المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بصاحبه، وقدمه على اليد لأن إيذاءه أكثر وقوعًا وأشد نكاية، - كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري - جـ ١

[محمد الخضر الشنقيطي]

فهرس الكتاب

- ‌تنبيه:

- ‌ كوثر المعاني الدراري، في خبايا صحيح البخاري

- ‌مقدمة في حقيقة الصحابة والتابعين عليهم رضوان الله تعالى

- ‌طبقات الصحابة

- ‌ما قيل في عدَّة الصحابة رضي الله تعالى عنهم

- ‌بعض ما قيل في فَضل الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين

- ‌بعض الأحاديث الواردة في فضلهم رضي الله عنهم

- ‌ومما هو وارد في فضلهم من الأحاديث:

- ‌الترتيبُ في فضلِ الصَّحابةِ

- ‌في فضل أحد من المتأخرين على أحد من الصحابة

- ‌ما قيل في محبة الصحابة

- ‌ما قيل فيمن سَبَّ الصحابةَ

- ‌الِإمساك عما شَجَرَ بين الصحابة

- ‌ فروعً

- ‌فيما تُعْرَفُ به الصُّحبة

- ‌في عدالة الصحابة

- ‌في المكثرين رواية وفتوى

- ‌فِيْمَنْ يقالُ لَهُمُ: العبادلة

- ‌فيمن لهم أتباع في الفقه

- ‌فيمن انتهى إليهم العلمُ من الصَّحابةِ

- ‌في عدد الصحابة وطِباقِهم

- ‌في ترتيبهم في الفضل

- ‌في أول من أسلم من الصحابة

- ‌في آخرهم موتًا

- ‌حقيقة التابعين وطبقاتهم

- ‌أفضل التابعين

- ‌الفقهاء السبعة

- ‌المُخَضْرَمونَ

- ‌فائدتان

- ‌نبذة من السيرة النبوية

- ‌ما يُقال فيمن يقال له: قرشي وعلى اشتقاق التسمية

- ‌موت والده عبد الله

- ‌مدة الحمل به ومحل ولادته صلى الله عليه وسلم

- ‌عام ولادته صلى الله عليه وسلم

- ‌الشهر الذي وُلِدَ فيه

- ‌في أي يوم من الشهر ولد

- ‌اليوم الذي ولد فيه

- ‌على أنه ولد ليلًا

- ‌فضل ليلة المولد على ليلة القدر

- ‌إرضاعه صلي الله تعالى عليه وسلم

- ‌رد حليمة له إلى أمه صلى الله عليه وسلم

- ‌موت أمه آمنة صلى الله تعالى عليه وسلم

- ‌موت جده عبد المطلب

- ‌قصة بحيرى الراهب

- ‌قصة نسطورا الراهب

- ‌وقت البعثة

- ‌مخرجه إلى المدينة

- ‌مكثه بمكة بعد البعثة

- ‌قدومه المدينة

- ‌قيامه بالمدينة

- ‌عدد غزواته وسراياه صلى الله عليه وسلم

- ‌سِنه عليه الصلاة والسلام

- ‌أزواجه عليه الصلاة والسلام

- ‌أولاده عليه الصلاة والسلام

- ‌أسماؤه عليه الصلاة والسلام

- ‌معنى محمَّد

- ‌معنى أحمد

- ‌خاتَم النُّبُوّة

- ‌تنبيه:

- ‌ تعريف البخاري

- ‌زهده وحسن سيرته

- ‌ثناء أشياخه عليه

- ‌ثناء أقرانه وطائفة من أتباعه عليه:

- ‌عجيب حفظه

- ‌فضائِلُ الجامعِ الصحيح

- ‌ما وقع له مع محمَّد بن يحيى الذُّهْلِيّ

- ‌رجوعه إلى بخارى

- ‌مبادئ علم الحديث

- ‌سند المؤلف المتصل بالبخاري

- ‌ كتاب بدء الوحي

- ‌باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم

- ‌الحديث الأول

- ‌تنبيه:

- ‌وأما رجاله فستة:

- ‌أنواع الرواية:

- ‌الألفاظ التي يؤدي بها السماع من لفظ الشيخ

- ‌أقسام التدليس

- ‌أولها: تدليس الإِسناد:

- ‌والثاني من الأقسام: تدليس الشيخ

- ‌الثالث: تدليس التسوية المعبر عنه عند القدماء بالتجويد

- ‌رواية الأقران

- ‌إبدال الرسول بالنبي وعكسه:

- ‌الغريب

- ‌العزيز

- ‌المشهور

- ‌ المتواتر

- ‌ الفرد

- ‌الحديث الثاني

- ‌وأما رجاله فستة:

- ‌الحديث الثالث

- ‌وأما رجاله فستة

- ‌الحديث الرابع

- ‌رجالُهُ ثلاثةٌ:

- ‌تنبيه:

- ‌الحديث الخامس

- ‌وأما رجاله فخمسة:

- ‌الحديث السادس

- ‌رجاله ثمانية:

- ‌الحَديث السابع

- ‌الرجال أربعة:

- ‌ كتاب الإِيمان

- ‌1 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "بني الإِسلام على خمس

- ‌2 - باب دعاؤكم إيمانكم

- ‌الحديث الأول

- ‌رجاله أربعة:

- ‌3 - باب أمور الإِيمان

- ‌الحديث الثاني

- ‌رجاله ستة:

- ‌4 - باب المُسلم مَنْ سَلم المسلمون من لِسانِهِ ويده

- ‌الحديث الثالث

- ‌رجاله ستة:

- ‌ورجال التعليقين خمسة:

- ‌5 - باب أي الإِسلام أفضل

- ‌الحديث الرابع

- ‌رجاله خمسة:

- ‌6 - باب إطعام الطعام من الإسلام

- ‌الحديث الخامس

- ‌رجاله خمسة:

- ‌7 - باب من الإِيمان أن يُحبَّ لأخيه ما يُحبَّ لنفسهِ

- ‌الحديث السادس

- ‌ورجال الطريقين ستة:

- ‌8 - باب حُبُّ الرسول صلى الله عليه وسلم من الإِيمان

- ‌الحديث السابع

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الثامن

- ‌رجال الإِسناديْن سبعة:

- ‌9 - باب حلاوة الإِيمان

- ‌الحديث التاسع

- ‌رجاله خمسة:

- ‌10 - باب علامة الإِيمان حب الأنصار

- ‌الحديث العاشر

- ‌رجاله أربعة:

- ‌11 - باب

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌12 - باب من الدّين الفِرار مِنَ الفتن

الفصل: بصاحبه، وقدمه على اليد لأن إيذاءه أكثر وقوعًا وأشد نكاية،

بصاحبه، وقدمه على اليد لأن إيذاءه أكثر وقوعًا وأشد نكاية، ولله دَرُّ القائل:

جِرَاحَاتُ السِّنانِ لها الْتئامٌ

ولا يَلْتَامُ ما جَرَحَ الَّلسانُ

لكن يمكن أن تشاركه في ذلك اليد بالكتابة، وإن أثرها في ذلك لعظيم، وخص اليد مع أن الفعل قد يحْصُل بغيرها لأن سلطنة الأفعال إنما تظْهر بها، لأن بها البطش والقطع، ومن ثمَّ غُلِّبت، فقيل: هذا مما عملت أيديهم، وإن كان متعذر الوقوع بها، وتدخُل فيها اليد المعنوية كالاستيلاء على حق الغير من غير حق، ويستثنى من ذلك شرعًا تعاطي الضرب باليد في إقامة الحدود والتعازير على المسلم المستحق لذلك.

وقوله: "والمهاجرُ من هَجَرَ ما نهى الله عنه" أي: المهاجر حقيقة من تَرَكَ ما نهى الله عنه، وهو بمعنى الهاجِر، وإن كان لفظ المُفِاعِل يقتضي وقوع فعل من اثنين، لكنه هنا للواحد، كالمسافر، ويُحْتَمل أن يكون على بابه، لأن من لازِم كونه هاجرًا وطنه مثلًا أنه مهجور من وطنه، وهذه الهجرة ضربان ظاهرة وباطنة، فالباطنة ما تدعو إليه النفس الأمارة بالسوء، والشيطان، والظاهرة الفِرار بالدّين من الفتن، كأن المهاجرين خُوطبوا بذلك لئلا يَتَّكِلوا على مجرد الانتقال من دارهم، حتى يمتثلوا أوامر الشرع ونواهيَه، أو قيل: هذا بعد انقطاع الهجرة لَمّا فُتِحت مكة تطييبًا لقلوب من لم يُهاجر، فقيل له: حقيقة الهجرة تحصُلُ لمن هَجَر ما نهى الله عنه، فاشتملت هاتان الجملتان على جوامع من معاني الحكم والأحكام، وزاد ابن حِبّان والحاكم في "المستدرك" هنا:"والمُؤمنُ من أمِنَهُ النّاس" وكأنه اختصر هنا لتضمنه معناه.

‌رجاله ستة:

الأول: آدم بن أبي إياس واسمه عبد الرحمن بن محمَّد، وقيل: اسمه ناهِية بن شُعَيب الخُرَاسَاني أبو الحسن العَسْقَلاني، نشأ ببَغداد، وارتحل في الحديث فاستوطن عَسْقلان إلى أن مات.

ص: 451

قال أبو داوود: ثقة. وقال أحمد: كان مكينًا عند شُعبة. وقال أحمد: كان من الستة أو السبعة الذين يضبطون الحديث عند شُعبة. وقال ابن مَعين: ثقة، ربما حدث عن قَوْم ضُعفاء. وقال أبو حاتم: ثقة مأمون متعبد من خيار عباد الله تعالى. وقال النَّسائي: لا بأس به. وقال ابن سَعْد: سمع من شُعبة سماعًا كثيرًا. وقال العِجْلِيّ: ثقة. وذكره ابن حِبّان في "الثقات" وفي كتاب ابن أبي حاتم عن أبيه، عن آدم، قال: كنت أكتب عند شُعبة، وكنت سريع الخَطِّ، وكان الناس يأخذون من عندي.

روى عن ابن أبي ذئب، وشعبة، وشَيْبان النَّحْوي، وحَمّاد بن سلمة، واللَّيْث، ووَرْقاء، وجماعة.

وروى عنه: البُخاريّ، والدّارِميّ، وابنه عُبيد بن آدم، وأبو حَاتِم، وأبو زُرعة الدِّمَشْقي، وإسحاق بن إسماعيل نزيل أصبهان، وهو آخر من روى عنه.

مات في خلافة أبي إسحاق سنة عشرين ومئتين، وقيل سنة إحدى وعشرين، بلغ عمره نيفًا وتسعين سنة.

وليس في الرواة آدَم بن أبي إياس سواه، وآدم غيره في الستة اثنان: آدم بن سُليمان القُرشيّ روى عنه مسلم، والترمذي، والنَّسائي. والثاني آدم بن علي العِجْلِيّ، ويقال: الشَّيْبَاني. روى عنه البُخاري، والنَّسائي.

والخُراساني في نسبه نسبةً إلى خُراسان -بضم الخاء- بلدة مشهورة بالعجم، والنسبة إليه خُرَاسانِيّ، وخُراسِنيّ بحذف الألف الثانية مع كسر السين، وخُرْسِنيّ بحذف الألفين، وخُرْسِيّ بحذف الألفين والنون، وخُرَاسي بحذف الألف الثانية والنون، والأول من النِّسَب الخمس أجود.

والعَسْقلاني في نسبه أيضًا نسبة إلى عَسْقَلان، وهي بلدة بساحل بحر الشام، له سوق يَحُجُّهُ النّصارى في كل سنة، وانشد ثعلب:

كأنَّ الوُحُوشَ به عَسْقَلا

نُ صَادَفَ في قرْنِ حَجٍّ دِيَافَا

ص: 452

شبه ذلك المكان لكثرة الوحوش بسوق غسْقلان، وقال الأزْهَريّ: عسقلانُ من أجناد الشام، وقال الجوهرِيُّ: وهي عروس الشام، وقال ابن الأثير: هي من فلسطين، وبها كان دار إبراهيم عليه السلام، وقد خَرَجَ منها خلق كثير من أهل العلم، وفي القرن الخامس استولى عليها الإِفرنج -لعنهم الله تعالى- ثم فتحها السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب رحمه الله تعالى. وأَخْرَبَ قلعتها خوفًا من سَطْوة الكفرة، فاستولى عليها الخراب إلى زماننا هذا، وأما الآن فلم يَبْقَ بها إلا الرسوم، فسبحان الحي القيوم، وعسقلان أيضًا بلدة بِبَلخ أو مَحلّة، والأخير أرجح، منها أبو يحيى عيسى ابن أحمد بن عيسى بن وردان العَسْقَلاني البَلْخي ثقة عن عبد الله بن وَهْب، وبَقِيّة بن الوليد، وعنه النَّسائي أيضًا وأبو حاتم.

الثاني: شعبة بن الحَجّاج بن الوَرْد العَتَكيّ الأزْدِيّ مولاهم أبو بِسطام الواسِطِيّ ثم البَصْريّ.

قال أبو طالب عن أحمد: شعبة أثبت في الحكم من الأعمش، وأعلم بحديث الحكم، ولولا شُعبة ذهب حديث الحكم، وشعبة أحسن حديثا من الثَّورِي لم يكن في زمن شعبة مثله في الحديث، ولا أحسن حديثًا منه، قُسِم له من هذا حظ، وروى: عن ثلاثين رجلًا من أهل الكوفة، لم يَرْو عنهم سُفيان، وقال محمَّد بن العباس النَّسائي: سألت أبا عبد الله: من أثبت شعبة أو سفيان؟ فقال: كان سفيان رجلًا حافظًا، وكان رجلًا صالحًا، وكان شعبة أثبت منه، وأتْقى وجلا، وسمع من الحكم قبل سفيان بعشر سنين. وقال عبد الله بن أحمد، عن أبيه: كان شعبة أمة وحده في هذا الشأن، يعني في الرجال، وبصره بالحديث، وتثبته، وتنقيته للرجال، وقال مَعْمر: كان قتادة يسأل شعبة عن حديثه، وقال حمّاد بن زَيْد: قال لنا أيوب: الآن يطْلُعُ عليكم رجل من أهل واسِطٍ هو فارس في الحديث، فخُذُوا عنه. وقال أبو الوليد الطَّيَالِسيُّ: قال لي حماد بن سَلَمة: إذا أردت الحديث فالزَم شعبة، وقال حمّاد بن زَيْد: ما أُبالي من خَالَفني إذا وَافقني شُعبة، فإذا خالفني شُعبة في شيء تركته.

ص: 453

وقال ابن مَهدي: كان الثَّوري يقول: شعبة أمير المؤمنين، وقال: مات الحديث بموت شعبة، وقال لِسَلْم بن قُتيبة: ما فعل أستاذنا شعبة؟ وقال أبو حَنيفة: نعم حشو المصر هو. وقال الشّافِعِيّ: لولا شُعبة ما عُرف الحديث بالعراق. وقال أبو زَيْد الهَرَويّ: قال شُعبة: لَأن انْقطع أحب إليّ من أن أقول لما لم أسمع: سمعت. وقال يَزيد بن زُرَيْع: كان شعبة من أصدق الناس في الحديث. وقال أبُو بَحْر البَكْرَاويّ؟ ما رأيت أعبد لله من شُعبة، لقد عبد الله حتى جفَّ جلده على ظهره. وقال مسلم بن إبراهيم: ما دخلت على شُعبة في وقت صلاة قَطُّ إلا وجدته قائمًا يصلّي. وقال النَّضْر ابن شُمَيل ما رأيت أرحم بمسكين منه. وقال ابن مَعِين: إمام المتقين. وقال الحَكَم: شعبة إمام الأئمة في معرفة الحديث بالبَصْرة. وقال ابن سَعْد: كان ثقة، مأمونًا، حُجّة، ثبتًا، صاحب حديث. وقال العِجلِيّ: ثقة، ثَبْت في الحديث، وكان يُخطىء في أسماء الرجال قليلًا.

وقال صالح جَزَرة: أول من تكلم في الرجال شُعبة، ثم تبعه القَطّان، ثم أحمد ويحيى. وقال ابن حِبّان في "الثقات": كان من سادات أهل زمانه حفظًا وإتقانًا وورعًا وفضلًا، وهو أول من فَتَّش بالعراق عن أمر المحدثين وجانب الضعفاء والمتروكين، وصار علمًا يقتدى به، وتبعه عليه بَعْده أهل العراق، وقال قراد أبو نوح: رَأى عليَّ شُعبة قميصًا، فقال: بكم أخذت هذا؟ قلت: بثمانية دراهم. فقال لي. ويْحَك، أما تَتَّقي الله، تَلْبَسُ قميصًا بثمانية، ألا اشتريت قميصًا بأربعة وتصدقت بأربعة؟ قلت: إنّا مع قوم نَتَجَمّل لهم. قال: أيْشٍ تَتَجمّل لهم؟ وقال وكيع: أني لأرجو أن يرفع الله لشعبة في الجنة درجات لِذَبِّه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال يَحيى القَطّان: ما رأيت أحدًا قَطُّ أحسن حديثًا من شعبة. وقال إدريس: ما جَعَلتَ بينك وبين الرجال مثلَ شعبة وسفيان. وقال ابن المَدِينيّ: سألت يحيى بن سعيد. أيُّهما كان أحفظ للأحاديث الطوال شعبة أو سفيان؟ فقال: كان شُعبة أمّرَّ فيها، قال: وسمعت يحيى يقول: كان شعبة أعلم بالرجال فلان عن فلان، وكان سفيان صاحب أبواب. وقال أبو داوود: لما مات شُعبة،

