الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله: "والناس أجمعين" من عطف العام على الخاص، وهل تدخل النفس في عموم قوله:"والناس أجمعين"؟ الظاهر دخوله، وقيل: إضافة المحبة إليه تقتضي خروجه منهم، فإنك إذا قلت: جميع الناس أحب إلى زيد من غلامه يُفْهم منه خروج زيد، وأجيب بأن اللفظ عام، وما ذكر ليس من المخصصات، وحينئذٍ فلا يخرُجُ، وقد وقع التنصيص بذكر النفس في حديث عبد الله بن هِشام المار في الحديث الذي قبل هذا.
رجال الإِسناديْن سبعة:
الأول: يعقوب بن إبراهيم بن كَثير بن زَيْد بن أفْلح بن منصور بن مُزاحم العَبْديّ مولى عبد القيس أبو يوسف الدَّوْرَقيّ الحافظ البغْدادي.
قال أبو حاتم: صدوق. وقال النّسائي: ثقة. وذكره ابن حِبّان في "الثقات" وقال الخطيب: كان ثقة متقنًا، صنف المسند. وقال مَسْلمة: كان كثير الحديث ثقة، رأى الليث.
وروى عن: الدَّرَاوَرْديّ، وابن أبي حَازِم، وأبي مُعاوية، وحَفْص بن غِياث، وهُشَيْم، ويحيى القَطّان، وابن علية، وابن مَهْدي، ومُعتمِر بن سُليمان، ويزيد بن هارون، ورَوْح بن عُبادة، وغيرهم.
وروى عنه: الجماعة، وروى النّسائي أيضًا عن أبي بكر بن علي المَرْوَزِيّ، وأبو زُرعة، وأبو حاتم، ومحمد بن هارون، وابن أبي رَوّاد، والبَغَوِيّ، وابن صاعِد، والمَحَامِلِيّ، وابن مَخْلد، وهو آخر من روى عنه في آخرين.
ولد سنة ستة وستين ومئة، ومات سنة اثنتين وخمسين ومئتين.
والعَبْديّ في نسبه نسبة إلى عبد القيس بن أَفصى بن دعمي ينسب إليه عَبْدي على القياس، وعَبْقَسِيّ على غير القياس، والعَبْديّ في قُريش نسبة إلى عبد بن قُصَي بن كِلاب بن مُرة وفي تميم أيضًا ينسب إلى عبد الله بن دارِم، وقد يقال عَبْدَليّ على غير القياس، وفي خَوْلان ينسب إلى
عبد الله بن الخيار، وفي هَمْدان ينسب إلى عبد بن عليان بن أرحب.
والدَّوْرَقيّ في نسبه نسبة إلى دَوْرَق -بفتح الدال وسكون الواو وفتح الراء- قَلانِس كانوا يلبسونها فنُسِبوا إليها. وفي المطالع دورق أراه في بلاد فارس، وقيل: بل لصنعة قلانِس تُعرف بالدَّوْرَقَة، نسبت إلى ذلك، وقيل: دورق من كور الأهواز، قيل: كور الأهواز رامَ هُرْمُز، وإيذج، وعسكر مكرم، وتُستَر، وسوس، وسُرَّق الأهواز إلى دورق في الماء ثمانية عشر فرسخًا، وعلى الظاهر أربعة وعشرون، ومر الكلام على البغدادي في الرابع من هذا الكتاب.
الثاني: إسماعيل بن إبراهيم بن مِقْسَم الأَسَدي مولاهم، أبو بشر البصري المعروف بابن عُلَيّة.
