المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

رمضان إلى رمضان، فلما كان العام الذي توفي فيه عارَضَهُ - كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري - جـ ١

[محمد الخضر الشنقيطي]

فهرس الكتاب

- ‌تنبيه:

- ‌ كوثر المعاني الدراري، في خبايا صحيح البخاري

- ‌مقدمة في حقيقة الصحابة والتابعين عليهم رضوان الله تعالى

- ‌طبقات الصحابة

- ‌ما قيل في عدَّة الصحابة رضي الله تعالى عنهم

- ‌بعض ما قيل في فَضل الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين

- ‌بعض الأحاديث الواردة في فضلهم رضي الله عنهم

- ‌ومما هو وارد في فضلهم من الأحاديث:

- ‌الترتيبُ في فضلِ الصَّحابةِ

- ‌في فضل أحد من المتأخرين على أحد من الصحابة

- ‌ما قيل في محبة الصحابة

- ‌ما قيل فيمن سَبَّ الصحابةَ

- ‌الِإمساك عما شَجَرَ بين الصحابة

- ‌ فروعً

- ‌فيما تُعْرَفُ به الصُّحبة

- ‌في عدالة الصحابة

- ‌في المكثرين رواية وفتوى

- ‌فِيْمَنْ يقالُ لَهُمُ: العبادلة

- ‌فيمن لهم أتباع في الفقه

- ‌فيمن انتهى إليهم العلمُ من الصَّحابةِ

- ‌في عدد الصحابة وطِباقِهم

- ‌في ترتيبهم في الفضل

- ‌في أول من أسلم من الصحابة

- ‌في آخرهم موتًا

- ‌حقيقة التابعين وطبقاتهم

- ‌أفضل التابعين

- ‌الفقهاء السبعة

- ‌المُخَضْرَمونَ

- ‌فائدتان

- ‌نبذة من السيرة النبوية

- ‌ما يُقال فيمن يقال له: قرشي وعلى اشتقاق التسمية

- ‌موت والده عبد الله

- ‌مدة الحمل به ومحل ولادته صلى الله عليه وسلم

- ‌عام ولادته صلى الله عليه وسلم

- ‌الشهر الذي وُلِدَ فيه

- ‌في أي يوم من الشهر ولد

- ‌اليوم الذي ولد فيه

- ‌على أنه ولد ليلًا

- ‌فضل ليلة المولد على ليلة القدر

- ‌إرضاعه صلي الله تعالى عليه وسلم

- ‌رد حليمة له إلى أمه صلى الله عليه وسلم

- ‌موت أمه آمنة صلى الله تعالى عليه وسلم

- ‌موت جده عبد المطلب

- ‌قصة بحيرى الراهب

- ‌قصة نسطورا الراهب

- ‌وقت البعثة

- ‌مخرجه إلى المدينة

- ‌مكثه بمكة بعد البعثة

- ‌قدومه المدينة

- ‌قيامه بالمدينة

- ‌عدد غزواته وسراياه صلى الله عليه وسلم

- ‌سِنه عليه الصلاة والسلام

- ‌أزواجه عليه الصلاة والسلام

- ‌أولاده عليه الصلاة والسلام

- ‌أسماؤه عليه الصلاة والسلام

- ‌معنى محمَّد

- ‌معنى أحمد

- ‌خاتَم النُّبُوّة

- ‌تنبيه:

- ‌ تعريف البخاري

- ‌زهده وحسن سيرته

- ‌ثناء أشياخه عليه

- ‌ثناء أقرانه وطائفة من أتباعه عليه:

- ‌عجيب حفظه

- ‌فضائِلُ الجامعِ الصحيح

- ‌ما وقع له مع محمَّد بن يحيى الذُّهْلِيّ

- ‌رجوعه إلى بخارى

- ‌مبادئ علم الحديث

- ‌سند المؤلف المتصل بالبخاري

- ‌ كتاب بدء الوحي

- ‌باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم

- ‌الحديث الأول

- ‌تنبيه:

- ‌وأما رجاله فستة:

- ‌أنواع الرواية:

- ‌الألفاظ التي يؤدي بها السماع من لفظ الشيخ

- ‌أقسام التدليس

- ‌أولها: تدليس الإِسناد:

- ‌والثاني من الأقسام: تدليس الشيخ

- ‌الثالث: تدليس التسوية المعبر عنه عند القدماء بالتجويد

- ‌رواية الأقران

- ‌إبدال الرسول بالنبي وعكسه:

- ‌الغريب

- ‌العزيز

- ‌المشهور

- ‌ المتواتر

- ‌ الفرد

- ‌الحديث الثاني

- ‌وأما رجاله فستة:

- ‌الحديث الثالث

- ‌وأما رجاله فستة

- ‌الحديث الرابع

- ‌رجالُهُ ثلاثةٌ:

- ‌تنبيه:

- ‌الحديث الخامس

- ‌وأما رجاله فخمسة:

