الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهُوَ مُؤْمِنٌ} [طه: 112] مع القطع بأن المشروط لا يدخل في الشرط، لامتناع اشتراط الشيء لنفسه، وورد أيضًا إثبات الإِيمان لمن ترك بعض الأعمال، كقوله تعالى:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات: 9] مع القطع بأنه لا يتحقق الشيء بدون رُكنه، ولكن هذه الوجوه إنما تقوم حجة على من يجعل الطاعاتِ ركنًا من الإِيمان، بحيث إن تاركها لا يكون مؤمنًا كما مر عن الخوارج والمعتزلة، لا على من ذَهَبَ إلى أنها ركن من الإِيمان الكامل، بحيث لا يَخْرُجُ تاركها عن حقيقة الإِيمان، كما مر عن السلف.
رجاله ستة:
الأول: عبد الله بن محمَّد بن عبد الله بن جَعْفر بن اليمان بن أخْنَس ابن خُنَيس أبو جعفر الجُعْفيّ البُخاريّ الحافظ المعروف بالمُسْنِدِيّ سُمي بذلك لأنه كان يطلب المسندات، ويرغب عن المرسلات والمنقطعات.
وقال الحاكم: لأنه أول من جمع مسند الصحابة فيما وراء النهر، وهو إمام الحديث في عصره هنالك بلا مدافعة.
وقال الخَلِيليُّ: ثقة متقن. وقال البُخاريُّ: قال لي الحَسن بن شُجاع: من أين يفوتك الحديث وقد وقعت على هذا الكنز؟ وقال أبو حاتم: صدوق. وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: كان متقنًا. وقال أحمد بن سَيّار: من المعروفين بالعدالة والصدق، صاحب سنة، عرف بالإِتقان، وقد رأيته بواسط حسن القامة، أبيض الرأس واللحية، ورجع إلى بخارى، ومات بها. وفي "الزهرة" روى له البخاري أربعة وأربعين حديثًا، وجدُّه اليَمَان هو مولى أحد أجداد البخاري ولاءَ إسلام.
روى عن: ابن عُيَينة، وعبد الرزاق، وحَرَميّ بن عُمارة، وإسحاق الأزرق، ومُعْتَمر بن سليمان، وجماعة.
وروى عنه: البُخاريّ، وروى الترمذي عن البخاري عنه، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وأحمد بن سَيّار، والذُّهْليّ، وعبيد الله بن واصل البُخاري، وغيرهم.
مات ببخارى في ذي القعدة سنة تسع وعشرين ومئتين.
وعبد الله بن محمَّد في الستة ثلاثون.
والجُعْفِيّ في نسبه نسبةً إلى جُعفي ككرسي، وهو ابن سعد العشيرة ابن مذحج أبو حي من اليمن، والنسبة إليه جُعْفِي كما في الصحاح، وأنشد للبيد:
قَبَائلُ جُعْفِيِّ بن سَعْدٍ كأنَّما
…
سَقَى جَمْعَهُم ماءً الزُّعافِ مُنيمُ
فإذا نسبت إليهَ قدَّرت حذف الياء المشددة، وإلحاق ياء النسب مكانها، فالاسم والمنسوب إليه واحد كما عرفت، غير أنه يجمع جمع رومي، فقيل: جُعْفٌ، وللشاعر:
جُعْفٌ بِنجرانَ تَجُرٌّ القَنَا
وأعقب جعفي من ولديه مروان وصَرِيم، فمن وَلَدِ مروان جابر بن زيد الفقيه، ومن صَرِيم عبيد الله بن الحذّاء، والفاتِك، وغيرهما.
والبُخاريُّ في نسبه نسبةً إلى بُخارى -بضم الباء- يمد ويقصر، والقصر أرجح وأشهر، وهي بلدة من أعظم مدن ما وارء النهر، بينها وبين سمرقند ثمانية أيام أو سبعة، خرج منها جماعة من العلماء في كل فَنٍّ، وعلى بُخارى وقُراها ومزارعها سور واحد، نحو اثني عشر فرسخًا في مثلها.
قال ابن حَوْقَل: رَسَاتِيق بُخارى تزيد على خمسة عشر رُسْتاقًا، جميعها داخل الحائط المبني على بلادها، ولها خارج الحائط أيضًا عدة مدن، منها فِرَبر وغيرها، ولها تاريخ عجيب.
الثاني: عبد الملك بن عمرو بن قَيْس القَيْسيّ أبو عامر العَقَدي -بالتحريك- البصري.
قال سليمان بن داود القَزَّاز: قلت لأحمد: أريد البصرة، عمن أكتب؟
قال: عن أبي عامر العَقَديّ، ووهيب بن جَرير. قال عثمان الدَّارِميُّ، عن ابن مَعين: صدوق. وقال أبو حاتم: صدوق. وقال النَّسائي: ثقة مأمون.
