الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
راهَوَيه وغيرهما بعشرين درجة، ومن قال فيه شيئًا فعليه مني ألف لعنة، وقال أيضًا: لو دخل من هذا الباب وأنا أحدث لَمُلِئْتُ منه رعبًا، وقال عبد الله بن حَمّاد الأَيلي: لودِدْت أني كنت شعرة في جسد محمَّد بن إسماعيل.
وقال سليم بن مُجاهد: ما رأيت منذ ستين سنة أحدًا أفقه ولا أورع من محمَّد بن إسماعيل.
وقال موسى بن هارون الحَمّال: لو أن أهل الإِسلام اجتمعوا على أن يصيبوا آخر مثل محمَّد بن إسماعيل لما قَدَروا عليه، وقال: عبد الله بن محمَّد بن سعيد بن جعفر: سمعت العلماء بمصر يقولون: ما في الدنيا مثل محمَّد بن إسماعيل في المعرفة والصلاح، قال عبد الله بن محمَّد: وأنا أقول قولهم.
وقال الحافظ أبو العباس أحمد بن محمَّد بن عُقدة: لو أن رجلًا كتب ثلاثين ألف حديث لما استغنى عن "تاريخ" محمَّد بن إسماعيل، وقال الحاكم أبو أَحْمد في الكُنى: كان أحد الأئمة في معرفة الحديث وجمعه، ولو قلت: إني لم أر تصنيف أحد يشبه تصنيفه في الحسن والمبالغة لفعلت.
عجيب حفظه
ومن عجيب حفظه ما رواه أبو أحمد بن عدي الحافظ، قال: سمعت عدة من مشايخ بغداد يقولون: إن محمَّد بن إسماعيل البخاري قدم بغداد: فسمع به أصحاب الحديث، فاجتمعوا وأرادوا امتحان حفظه، فعمدوا إلى مئة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها، وجعلوا متن هذا الإِسناد لإِسناد آخر، وإسناد هذا المتن لمتن آخر، ودفعوها إلى عشرة أنفس، لكل رجل عشرة أحاديث، وأمروهم إذا حضروا المجلس أن يُلقوا ذلك على البخاري، وأخذوا عليه الموعد للمجلس، فحضروا، وأحضر جماعة من الغرباء من أهل خراسان وغيرهم ومن البغداديين، فلما اطمأن
المجلس بأهله، انتدب رجل من العشرة فسأله عن حديث من تلك الأحاديث، فقال البخاري: لا أعرفه، فما زال يلقي عليه واحدًا بعد واحد حتى فرغ، والبخاري يقول لا أعرفه، وكان العلماء ممن حضر المجلس يلتفت بعضهم إلى بعض، ويقولون: فهم الرجل، ومن كان لم يدر بعلمه يقضي على البخاري بالعجز والتقصير، وقلة الحفظ، ثم انتدب رجل من العشرة أيضًا، فسأله عن حديث من تلك الأحاديث المقلوبة، فقال: لا أعرفه. ولم يزل يلقي عليه واحدًا بعد واحد حتى فرغ من عشرته، والبخاري يقول: لا أعرفه، ثم انتدب الثالث والرابع إلى إتمام العشرة، حتى فرغوا كلهم من إلقاء تلك الأحاديث المقلوبة، والبخاري لا يزيدهم على: لا أعرفه، فلما علم أنهم قد فرغوا التفت إلى الأول، فقال: أما حديثك الأول فقلت: كذا، وصوابه كذا، وحديثك كذا، وصوابه كذا، والثالث والرابع على الولاء حتى أتى على تمام العشرة، فرد كل متن إلى إسناده وكل إسناد إلى متنه، وفعل بالآخرين مثل ذلك، فأقر الناس له بالحفظ، وأذعنوا له بالفضل، قال ابن حَجَر: وليس العجب من رده للخطأ، فإنه كان حافظًا، بل العجب من حفظه للخطأ على ترتيب ما ألقوه عليه من مرة واحدة، وقد قال أبو بكر الكلْوَاذاني: ما رأيت مثل محمَّد بن إسماعيل، كان يأخذ الكتاب من العلم، فيطلع عليه اطلاعة، فيحفظ عامة أطراف الأحاديث من مرة واحدة.
وقال أبو الأَزْهَر: كان بسمرقند أربع مئة محدث، فتجمعوا وأحبوا أن يغالطوا محمَّد بن إسماعيل، فأدخلوا إسناد الشام في إسناد العراق، وإسناد العراق في إسناد الشام، وإسناد الحرم في إسناد اليمن، فما استطاعوا مع ذلك أن يتعلقوا عليه بسقطة.