- ‌الحديث السادس

- ‌رجاله ثمانية:

- ‌الحَديث السابع

- ‌الرجال أربعة:

- ‌ كتاب الإِيمان

- ‌1 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "بني الإِسلام على خمس

- ‌2 - باب دعاؤكم إيمانكم

- ‌الحديث الأول

- ‌رجاله أربعة:

- ‌3 - باب أمور الإِيمان

- ‌الحديث الثاني

- ‌رجاله ستة:

- ‌4 - باب المُسلم مَنْ سَلم المسلمون من لِسانِهِ ويده

- ‌الحديث الثالث

- ‌رجاله ستة:

- ‌ورجال التعليقين خمسة:

- ‌5 - باب أي الإِسلام أفضل

- ‌الحديث الرابع

- ‌رجاله خمسة:

- ‌6 - باب إطعام الطعام من الإسلام

- ‌الحديث الخامس

- ‌رجاله خمسة:

- ‌7 - باب من الإِيمان أن يُحبَّ لأخيه ما يُحبَّ لنفسهِ

- ‌الحديث السادس

- ‌ورجال الطريقين ستة:

- ‌8 - باب حُبُّ الرسول صلى الله عليه وسلم من الإِيمان

- ‌الحديث السابع

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الثامن

- ‌رجال الإِسناديْن سبعة:

- ‌9 - باب حلاوة الإِيمان

- ‌الحديث التاسع

- ‌رجاله خمسة:

- ‌10 - باب علامة الإِيمان حب الأنصار

- ‌الحديث العاشر

- ‌رجاله أربعة:

- ‌11 - باب

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌12 - باب من الدّين الفِرار مِنَ الفتن

الفصل: رمضان إلى رمضان، فلما كان العام الذي توفي فيه عارَضَهُ

رمضان إلى رمضان، فلما كان العام الذي توفي فيه عارَضَهُ به مرتين، كما ثبت في الصحيح من حديث فاطِمَةَ رضي الله تعالى عنها، وبهذا يُجاب من سأل عن مناسبة إيراد الحديث في هذا الباب، ثم نزل بعد نزوله جُملة على حسب الأسباب في عشرين سنة، وقيل نزلت صُحُف إبراهيم عليه السلام أول ليلة منه، و"التوراة" لِسِتٍّ، و"الِإنجيل" لثلاث عشرة، و"القرآن" لأربع وعشرين، وفهم منه أن جبريل عليه الصلاة والسلام كان ينزل على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في كل ليلة من رمضان، وهذا يعارض ظاهر ما رُوي في صحيح مسلم:"في كل سنة في رمضان حتى يَنْسلِخَ" وأجيب بأن المحفوظ في مسلم أيضًا مثل ما في البخاري، ولئن سلمنا صحة الرواية المذكورة فلا تَعَارُضَ، لأن معناه بمعنى الأول، لأن قوله:"حتى يَنْسَلخَ" بمعنى كل ليلة، وخُص رمضان بالمدارسة لأن عبادة فيه أفضل من العبادة في غيره، ولذلك قال الزُّهري: "تَسْبيحةٌ في رمضان خير من سبعين في غيره. وقد جاء في الحديث أنه يُعْتَقُ في كل ليلة منه ألف ألف عتيق من النار.

‌رجاله ثمانية:

الأول: عَبْدان، وهو لقب عبد الله بن عثمان بن جَبَلة -بفتح الجيم والباء الموحدة- ابن أبي رَوّاد ميمون، وقيل: أيمن الأزدِيُّ العَتَكي مولاهم، أبو عبد الرحمن المَرْوَزِيّ الحافظ، مولى المُهَلَّب بن أبي صُفرة.

قال ابن حبان في "الثقات": قال أحمد بن حَنْبل: ما بقي الرِّحْلة إلا إلى عَبْدان بخراسان. قال أحمد بن عَبْدة: تصدق عَبْدان في حياته بألف ألف درهم، وكَتَبَ كُتُبَ ابن المبارك بقلم واحد. وقال ابن عدي في "شيوخ البخاري": حدث عن شعبة أحاديث تفرد بها. وقال أبو رَجَاء محمد بن حَمْدويه: رأيته يَخْضِبُ، وهو ثقة مأمون. وقال الحاكم: كان إمام أهل الحديث ببلده، ولاه عبد الله بن طاهر قضاء الجُوزجان فاحتال حتى اعتفى، وفي "الزهرة" روى عنه البخاري مئة حديث وعشرة أحاديث، قيل: إنه لقب عبدان لكون أول اسمه عبد، وأول كنيته عبد، فاجتمع من

ص: 311

اسمه وكنيته عبدان، وقيل: إن ذلك من تغيير العامة للأسامي وكسرهم لها في زمن صِغَرِ المُسَمّى كقولهم في علي: عليان، وفي أحمد بن يوسف وغيره: حمدان، وفي وَهْب بن بَقِيّة الواسِطي: وهبان.