وقال ابن مَهْدي: كتبت حديث ابن أبي ذِئبٍ عن أوثق شيخ، أبي عامر العَقَديّ. قال أبو زَكريّا الأعْرج النَّيْسابورِيّ: كان إسحاق إذا حدثنا عن أبي عامر، قال: حدثنا أَبو عامر الثقة الأمين. وقال ابن سَعْد: كان ثقة. وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال عُثمان الدّارميّ: أبو عامر ثقة عاقل، روى عن أيمن بن نابِل، وعِكْرمة بن عَمّار، وقُرَّة بن خالد، وفُلَيْح بن سُليمان، والثَّوريّ، وشُعبة، وسليمان بن بلال، ومالك، وابن أبي ذئب، وهشام الدَّسْتُوائي، وغيرهم.
وروى عنه: أحمد، وإسحاق، وعلي، ويحيى، والمُسْندي، وأبو خَيْثَمة، والذُّهْلِيّ، وأبو قِلابة، وأبو قُدامة السَّرْخَسِيّ، وحَجّاج بن الشاعر، وأبو بكر بن نافع، وغيرهم.
مات سنة أربع ومئتين.
والعَقَديُّ في نسبه نسبةً إلى العَقَد بالتحريك، وهم قوم من قيس، وهم صِنْف من الأزْد، وقيل: العَقَد بطن من بَجِيلة. وقيل: من قَيْس عَيْلان بالولاء، قال أبو الشيخ: إنما سُمّوا عَقَدًا لأنهم كانوا لئامًا. وقيل: العَقَد مولى الحارث بن عبّاد بن ضبيعة بن قَيس بن ثَعْلبة. وقيل: قبيلة من اليمن من بني عَبْد شمس بن سعد. وفي "القاموس" العقد بالتحريك قبيلة من بَجيلة أو اليمن، منها بشر بن معاذ، وأبو عامر عبد الملك بن عمرو.
الثالث: سُليمان بن بِلال التَّيْمي القُرَشيّ مولاهم مولى آل الصديق أبو محمَّد، ويقال: أبو أيوب المَدَنيّ.
قال أحمد: لا بأس به، ثقة. وقال ابن مَعين: ثقة صالح. وقال عُثمان الدارِمِيّ: قلت لابن مَعين سليمان أحب إليك أو الدَّراوَرْديّ؟ فقال: سليمان، وكلاهما ثقة. وقال ابن سَعْد: كان بَرْبَريًّا جميلًا عاقلًا حسن الهيئة، وكان يُفتي بالبلد، وولي خراج المدينة، وكان ثقة كثير
الحديث. وقال الذُّهْلِيُّ: ما ظننت أن عند سليمان بن بلال من الحديث ما عنده، حتى نظرت في كتاب ابن أبي أُوَيْس، فإذا هو قد تَبَحَّر في حديث المدنيين. وقال ابن مَهْدي: ندمت على أن لا أكون أكثرت عنه.
وقال أبو زُرْعة: سليمان بن بلال أحب إلي من هشام بن سَعْد. وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال الخَليليّ: ثقة ليس بمكثر، لقي الزُّهْريّ، ولكنه يروي كثير حديثه عن قدماء أصحابه، وأثنى عليه مالك، وآخر من حدث عنه لُوَيْن. وقال ابن الجُنَيْد، عن ابن مَعِين: إنما وضعه عند أهل المدينة أنه كان على السوق، وكان أروى الناس عن يحيى بن سعيد. قال عثمان بن أبي شَيْبة: لا بأس به، وليس ممن يُعتمد على حديثه. وقال ابن حَجَر: قال ابن عَدِيّ: رأيت رواية مالك عنه في كتاب "مكة" للفاكِهانيّ.
روى عن زيد بن أسْلم، وعبد الله بن دينار، وصالح بن كَيْسان، وحُمَيْد الطويل، وهشام بن عُروة، وموسى بن عُقبة، ويحيى بن سعيد، وجَعْفر الصادق، وخلق.
وروى عنه: أبو عامر العَقَديّ، وعبد الله بن المُبارك، ومُعَلَّى بن منصور الرّازي، وأبو سلمة الخُزاعيّ، ويحيى بن يحيى النَّيْسابُوري، وإسماعيل بن أبي أُوَيْس، والقَعْنَبِيُّ، ومحمد بن سُليمان لُوَيْن، ومرّ أنه آخر من روى عنه.
مات بالمدينة سنة سبع وسبعين ومئة، وقيل: سنة اثنتين وسبعين.
وليس في الكتب الستة من اسمه سُليمان بن بلال سواه، وأما سليمان فكثير.
والتَّيْميُّ في نسبه نسبةً إلى تَيْم بن مُرة جد أبي بكر الصديق رضي الله عنه. والتيمي في قبائل من العرب، ففي قريش تَيْم بن مرة هذا، وفي الرَّباب تيم بن عبد مَناة بن أُدَ بن طابِخة، قال مَعْمر بن المُثَنى: تَيْم الرَّباب: عَدِيّ وثور وعُكْل، ومُزَيْنة، وضَبَّة بنو عبد مناة، وقيل: سُمّوا بذلك لأنهم غمسوا أيديهم في رُبٍّ وتحالفوا عليه، وقيل: سموا به لأنهم
تَربَّبوا، أي: تحالفوا مع تميم علي بني سعد بن زيد مَناة، والرُّبُّ بضم الراء، وتشديد الباء الموحدة، الطلاء الخاثِر، وفي النَّمِر بن قاسِط تَيْم الله بن النَّمِر بن قاسِط، وفي شَيْبان تَيْم بن شيبان، وفي ربيعة بن نزار تيم الله بن ثَعْلبة، وفي قُضاعة تيم الله بن رُفَيدة، وفي ضَبَّة تيم بن ذُهْل.
