الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عنها، وإلا فبدعة وفسق.
وقال في "فتح الباري": اختُلِف في سابِّ الصحابي، فقال عياض: ذهب الجمهور إلى أنه يُعَزَّرَ، وعن بعض المالكية يقتل، وخَصَّ بعض الشافعية ذلك بالشيخين والحسنين؛ فحكى القاضي حسين في ذلك وجهين، وقواه السُّبْكيُّ في حق من كَفَّرَ الشيخين، وكذا من كفر من صرح النبي صلى الله عليه وسلم بإيمانه أو بتبشيره بالجنة إذا تواتر الخبر بذلك عنه، لما تضمن من تكذيب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد شفيت الغليل في الكلام على مبغض الصحابة في كتابي على الخلافة والباغية بما لا مزيد عليه، يسر الله طبعه ليعم به النفع.
الِإمساك عما شَجَرَ بين الصحابة
ومما هو واجبٌ بإجماع المسلمين في حق الصحابة، رضوان الله عليهم أجمعين، الِإمساك عما شجر بينهم، أي وقع من الاختلاف، وقد قال صلى الله عليه وسلم:"إذا ذُكِرَ أصحابي فَأمْسِكُوا". فلا يجوز للمسلم أن يصغي بأُذنِهِ إلى أخبار المؤرخين، وجهلة الرواة، وضُلّال الشيعة والمبتدعين القادحة في أحد منهم.
وقد أخبر عليه الصلاة والسلام، أن ما وقع بينهم مغفور لهم، فقد أخرج نُعَيْم بن يزيد بن أبي حَبيب مرسلًا، قال صلى الله عليه وسلم:"تَكونُ بَيْنَ أَصْحابي فتنة يغفِرُها الله لهم بسابِق صُحبتي لسابقتهم، إن اقتدى بهم قومٌ من بعدِهم كبَّهُمُ اللهُ تعالى في نار جَهَنَّمَ". هكذا لفظ "كنز العمال". ورويته عن شيخي عبد الله بن محمَّد سالم رحمه الله تعالى، وهو أول حديث رويته منه بلفظ:"سَتَكُونُ زَلَّةٌ بَيْنَ أَصْحابي يَغْفِرُها الله لهم بسابق صُحبتي، فيتأسى بهم أقوامٌ من بعدِهم؛ فَيَكبُّهمُ الله على مناخِرهِم في النّار". فبين الروايتين اختلاف قليل في بعض الألفاظ، والمعنىَ مُتحِدٌ.
وإذا علمت أن ما وقع بينهم مغفور بنص الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام، لم يبق إلا أن تلتمسَ لهم أحسن التأويل، وتُخرِجَ لهم
أصوب المخارج إذ هم أهل لذلك، كما هو مشهورٌ من مناقِبهم، ومعدودٌ من مآثرهم. وما وقع بينهم من المنازعات والمحاربات، له محاملّ وتأويلاتٌ واضحةٌ، جليّةٌ لِمَنْ لَمْ يُعْمِ الله تعالى بصيرته؛ وها أنا أوضح ذلك لمن يريد الحق، وأراد الله تعالى له الهداية. فأقول:
اعلم أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم عُدولٌ مجتهدون، وقد ثبت في الحديث الصحيح:"إن المجتهدَ إذا اجتهدَ وأصاب فله أجرانِ، وإذا اجتهدَ وأخطأَ فلهُ أجرٌ واحدٌ".
وسبب الخلاف بينهم هو أن عائشةَ وطلحةَ والزبير، رضي الله تعالى عنهم، قالوا: إن متابعة علي، رضي الله تعالى عنه، وبيعته لا تمكن حتى يُمَكِّنَ ورثةَ عثمان بن عفان، رضي الله تعالى عنه، مِنْ قتَلَتِهِ؛ فيقتصون منهم أو يَعْفون، وقال علي رضي الله تعال عنه: لا يَصِحُّ تمكينُهم منهم حتى يبايعَ الجميعُ، ويترافَعَ إليه ورثةُ المقتولِ والقاتلونَ، ويحكم بينهم بحكم الله تعالى. فأصل النزاع هو هذا.
وهذه مسألة اجتهادية، فليس بينهم نزاعٌ في طلب الإمارة، ولا في نزاع علي رضي الله تعالى عنه، ومعاوية رضي الله تعالى عنه، ابن عم عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه ومعه ورثته، وهو طالبٌ بدمه، مريدٌ للقِصاص من القاتلين الذين مع علي، رضي الله تعالى عنه، كما طلبت منه ذلك الجماعة المتقدمة، وليس معاوية طالبًا الِإمارة، ولا منازعًا فيها، ولأجل كون المسألة اجتهادية ولم يتضح حكمها، اعتزل كثير من كبراء الصحابة الفِرْقتين، ولم يَدْخُلوا في القتال، كسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عُمر، ومحمد بن مَسْلمة، ودخل بعض من اعتزل الفرقتين مع علي، رضي الله تعالى عنه، لما مات عمار بن ياسر لكونه ثبت عنده قوله صلى الله عليه وسلم:"يا وَيْحَ عَمّارٍ تَقْتُلُهُ الفئةُ الباغيةُ". واستمر بعضهم على اعتزال الفِتَن إلى أن ماتَ، كالثلاثة المذكورين، لكونهم لم يثبتْ عندهم الحديث، أو غير ذلك، وبهذا الحديث ظهر، وبحديث الخوارج أن عليًّا