روى عن أبيه، وأبي حمزة السكري، ويزيد بن رُزَيْع، وابن المُبارك، وجَرير بن عبد الحميد، وشُعبة، وحَمّاد بن زيد، وغيرهم.

وروى عنه البخاري، وروى الباقون له بواسطة محمد بن يحيى اليَشْكُري سوى ابن ماجة، وروى عنه الذُّهلي، ويعقوب بن سفيان، ومحمد بن عبد العزيز بن أبي رِزمة، وغيرهم.

مات سنة إحدى وعشرين ومئتين وهو ابن ست وسبعين.

والعَتَكِيُّ في نسبه بالتحريك نسبة إلى عَتيك كأمير أبو بَطْن من الأَزْد، وهو عَتيك بن الأسد بن عمران بن عمرو مِزِيقِيا بن ماء السماء، ومن ولده أسد بن الحارث بن عَتيك، وأخوه وائل بن الحارث بن العَتيك، إليه ينسب المُهَلَّب بن أبي صُفرة، وإليه يرجع المُهَلَّبِيّون عشيرة أبي الحسن المهلبي شيخ اللغة بمصر.

والأزْدِيّ بسكون الزاي في نسبه نسبة إلى الأَزْد بن الغوث بن نبت ابن مالك بن كهلان بن سَبأ وهو أَسْد بالسين أفصح، وبالزاي أبو حي من اليمن، ومن أولاده: الأنصار كلهم، قيل: اسمه دِرْء بكسر فسكون، وقيل: دِرَاء ككتاب، وهو الصحيح، والأَزْد لقبه، قيل: معنى الأَزْد والأَسْد والعَسْد: القُبُل، وقيل الأَزْد أيضًا بمعنى العَزْد، وهو النكاح، وافترقت الأَزد فيما ذكره أبو عبيدة وغيره من علماء النسب على نحو سبع وعشرين قبيلة، ويقال أَزْدِ شَنُوءة، وإِزْدِ عُمان -كغراب- بلدة على شاطئ البحر بين البصرة وعَدَن، وأَزْدِ السُّراة أعظم جبال العرب، ويُقال لبعض آخر: أَزْد غَسّان، وهو اسم ماء فمن شرب منه منهم سُمِّي أَزْد غسان وهم أربع قبائل، ومن لم يشرب منه لم يُقَل له ذلك، وإليه يشير قول حسان بن ثابت:

ص: 312

إمَّا سَأَلْت فإنَّا مَعْشَرٌ نُجُبٌ

الأَزْدُ نِسْبَتُها وَالماءُ غَسّانُ

وهو ماءٌ بين رِمَع وزَبيد لواديين باليمن، وقيل: بِسَدِّ مأْرِب، وقيل: بالمُشلَّلِ قرب الجُحْفَة، وقيل: اسم دابة وقعت في هذا الماء فَسُمي الماء بها، وحُكِيَ فيه الصرف والمنع على زيادة النون وأصالتها.

وغسان اسم مازِن بن الَأزْد بن الغَوْث، منهم ملوك غسان الذين منهم جَفْنَةُ بنُ عمرو، والحارثُ المُحَرِّقَّ، وثَعْلَبَةُ العَنْقاءُ، والحارثُ الأكبر المعروف بابن مارية، وأولادهُ النعمان، والمنذر، وجَبَلَة، وأبو شمر، ملوك كلهم، فمن ولد جَبَلة هذا جَبَلَة بن الأيْهم وفي وَلَدِ أبي شَمِر الحارثُ الأَعْرج بن أبي شَمِر، قيل: إن أَزْدَ غسان كان عاهد أَزْدَ شَنُوءة، وأَزْدَ عُمان أن لا يَحُولا عليه، فثبتت أَزْدَ شَنُوءَة على عهده دون أَزْد عُمان، فقال:

وَكُنْتُ كَذي رِجْلَيْنِ رِجْلٍ صَحيحةٍ

وَرِجْلٍ بها رَيْبٌ مِنَ الحَدَثَانِ

فَأَمَّا الّتي صَحَّتْ فَأَزْدُ شَنُوءَةٍ

وأمَّا التي شَلَّتْ فَأَزْدُ عُمانِ

وقد فَصل السُّهْلِيُّ في "الروض الأُنُف" غسان تفصيلًا جيدًا.