الرابع: عبد الله بن دينار العَدَويُّ، أبو عبد الرحمن المدني مولى ابن عمر.
قال صالح بن أحمد، عن أبيه: ثقة مستقيم الحديث. وقال أبو زُرْعة، وأبو حاتم، وابن مَعين، ومحمد بن سَعْد، والنَّسائي: ثقة. زاد ابن سَعْد: كثير الحديث. وقال العِجْليّ: ثقة. وقال ابن عُيينة: لم يكن بذاك، ثم صار. وقال اللَّيْث، عن ربيعة: حدثني عبد الله بن دينار، وكان من صالحي التابعين، صدوقًا دينًا، وذكره ابن حِبان في "الثقات". وقال السَّاجِيُّ: سئل أحمد عنه، فقال: نافع أكبر منه، وهو ثبت في نفسه، ولكن نافع أقوى منه. وفي "العلل" للخَلّال: أن أحمد سئل عن عبد الله ابن دينار الذي روى عنه موسى بن عُبيدة النهي عن بَيْع الكالىء بالكالِىء، فقال: ما هو الذي روى عنه الثَّوْرِيُّ. قيل: فمن هو؟ قال: لا أدري. وجزم العُقَيْليُّ بأنه هو، فقال في ترجمته: روى عنه موسى بن عُبيدة ونظراؤه أحاديث مناكير العمل فيها عليهم، وروى عنه الأثبات حديثه عن ابن عمر في النهي عن بيع الوَلاء وعن هِبَته، ومما انفرد به حديث شُعب الإِيمان. رواه عنه ابنه، وسُهَيل، وابن عَجْلان، وابن الهاد، ولم يروه شُعبة ولا الثوري ولا غيرهما من الأثبات.
روى عن ابن عمر، وأنس، وسليمان بن يسار، ونافع مولى ابن عمر، وأبي صالح السمان، وغيرهم. وأما قول ابن الحذّاء في رجال الموطأ: قيل: لا نعلم له رواية عن أحد إلا ابن عمر، فهو قصور شديد ممن قاله.
وروى عنه ابنه عبد الرحمن، ومالك، وسليمان بن بلال، وشُعبة،
والسفيانان، وعبيد الله بن عُمر، وموسى بن عُقبة، ووَرْقاء بن عُمر، ويحيى بن سعيد، وغيرهم.
مات سنة سبع وعشرين ومئة.
وفي الستة عبد الله بن دينار البَهْراني، وأما عبد الله فأكثر من أن يُحصى.
والعَدَويُّ في نسبه نسبةً إلي عَدِيّ بن كَعْب وهو في قُريش، وفي الرَّباب عَدِيّ بن عبد مَناة، وفي خُزاعة عَدِيّ بن عمرو، وفي الأنصار عَديّ بطن من بني النجار، وفي طيِّىء عدي بن أخرم، وفي قُضاعة عدي ابن خَبّاب.
الخامس: ذَكْوان السَّمّان الزَّيات أبو صالح المَدَنِي مولى جُويرية بنت الأحْمَس الغَطَفَاني، وقيل: مولى جُوَيرية بنت الحارث امرأة من قيس.
قال أحمد بن حَنْبل: ثقة ثقة من أجلِّ الناس وأوثقهم، سمع منه الأعمش ألف حديث. وقال الأعمش: كان أبو صالح مؤذنًا، فأبطأ الإِمام، فأمَّنا، فكان لا يكاد يُجيزها من الرقة والبكاء. وقال ابن مَعين: ثقة. وقال أبو حاتم: ثقة صالح الحديث، يحتج بحديثه. وقال أبو زُرْعَة: ثقة مستقيم الحديث. وقال ابن سَعْد: كان ثقة كثير الحديث. وقال أبو داود: سألت ابن مَعين من أثبت الناس في أبي هُريرة؟ قال: ابن المُسَيِّب، وأبو صالح، وابن سِيرين، والمَقْبُريّ، والأعْرج، وأبو رافع.
وقال السَّاجيُّ: ثقة صدوق. وقال الحرْبي: كان من الثقات. وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال العِجْليّ: ثقة، كان يَقْدم الكوفة يجلِب الزيت، فينزل في بني أسد، شهد الدار زمن عثمان، وسأل سعد بن أبي وَقَّاص مسألة في الزكاة، وروى عنه، وعن أبي هريرة، وأبي الدَّرداء، وأبي سعيد الخُدْريّ، وعقيل بن أبي طالب، وجابر، وابن عمر، وابن عبّاس، ومُعاوية، وعائِشة، وأم حَبيبة، وأم سَلَمَة، وغيرهم. وقال أبو زُرْعة: لم يلق أبا ذرّ.
روى عنه: أولاده: سهيل وصالح وعبد الله، وروى عنه عطاء بن أبي رَباح، وعبد الله بن دينار، وسُميٌّ مولى أبي بكر بن عبد الرحمن، والحكم بن عُتيبة، وعاصم بن بَهْدلة، وعمرو بن دينار، والزُّهريّ، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وآخرون.