ص: 454

قال سُفيان: مات الحديث، قيل لأبي داوود: هو أحسن حديثًا من سفيان. قال: ليس في الدنيا أحسن حديثًا من شُعبة ومالك على قلته، والزُّهري أحسن الناس حديثًا، وشعبة يخطىء فيما لا يَضُرُّه ولا يُعاب عليه في الأسماء. وقال الدَّارَقُطنِيّ: كان شعبة يُخطىء في أسماء الرجال كثيرًا لتشاغله بحفظ المتون. وقال ابن إدريس: شعبة قَبَّان المحدثين، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما لَزِمْتُ غيره، والقَبّان كَشَدّاد: القِسْطاس والأمين. وقال أبو قَطَن: ما رأيت شعبة ركع إلا ظننت أنه قد نسي. وقال ابن أبي خَيْثَمة: قال شُعبة: ما رويت عن رجلٍ حديثًا إلا أتيته أكثر من مرة، والذي رويت عنه عشرة أتيته أكثر من عشر مرات. وقيل لابن عَوْف: مالَكَ لا تُحدِّث عن فلان؟ قال: لأني رأيت أبا بِسطام تركه. وقال الأصمعِيُّ: لم نر أحدًا أعلم بالشعر منه. وقال بَدَل بن المحبر: سمعت شعبة يقول تعلموا العربية فإنها تزيد في العقل. وقال صالح بن سليمان: كان لشعبة أخوان يعالجان الصرف، وكان يقول لأصحاب الحديث وَيلَكُم الزموا السوق، فإنما أنا عِيال على إخوتي. وقال ابن مَعين: كان شعبة صاحب نحو وشعر، ورأى اليزيدي شعبة بن الحَجّاج، ومِسْعَر بن كِدام في النوم بعد موتهما، فقال لشعبة: ما فعل الله بك، فقال يابني احفظ ما أقول:

حَبَاني إلهي في الجِنَانِ بقُبَّةٍ

لَهَا ألْفُ بَابٍ مِن لُجَينٍ وجوْهَرَا

وقال لِي الجَبّار يا شُعبَةُ الّذي

تَبَحَّرَ في جَمْعِ العُلُوم وأكثَرا

تَمَتَّعْ بِقُرْبي إنَّني عَنْكَ ذُو رضًا

وعَنْ عبديَ القوَّام بالَّليْلِ مِسْعَرا

كَفَى مِسْعَرًا عِزًّا بأنْ سَيزُورُني

وأكشف عن وجهي ويدنو لينظُرا

وهذا جزائي بالذين تنسَّكوا

ولَمْ يأْلَفوا في سَائِرِ الدَّهْرِ مُنْكَرًا

رأى شعبة أنس بن مالك، وعمرو بن سلمة الصحابيين، وسمع من أربع مئة من التابعين.

روى عن: أبَان بن تَغْلب، وإبراهيم بن محمَّد بن المُنتشر، وإسماعيل بن رجاء، وإسماعيل بن سَمِيع، وإسماعيل بن عبد الرحمن

ص: 455

السُّدِّي، وإسماعيل بن علية وهو أصغر منه، والأسود بن قيس، وأشعث ابن سِوار، وأشعث بن عبد الله بن جابر، وأيوب بن أبي تميمة، وخلق لا يُحصى.

وروى عنه: أيوب، والأعمش، وسعد بن إبراهيم، ومحمد بن إسحاق، وهم من شيوخه، وجَرير بن حازم، والثَّوري، والحسن بن صالح، وغيرهم من أقرانه، ويَحيى القَطّان، وابن مَهْدي، ووكيع، وابن إدريس، وابن المُبارك، ويزيد بن زُرَيع، وأبو داود، وأبو الوليد الطَّيَالسيّان، وابن علية، والنَّضْر بن شُمَيل، وآدم بن أبي إياس، وخلق لا يحصى.

مات بالبصرة سنة ستين ومئة وله سبع وسبعون سنة.

والواسِطيُّ في نسبه تقدم في أبي عَوانة.

والعَتَكِيُّ والأسَدِيُّ تقدما في عَبْدان.

وأما البَصْريّ فهو نسبة إلى البَصْرة بفتح الباء في اللغة الفصحى، ويُكسر ويُضم ويُحرك، وبكسر الصّاد وليس في النسب إلا الفتح أو الكسر، والفتح أفصح كما مر بلدة معروفة بناها عُتْبة بن غَزْوان في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة سبع عشرة من الهجرة، وسكنها الناس سنة ثماني عشرة، ولم يُعْبد الصنم قط على ظهر أرضها، وكانت تسمى قُبة الإِسلام وخِزانة العرب، وكانت تسمى في القديم تَدْمُر، والمُؤْتَفِكة لأنها ائْتَفَكَت، أي: انقلبت بأهلها في أول الدهر، قيل: سميت بالبَصرِ مثلثًا، وهو الكذَّان ككَتّان كان بها عند اختطاطها، والكَذَّان حجارة رخوة كالمَدَر، ورُبما كانت نَخِرة، قال الكُمَيت يصف الرياح:

تَرَامى بكَذَّانِ الإِكَامِ ومَرْوِها

تَرَاميَ وُلْدانِ الأصَارِمِ بِالخَشْلِ

وقيلَ: إنها مُعرب بس راه، أي: كثير الطرق، فمعنى بس كثير، ومعنى راه طريق. والبصرة بلدة بالمغرب الأقصى قُرب السُّوس، سميت

ص: 456

بِمَنْ نَزَلَها واختَطَّها من أهل البصرة عند فتوح تلك البلاد، وقد خربت بعد الأربع مئة من الهجرة ولا تكاد تُعرف.

وليس في الكتب الستة من اسمه شُعبة بن الحَجّاج سواه. وفي "النّسائي" شعبة بن دينار الكُوفي صدوق، روى عن عكرمة، وروى عنه السفيانان. وفي "أبي داوود" شعبة بن دينار الهاشِمِيّ روى عن مولاه ابن العَبّاس، ليس بالقوي وفي الضعفاء شعبة بن عمرو يروي عن أنس، قال البخاري: أحاديثه مناكير، وفي الصحابة شُعبة العَنْبَريّ.

الثالث: عبد الله بن أبي السَّفَر بتحريك الفاء، واسم أبي السَّفَر سعيد ابن يَحْمد، ويقال: أحمد الهَمْداني الثَّوْرِيّ الكوفي.

روى عن: أبيه، وأبي بُردة بن أبي موسى، وعامر الشَّعْبِيّ، ومصعب ابن شَيْبة.

وروى عنه: شُعبة، وعمر بن أبي زَائِدة، ويونُس بن أبي إسحاق، وعيسى بن يونُس، والثَّوْريّ، وشرَيْك، وغيرهم.

قال أحمد وابن مَعين والنَّسائي: ثقة. وذكره ابن حِبّان في "الثقات" وقال ابن سَعْد: كان ثقة، وليس بكثير الحديث. وقال العِجْلِيّ: كوفي ثقة، مات في خلافة مروان بن محمَّد.

