً، فصارت ديانةً. وقد يتولد الحياء من الله تعالى من التقلب في نعمه، فيستحي العاقل أن يستعين بها على معصيته، وقد قال بعض السلف: خَفِ الله على قَدْرِ قُدْرَتِه عليك، واستحي منه على قدر قربه منك.
وإنما خصه هنا بالذكر لأنه كالداعي إلى باقي الشعب، لأنه يبعث على الخوف من فضيحة الدنيا والآخرة، فَيَأتَمِر ويَنْزَجِرُ، ومن تَأمَّل معنى الحياء، ونظر فيما أخرجه التِّرمِذيُّ من قوله عليه الصلاة والسلام:"اسْتَحيُوا من الله حقَّ الحَيَاءِ". قالوا: إنا لَنَسْتَحيي من الله يا رسول الله، والحمد لله. قال:"لَيْس ذلك، ولكن الاستحياءُ من الله حق الحياء أن يُحْفَظَ الرَّأسُ ومَا وَعَى، والبَطْن وما حَوَى، ويُذْكر الموتُ والبلا، ومن أراد الآخرة تَرَكَ زينة الدنيا، وآثَرَ الآخرةَ على الأولى، فمن يَعْمَل ذلك فقد استحيى من الله حقَّ الحياء، ورأى العجب العجاب" ومن مُنح الفضل
الإلهي ورزق الطبع السليم ذاق معنى إفراد الحياء بالذكر بعد دخوله في الشعب، كأنه يقول هذه شعبة واحدة من شعبه، فهل تحصى وتعد شعبها؟ هيهات!
واعلم أنه لا يقال: إن الحياء من الغرائز، فكيف جُعِل شعبَةً من الإِيمان؟ لأنا نقول: إنه قد يكون غريزة، وقد يكون تَخَلُّقًا، ولكن استعماله على وِفق الشرْعِ يحتاج إلى اكتساب وعلم ونية، فلهذا كان من الإِيمان، ولكونه باعثًا على فعل الطاعة وحاجزًا عن فعل المعصية، ولا يُقال: رُبَّ حياءٍ يمنع عن قول الحق، أو فعل الخير، لأنا نقول: إن ذلك ليس بحياء شرعيٍّ وإنما هو خَجَلٌ، وهو انقباض النفس عن الفعل مطلقًا.
وفي هذا الحديث دلالة على قبول الإِيمان الزيادة والنقصان، لأن معناه كما قال الخَطَّابي: إن الإِيمان الشرعيَّ اسم لمعنى ذي أجزاء، له أعلى وأدنى، والاسم يتعلق ببعض تلك الأجزاء، كما يتعلق بكلها.
وفيه أيضًا تشبيه الإِيمان بشجرة ذات أغصان وشعب، ومبناه على المجاز لأن الإِيمان كما مر في اللغة التصديق، وفي عرف الشَّرع تصديق القلب واللسان، وتمامه وكماله بالطاعات، فحينئذ الإِخبار عن الإِيمان بأنه بضع وستون يكون من إطلاق الأصل على الفَرع لأن الإِيمان هو الأصل، والأعمال فروعٌ منه، وإطلاق الإِيمان على الأعمال مجازٌ، لأنها تكون عن الإِيمان. وهذا مبنيٌّ على القول بقَبُول الإِيمان الزيادة والنقصان.
أما على القول بعدم قبوله لهما، فليست الأعمال داخلة في الإِيمان، واستدل لذلك بأن حقيقة الإِيمان التصديق، وبأنه قد وَرَدَ في الكتاب والسنة عطف الأعمال على الإِيمان، كقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [البقرة: 277] مع أن العطف يقتضي المغايرة، وعدم دخول المعطوف في المعطوف عليه، وقد ورد أيضًا جعلُ الإِيمان شرطًا لصحة الأعمال كقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَات