الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شيء من شَعْرِ النبي صلى الله عليه وسلم جعله في ملبوسه. وقال محمَّد بن منصور: كنا في مجلس أبي عبد الله البخاري فرفع إنسان قذاة من لحيته، وطرحها على الأرض، فرأيت البخاري ينظر إليها وإلى الناس، فلما غَفَلَ الناس رأيته مد يده، فرفع القَذاة من الأرض فأدخلها في كمه، فلما خرج من المسجد رأيته أخرجها، ووضعها على الأرض، فكأنه صان المسجد عما تُصان عنه لحيته، وأخرج الحاكم في "تاريخه" من شعره قوله:
اغْتنمْ في الفراغ فَضْلَ رُكُوعٍ
…
فَعسى أنْ يكُونَ مَوتُك بَغتَهْ
كَم صحيحٍ رأيْتَ من غَيْرِ سُقْمٍ
…
ذَهَبَتْ نفسُهُ الصَّحيحةُ فَلْتهْ
ومن العجيب أنه مات بغتة كما يأتي، ولما نعي له عبد الله بن عبد الرحمن الدّارِميُّ الحافظ أنشد:
إنْ عِشْتَ تُفجع بالأحِبّةِ كلِّهم
…
وفناءُ نَفْسِك لا أبالَكَ أفْجعُ
ثناء أشياخه عليه
ومن ثناء أشياخه عليه ما رواه ورَّاقُه، قال: سمعت البخاري يقول: كان إسماعيل بن أبي أُوَيس إذا انتخبت من كتابه نسخ تلك الأحاديث لنفسه، وقال: هذه أحاديث انتخبها محمَّد بن إسماعيل من حَديثي، قال: وقال لي ابن أبي أُوَيْس: انظر في كتبي وجميع ما أملك لك، وأنا شاكرٌ لك أبدًا ما دمت حيًا.
وقال أبو مصعب أحمد بن أبي بكر الزُّهْرِيّ: محمَّد بن إسماعيل أفقه عندنا وأبصر بالحديث من أحمد بن حَنْبل، فقال له رجل: جاوزت الحد، فقال له أبو مصعب: لو أدركت مالكًا، ونظرت إلى وجهه ووجه محمَّد بن إسماعيل، لقلت: كلاهما واحد في الحديث والفقه.
وقال عبدانُ بن عُثمان المَرْوَزِيُّ: ما رأيت شابًّا أبصر من هذا، وأشار إلى محمَّد بن إسماعيل.
وقال قتيبة بن سعيد: جالست الفقهاء والزهاد والعباد، فما رأيت منذ عَقَلْتُ مثل محمَّد بن إسماعيل، وهو في زمانه كعمر في الصحابة. وقال أيضًا: لو كان محمَّد بن إسماعيل في الصحابة لكان آية، وسأله أيضًا رجل عن محمَّد بن إسماعيل، فقال: يا هؤلاء نظرت في الحديث وفي الرأي، وجالست الفقهاء والزهاد والعباد، فما رأيت منذ عَقلْت مثل محمَّد بن إسماعيل. وسئل يومًا عن طلاق السكران، فدخل البُخاري، فقال: قُتيبة للسائل: هذا أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهَوَيه، وعلي بن المَديني، قد ساقهم الله إليك، وأشار إلى البُخاري. وقال أيضًا: رُحِلَ إليّ من شرق الأرض وغربها، فما رَحَلَ إلي مثل محمَّد بن إسماعيل، ولما حُكي ذلك لمهيار، قال: صدق قُتيبة، أنا رأيته مع يحيى بن مَعين، وهما جميعًا يختلفان إلى محمَّد بن إسماعيل، فرأيت يحيى منقادًا له في المعرفة.
وقال أحمد بن حَنْبل: ما أخرجت خراسان مثل محمَّد بن إسماعيل.
وسأله عبد الله ابنه عن الحفاظ، فقال: شُبّان من خُراسان، فعده فيهم، وبدأ به.
ولما قدم البَصْرة قال مُحمد بن بَشّار: قدم اليوم سيد الفقهاء، وقال أيضًا: ما قدم علينا مثل محمَّد بن إسماعيل، وقال أيضًا: أنا أفتَخِرُ به منذ سنين.
وقال عبد الله بن يوسف التِّنيسيّ للبُخاري: يا أبا عبد الله انظر في كتبي وأخبرني بما فيها من السَّقط، فقال: نعم.
وقال: دخلت على الحُميدِيّ وأنا ابن ثمان عشرة سنة، أول سنة حج، فإذا بينه وبين آخر اختلاف في حديث، فلما بَصرني، قال: جاء من يفصِلُ بيننا، فعرضا عليّ الخصومة، فقضيت للحُمَيْدي، وكان الحق.