والسَّفْر كله بإسكان الفاء في الاسم، وتحريكه في الكنية، ومنهم من سكن الفاء في عبد الله المذكور.

والهَمْداني في نسبه تقدم في موسى بن أبي عائشة.

والثَّوْرِيّ نسبة إلى ثور أبي قبيلة من مُضر، وهو ثَوْر بن عبد مناة بن أُدّ بن طابِخة بن إلياس بن مُضر، منهم الإِمام سُفيان الثَّوريّ.

والكوفي في نسبه نسبةً إلى الكوفة، وهي مدينة العراق الكُبرى، وقُبّة الإِسلام، ودار هِجرة المسلمين، قيل: قدرها ستة عشر ميلًا وثُلْثَا ميل،

ص: 457

وفيها خمسون ألف دار للعرب من رَبيعة ومُضَر، وأربعة وعشرون ألف دار لسائر العرب، وستة وثلاثون ألف دار لليمن، قيل: مَصَّرَها سعد بن أبي وَقَّاص، وكانت قبل ذلك منزل نُوح عليه السلام، وبنى مسجدها الأعْظم، واختلف في سبب تسميتها، قيل: سميت بذلك لاستدارتها، وقيل: بسبب اجتماع الناس فيها، وقيل: لكونها كانت رملة حمراء أو لاختلاط ترابها بالحصى، ويقال لها: كُوفان -بالضم ويفتح- ويقال لها أيضًا: كوفة الجند لأنها اختطت فيها خطط العرب أيام عُثمان أو أيام عمر، خططها السَّائب بن الأقرع الثَّقَفِيّ، قال الشاعر:

ذَهَبَتْ بِنَا كُوفَانُ مَذْهَبَها

وعَدِمْتُ عَنْ طُرَفائِها خَيْري

وقال الأخر:

إنَّ الّتي ضَرَبتْ بَيْتًا مُهاجِرةً

بِكُوفَةِ الجُنْدِ غَالَتْ وُدَّها غولُ

وقيل: سميت بكُوفان، وهو جبيل صغير فسهلوه، واختطوا عليه، أو مشتقة من الكيف وهو القطع لأن أبرويز أقطعه لبَهْرام، أو لأنها قطعة من البلاد، والأصل كُيْفَة فلما سكنت الياء وانضم ما قبلها جعلت واوًا، أو من قولهم: هم في كوفان بالضم ويفتح، وكَوَّفان محركة مشددة الواو في عِزٍّ ومَنَعَة، أو لأن جبل ساتِيذما محيطٌ بها كالكاف، أو لأن سعدًا لما ارتاد هذه المنزلة للمسلمين قال لهم: تَكَوَّفُوا في هذا المكان، أي: اجتمعوا، أو لأنه قال: كَوِّفوا هذه الرملة أي: نَحُّوها، وانزلوا، ولما بَنَى عبيد الله بن زياد مسجد الكوفة صعد المنبر، وقال: يا أهل الكوفة، إني قد بنيت لكم مسجدًا لم يبق على وجه الأرض مثله، وقد أنفقت على كل أسطوانة منه سبع عشرة مئة، ولا يهدِمه إلا باغٍ أو حاسد، والمسافة بينها وبين المدينة نحو عشرين مرحلة، ولا تخلو الحسناء من ذَامٍّ، وقد قال فيها النَّجَاشِي يهجو أهلها:

إذَا سَقى الله قَوْمًا صَوْبَ غاديَةٍ

فَلَا سَقَى الله أهْلَ الكُوفَةِ المَطَرَا

التَّارِكِين على طُهْرٍ نِسَاءَهُمُ

والنَّاكِحِينَ بِجَنْبَي دِجلةَ البَقَرا

ص: 458

والسَّارِقِين إذا ما جُنَّ لَيْلُهُمُ

والدَّارسينَ إذَا ما أصْبَحُوا السُّوَرا

الرابع: إسماعيل بن أبي خالد الأحمس مولاهم.

قال الثَّوريّ: حفاظ الناس ثلاثة إسماعيل وعبد الملك بن أبي سُفيان ويحيى بن سعيد الأنصاري يعني إسماعيل أعلم الناس في الشَّعْبي وأثبتهم فيه. وقال مروان بن مُعاوية: كان إسماعيل يسمى الميدان. وقال علي: قلت ليحيى بن سعيد: ما حملت عن إسماعيل عن الشَّعْبي صحاح؟ قال: نعم. وقال البُخاري، عن علي: له نحو ثلاث مئة حديث. وقال أحمد: أصح الناس حديثًا عن الشَّعْبي ابن أبي خالد. وقال ابن مَهْدي، وابن مَعين، والنَّسائي: ثقة. وقال ابن عمَّار المَوْصِلي: حجة. وقال العِجْلِيّ: كوفي ثقة تابعي، وكان طَحّانًا. وقال يعقوب بن أبي شَيْبة: كان ثقة ثَبْتًا.

وقال أبو حاتم: لا أُقَدِّمُ عليه أحدًا من أصحاب الشَّعبي، وهو ثقة. وقال ابن حِبّان في "الثقات" كان شيخًا صالحًا. وقال ابن عُيينة: كان أقدم طلبًا وأحفظ للحديث من الأعمش. وقال العِجْلِيّ: كان ثَبْتًا في الحديث، وربما أرسل الشيء عن الشَّعْبي، وإذا وقف أخبر، وكان صاحب سنة، وكان حديثه نحو خمس مئة حديث، وكان لا يروي إلا عن الثقة. وحكى ابن أبي خَيْثَمة عن يحيى بن سعيد أنه قال: مرسلات ابن أبي خالد ليست بشيء. وقال يعقوب بن سُفيان: كان أمِّيًّا حافظًا ثقةً. وقال هُشَيم: كان إسماعيل فحش اللحن، كان يقول: حدثني فلان عن أبوه. قال أبو نُعيم: أدرك إسماعيل اثني عشر نفسًا من الصحابة، منهم من سمع منه، ومنهم من رآه رؤية.

روى عن: أبيه، وأبي جُحَيْفَة، وعبد الله بن أبي أوْفى، وعمرو بن حُرَيث، وأبي كاهِل من الصحابة، وعن زَيْد بن وَهْب، ومحمد بن سَعْد، وأبي بكر بن عِمارة بن رُوَيْبة، وقيس بن أبي حازم، والشَّعبي وغيرهم من كبار التابعين.