قال شعبة: إسماعيل بن عُليّة رَيحانَةُ الفقهاء، وفي رواية عنه: ابن علية سيد المحدثين، وقال أحمد: إليه المنتهى في التثبُّت بالبصرة، وقال أيضًا: فاتني مالك فأخلف الله عليّ سفيان، وفاتني حماد بن زيد فأخلف الله عليّ إسماعيل، وقال أيضًا: كان حماد لا يعبَأ إذا خالفه الشَّعْبي ووُهَيْب، وكان يَفْرَق من إسماعيل بن عُليَّة إذا خالفه، وقال غُنْدَر: نشأت في الحديث يومَ نشأت، وليس أحد يقدم على إسماعيل بن عُلَيَّة، وقال ابن مَعين: كان ثقةً، مأمونًا، وَرِعًا، تقيًّا، صدوقًا، مسلمًا. وقال عَمرو بن زُرارة: صحبت ابن عُلَيّة أربع عشرة سنة، فما رأيته ضحك، وقال ابن المَدِيني: ما أقول إن أحدا أثبت في الحديث من ابن عُلَيَّة، وقال أيضًا: بتُّ عنده ليلة، فقرأ ثلث القرآن، ما رأيته ضحِكَ قط. وقال قُتيبة بن سَعيد: كانوا يقولون الحفاظ أربعة: إسماعيل بن عُلَيّة، وعبد الوارث، ويزيد بن زُرَيْع، ووُهَيب. وقال ابن مَهْدي: ابن عُليّة أثبت من هُشيم.
وقال القَطّان: ابن عُليّة أثبت من وُهيب. وقال حمّاد بن سَلَمة: كنا نشبهه بيونس بن عُبيد. وقال عفّان: كنا عند حمّاد بن سَلمة، فأخطأ في حديث، وكان لا يرجع إلى قول أحد، فقيل له: قد خُولفت فيه، قال: من؟ قالوا: حماد بن زيد، فلم يلتفت، فقال له إنسان: إن ابن عُلية
يُخالِفك فيه، فقام، فدخل ثم خرج، فقال: القول ما قال إسماعيل.
وقال الهَيْثم بن خالد: اجتمع حفاظ أهل البَصْرة وأهل الكوفة، فقال أهل الكوفة لأهل البَصْرة: نَحُّوا عَنّا إسماعيل، وهاتوا من شئتم. وقال زياد بن أيّوب: ما رأيت لابن عُلَيّة كتابًا قطُّ، وكان يقال: ابنُ علَيّة يَعُدُّ الحروف.
وقال أبو داود السِّجسْتانيّ: ما أحد من المحدثين إلا قد أخطأ إلا إسماعيل ابن عُلَيّة، وبِشْر بن المُفَضَّل. وقال النَّسائي: ثقة ثبت. وقال ابن سَعْد: كان ثقة ثبتًا في الحديث حُجّة، وقد ولي صدقات البصْرة، وولي ببغداد المظالم. وقال أحمد بن سعيد الدّارِمِيّ: لا يعرف لابن عُليّة غلط إلا في حديث جابر في المُدَبَّر، جعل اسم الغلام اسم المولى، واسم المولى اسم الغلام. وقال ابن وَضّاح: سألت أبا جعفر البُسْتِيّ عنه، فقال: بَصْريّ ثقة، وهو أحفظ من الثَّّقفي. وقال عُثمان بن أبي شَيْبة: ابن عُليّة أثبت من الحمّادَيْن، ولا أقدم عليه أحدًا من البصريين، لا يحيى ولا ابن مَهْدي، ولا بِشْر بن المُفضل.
وقال الحمّادان: إن ابن المُبارك كان يَتَّجِر ويقول: لولا خمسة ما اتَّجَرت؛ السفيانان، وفُضَيل، وابن السماك، وابن عُليّة، فيصلهم، فقَدِم سنة، فقيل له: قد ولي ابن عُليّة القضاء، فلم يأته، ولم يصِله، فركب ابن عُليّة إليه، فلم يرفع به رأسًا، فانصرف، فلما كان من الغد كتب إليه رقعة يقول: قد كنت منتظرًا لبِرِّك، وجئتك فلم تكلمني، فما رأيته مني؟ فقال ابن المُبارك: يأبى هذا الرجل إلا أن تُقْشَر له العصِيّ، ثم كتب إليه:
يا جَاعِلَ العِلمِ لَهُ بازِيًا
…
يَصْطادُ أمْوَالَ المَسَاكِينِ
احْتَلْتَ للدُّنْيا ولَذّاتها
…
بحِيْلَةٍ تذْهَبُ بِالدّينِ
فَصِرْتَ مَجْنُونًا بِها بَعْدما
…
كُنْتَ دَوَاءً لِلمَجَانِينِ
أيْنَ رِوَاياتُكَ فِيمَا مَضى
…
عن ابن عَوْنٍ وابنِ سِيرينِ
أيْنَ رِوَاياتُكَ في سَرْدِها
…
في تَرْك أَبْوابِ السَّلَاطِينِ
إنْ قُلتَ أُكْرهْتُ فَذَا بَاطِلٌ
…
زَلَّ حِمَارُ العِلمِ في الطِّينِ
فلما وقَفَ على هذه الأبيات، قام من مجلس القضاء، فوطِىءَ بساط الرشيد، وقال له: الله الله، ارحم شيبتي، فإني لا أصبر على القضاء، قال: لعل هذا المجنون أغراك، ثم أعفاه، فوجه إليه ابن المبارك بالصُّرّةِ وقيل: إن ابن المُبارك إنما كتب إليه بهذه الأبيات لما وَلِيَ صدقاتِ البصرة، وهو الصحيح.