وقال البخاري: قال لي مُحمد بن سلام: انظر في كُتبي فما وجدت فيها من خطأ فاضرب عليه، فقال له بعض أصحابه: من هذا الفتى؟ فقال: هذا الذي ليَس له مثله، وكان محمَّد بن سلام يقول: كلما دخل
عليَّ محمَّد بن إسماعيل: تحيرت ولا أزال خائفًا، يخشى أن يخطئ بحضرته، وقال سليم بن مجاهد: كنت عند محمَّد بن سلام فقال لي: لو جئت قبل لرأيت صبيًّا يحفظ سبعين ألف حديث.
وقال حاشد بن إسماعيل: رأيت إسحاق بن راهَوَيه جالسًا على المنبر، والبخاري جالس معه، وإسحاق يُحَدِّثُ بحديث، فأنكره محمَّد، فرجع إسحاق إلى قوله، وقال: يا معشر أصحاب الحديث انظروا إلى هذا الشابِّ، واكتُبوا عنه، فإنه لو كان في زمن الحسن بن أبي الحسن البَصْرِيّ لاحتاج إليه، لمعرفته في الحديث وفقهه، وقال البخاري: أخذ إسحاق بن راهَوَيه كتاب "التاريخ" الذي صنفته، فأدخله على عبد الله بن طاهر الأمير، فقال له: أيها الأمير لا أُريك سحرًا.
وقال أبو بَكْرٍ المَديني: كُنّا يومًا عند إسحاق بن راهَوَيه، ومحمد بن إسماعيل حاضر، فمر إسحاق بحديث، ودون صحابيه الكنجاراني، فقال إسحاق: يا أبا عبد الله: أيش هي كنجاران؟ فقال قرية باليمن، كان معاوية بعث هذا الرجل الصحابي إلى اليمن، فسمع منه عطاء هذا حديثين، فقال له: يا أبا عبد الله كأنك شهدت القوم، وقال: فَتْح بن نُوح: أتيت على ابن المديني، ومحمد بن إسماعيل جالس عن يمينه، وكان إذا حدث التفت إليه مهابةً له، وقال البخاري: ما استَصْغرت نفسي عند أحد إلا عند علي بن المَديني، وربما كنت أغرب عليه، فبلغ ذلك ابن المديني، فقال: دعوه فما رأى مثل نفسه.
وقال البُخاري: ما ذاكرني أصحابي عمرو بن علي الفَلّاس بحديث فقلت: لا أعرفه، فَسرُّوا بذلك، وصاروا إلى عمرو بن علي، وقالوا له: ذاكرنا محمَّد بن إسماعيل بحديث فلم يعرفه، فقال عمرو بن علي: حديث لا يعرفه محمَّد بن إسماعيل ليس بحديث.
وقال رجاء بن رجاء الحافظ: فضل محمَّد بن إسماعيل على العلماء
كفضل الرجال على النساء، وقال أيضًا: هو آية من آيات الله تمشي على الأرض.
وقال الحُسين بن حُريث: لا أعلم أني رأيت مثل محمَّد بن إسماعيل، كأنه لم يخلق إلا للحديث.
وقال أبو بكر بن أبي شَيْبة ومحمد بن نُمير: ما رأينا مثل محمَّد بن إسماعيل، وكان أبو بكر بن أبي شيبة يسميه البازل، يعني الكامل.
وقال أبو عيسى التِّرمِذي: كان محمَّد بن إسماعيل عند عبد الله بن مُنير، فقال له لما قام: يا أبا عبد الله! جعلك الله زين هذه الأمة، قال أبو عيسى: فاستجاب الله تعالى فيه، وكان عبد الله بن مُنير يكتب عنده ويقول: أنا من تلامذته وهو من أشياخه الذين روى عنهم في صحيحه.
وقال يحيى بن جعفر البِيْكَنْدِيّ: لو قدرت أن أزيد من عمري في عمر محمَّد بن إسماعيل لفعلت، فإن موتي يكون موت رجل واحد، وموت محمَّد بن إسماعيل فيه ذهاب العلم، وكان يقول له: لولا أنت ما استطعت العيش بِبُخارى.
وقال علي بن حَجَر: أخرجت خراسان ثلاثة، البخاري، فبدأ به قال: وهو أبصرهم وأعلمهم بالحديث وأفقههم. قال: ولا أعلم أحدًا مثله.
وقال: أحمد بن إسحاق السرماري: من أحب أن ينظر إلى فقيه بحقه وصدقه، فلينظر إلى محمَّد بن إسماعيل.
وقال حاشد: رأيت عمرو بن زُرارة، ومحمد بن ربيع، عند محمَّد ابن إسماعيل، وهما يسألانه عن عِلل الحديث، فلما قاما قالا لمن حضر المجلس: لا تخدعوا عن أبي عبد الله فإنه أفقه منا وأعلم وأبصر. قال: وكنا يومًا عند إسحاق بن راهَوَيه، وعمر بن زُرارة، وهو يستملي على أبي