وروى عنه: شُعبة والسُّفيانان، ويحيى القطان، ويزيد بن هارون، وعُبيد الله بن موسى، وهو آخر ثقة حدث عنه.

ص: 459

مات سنة خمس أو ست وأربعين ومئة.

وليس في الستة إسماعيل بن أبي خالد سواه، وأما إسماعيل فهو كثير.

والأحْمَس في نسبه نسبة إلى أحْمَس بطن من بَجيلة وهو الغَوْث بن أنْمار.

الخامس: عامر بن شَراحيل بن عبد، وقيل: عامر بن عبد الله بن شَراحيل الشَّعْبي الحِمْيَري -بفتح الشين- أبو عمرو الكُوفي من شِعْب هَمْدان، وشراحيل -بفتح الشين والراء الممدودة ثم حاء مكسورة ممدودة أيضًا- قال منصور الفداني عن الشعبي: أدركت خمس مئة من الصحابة.

وقال أشعث بن سوار: لقى الحسن الشعبي، فقال: كان والله كثير العلم، عظيم الحلم، قديم السلم، من الإِسلام بمكان. وقال عبد الملك بن عُمَير: مرَّ ابن عُمر على الشَّعْبيّ وهو يحدث بالمَغَازي، فقال: لقد شَهِدتُ القومَ، لهو أحفظ لها وأعلم مني. وقال الزُّهري: العلماء أربعة: ابن المُسَيِّب بالمدينة، والشَّعْبيّ بالكوفة، والحسن البصري بالبصرة، ومَكْحول بالشام. وقال مَكْحُول: ما رأيت أفقه منه. وقال أبو مجلز: ما رأيت فيهم أفقه منه. وقال ابن عُيينة: كانت الناس تقول بعد الصحابة: ابن عباس في زمانه، والشعبي في زمانه، والثوري في زمانه. وقال ابن شُبْرُمَة: سمعت الشعبي يقول: ما كتبت سوداء في بيضاء، ولا حدثني رجل بحديث إلا حفظته، ولا حدثني رجل بحديث فأحببت أن يُعيدَه عليَّ. وقال ابن مَعين: إذا حدث عن رجل فسماه فهو ثقة، يُحتج بحديثه. وقال ابن مَعين وأبو زُرعة: الشَّعبي ثقة. وقال ابن حِبّان في ثقات التابعين: كان فقيهًا شاعرًا على دُعابة فيه. وقال أبو جعفَر الطَّبَرِيّ: كان ذا أدب وفقه، وكان يقول: ما حللت صَبْوتي إلى شيء مما ينظر الناس إليه، ولا ضربت مملوكًا لي قَطّ، وما مات ذو قرابة لي وعليه دين إلا قضيته عنه. وقال أبو حْصَين: ما رأيت أعلم من الشَّعبي، فقال له أبو بكر

ص: 460

عَيّاش: ولا شُرَيح؟ قال له: تريدني أكذب؟ ما رأيت أعلم من الشَّعبي.

وقال أبو إسحاق الحبّال كان واحد زمانه في فنون العلم. قال ابن أبي حاتم: سُئِل أبي عن الفرائِض التي رواها الشَّعْبي عن علي، فقال: هذا عندي ما قاسه الشعبي على قول علي، ولا أرى علِيًّا يتفرغ لهذا. وقال ابن مَعين: قضى الشَّعبي لعُمر بن عبد العزيز.

وحكى الشعبي قال: أنْفَذَني عبد الملك بن مروان إلى ملك الروم، فلما وصلت إليه جعل لا يسألني عن شيء إلا أجبته فيه، وكانت الرسل لا تطيل الإِقامة عنده، فحبسني أيامًا كثيرة حتى استحْثَثْتُ خُروجي، فلما أردت الانصراف، قال لي: من أهل بيت المملكة أنت؟ فقلت: لا ولكني رجل من العرب في الجملة، فَهَمَسَ بشيء، فدفع إليّ ورقة، وقال: إذا أديت الرسائل إلى صاحبك، فأوصل إليه هذه الرُّقْعة، قال: فأدَّيتُ الرسائَل عند وصولي إلى عبد الملك ونسيت الرقعة، فلما صِرْت في بعض الدار أريد الخروج، تذكرتها، فرجعت فأوصلتها إليه، فلما قرَأهَا، قال لي: أقال لك شيئًا قبل أن يدفعَها إليك؟ قلت: نعم، قال لي: من أهل بيت المملكة أنت؟ قلت: لا ولكني رجلٌ من العرب في الجملة، ثم خرجتُ من عنده، فلما بلغتُ الباب رُدِدْت، فلما مَثُلْتُ بين يديه، قال لي: أتدري ما في الرقعة؟ قلت: لا. قال: اقرأها، فقرأتها، فإذا فيها: عَجِبْتُ من قومٍ فيهم مثلُ هذا كيف يُوَلّون غيره؟ فقلت: والله لو علمت ما فيها ما حملتُها، وإنما قال هذا لأنه لم يَرَك. قال: أتدري لم كتبها؟ قلت: لا. قال: حَسَدَني عليك، وأراد أن يُغْرِيَني بقتلك، قال: فَتَأدّى ذلك إلى ملك الروم، فقال: والله ما أردت إلا ما قال.

وكلم الشَّعْبي عَمرو بن هُبَيرة الفَزَاريّ أمير العراق في قوم حَبَسَهم ليُطلقهم، فأبى، فقال له: أيها الأمير، إن حبستهم بالباطل فالحق يخرجهم، وإن حَبَسْتهم بالحق فالعفوُ يَسَعُهم، فأطلقهم، وكان كثيرًا ما يَتَمَثَّلُ بقول سُكَيْن الدّارِميّ:

ص: 461

لَيْسَت الأحلامُ في حالِ الرِّضا

إنَّما الأحْلامُ في حَالِ الغَضَب

ويُقال: إن الحجاج بن يوسف قال له يومًا: كم عطاءَكَ في السنة؟ فقال له: ألفين، فقال له: وَيْحك كم عطاؤُك؟ فقال له: ألفان، قال له، كيف لَحَنْتَ أوَّلًا؟ قال: لحن الأمير فلحنتُ، فلما أعرب أعربت، وما أمكن أن يَلْحَنَ الأمير وأُعْرِب أنا فاستحسن ذلك منه وأجازه.