وقال إبراهيم الحَربِيّ: دخل إسماعيل بن عُليّة على الأمين فروى حديث: "تجيء البقرة وآل عمران كأنهما غَمامتان تُحاجّان عن صاحِبهما" فقيل له: ألهما لسانان؟ قال: نعم، فكيف تكلم، فشَنّعوا عليه أن يقول: القرآن مخلوق، وهو لم يقله، وإنما غلط. فقال للأمين: أنا تائب لله.
وقال علي بن خَشْرم: قلت لوكيع: رأيت ابن عُلَيَّة يشرب النبيذ حتى يُحْمَل على الحمار، يحتاج من يرده، فقال وكيع: إذا رأيت البَصْري يشرب النبيذ فاتَّهِمْه، وإذا رأيت الكوفي يشربه فلا تتهمه، قلت: وكيف ذلك؟ قال: الكوفي يشربه تدينًا، والبصري يتركه تدينًا. وقال المفضل بن زِياد: سألت أحمد بن حَنْبَل عن وُهيْب وابن عُليّة، قال: وُهَيب أحب إلي، وما زال ابن عُليّة وضيعًا من الكلام الذي تكلم به إلى أن مات.
قلت: أليس قد رَجَعَ وتاب على رؤوس الناس؟ قال: بلى إلى أن قال: وكان لا ينصف بحديث بالشفاعات.
وكان منصور بن سلمة الخُزَاعيّ يحدث مرة فسبقه لسانه، فقال: حدثنا إسماعيل بن عُليّة، ثم قال: لا، ولا كرامة، بل أردت زُهيرًا، ثم قال: ليس من قارف الذَّنْبَ كمن لم يُقَارِفْه، أنا والله اسْتَتَبْتُ ابن عُليّة.
قال الذَّهَبيّ: هذا من الجرح المردود، وقال عبد الصمد بن يزيد مَرْدوَيه: سمعت ابن عُليّة، يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق، وذكره ابن حبان في "الثقات".
وعلية أمه وكانت امرأة عاقلة نبيلة، وكان صالح المِزِّي وغيره من وجوه أهل البصرة وفقهائها يدخلون عليها، فَتَبْرُزُ لهم، وتحادثهم، وتسألهم،
وكان يكره النسبة إليها، فقد روى أن الإِمام أحمد نهى ابن مَعين أن يقول: حدثنا إسماعيل بن عُلَيّة، حيث قال: قل: إسماعيل بن إبراهيم فإنه بلغني أنه كان يكره أن يُنْسب إلى أمه، فلم يخالِفْه، وقال: قبلناه منك يا مُعَلِّم الخير، وأمه عُليّة هذه مولاة لبني أسد بن خُزَيمْة.
روى عن: عبد العزيز بن صُهَيب، وسليمان التَّيْميّ، وعاصم الأحول، وأيوب، وابن عَوْن، وأبي رَيْحانة، وعَوْف الأعْرابي، ويونُس ابن عُبيد، وأبي التَّيّاح حديثًا واحدًا، وخلق كثير.
وروى عنه: شعبة، وابن جُرَيج، وهما من شيوخه، وبَقِيّة، وحَمّاد بن زيد، وهما من أقرانه وإبراهيم بن طَهْمان وهو أكبر منه، وابن وَهْب، والشّافعِيّ، وأحمد بن حَنْبل، ويحيى، وعلي، وإسحاق، والفلّاس، وخلق آخرهم أبو عِمران موسى بن سهل بن كَثير الوَشّاء -بتشديد المعجمة-.