والمَرْوَزِيّ -بفتح الميم، وسكون الراء، وفتح الواو، بعدها زاي معجمة- في نَسَبه نسبةً إلى مروِ الشَّاهْجان، هي إحدى كراسي خُراسان، وكراسي خُراسان أربع مدن: هذه، ونَيْسابور، وهَرَاة، وبَلْخ، وإنما قيل لها: مَرْوُ الشّاهْجان لتتميز عن مَرْوِ الرُّوذ -بفتح الميم، وسكون الراء، وفتح الواو، وتشديد الراء المهملة المضمومة وبعد الواو ذال معجمة- والشَّاهْجان لفظ عجمي تفسيره روح الملك، فالشاه: الملك، والجان: روح، ومن عادتهم أن يقدموا ذكر المضاف إليه على المضاف، ومرو هذه بناها الِإسكندر ذو القرنين، وهي سرير الملك بخراسان، وزادوا في النسبة إليها زايًا، كما قالوا في النسبة إلى الري: رازي، وإلى إصْطَخْر: إصْطَخْرَزِي على أحد النسبتين، إلا أن هذه الزيادة تختص ببني آدم عند أكثر أهل العلم بالنسب، وما عدا ذلك لا يزاد فيه الزاي، فيقال: فلان المروزي، والثوب وغيره من المَتَاع مَرْوي -بسكون الراء- وقيل: إنه يقال في الجميع بزيادة الزاي، ولا فرق بينهما، وهو من تغيير النسب، ومَرْوُ

ص: 313

الرُّوذ المتقدم ذكرها: مدينة مبنية على نهر، وهو المسمى بالرُّوذ على اللغة العجمية في تسمية النهر بذلك، وهي أشهر مدن خراسان، بينها وبين مَرْوِ الشَّاهْجان أربعون فرسخًا، وهاتان المدينتان هما المروان، أُضيفت إحداهما إلى الشّاهْجان وهي العظمى، والنسبة إليها مَرْوَزِي، والثانية إلى النهر المذكور، والنسبة إليها مَرْو الرُّوذِيّ ليحصل الفرق بينهما، وقيل مَرْوَزي.

وعبدان لقب جماعة، هذا أكبرهم، وعبد الله بن عثمان في الكتب الستة ثمانية.

الثاني: عبد الله بن المبارك بن وَاضح الحَنْظَلِيّ التَّميميّ مولاهم أبو عبد الرحمن المَرْوَزِي، أحد الأئمة، كان قد جمع بين العلم والزُّهد، وكان كثّير الانقطاع، مُحبًّا للخَلْوة، شديد التَّوَرُّع، وكان أبوه تُركيًّا مملوكًا لرجل من همدان، وأمه خُوارَزْمِيّة، وكان كثير المشايخ، رُوي عنه أنه قال: كتبت عن أربعة آلاف شيخ، فرويت عن ألف.

قال سفيان بن عُيَيْنة: ابن المبارك عالم المشرق والمغرب وما بينهما، وقال شُعبة: ما قدم علينا مثلُه، وقال أبو إسحاق الغَزَاري: ابن المبارك إمام المسلمين، وقال ابن مَهْدي: الأئمة أربعة الثَّوْري، ومالك، وحَمّاد بن زيد، وابن المُبارك، وقال لما سئل عن سفيان وابن المبارك: لو جَهَدَ سفيان جَهْدَهُ على أن يكون يومًا مثل عبد الله لم يقدِر، وقال شُعيب بن حرب: إني لأَشْتَهي من عُمُري كُلِّه أن أكون سنة واحدة مثل ابن المبارك فما أقدر ولا ثلاثة أيام، وقال شُعيب: ما لَقِي ابنُ المبارك رجلًا إلا وابن المبارك أفضل منه، وقال أبو أسامة: ما رأيت أطلب للعلم منه، وقال أحمد بن حَنْبلِ: لم يكن في زمانه أطلب للعلم منه، جمع أمرًا عظيمًا، ما كان أحدٌ أقلَّ سقَطًا منه، كان رجلًا صاحبَ حديث حافظًا، وكان يحدث من كتاب، وقال ابن عُيينة: نظرت في أمر الصحابة فما رأيت لهم فضلًا على ابن المبارك إلا بصحبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم وغزوهم معه، ولما نُعِي

ص: 314

إليه ابن المبارك، قال: كان فقيهًا عالمًا عابدًا زاهدًا شيخًا شجاعًا شاعرًا، وقال فُضَيْل بن عِياض: أما إنه لم يُخَلِّفْ أحدًا بعده مثله، وقال سَلام بن أبي مُطيع: ما خلف بالمشرق مثله، وقال ابن مَهْدي أيضًا: ما رأت عيناي مثل أربعة: ما رأيت أحفظ للحديث من الثَّوْري، ولا أشد تقشفًا من شعبة، ولا أعقل من مالك، ولا أنصحَ للأمة من ابن المبارك، وقال ابن مَعِين: كان كيِّسًا متثبتًا ثقة، وكان عالمًا صحيح الحديث والفقه، وكانت كتبه التي حدث بها عشرين ألفًا أو أحدًا وعشرين ألفًا، وقال إسماعيل بن عَيّاش: ما على وجه الأرض مثل ابن المبارك، ولا أعلم أن الله تعالى خلق خَصْلة من خِصال الخير إلا وقد جعلها فيه، وقال الحسن ابن علي بن شَفِيق: بلغنا أنه قال الفُضَيل بن عِياض: لولا أنت وأصحابُك ما اتجرْتُ. قال: وكان يُنْفقِ على الفقراء في كل سنة مئة ألف درهم، وقال الحاكم: هو إمام عصره في الآفاق، وأَوْلاهم بذلك علمًا وزهدًا وشجاعةً وسخاءً، وقيل لابن معين: أيُّهما أثبتُ عبد الله بن المبارك أو عبد الرزاق؟ فقال: كان عبد الله خيرًا من عبد الرزاق، ومن أهل قريته، عبد الله سيدٌ من سادات المسلمين. وقال ابن جُرَيْج: ما رأيت عراقيًا أفصح منه، وقال الحسن بن عيسى: كان مجاب الدعوة، وقال أبو وهب: مرَّ عبد الله برجل أعمى، فقال: أسألك أن تدعو لي، فدعا له، فرد الله عليه بصره وأنا انظر.