وكان مزّاحًا، يحكى أن رجلًا دخل عليه وهو مع امرأته في البيت، فقال: أيُّكُما هو الشَّعبي، فقال له: هذه.

وكان ضئيلًا نحيفًا، قيل له يومًا: ما لنا نراك ضئيلًا، فقال: زوحِمْت في الرَّحِم، وكان قد وُلد هو وأخ آخر في بطن، وأقام في البطن سنتين.

قال الحاكم في "علومه": لم يسمع من عائشة، ولا من ابن مَسْعود، ولا من أسامة بن زَيْد، ولا من علي، إنما رآه رؤية، ولا من معاذ بن جَبَل، ولا من زَيد بن ثابت. وقال ابن المَدينيّ: لم يسمع من زَيد بن ثابت، ولم يَلْقَ أبا سعيد الخدْري، ولا أم سلمة. وقال التِّرْمذي في "العلل": قال محمَّد: لا أعرف للشعبي سماعًا من أم هانىء. وقال الدَّارَقطْنيّ في "العلل" لم يسمع من علي إلا حرفًا واحدًا ما سمع غيره، كأنه عنى ما أخرجه البخاري في الرجم، عنه، عن علي حين رَجَم المرأة، فقال: رجمتُها بسنة النبي صلى الله عليه وسلم.

روى عن: سعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زَيْد، وقيس بن سعد بن عُبادة، وعليّ، وزيد بن ثابت، خلاف ما مرّ، وعُبادة بن الصَّامِت، وأبي موسى الأشْعري، وأبي هُريرة، والمغيرة بن شعبة، والعبادلة الأربعة، وخلق كثير، وأرسل عن عَمر وابن مسعود.

وروى عنه: أبو إسحاق السَّبِيعيّ، وأشعث بن سِوار، وإسماعيل بن أبي خالد، والأعْمَش، ومنصور، ومُغيرة، وسِماك بن حَرْب، وعاصم الأحْوَل، وأبو الزِّناد، وعبد الله بن أبي السَّفَر، وابن عَوْن.

ص: 462

قال قتادة: ولد الشَّعبي لأربع سنين بقين من خلافة عمر رضي الله عنه. وقال خَليفة بن خيّاط: ولد الشَّعبيّ والحسن البَصْري في سنة إحدى وعشرين. وقال الأصْمعِي: في سنة سبع عشرة بالكوفة. وقيل: لست سنين خَلَوْن من خلافة عثمان رضي الله عنه. وقيل: سنة عِشرين للهِجرة. وقيل: إحدى وثلاثين. ورُوِي عنه أنه قال: ولدت سنة جَلولاء، وهي سنة تسع عشرة، وتوفي بالكوفة سنة أربع، وقيل: ثلاث، وقيل: ست، وقيل: سبع، وقيل: خمس ومئة، وكانت وفاته فجأة، وكانت أمه من سَبْي جَلُولاء.

والشَّعْبي في نسبه نسبة إلى شعْب بوزن فَلْس، وهو بطن من هَمْدان، وقال الجَوْهَريّ: هذه النسبة إلى جبل باليمن، نزله حسّان بن عَمرو الحِميريّ هو وولده، ودفن فيه، وهو ذو شُعبتين، فمن كان بالكوفة منهم قيل لهم: شَعْبيّون، ومن كان منهم بمصر والمغرب قيل لهم: الأشعوب، ومن كان منهم بالشام قيل لهم: شَعْبانيون، ومن كان منهم باليمن قيل لهم: آل ذي شُعْبَتَين وقال ابن دُرُسْتَوَيْه: نسبة إلى شعبا حي من اليمن، لأنهم انقطعوا عن حيهم.

السادس: عبد الله بن عَمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعد بن سَهْم بن عمرو بن هُصَيْص بن كَعْب بن لُؤَي القُرَشيّ السَّهْميّ يكنى أبا محمَّد عند الأكثر، وقيل: أبو عبد الرحمن، وقيل: أبو نصر وهو غريب، وأمه رَيْطة بنت مُنَبِّه بن الحَجّاج السَّهْميّة، ولد لعمرو وهو ابن اثنتي عشرة سنة، فلم يفته أبوه في السنن إلا باثنتي عَشْرة سنة، وجزم ابن يُونس بأن بينهما عشرين سنة، ويقال: كان اسمه العاص فغيره النبيُّ صلى الله عليه وسلم، ففي "تاريخ" أبي زُرعة الدِّمشقي عن عبد الله بن الحارث بن جزء، قال: توفي صاحب لنا غريب بالمدينة، وكنا على قبره، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم:"ما اسمك؟ " فقلت: العاص، وقال لابن عمر:"ما اسمك؟ " فقال: العاص، وقال لابن عمرو:"ما اسمك؟ " قال: العاص، فقال: انزلوا فاقبروه فأنتم عبيد الله. قال: فَقَبَرْنا أخانا، فخرجنا وقد غُيِّرت أسماؤنا. وهو

ص: 463

أحد العبادلة الأربعة كما مر في ترجمة ابن عباس.

قال ابن عبد البرّ: أسلم قبل أبيه، وكان فاضلًا حافظًا عالمًا، قرأ الكتاب، واستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في أن يكتُبَ حديثه، فأذِن له، قال له: يا رسول الله أأكتب كل ما أسمع منك في الرِّضا والغَضَب؟ قال: نعم، فإني لا أقول إلَّا حَقًّا.

قال أبو هُريرة: ما كان أحد أحفظ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مني إلا عبد الله بن عَمْرو، فإنه كان يعي بقلبه وأعي بقلبي، وكان يكتُب وأنا لا أكتُب، استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فأذن له.

وأخرج البَغَوِيّ عن عبد الله بن عَمرو أنه قال: رأيت فيما يرى النائم كأن في إحدى يدي عَسَلًا وفي الأُخرى سمنًا، وأنا ألْعَقُهُمَا، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: تقرأ الكتابين التوراة والقرآن، وكان يقرؤهما.

