الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله: "ثم ستره الله" فيه حذف عليه، وفي رواية كريمة ذكرها، والحكمة في عطف الجملة المتضمنة للعقوبة على ما قبلها بالفاء والمتضمنة للستر بثم هي احتمال أن ذلك للتنفير عن مُواقَعَة المعصية، فإن السامع إذا علم أن العقوبة مفاجأة لإِصابة المعصية غير متراخية عنها، وأن الستر متراخ بعثه ذلك على اجتناب المعصية وتوقيها.
وقوله: "فهو إلى الله" أي أمره مفوض إلى الله تعالى، وفي هذا رد على الخوارج الذي يكفرون بالذنوب، ورد على المعتزلة الذي يوجبون تعذيب الفاسق إذا مات بلا توبة، لأن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أخبر بأنه تحت المشيئة، ولم يقل: إنه لا بد أن يعذبه، وفيه إشارة إلى الكف عن الشهادة بالنار على أحد، أو بالجنة لأحد، إلا من ورد النص فيه بعينه.
قال في "الفتح": أما الشق الأول فواضح، وأما الثاني فالإِشارة إليه إنما تستفاد من الحمل على غير ظاهر الحديث، وهو متعين.
وقوله: "إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه" هذا يتناول من تاب ومن لم يتب، وإنه لم يتحتم دخوله النار، بل هو إلى مشيئة الله، وقال الجمهور: إن التوبة ترفع المؤاخذة، نعم لا يأمن من مكر الله لأنه لا اطّلاع له على قبول توبته، وقيل بالتفرقة بين ما يجب فيه الحد وما لا يجب، واختلف فيمن أتى ما يوجب الحد، فقيل: يجوز أن يتوب سرًّا ويكفيه ذلك، وقيل: الأفضل له أن يأتي الإِمام ويعترف به، ويسأله أن يقيم عليه الحد، كما وقع لماعِز والغامِدية، وفصل بعض العلماء بين أن يكون معلنًا بالفجور، فيُستحب أن يعلن توبته، وإلا فلا.
رجاله خمسة:
الأول: أبو اليمان، والثاني: شعيب، وقد مرا في السابع من بدء الوحي.
والثالث: ابن شِهاب، وقد مر أيضًا في الثالث منه.
والرابع: عائذ الله بن عبد الله بن عمرو، ويقال عبد الله بن إدريس ابن عائذ بن عبد الله بن عتبة بن غَيْلان أبو إدريس الخَوْلاني العَوْذِيّ والعَيْذي.
قال مكحول: ما رأيت أعلم منه. وقال الزُّهري: كان قاضي أهل الشام، وقاضيهم في خلافة عبد الملك. وقال سعيد بن عبد العزيز: كان أبو إدريس عالم الشام من بعد أبي الدَّرداء. وقال أبو زُرعة الدِّمشقي: أحسن أهل الشام لقيا لأجلة أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم جُبَير بن نُفَيْر، وأبو إدريس، وقد قلت لدُحيم: من المقدم منهم؟ قال: أبو إدريس. قال أبو زُرعة: وأبو إدريس أروى عن التابعين من جُبَير بن نُفير، فأما معاذ بن جَبَل فلم يَصِحَّ له منه سماع، وإذا حدث أبو إدريس عن معاذ أسند ذلك إلى يزيد بن عَميرة، وروى مالك عن أبي حازم، عن أبي إدريس، قال: دخلت مسجد دمشق فإذا أنا بفتى براق الثنايا، فسألت عنه ، فقالوا: معاذ، فلما كان من الغد هَجَّرْت، فوجدته يصلي، فلما انصرف سلمت عليه، فقلت: والله إني لأحبك الحديث.
وقال العِجليّ: بصري تابعي دمشقي ثقة. وقال أبو حاتم والنّسائي وابن سَعد: ثقة. وذكره الطَّبريّ في "طبقات الفقهاء" في نفر أهل فقه في الدين وعلم بالأحكام والحلال والحرام. وقال ابن حِبّان في "الثقات": ولاه عبد الملك القضاء بعد عزل بلال بن أبي الدَّرداء، وكان من عباد أهل الشام وقرائهم، ولم يسمع من معاذ، وقد سُئل الوليد بن مسلم، وكان عالمًا بأيام أهل الشام، هل لَقِي أبو إدريس معاذ بن جبل؟ قال: نعم، أدرك معاذًا وأبا عُبيدة، وهو وابن عشر سنين، وُلد يوم حُنين.
روى عن عمر بن الخطاب، وأبي الدرداء، ومعاذ بن جبل، وأبي ذر، وبلال، وحُذيفة، وعبادة بن الصامْت، والمغيرة، ومعاوية، وواثِلة ابن الأسْقع، وغيرهم.