وقال الخَلِيليُّ: ابن المبارك الإِمام المتفق عليه، له من الكرامات ما لا يُحصى، يقال إنه من الأبدال، وحكى الحسن بن علي عنه من دقيق الورع أنه استعار قلمًا من رجل بالشّام، وحمله إلى خراسان ناسيًا، فلما وجده معه بها رَجَع إلى الشام حتى أعطاه لصاحبه.

وقال الأسود بن سالم: إذا رأيت الرجل يَغْمِزُ ابن المبارك فاتَّهِمْه على الإِسلام، وقال النسائي: لا نعلم في عصر ابن المبارك أجلَّ منه ولا أعلى منه ولا أجمع لكل خصلة محمودة، وقال العِجْلِيُّ: ثقة ثبت في الحديث، رجل صالح، وكان جامعًا للعلم.

ص: 315

وقال ابن حبان في "الثقات": كان فيه خِصال لم تجتمع في واحد من أهل العلم في زمانه في الأرض كلها.

وقال يَحْيى بن يَحْيى الأنْدَلُسِيُّ: كنا في مجلس مالك، فاستُؤذن لابن المبارك، فَأُذِن، فرأينا مالكًا تزحزح له في مجلسه، ثم أقعده بِلِصْقِهِ ولم أره تزحزح لأحد في مجلسه غيره، فكان القارىء يقرأ على مالك، فربما مرَّ بشيءٍ فيسأله مالك: ما عندكم في هذا؟ فكان عبد اللهَ يُجيبُهُ بالخفاء، ثم قام، فخرج، فَأُعْجِبَ مالك بأدبه، ثم قال لنا: هذا ابن المبارك، فقيه خراسان.

وقال الحسن بن عيسى: اجتمع جماعة من أصحاب ابن المبارك مثل الفضل بن موسى، ومخْلَد بن حسين، وغيرهما، فقالوا: تعالَوْا حتى نَعُدَّ خِصال ابن المبارك من أبواب الخير، فقالوا: جمع العلم، والفقه، والأدب، والنحو، واللغة، والشعر، والفصاحة، والزهد، والورع، والإِنصات، وقيام الليل، والعبادة، والحج، والغزو، والفُروسية، والشَّجاعة، والشدة في بدنه، وترك الكلام فيما لا يَعْنيه، وقلة الخلاف على أصحابه.

وقال العباس بن مُصْعَب: جمع الحديث، والفقه، والعربية، والشجاعة، والتجارة، والسخاء، والمحبة عند الفراق.

وقال ابن سَعْد: طلب، وروى روايةً كثيرةً، وصنف كتبًا كثيرة في أبواب العلم، وكان ثقة مأمونًا حجة كثير الحديث.

ورُوي عن أشْعَثَ بن شُعبة المِصِّيصي أنه قال: قدم هارون الرَّقَّةَ، فانجفل الناس خلف عبد الله بن المبارك، وانقطعت النِّعال، وارتفع الغُبار، فأشرفت أم ولد أمير المؤمنين من قصر الخشب، فلما رأت الناس قالت: ما هذا؟ قالوا: عالم خراسان قدم الرَّقّة، يقال له: عبد الله بن المُبارك، فقالت: هذا والله المُلْكُ لا مُلك هارون الذي لا يَجْمع الناس إِلا بشُرطٍ وأعوان.

ص: 316

وكان لعبد الله شعر، فمن شعره:

قَد يَفتحُ المرءُ حَانُوتًا لمتجَرهِ

وَقَدْ فتحت لَك الحَانُوتَ بالدِّين

بَينَ الأسَاطينِ حَانوتٌ بلَا غَلَقٍ

تَبتَاعُ بالدِّين أموالَ المساكينِ

صَيَّرت دِينكَ شَاهينًا تَصيدُ به

ولَيسَ يُفلحُ أصحابُ الشَّواهينِ

ومن كلامه: تعلمنا العلم للدنيا، فدلنا على ترك الدنيا، وسئل ابن

المبارك: أيُّما أفضل معاوية بن أبي سفيان أو عمر بن عبد العزيز؟ فقال: والله إن الغبار الذي دخل في أنف معاوية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من عمر بألف مرة، صلى معاوية خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: سَمعَ الله لمن حمده، فقال معاوية: ربنا ولك الحمد، فما بعد هذا؟.