كان يسرُدُ الصوم، ولا ينام الليل، فشكاه أبوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنَّ لِعَيْنيكَ عليك حقًّا، وإنَّ لأهلك عليك حقًّا، وإن لربك عليك حقًّا، قُم ونَم وصُم وأفطِر، صم ثلاثة أيام من كل شهر، فذلك صيام الدهر" فقال إني أطيق كثر من ذلك، فلم يَزَل يراجِعه في الصيام حتى قال له:"لا صوم أفضل من صيام داوود"، وكان يصوم يومًا ويُفطر يومًا، فوقف عبد الله عند ذلك وتمادى عليه.

وفي "الصحيحين" قصة عبد الله بن عمرو مع النبي صلى الله عليه وسلم في مواظبته هذه، وأمره له بقراءة القرآن في كل ثلاث، وهو مشهور، وفي بعض طرقه أنه لما كبِر كان يقول: يا ليتني كنت قَبِلْتُ رخصة النبي صلى الله عليه وسلم، واعتذر رحمه الله من شُهوده صِفِّين وأقسم أنه لم يرم فيها برمح ولا سهم، وأنه إنما شهدها لعَزْمة أبيه في ذلك، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له:"أطع أباك" وروى ابن أبي مُلَيكة عنه أنه كان يقول: مالي ولِصفِّين، مالي ولقتال المسلمين، والله لودِدت أني مُتُّ قبل هذا بعشر سنين، ثم يقول: أما والله ما ضربت فيها بسيف، ولا طَعَنْتُ فيها برُمح، ولا رَمَيْت بسهم، ولودِدْت

ص: 464

أني لم أحْضُر شيئًا منها، وأستغفر الله عز وجل من ذلك، وأتوب، إلا أنه ذكر أنه كانت بيده الراية يومئذ، فندمَ ندامةً شديدة على قتاله مع معاوية، وجعل يستغفرُ الله ويتوب إليه، وكان يلوم أباه على القتال في الفتنة بأدب وتُؤدَة، وكان رضي الله عنه طُوالًا أحمر عظيم الساقين أبيض الرأس واللحية، وعَمِي في آخر عمره.

ومع ما مرّ عن أبي هُريرة ما روي له قليل بالنسبة لما روي له، فقد رُوي له سبع مئة حديث، اتفقا على سبعة عشر، وانفرد البخاري بثمانية، ومسلم بعشرين.

روى عن عُمر، وأبي الدَّرداء، ومُعاذ، وابن عَوْف، وعن والده عمرو.

وروى عنه من الصحابة ابن عُمر وأبو أُمامة، والمِسْوَر بن مَخْرمة، والسّائب بن يزيد، وأبو الطُّفَيْل، وعدد كثير من التابعين منهم سعيد بن المُسَيِّب، وعُروة، وطاووس، وعطاء بن يَسار، وعِكْرمة، ويوسف بن ماهَك، وعامر الشَّعْبي، ومسْروق بن الأجْدَع، وغيرهم.

مات بالشام سنة خمس وستين، وهو يومئذ ابن اثنتين وسبعين، وقيل: مات بمكة، وقيل: بالطائف، وقيل: بمصر، ودفن في داره، وقيل: مات بأرضه بالسبع من فلسطين.

والسَّهْمِيّ في نسبه نسبة إلى جده سَهْم المذكور في أجداده.

وعبد الله في الصحابة وفي الرواة أكثر من الحصر.

لطائف إسناده: منها أن هذا الإِسناد كله على شرط الستة ما عدا آدم فإنه ليس من شرط مسلم، وأبي داوود، ومنها أن شُعبة فيه يروي عن اثنين: أحدهما عبد الله بن أبي السَّفَر، والثاني إسماعيل بن أبي خالد، وكلاهما يرويانه عن الشَّعبيّ، ولهذا إسماعيل بفتح اللام عطفًا على عبد الله، وهو مجرور ولكن جر ما لا ينصرف بالفتحة، وفيه التحديث

ص: 465

والعَنْعنة، وهذا الحديث انفرد به البُخاري بجملته عن مسلم، أخرجه هُنا، وفي الرقاق عن أبي نُعيم، وأخرج مُسلم بعضه في صحيحه عن جابر مرفوعًا، وأخرجه أبو داوود والنَّسائي بتغيير لفظ عند النسائي.

قال أبو عبد الله وقال أبو معاوية: حدثنا داود عن عامر قال سمعت عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال عبد الأعلى عن داود عن عامر عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وأراد بالتعليق الأول بيان سماع الشعبي له من الصحابيّ، والنكتة فيه رواية وُهَيْب بن خالد له عن داود، عن الشَّعْبي، عن رجل، عن عبد الله ابن عمرو، حكاه ابن مَنْدة فعلى هذا لعل الشعبي سمعه أولًا من غير عبد الله، ثم لَقِيهُ بعد ذلك، فسمعه منه، ونبه بالتعليق الآخر على أن عبد الله الذي أُهْمل في روايته هو عبد الله بن عَمرو الذي بُيِّن في رواية رفيقه.

وتعليقٌ أبي مُعاوية وصله إسحاق بن رَاهويه في "مسنده" عنه، وأخرجه ابن حِبّان في "صحيحه" عنه، ولفظه: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: ورب هذه البنية لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "المُهاجرُ من هَجَر السيئاتِ والمسلمُ من سَلِم الناسُ من لسانِه ويده" فعُلِم أنه ما أراد إلا أصل الحديث، والمراد بالناس هُنا المسلمون، كما في الحديث الموصول، فهم الناس حقيقةً عند الإِطلاق، لأن الإِطلاق يُحْمَل على الكامل في غير المسلمين، ويمكن حَمْله على عُمومه على إرادة شرط وهو: إلَّا بِحق، مع أن إرادة هذا الشرط متعينة على كُلِّ حال، لما مر من استثناء إقامة الحدود على المسلم، واعتراض العَيْنيّ على التأويل الأول بأن الناس يكون من الإِنس الجن ساقط غاية السقوط، فإن إطلاق الناس على الكامل في الإِنسانية دون غيره وارد في الحديث، ففيه: من محمد صلى الله عليه وسلم إلى ورثة الأنبياء، وإلى الناس، وإلى أشباه الناس، لا تَحْلِفوا بالطلاق، ولا بالعِتاق، فإنهما من أيمان الفُسّاق، والناس في الحديث المراد بهم أهل

ص: 466