مات ببغداد، وصلى عليه ابنه إبراهيم، ودفن في مقابر عبد الله بن مالك سنة أربع أو ثلاث وتسعين ومئة، وولد سنة عشر ومئة.
وليس في الستة إسماعيل بن عُليّة سواه، وأما إسماعيل بن إبراهيم فنحو ثلاثة عشر.
والأسَديّ في نسبه قال العيني نسبة إلى أسد خُزاعة، وقال في "الخلاصة" إنه قُرشي، فيكون نسبة إلى أسد قريش.
وقد مرّ قريبًا أن ابن عُلَيّة كان يكره النسبة إلى أمه، وبيان حكم ذلك
هو أن العلماء جَوّزوا ذكر مشتهر بشيء به من لقب كغُنْدَر، أو وصفِ
نَقْصٍ كالأحْول لعاصم، والأشَلّ لمنصور، والأعْرج لابن هُرْمُز، أو نسب
لأم كابن أم مَكْتُوم، وابن بُحَيْنة لقوله صلى الله عليه وسلم لما سلَّم من ركعتين من صلاة
الظهر "أكَمَا يقول ذو اليَدَيْن" ولأنه يذكر للبيان والتمييز، وهذا ما لم يكن
يكرهه، فإن كرهه كابن عُليّة والأصَمّ حَرُم حينئذ لقوله تعالى: {وَلَا تَنَابَزُوا
بِالْأَلْقَابِ} [الحجرات: 11] ولما مَرّ قريبًا عن الإِمام أحمد وابن مَعين، قال الشيخ زكريا: قال الناظم: والظاهر أنما قاله أحمد على طريق الأدب لا اللزوم، لكن ابن الصلاح أقرّ التحريم، ومحل هذا فيمن يُعرف بغير ذلك، وإلا فلا تحريم ولا كراهة كما صرح بذلك الإِمام أحمد، قلت: الظاهر حمل النهي على الأدب لقول البخاري هنا: ابن عُليّة، وهو الذي نهى عنه الإِمام أحمد ابن مَعين بنفسه، وقد مرّ قريبًا أن أحمد مصرح بأنه إذا كان لا يُعرف بغيره جائز من غير كَراهة، فيعلم من نهيه أن ابن عُليّة معروف باسم أبيه الذي هو إبراهيم، وإلا لما نَهى، وهذا جواب عما لعله يقال من أن ابن عُليّة من القِسْم الذي لا يُعرف بغيره، فلذلك أتى به البخاري منسوبًا إلى أمه، وأشار العِراقي إلى هذا البحث بقوله:
وذِكرُ مَعروفٍ بشيءٍ مِن لقَبْ
…
كغُندَرٍ أو وَصفِ نقصٍ أو نسَبْ
لأُمه فجائزٌ ما لمْ يكُنْ
…
يكْرههُ كابنِ علَيَّةٍ فَصُنْ
الثالث: عبد العزيز بن صُهيب البُناني مولاهم البَصْري الأعمى.
قال شعبة: عبد العزيز أثبت من قتادة، وهو أحب إلي منه. وقال أحمد: ثقة ثقة، وهو أوثق من يحيى بن أبي إسحاق، وأخطأ فيه مَعْمر فقال: عبد العزيز مولى أنَس، وإنما هو مولى لبُنانة. وقال ابن مَعين: ثقة، وذكره ابن حِبان في "الثقات" وقال: أجاز إياس بن معاوية شهادته وحده، وقال ابن سَعْد: كان ثقة. وقال النّسائي والعِجْلِيّ: ثقة.
روى عن: أنس بن مالِك، وأبي نضْرة العَبْديّ، ومحمد بن زِياد الجُمَحيّ، وغيرهم.
وروى عنه: إبراهيم بن طَهْمان، وشُعبة، ووُهَيْب، وعبد الوارث، وسعيد بن زَيْد، وحَمّاد بن زَيْد، وهُشَيم، وأبو عَوانة، وغيرهم.
مات سنة ثلاثين ومئة.
والبُناني -بضم الموحدة ونونين بينهما ألف- في نسبه نسبة إلى بُنانة