مات سنة مئة وواحد.
وذكوان في الستة سواه اثنان، ذكوان أبو عمرو المَدَني مولى عائشة، روى عنها، وذكوان بن كَيْسان اليَماني الحِمْيَري.
والغَطَفاني في نسبه -بمعجمة ومهملة مفتوحتين وبغاء- نسبةً إلى غَطَفان بن سعد بن قَيس عَيْلان حي من قيس عظيم.
السادس: أبو هُرَيرة الدَّوْسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ابن عامر ابن ذي الشَّرى بن طَريف بن عَتّاب بن أبي صَعْب بن مُنَبِّه بن سعد بن ثعلبة ابن سُليم بن فهم بن غنم بن دَوْس بن عُدثان بن عبد الله بن زهران أو أزهر ابن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد بن الغوث.
قال النَّوويّ في مواضع من كتبه: اسم أبي هُريرة عبد الرحمن بن صَخْر على الأصح من ثلاثين قولًا. وقال القُطْب الحَلَبيُّ: اجتمع في اسمه واسم أبيه أربعة وأربعون قولًا مذكورة في "الكنى" للحاكم.
وسبب تكنيته أبا هريرة هو ما أخرجه التِّرمذي بسند حسن عن عُبيد الله ابن أبي رافع، قال: قلت لأبي هريرة: لم كُنِيت بأبي هُريرة؟ قال: كنت أرعى غنم أهلي، وكانت لي هرة صغيرة، فكنت أضعها في الليل في شجرة، وإذا كان النهار ذهبت بها معي، فلعبت بها، فكَنَوْني أبا هريرة.
وعن ابن إسحاق، قال حدثني بعض أصحابي عن أبي هُريرة، قال: كان اسمي في الجاهلية عَبْد شمس، فسُمّيت في الإِسلام عبد الرحمن، وإنما كُنيت بأبي هريرة لأني وجدت هرة، فحملتها في كمي، فقيل لي:
ما هذه؟ قلت: هرة، قيل: فأنت أبو هُريرة.
وأخرج البَغَويّ بسند حسن عن الوليد بن رباح، عن أبي هُريرة، قال: كان يقول لا تكنُوني أبا هُريرة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كَناني أبا هِرّ، والذكر خيرٌ من الأنثى.
قال ابن حَجَر: كان إسلامه بين الحُديبية وخَيْبر، قدم المدينة مهاجرًا، وسكن الصُّفَّة. وقال ابن عَبد البَرّ: أسلم أبو هريرة عام خَيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لزمه وواظَبَ عليه رغبةً في العلم راضيًا بِشبَع بطنه، فكانت يده مع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يدور معه حيث دار، وكان من أحفظ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يحضُر ما لا يحضُر سائر المهاجرين والأنصار، لاشتغال المهاجرين بالتجارة، والأنصار بحَوائِطِهم، وقد شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه حريصٌ على العلم والحديث، وقال له: يا رسول الله إني أسمع منك حديثًا كثيرًا، وأنا أخشى أن أنسى، فقال:"ابسُط رداءك" قال: فَبَسَطته، فغَرَف بيده فيه، ثم قال:"ضُمّه" فضممته، فما نسيت شيئًا بعدُ.
وفي الصّحيح عن الأعرج قال: قال أبو هُريرة: إنكم تزعُمون أن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله الموعد إني كنت امرأً مسكينًا أصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني، وكان المهاجرون يَشْغَلهم الصَّفق في الأسواق، وكانت الأنصار يَشْغَلهم القيام على أموالهم، فحضرت من النبي صلى الله عليه وسلم مجلسًا، فقال:"من يَبْسُط رداءه حتى أقضِيَ مقالتي، ثم يقبضُه إليه، فلن يَنْسى شيئًا سمعه مني" فبسطت بُردةً عليّ حتى قضى حديثه، ثم قبضتها إلي، فوالذي نفسي بيده ما نسيت شيئًا سمعته منه بعد.
وأخرج أبو نُعيم من طريق سعيد بن أبي هِند، عن أبي هُريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ألا تسألني من هذه الغنائم؟ " قلت: يا رسول الله أسألك أن تُعلمني مما علَّمَكَ الله، قال: فَنَزَع نَمِرةً على ظهري وَوَسَّطَها بيني وبينه، فحدثني حتى استوعبت حديثه، قال: اجمَعْها فصُرها إليك" فأصبحت لا
أُسْقط حرفًا مما حدثني.
وله طرق أخرى عن الحسن، عن أبي هُريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"مَن يأخُذ مني كلمة أو كلمتين أو ثلاثًا فيَصُرهن في ثوبه فيتعلَّمهن ويُعلِّمهن" قال: فنشرت ثوبي وهو يحدث، ثم ضممته، فأرجو أن لا أكون نسيت حديثًا.
قال ابن حَجَر: ووقع لي بيان ما كان حدث به النبي صلى الله عليه وسلم في هذه القصة، فقد أخرج أبو يعلى من طريق أبي سَلَمة، جاء أبو هريرة، فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم في شكواه يَعُوده، فأُذِن له، فدَخَل، فسَلَّم وهو قائم، والنبي صلى الله عليه وسلم مُتَسانِدٌ إلى صدر علي، ويده على صدره ضامّة إليه، والنبي صلى الله عليه وسلم باسط رجليه، فقال:"ادن يا أبا هريرة" فدنا ثم قال: "ادنُ يا أبا هريرة" فدنا حتى مسَّت أطراف أصابع أبي هُريرة أصابع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال له:"اجلِس" فجلس، فقال له:"أدْنِ مني طرف ثوبك" فمد أبو هريرة ثوبه، فأمسك بيده، ففتحه وأدناه من النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"أوصيك يا أبا هُريرة بثلاثٍ لا تَدَعْهُن ما بَقيتَ" قال: أوصني ما شئت، فقال له:"عليك بالغُسل يوم الجمعة، والبُكُور إليها، ولا تَلْغُ ولا تَلْهُ، وأوصيك بصيام ثلاثة أيام من كل شهر فإنه صيام الدهر كله، وأوصيك بركعتي الفجر لا تدعهما وإن صليت الليل كله فإن فيهما الرغائب" قالها ثلاثًا، ثم قال "ضُمَّ إليك ثوبك" فضم ثوبه إلى صدره، فقال: يا رسول الله بأبي وأمي، أسرُّ هذا أو أعلنه؟ قال:"بل أعلنه يا أبا هُريرة" قالها ثلاثًا.
وأخرج النسائي بسند جيد أن رجلًا جاء إلى زيد بن ثابت، فسأله، فقال له زيد: عليك بأبي هُريرة، فإني بينما أنا وأبو هريرة وفلان في المسجد ندعو الله تعالى ونذكره، إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى جلس إلينا، فقال:"عُودوا لِلذي كنتم فيه" قال زيد: فدعوت أنا وصاحبي، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يُؤمِّنُ على دعائِنا، ودعا أبو هريرة، فقال: اللهم إني أسألك ما سألَك صاحباك، واسألك علمًا لا يُنسى،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "آمين" فقُلنا: يا رسول الله، ونحن نسأَلُك علمًا لا يُنسى، فقال:"سَبَقكم بها الغُلام الدَّوْسي".
وقال طَلْحة بن عبيد الله: لا أشُكُّ أن أبا هُريرة سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم نسمع.
وقال ابن عُمر: أبو هُريرة خيرٌ مني، وأعلم بما يُحدث.
وأخرج الترمذي عن عمر أنه قال لأبي هريرة: أنت كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم واحفظنا لحديثه وأخرج البخاري في "الصحيح" عن أَبي هريرة، قلت: يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك، قال:"لقد ظننت أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك لما رأيت من حرصك على الحديث".
وأخرج أحمد من حديث أبي بن كعب أن أبا هريرة كان جريئا على أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء لا يسأله عنها غيره.
وقال أبو نعيم كان أحفظ الصحابة لأخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعا له بأن يحببه إلى المؤمنين.
وأخرج أحمد من حديث أبي هريرة أنه قال: أما والله ما خلق الله مؤمنا يسمع بي ولا يراني إلا أحبني، قيل له: وما علمك بذلك يا أبا هريرة، قال: إن أمي كانت مشركة، وإني كنت أدعوها إلى الإِسلام، وكانت تأبى علي، فدعوتها يومًا، فأسْمَعَتْني في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكره، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، فذكرت له، فقال:"اللهم اهْدِ أمَّ أبي هريرة" فخرجت عدوًا فإذا الباب مجافٍ، وسمعت خضخضة الماء، ثم فتحت الباب، فقالت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فرجعت وأنا أبكي من الفرح، فقلت يا رسول الله ادع الله أن يحببني وأمي إلى المؤمنين، فدعا.
وأخرج ابن سَعْد من طريق قُرة بن خالد، قلت لمحمد بن سيرين: أكان أبو هريرة مُخْشَوْشِنًا؟ قال: لا كان لينًا، قلت: فما كان لونه؟ قال: أبيض، وكان يخضِب، وكان يَلبسُ ثوبين مُمَشَّقين، وتمخط يومًا،
فقال: بخ بخ أبو هريرة يتمخط في الكتان.
وقال عبد الرحمن بن الُّلتبيَّة: أتيت أبا هُريرة وهو آدم، بعيد ما بين المَنْكبين، ذو ضَفرتين، أفرق الثَّنِيَّتين.
وروى محمَّد بن سيرين، عن أبي هريرة، قال: لقد رأيتني وأنا أُصرع بين منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وحُجرة عائشة، فيقال: مجنون وما بي جنون، وما بي إلا الجوع، ولهذا الحديث طرق في "الصحيح" وغيره.
وفيها سؤال أبي هريرة لأبي بكر وعمر عن آية، وقال: لعل أن يُشبِعني فيفتح علي الآية ولا يفعل.
وقال داود بن عبد الله، عن حُميد الحِميَري: صحبت رجلًا صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع سنين كما صحبه أبو هريرة.
وعن قيس بن أبي حازم، قال: قدم علينا أبو هريرة بالكوفة، واجتمعت إليه أحْمس، فجاؤوا ليسلموا عليه، فقال: مرحبًا صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين لم أكن أحرِص على أن أعي الحديث مني فيهن.
وفي البُخاري عن أبي هريرة، قال: والله الذي لا إله إلا هو، إن كنت لأعتمد على الأرض بكبدي من الجوع، وأشد الحجر على بطني، فذكر قصة القَدَح واللبن.
وعن أبي نَضْرة، عن رجل من الطفاوة، قال: نزلت على أبي هريرة ولم أدرك رجلًا من الصحابة أشد تشميرًا ولا أقوم على ضيف منه.
وأخرج ابن سعد عن سالم مولى بني نَضْر: سمعت أبا هُريرة يقول: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم مع العلاء بن الحَضْرَمي، فأوصاه بي خيرًا، فقال لي: ما تحب، قلت: أُؤَذن لك ولا تسبقُني بآمين.
وأخرج البُخاري عن أبي هريرة أنه قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم -
وعاءين، فأما أحدهما فبَثَثته، وأما الآخر فلو بثَثْته لقُطِع هذا البلعوم.
وعند أحمد عن أبي هريرة، وقيل له: أكثرت، فقال: لو حدثتكم بما سمعت لرميتموني بالقشع، أي الجلود.
وفي "الصحيح" عن نافع، قيل لابن عمر: حديث أبي هُريرة أن من اتبع جنازة فصلى عليها فله قيراط .. الحديث. فقال: أكثر علينا أبو هريرة، فسأل عائشة، فصدقته، فقال: لقد فَرَّطنا في قراريط كثيرة.
وأخرج البَغَويُّ بسند جيد عن ابن عمر أنه قال لأبي هريرة: أنت كنت ألزَمَنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعلمنا بحديثه.
وأخرج ابن سعد بسند جيد عن سعيد بن عَمرو بن سعيد بن العاص، قال: قالت عائشة لأبي هريرة: إنك لَتُحَدِّثُ بشيءٍ ما سمعته، قال: يا أُمَّه طلقتها، وشغلك بها المكحلة والمرآة، وما كان يشغلني فيها شيء والأخبار في ذلك كثيرة.
وأخرج البَيْهَقيّ عن عبد الله بن أبي رافع، عن أبي هريرة، قال: لقي كعبًا فجعل يحدثه ويسأله، فقال كعب: ما رأيت رجلًا لم يقرأ التوراة أعلم بما في التوراة من أبي هُريرة.
وأخرج أحمد من طريق عاصم بن كُليب، عن أبيه، سمعت أبا هُريرة يبتدىء حديثه بأن يقول: قال رسول الله الصادق المصدوق أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: "من كَذَب عليَّ متعمِّدًا فلْيتبوَّأ مَقعدَهُ من النَّار".
وأخرج مُسدّد في "مسنده" عن أبي هريرة، قال: بلغ عمر حديثي، فقال: كنت معنا يوم كنا في بيت فلان؟ قال: نعم. قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يومئذ: "مَن كذب عليَّ متعمدًا .. " إلخ قال: فاذهب الآن فحدث.
وأخرج مُسدد، قال: كان ابن عمر إذا سمع أبا هُريرة يتكلم، قال: إنا نَعْرفُ ما تقول، ولكنا نَجبُن وتَجْتَرىء.
وخرج الدارقطني عن أبي هريرة رفعه: "إذا صلى أحدكم ركعتي
الفجر فلْيضَّجع على يمينه" فقال مروان: أما يكفي أحدنا ممشاه إلى المسجد حتى يضطجع، قال: لا فبلغ ذلك ابن عمر، فقال: أكثر أبو هريرة. فقيل لابن عُمر: هل تُنكر شيئًا ممّا يقول؟ قال: لا، لكنه أجرأ وجَبُنّا، فبلغ ذلك أبا هُريرة، فقال: ما ذنبي إن كنت حَفِظتُ ونَسوا.
وأخرج ابن سعد من طريق الوليد بن رَباح، سمعت أبا هُريرة يقول لمروان حين أرادوا أن يَدْفِنوا الحسن مع جده: تدخل فيما لا يعنيك -وكان الأمير يومئذ غيره- ولكنك تريد رضا الغائب، فغضب مروان، وقال: إن الناس يقولون: أكثر أبو هريرة وإنما قَدِم قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بيسير، فقال أبو هُريرة: قدمت ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخَيْبَر، وأنا يومئذ قد زِدْت على الثلاثين، فأقَمْتُ معه حتى مات، وأدور معه في بيوت نسائه، وأخدمه، وأغزو معه، وأحج، فكنت أعلم الناس بحديثه، وقد والله سَبَقني قوم بصحبته، فكانوا يعرِفون لزومي له، فيسألونني عن حديثه، منهم عمر، وعثمان، وعلي، وطَلْحة، والزُّبير، ولا والله لا يخفى علي كل حديث كان بالمدينة، وكل من كانت له من رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلة، ومن أخرجه من المدينة أن يساكِنه، قال: فوالله ما زال مروان بعد ذلك كافًّا عنه.
وأخرج ابن أبي خَيْثَمة من طريق ابن إسحاق، عن عُروة، عن أبيه، قال: قال أبي أدْنِنِي من هذا اليَماني -يعني أبا هُريرة- فإنه يُكثر، فأدْنيته، فجعل يُحدِّث، والزُّبير يقول: صدق، كذب. فقلت: ما هذا؟ قال: صدق أنه سَمِعَ هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن منها ما وضَعَه في غير موضعه.
قال البخاريّ: روى عنه نحو الثمان مئة من أهل العلم، وكان أحفظ من روى الحديث في عصره، وقال وَكيع في نسخته: حدثنا الأعْمش، عن أبي صالح، قال: كان أبو هُريرة أحفظ أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. وأخرجه البَغَويّ بلفظ: ما كان أفضلهم، ولكن كان أحفظ.
وأخرج ابن أبي خَيْثَمة من طريق سعيد بن أبي الحسن، قال: لم يكن
أحد من الصحابة أكثر حديثًا من أبي هُريرة.
وقال الشّافِعيّ: أبو هُريرة أحفظ من روى الحديث في دَهْره. وقال أبو الزُّعَيْزِعَة كاتب مروان: أرسل مروان إلى أبي هريرة، فجعل يحدثه، وكان أجلسني خلف السرير أكتب ما يحدث به، حتى إذا كان في رأس الحَوْل أرسل إليه، فسأله، وأمرني أن أنظُر، فما غير حرفًا عن حرفٍ.
وفي "صحيح" البخاري عن أبي هريرة، قال: لم يَكُن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر حديثًا مني إلا ما كان من عبد الله بن عَمرو، فإنه كان يكتُبُ ولا أكتب.
وقال الحاكم أبو أحمد: كان من أحفظ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وألزمهم له صحبةً على شِبَع بطنه، فكانت يده مع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، يدور معه حيثُ دار إلى أن مات، ولذلك كثُر حديثه.
وفي "الحلية" بسند صحيح عن مُضارب بن جزء: كنت أسير من الليل فإذا رجل يكبر، فلحقتُه، فقلت: ما هذا؟ قال: أُكثِر شكرًا لله على أن كنت أجيرًا لبُسرة بنت غَزْوان لنفقة رحلي وطعام بَطْني، فإذا ركبوا سبقتُ بهم، وإذا نزلُوا خدمتهم، فَزَوَّجَنِيها الله، فأنا أركب، وإذا نزلت خُدمتُ، وكانت إذا أتت على مكان سهل نزلت، فقالت: لا أرِيم حتى تُجعل لي عَصيدة، فها أنا إذا أتيتُ على نحوٍ من مكانها قلت: لا أريم حتى تُجْعل لي عَصيدة، وكان يقول: نشأتُ يتيمًا، وهاجَرْت مسكينًا، وكنت أجيرًا لبُسرة بنت غَزْوان خادمًا لها، فَزوَّجَنِيها الله تعالى، فالحمد لله الذي جعل الدين قوَاما، وجعل أبا هريرة إماما.
وأخرج أحمد في الزهد بسند صحيح عن أبي عثمان النَّهْدِي، قال: تَضَيَّفتُ أبا هُريرة سبعًا، فكان هو وامرأته وخادمه يقتسمون الليل أثلاثا، يصلّي هذا ثم يُوقظ هذا.
وأخرج ابن سعد بسند صحيح عن عِكرمة أن أبا هريرة كان يُسبِّح كلَّ يوم اثنتي عشرة ألف تسبيحة، يقول: أسَبِّحُ بقدر ذنبي.
وعن ابن سِيرين أن عمر استعمل أبا هريرة على البحرين، فقَدِم بعشرة آلاف، فقال له عمر: استَأثَرْتَ بهذه الأموال فمِنْ أين لك؟ قال: خيل نُتِجت، وعَطِيَّةٌ تتابعت، وخراجُ رقيقٍ لي، فنظر، فوجدها كما قال، ثم دعاه ليستعمله، فأبى، فقال: لقد طلب العمل من كان خيرًا منك، فقال: إنه يوسُف نبي الله بن نبي الله، وأنا أبو هُريرة بن أُمَيمة، وأخشى ثلاثًا: أن أقول بغير علم، أو أقضي بغير حُكم ويُضرَبَ ظهري ويُشْتَمَ عرضي ويُنْزَعَ مالي.
وأخرج الزُّبير بن بكّار في كتاب المزاح عن سعيد عن أبي هريرة أن رجلًا قال له: إني أصبحت، فجئت أبى، فوجدت عنده خبزًا ولحمًا، فأكلت حتى شبعت، ونسيت أني صائم، فقال أبو هُريرة: الله أطعمك، قال: فخرجت حتى أتيت فلانًا، فوجدت عنده لِقحة تحلب، فشربت من لبنها حتى رويت، قال: الله سقاك، قال: ثم رجعت إلى أهلي، فقِلْت، فلما استيقظتُ دعوت بماء، فشربته، فقال له: يا ابن أخي أنت لم تَعَوَّد الصيام.