ويقال: إنَّ عبد الله نمت عليه بركة أبيه، فإنه كان في غاية الورع، وقد حُكي عن أبيه أنه كان يعمل في بستان لمولاه، وأقام فيه زمانًا، ثم إن مولاه جاءه يومًا، وقال له: أريد رُمّانًا حُلوًا، فمضى إلى بعض الشجر وأحضر منها رمانًا، فكسره فوجده حامِضًا، فَحَرَدَ عليه، وقال: أَطْلُبُ الحلوَ فتُحضر لي الحامِض؟ هات حلوًا، فمضى، وقطع من شجرة أخرى، فلما كسره وجده أيضًا حامضًا، فاشتد حَرَدُهُ عليه، وفعل ذلك دفعة ثالثة، فقال له بعد ذلك: أنت ما تعرف الحلو من الحامض؟ فقال: لا. فقال له: كيف ذلك؟ فقال: لأني ما أكلت منه حتى أعرف الحلو من الحامض. فقال: ولمَ لم تأكل؟ فقال: لأنك ما أَذنت لي. فكشف عن ذلك فوجده حقًا، فَعَظُم في عينه، فزوجه ابنته، فرزقه منها الله عبد الله، فنمت عليه بركة أبيه.

وقيل: إن هذه القصة منسوبة إلى إبراهيم بن أَدْهَم، وذكرها الطُّرْطُوشيُّ في أول "سراج الملوك" منسوبةً له.

روى عبد الله عن: سليمان التَّيْمي، وحُميد الطويل، وإسماعيل بن أبي خالد، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وعِكْرمة بن عمار، والأَعْمش، وهشام بن عُروة، والثَّوري، وشُعبة، والأوْزاعي، وابن

ص: 317

جُريج، ومالك، والليث، وابن أبي ذِئْب، وموسى بن عُقْبَة، وإبراهيم ابن عُقبة، وخلق كثير.

وروى عنه الثَّوْري، ومَعْمر بن راشد، وأبو إسحاق الفَزَاري، وبَقِيَّة ابن الوليد، وابن عُيَيْنة، وأبو الأَحْوص، وفُضَيْل بن عياض، ومُعْتَمَر بن سُليمان، والوليد بن مُسلم، وغيرهم من شيوخه وأقرانه، وأبو سلمة التَّبُوذَكيّ، ونُعَيْم بن حَمّاد، وابن مَهْدي، والقَطَّان، وخلق كثير.

قال الخطيب: حدث عن معمر بن راشد، والحسن بن داود البَلْخِيّ، وبين وفاتيهما مئة واثنتان وثلاثون سنة، وقيل: مئة وثلاثون سنة، وقيل: مئة وتسع وعشرون سنة.

ولد سنة ثماني عشرة ومئة، ومات في رمضان سنة إحدى وثمانين ومئة بهِيتْ بكسر الهاء في آخره تاء منصرفًا من الغزو، وهي قرية على شاطىء الفُرات، فوق الأنْبار، من أَعمال العراق، لكنها في بر الشام، والأَنْبار في بر بغداد، والفُرات يفصل بينهما، ودِجْلة تفصل بين الأنبار وبغداد، وقبره بها ظاهر يزار.

وقد جمع ابن خَلَّكان في أخباره جزأين، وليس في الكتب الستة من اسمه عبد الله بن المبارك سواه، فهو من أفرادها، لكن في رواة غيرها خمسةٌ: أحدهم بغدادي حدث عن هَمّام، والثاني: خُراساني وليس بالمعروف، والثالث: شيخ روى عنه الأثْرم، والرابع: جوهري روى عن أبي الوليد الطَّيالِسِي، والخامس: بَزّار روى عنه سَهْلٌ البُخَاري.

والتَّميميُّ في نَسَبه نسبةً إلى تميم كأمير بن أُدّ بن طانِجةَ أبو قبيلة من مُضَر مشهورة، والحَنْظَلِيُّ نسبة إلى حَنْظَلَة بطن من تميم، والمَرْوَزِي تقدم الكلام عليه في الذي قبله.

فائدة: ذكر الشيخ زَكَرِيّا في آخر فصل "المتَّفِق والمفترق" عن ابن الصلاح أنه حكى عن سَلَمَة بن سليمان أنه قال: إذا قيل في السند:

ص: 318

عبد الله بمكة فهو ابن الزبير، أو بالمدينة: فابن عمر، أو بالكوفة: فابن مسعود، أو بالبصرة: فابن عباس، أبو بخراسان: فابن المبارك.