وروى غُنجار في "تاريخه" عن يوسف بن موسى المَرْوَزِي، قال: كنت بالبصرة في جامعها إذ سمعت مناديًا ينادي: يا أهل العلم، لقد قدم محمَّد بن إسماعيل البخاري، فقاموا إليه، وكنت معهم، فرأينا رجلًا شابًّا ليس في لحيته بياض، فصلى خلف الأسطوانة، فلما فَرَغَ أحدقوا
به، وسألوه أن يَعْقِدَ لهم مجلسًا للإملاء، فأجابهم إلى ذلك، فقام المنادي ثانيًا في جامع البصرة، فقال: يا أهل العلم، لقد قدم محمَّد بن إسماعيل، فسألناه أن يَعْقِد مجلس الإملاء، فأجاب بأن يجلس غدًا في موضع كذا، فلما كان الغد حضر المحدثون والحفاظ والفقهاء والنظارة، حتى اجتمع قريب من كذا وكذا ألف نفس، فجلس أبو عبد الله للإملاء، فقال قبل أن يأخذ في الإِملاء: يا أهل البصرة أنا شابٌّ، وقد سألتموني أن أحدثكم، وسأحدثكم بأحاديث عن أهل بلدكم تستفيدونها، يعني ليست عندكم، فتعجب الناس من قوله، فأخذ في الإِملاء، فقال: حدثنا عبد الله بن عُثمان بن جَبَلة بن أبي رَوّاد ببلدكم، قال حدثني أبي، عن شعبة، عن منصور وغيره، عن سالم بن أبي الجعد، عن أنس بن مالك أن أعرابيًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! الرجل يحب القوم .. الحديث، ثم قال: هذا ليس عندكم عن منصور يعني الذي ساقه هو عنه، إنما هو عندكم عن غير منصور، فأملى عليهم مجلسًا من هذا النسق، يقول في كل حديث: روى فلان هذا الحديث عندكم كذا، فأما من رواية فلان يعني التي يسوقها فليست عندكم.
قلت: هذه أعجب من قضية أهل بغداد السابقة لضبطه في هذه الرواية أن مِصْرًا عظيمًا مثل البَصْرة لم يرو أحد من أهله هذه الأحاديث عمن ساقها عنه.
وقال سليم بن مجاهد: قال لي محمَّد بن إسماعيل: لا أجيء بحديث عن الصحابة والتابعين إلا عرفت مولد أكثرهم ووفاتهم ومساكنهم، ولست أروي حديثًا من حديث الصحابة والتابعين -يعني من الموقوفات- إلا وله أصل أحفظ ذلك من كتاب الله وسنة رسوله.
وقال علي بن الحُسين بن عاصم: قدم علينا محمَّد بن إسماعيل،
فقال له رجل من أصحابنا: سمعت إسحاق بن راهَوَيه يقول: كأني انظر إلى سبعين ألف حديث من كتابي، فقال له محمَّد بن إسماعيل: أتعجب
من هذا القول، لعل في هذا الزمان من ينظر إلى مئتي ألف ألف من كتابه وإنما عنى نفسه.
وقال محمَّد بن حَمدويه: سمعت البخاري يقول: أحفظ مئة ألف حديث صحيح، وأحفظ مئتي ألف حديث غير صحيح، قال ورّاقه: سمعته يقول: ما نمت البارحة حتى عددت كم أدخلت في تصانيفي من الأحاديث، فإذا هو نحو مئتي ألف حديث، وقال أيضًا: لو قيل لي: تمن لما قمت حتى أروي عشرة آلاف حديث في الصلاة خاصة، وقال أيضًا: قلت له: تحفظ جميع ما أدخلت في مصنفاتك، قال: لا يخفى علي جميع ما فيها، وصنفت جميع كتبي ثلاث مرات، قال: وبلغني أنه شرب البلاذر، فقلت له مرة في خلوة: هل من دواء للحفظ، فقال: لا أعلم، ثم أقبل علي فقال: لا أعلم شيئًا أنفع للحفظ من نهمة الرجل، ومداومة النظر، وقال: أقمت بالمدينة بعد أن حججت سنة جردًا أكتب الحديث، قال: وأقمت بالبصرة خمس سنين معي كتبي، أصنف، وأحج، وأرجع من مكة إلى البصرة، قال: وأنا أرجو أن يبارك الله تعالى للمسلمين في هذه المصنفات، وقال البخاري: تذكرت يومًا أصحاب أنس فحضرني في ساعة واحدة ثلاث مئة نفس، وما قدمت على شيخ إلا كان انتفاعه بي أكثر من انتفاعي به. وقال ورّاقه: أعمل في الهبة كتابًا فيه نحو خمس مئة حديث، وقال: ليس في كتاب وكيع في الهبة إلا حديثان مسندان أو ثلاثة، وفي كتاب ابن المبارك خمسة أو نحوها، وقال أيضًا: ما جلست للتحديث حتى عرفت الصحيح من السقيم، وحتى نظرت في كتب أهل الرأي، وما تركت بالبصرة حديثًا إلا كتبته، قال: وسمعته يقول: لا أعلم شيئًا يحتاج إليه إلا وهو في الكتاب والسنة، قال: فقلت له: يمكن معرفة ذلك، قال: نعم.
وقال الحافظ أَحمد بن حَمدون: رأيت البخاري في جِنازة، ومحمد ابن يحيى الذهلي يسأله عن الأسماء والعلل، والبخاري يمر فيه مثل السهم كأنه يقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} .