وأخرج ابن أبي الدنيا بسند صحيح عن أبي سَلَمة بن عبد الرحمن، قال: دخلت على أبي هريرة، وهو شديد الوجع، فاحتضنته، قلت: اللهم اشفِ أبا هريرة، فقال: اللهم لا تُرجِعْها، قالها مرتين، ثم قال: إن استطعت أن تَمُوتَ فمُتْ، والله الذي نفس أبي هُريرة بيده لَيَأْتيَنَّ على الناس زمانٌ يَمُرُّ الرجل على قبر أخيه، فيتمنى أنه صاحبه. وروى هذا الحديث عُمَير بن هانئ. قال أبو هريرة: تَشَبَّثوا بصُدغَي معاوية، اللهم لا تُدركني سنة ستين.
ورُوي عن أبي داود أنه قال: كنت أجمع مسند أبي هريرة، فرأيته في النوم وأنا بأصْبَهان، فقال لي: أنا أول صاحب حدّث في الدنيا.
وأخرج البَغَويّ عن أبي هُريرة أنه لما حضرته الوفاة بكى، فسُئِلَ فقال: من قلة الزاد، وشدة المفَازَة.
وأخرج أحمد والنَّسائي بسند صحيح، عن أبي هُريرة أنه قال حين حضره الموت: لا تضرِبُوا علي فُسطاطًا، ولا تَتْبَعُوني بمجْمَرة، وأسرعوا بي. وعن أبي سَلَمة، عن أبي هُريرة قال: إذا مُتُّ فلا تَنُوحوا علي، ولا تَتْبَعُوني بمِجْمَرة، وأسرعوا بي.
وأخرج ابن أبي الدنيا من طريق مالك، عن سعيد المَقْبُري، قال: دخل مروان بن الحَكم على أبي هريرة في شكواه التي مات فيها، فقال: شفاك الله، فقال أبو هريرة: اللهم إني أُحِبُّ لقاءك فأحْبِب لقائي، فما بلغ مروان وسط السوق حتى مات.
وصلى عليه الوليد بن عتبة بن أبي سُفيان، وفي القوم ابن عُمر وأبو سعيد الخُدْريّ، وكتب إلى معاوية يُخبره بموته، فكتب إليه: انظر مَنْ ترك، فادفع إلى ورثته عشرة آلاف درهم، وأحْسِن جوارهم، فإنه كان ممن نصر عثمان يوم الدار.
مات سنة سبع وخمسين على الصحيح في قصره بالعَقِيق، وحُمِل إلى المدينة، وقيل: مات سنة ثمان، وقيل: سنة تسع، وصلى على عائشة في رمضان سنة ثمان.
له خمسة آلاف حديث وثلاث مئة وأربعة وسبعون حديثًا، اتَّفَقا على ثلاث مئة وخمسة وعشرين، وانفرد البخاري بتسعة وسبعين، ومسلم بثلاثة وتسعين -بتقديم التاء-.
روى عن: أبي بكر، وعُمر، والفَضْل بن عباس، وأُبَيّ بن كعب، وأسامة بن زَيْد، وعائشة.
وروى عنه: ولده المُحَرَّر بمهملات، ومن الصحابة: ابن عُمر، وابن عباس، وجابر، وأنس، وواثِلة بن الأسْقَع، ومن كبار التابعين: مروان ابن الحَكَم، وقَبيصَة بن ذُؤَيب، وسعيد بن المُسيِّب، وعُروة بن الزُّبير، وأبو سعيد المَقْبُري، وعِرَاك بن مالِك، وسالم بن عبد الله بن عُمر،
وغيرهم ممن لا يُحصى كثرةً ومرَّ قول البُخاري: إنه روى عنه نحو الثمان مئة من أهل العلم.
وليس في الصحابة من اكتنى بهذه الكُنية سواه. وفي الرواة واحد اكْتَنَى بهذه الكنية، يروي عن مَكْحول، وعنه أبو المَلِيح الرَّقِّي، لا يعرف. وآخر اسمه محمَّد بن فِراس الصَّيرفي روى له التِّرمذي، وابن ماجة، مات سنة خمس وأربعين ومئتين. وفي الشافعية آخر اكْتَنَى بهذه الكُنية واسمه ثابت بن شِبْل، قال عبد الغَفّار في حقه: شيخ فاضل مناظر.
والدَّوْسيُّ في نسبه نسبةً إلى دَوْس بن عُدنان -بضم العين- المتقدم في نسبه أبو قبيلة من الأزد، ودَوْس أيضًا قبيلة من قَيْس وهم بنو قَيْس بن عَدْوان بن عَمْرو بن قَيْس عَيْلان.
لطائف إسناده: رجالُ الإِسناد كلهم مدنيون إلا العَقَديّ فإنه بَصْريّ، وإلا المُسنديّ فإنه بُخاريّ، وكلهم على شرط الستة إلا المُسْندي، وفيه رواية تابعي عن تابعي وهو عبد الله بن دينار عن أبي صالح.
أخرجه البخاري هنا، ومسلم عن عُبيد الله بن سَعيد وغيره، وأبو داوود في السنة عن موسى بن إسماعيل، والتِّرمذي في الإِيمان عن أبي كُريب، وقال: صحيح حسن، والنّسائي في الإِيمان أيضًا عن محمَّد بن عبد الله المُخَرِّمي، وابن ماجة في السنة عن علي بن محمَّد الطنافسي وغيره.