وقال ابن حَجَر: إذا أطلق بمصر: فابن عمرو بن العاص.

الثالث: بشر بن محمَّد أبو محمَّد المَرْوَزِي السِّخْتِياني.

روى عن ابن المُبارك، والفَضْل بن موسى، وأبي ثُمَيْلة.

وروى عنه البخاريُّ، وأحمد بن سَيّار، وإسحاق بن الفَيْض الأَصْبهاني وكناه، وجعفر الفِرْياني.

ذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: كان مُرْجِئًا. وذكر ابن أبي حاتم بشر بن محمَّد الكِنْدِيّ، عن عبد العزيز بن أبي رِزْمة. وعنه علي بن خشرم، ذكره مفردًا عن السِّخْتِياني، ويحتمل أن يكونا واحدًا.

مات السِّخْتِياني سنة أربع وعشرين ومئتين.

وانفرد البخاري به عن باقي الستة، روى عنه هنا، وفي التوحيد، والصلاة، وغيرها.

وكل ما جاء مِن بِشْر فهو بكسر الباء وسكون الشين المعجمة إلا أربعة، فبضم الباء وسكون السين المهملة، وهم بُسْر والد عبد الله بن بُسْر الصّحابي المَازِني ولم يذكره ابن الصلاح لأنه لا ذكر له فيٍ شيء من الكتب الثلاثة أعني:"البخاري" و"مسلمًا" و"الموطأ". وإن رَقَّمَ له المِزِّيُّ علامة مسلمٍ، وبُسْر بن سعيد، وبُسْر بن عبيد الله الحَضْرَمِيّ، وبُسْر بنَ مِحْجَن الدِّيْلي، وحديثه في "الموطأ" دون "الصحيحين"، وفيه خُلْفٌ، فقال الجمهور: إنه بالمهملة، وقال غيرهم: بالمعجمة، وقد تشبه هذه الترجمة بأبي اليسر كَعْب بن عمر، وهو بتحتية ثم مهملة مفتوحتين، وحديثه في صحيح مسلم، لكنه ملازم لأداة التعريف غالبًا بخلاف القسمين الأولين ونظم العراقي الأربعة فقال:

ص: 319

وابنُ سَعيدٍ بُسْر مِثْلُ المازِنِ

وابنُ عُبَيْدِ اللهِ وابنُ مِحْجَن

وَفيهِ خلْفٌ وَيَشِيرٌ أَعْجَمُ

..................

الرابع: عُبيد الله -بالتصغير- ابن عبد الله بن عُتْبة بن مسعود الهُذَلي، أبو عبد الله.

قال الواقِدِيّ: كان عالمًا، وكان ثقة، فقيهًا، كثير الحديث والعلم، شاعرًا، وقد عَمِيَ.

وقال العِجْلِيّ: كان أَعمى، وكان أحد فقهاء المدينة السبعة، تابعي ثقة، رجل صالح جامع للعلم، وهو معلم عمر بن عبد العزيز.

وقال أبو زُرْعَة: ثقة مأمون إمام.

وقال مَعْمر، عن الزُّهْري: كان أبو سَلَمَة يسأل ابن عباس، وكان يَخْزُن عنه، وكان عبيد الله يلطفه، فكان يُعِزُّهُ عِزًّا.

وعن الزُّهري قال: ما جالست أحدًا من العلماء إلا وأرى أني قد انتهيت على ما عنده، وقد كنت اختلفت إلى عروة حتى ما كنت أسمع منه إلا معُادًا ما خلا عُبَيْد الله بن عُتْبة فإني لم آته إلا وجدت عنده طريفًا، وقال الزُّهري أيضًا: أدركت أربعة بحورٍ فذكر فيهم عُبَيْد الله، وقال: سمعت من العلم شيئًا كثيرًا فظننت أني قد اكتفيت حتى لَقِيتُ عبيد الله، فإذا كأني ليس في يدي شيء.

وقال عمر بن عبد العزيز: لأن يكون لي مجلس من عُبَيْد الله أحب إلى من الدنيا وما فيها، وقال: والله إني لأشتري ليلة من ليالي عبيد الله بألف دينار من بيت المال، فقالوا: يا أمير المؤمنين، تقول هذا مع تَحَرِّيكَ وشدةِ تحفُّظِكَ، قال: أين يُذْهَبُ بكم؟ والله إني لأعود برأيه ونصيحته وبهدايته على بيت المال بألوف وألوف، إن في المحادثة تلقيحًا للعقل، وترويحًا للقلب، وتسريحًا للهم، وتنقيحًا للأدب.

وقال أبو جَعْفر الطَّبري: كان مقدمًا في العلم والمعرفة بالأحكام

ص: 320

والحلال والحرام، وكان مع ذلك شاعرًا مُجيدًا.