وروى عنه: الزّهري، وربيعة بن يزيد، والقاسم بن محمَّد، ومكحول، وشَهر بن حَوْشَب، وأبو حازم سلمة بن دينار، والوليد بن عبد الرحمن بن أبي مالك، وغيرهم.
مات سنة ثمانين.
وفي الستة عائذ الله سواه واحد أبو معاذ المُجاشِعِي، روى له ابن ماجه، وقال البخاري: لا يَصِحُّ حديثه، ووثقه ابن حبّان.
والخَوْلاني في نسبه نسبة إلى خَوْلان بن عمرو بن الحارث بن مُرة بنِ أُدَد، ومنهم أبو مسلم الخَوْلاني، واسمه عبد الرحمن بن مشكم، وخَوْلان في قبائل من العرب هذه، وخولان بن عمرو بن الحافي بن قُضاعة، وخَوْلان بن سعد بن مذحج، وخَوْلان حضور، وخَوْلان ردع هو ابن قَحْطان.
والعَوْذيّ في نسبه -بفتح المهملة وسكون الواو- نسبة إلى عَوْذ، وهما اثنان: عَوْذ بن غالب بن قَطيعة بن عَبْس، وعَوْذ بن سود بن الحجر بن عِمران بن عَمْرو بن مُزَيْقِيا قبيلتان، من الأولى سعد بن سَهْم بن عَوْذ، وحبيب بن قرفة العَوْذي، ومن الثانية أبو عبد الله هَمّام بن يحيى بن دينار الأزْدِيّ العَوْذيّ مولاهم.
الخامس: عُبادة -بضم العين- بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فِهْر ابن ثعلبة بن غُنم بن سالم بن عَوْف بن عمرو بن عَوْف بن الخزرج الأنصاري السّالميّ، يُكنى أبا الوليد، وأمه قرة العين بنت عُبادة بن نَضْلة ابن مالك بن العَجْلان، وكان عبادة نقيبًا، وشهد العقبة الأولى والثانية والثالثة، وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبي مَرْثَد الغَنَويّ، وشهد بدرًا والمشاهد كلها.
قال ابن يُونس: شهد فتح مصر، وكان أمير ربع المدد. وفي "الصحيحين" عن الصُّنابحيّ، عن عُبادة قال: أنا من النقباء الذين بايعوا
رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة، الحديث.
وهو أول من وَلي قضاء فلسطين، ومن مناقبه ما قال ابن اسحاق في "مغازيه" عن عُبادة بن الصامت، قال: لما حارب بنو قَيْنُقَاع بسبب ما أمرهم عبد الله بن أبي، وكانوا حلفاء، فمشى عُبادة بن الصامت، وكان له من الحلف مثل الذي لعبد الله بن أُبي، فخلعهم، وِتبرأ إلى الله ورسوله من حلفهم، فنزلت:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى ..} الخ. وذكر خليفة أن أبا عُبيدة ولاه إمرة حمص، ثم صرفه وولى عبد الله بن قُرْظ.
وروى ابن سعد من طريق محمَّد بن كعب القُرظِيّ أنه ممن جمع القرآن في عهد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، وزاد أن يزيد بن أبي سفيان كتب إلى عمر: قد احتاج أهل الشام إلى من يعلمهم القرآن، ويفقههم، فأرسل معاذًا وعُبادة وأبا الدّرداء، فأقام عُبادة بفلسطين.
وروى مجاهد عن جنادة، قال: دخلت على عُبادة، وكان قد تفقه في دين الله.
وعن يعلي بن شَدّاد، قال: ذكر معاوية الفرار من الطاعون، فذكر قصة له مع عُبادة، فقام معاوية عند المنبر بعد صلاة العصر، فقال: الحديث كما حدثني عُبادة، فاقتبِسوا منه، فإنه أفقه مني.
ولعبادة قصص متعددة مع معاوية، وإنكاره عليه أشياء، وفي بعضها رجوع معاوية له، وفي بعضها شكواه إلى عثمان منه تَدُلُّ على قوته في دين الله، وقيامه بالأمر بالمعروف، وروى الأوْزَاعيّ أن عُبادة خالف معاوية في شيء أنكره عليه في الصرف، فأغلظ له معاوية في القول، فقال له عُبادة: لا أساكنك في أرض واحدة أبدًا، ورحل إلى المدينة، فقال له عمر: ما أقدمك؟ فأخبره، فقال له: ارجع إلى مكانك، فقبح الله أرضًا لست فيها ولا أمثالك، وكتب إلى معاوية: لا إمرة لك على عُبادة. وروى ابن سعد أنه كان جميلا جسيمًا طويلًا.