وقال ابن عَبْد البَرّ: كان أحد الفقهاء العشرة، ثم السبعة، الذين يدور عليهم الفتوى، وكان فاضِلًا مقدّمًا في الفقه، تقيًّا شاعرًا محسنًا لم يكن بعد الصحابة إلى يومنا هذا فيما علمت فقيه أشعر منه، ولا شاعر أفقه منه.

وقال عمر بن عبد العزيز: لو كان عبيد الله حيًا ما صدرت إلا عن رأيه.

وروي عن عُبيد الله أنه قال: ما سمعت حديثًا قطُّ ما شاء الله أن أعيه إلا وعيته.

وقيل لابن معين: أيُّما أحب إليك عكرمة أو عُبَيْد الله؟ قال: كلاهما ولم يُخَيِّر.

ومن شعره:

شَقَقْتِ القَلْبَ ثُمَّ ذَرَرْتِ فيه

هَواكِ فليم فَالْتَأَمَ الفُطُورُ

تَغَلْغَلَ حُبُّ عُثْمَةَ في فُؤَادي

فباديه مَعَ الخافي يَسِيْرُ

تَغَلْغَلَ حَيْثُ لَمْ يَبْلُغْ شَرَابٌ

وَلَا حُزْنٌ وَلَمْ يَبْلُغْ سُرورُ

ولما قال هذا الشعر قيل له: أتقول مثل هذا؟ قال: إن في الِّلدودِ راحةَ المفؤود، وهو القائل: لا بُدَّ لِلْمَصْدُورِ من أَنْ يَنْفُثَ.

روى عن أبيه، وأرسل عن عمه عبد الله بن مسعود، وروى عن عمار، وعمر، وعن أبي هريرة، وعائشة، وابن عباس، وابن عمر، وعثمان بن حُنَيْف، وسَهْل بن حُنَيْف، وأبي سعيد الخُدري، وأبي طَلْحة الأنصاري، وجماعة.

وروى عنه: أخوه عَوْنٌ، والزُّهري، وسَعْدُ بن إبراهيم، وأبو الزِّناد، وصالح بن كَيْسان، وعراك بن مالك، وموسى بن أبي عائشة، وغيرهم.

مات قبل علي بن الحسين سنة أربع أو خمس وتسعين، وقيل: سنة تسعين، وقيل: سنة ثمانين، وقيل: سنة تسع وتسعين، وعُبَيْد الله في الكتب الستة غيره أحد عشر.

ص: 321

والهُذَليّ بضم الهاء وفتح الذال المعجمة في نسبه نسبةً إلى جده هُذَيْل بن مُدْرِكةَ بن إلياس، والنسبة إليه هُذَلي على غير قياس، وهُذَيْلي على القياس، والنادر فيه أكثر على ألسنتهم، وهي قبيلة كبيرة، وهم أكثر أهل وادي نَخْلَةَ المجاور لمكة حرسها الله تعالى وأَعْرَقَتْ هذه القبيلة في الشعر.

والأربعة الباقية: ابن عباس مرَّ في الخامس، والزُّهْري في الثالث، ويونُس ومَعْمر في المتابعة بعد الرابع.

وهذا الحديث أخرجه البخاري في خمسة مواضع هنا كما ترى، وفي صفة النبي عليه الصلاة والسلام عن عَبْدان، وفي الصوم عن موسى بن إبراهيم، وفي فضائل القرآن عن يحيى بن قَزَعة، وفي بدء الخلق عن ابن مُقَاتل، ومسلم في فضائل النبي عليه الصلاة والسلام عن ابن أبي مُزَاحم وغيره.

لطائف إسناده: منها أنه اجتمع فيه عدة مَراوِزَة بن المُبارك، وراوياه.

ومنها أن البخاري حدث هذا الحديث عن شيخين عَبْدان وبِشْر كليهما عن عبد الله بن المُبارك، والشيخ الأول ذكر لعبد الله شيخًا واحدًا وهو يونس، والثاني ذكر له شيخين يونُس ومَعْمَرًا، أشار إليه بقوله: ومعمر نحوه، أي نحو حديث يونس باللفظ، وعن معمر بالمعنى، ولأجل هذا زاد فيه لفظ "نحوه"، ومنها زيادة الواوٍ في قوله: وحَدَّثنا بشْر، وهذا يسمى واو التحويل من إسناد إلى آخر، ويُعَبَّر عنها غالبًا بصورة "ح" مهمله مفردة وهكذا وقع في بعض النسخ، قال النووي: وهذه الحاء كثيرة في صحيح مسلم قليلة في صحيح البخاري.

وعادة المحدثين أنه إذا كان للحديث إسنادان أو أكثر كتبوا عند الانتقال من إسناد إلى إسناد ح مهملة مُفردة، واختلفوا هل هي مأخوذة من الحائل، أو من الحديث، أو من التحويل، أو من صح؟ وهل يُنْطَق بها حاء، أو بما رُمِزَ بها له عند المرور بها في القراءة أو لا؟ فاختار الحافظ أبو

ص: 322