الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تنبيه:
قال العَيْني: قال النَّووي: مما يحتاج إليه المُعتني بصحيح البخاري فائدةٌ يُنَبَّهُ عليها وهي أنه تارةً يقول: تابعه مالك عن أيوب، وتارةً يقول: تابعه مالكٌ ولا يزيد، فإذا قال: مالك عن أيوب فهذا ظاهر، وأما إذا اقتصر على: تابعه مالك، فلا يُعرف عَمَّن المتابعة إلا مَن يعرف طبقات الرواة ومراتِبهم، قال الكِرماني: فعلى هذا لا يُعلم أن عبد الله يروي عن الليث أو غيره.
قلت الطريقة في هذا أن تَنْظُرَ طبقة المتابِعَ بكسر الباء فتجعلُه متابعًا لمن هو في طبقته، بحيث يكون صالحًا لذلك، ألا ترى كيف لم يسمِّ البخاريُّ المتابَعَ عليه في المتابعة الأولى وسماه في الثانية!
الحديث الخامس
4 -
باب * 5 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ قَالَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَبِي عَائِشَةَ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِى قَوْلِهِ تَعَالَى {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعَالِجُ مِنَ التَّنْزِيلِ شِدَّةً، وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأَنَا أُحَرِّكُهُمَا لَكُمْ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُحَرِّكُهُمَا. وَقَالَ سَعِيدٌ أَنَا أُحَرِّكُهُمَا كَمَا رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يُحَرِّكُهُمَا -فَحَرَّكَ شَفَتَيْهِ- فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} قَالَ جَمْعُهُ لَهُ فِى صَدْرِكَ وَتَقْرَأَهُ {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} قَالَ فَاسْتَمِعْ لَهُ وَأَنْصِتْ {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ تَقْرَأَهُ. فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ اسْتَمَعَ، فَإِذَا انْطَلَقَ جِبْرِيلُ قَرَأَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَمَا قَرَأَهُ.
[الحديث 5 - أطرافه في: 4927، 4928، 4929، 5044، 7524].
قوله: "من التَّنزيل": أي القرآني، أو مطلقًا لثقله عليه، وقوله:"شِدَّةً"، بالنصب: مفعول يعالج، والجملة في محل نصب خبر كانَ، وقوله:"وكان مِمّا يُحَرِّكُ شفتيه" وفي رواية زيادة: "به"، والمعالجة: محاولةُ الشيء بمشقَّة، والمعنى: كان كثيرًا يفعل ذلك، ووجهه أن مِن إذا دخلت
عليها "ما" كانت بمعنى ربَّ وهي تُطلق على القليل والكثير قال الشاعر:
وإنَّا لمِمَّا نَضْرِبُ الكبْشَ ضَرْبةً
…
على رأْسِه تُلْقي اللِّسانَ مِنَ الفّمِ
ومن هذا المعنى حديثُ البَراء: "كُنَّا إذا صلَّيْنا خلفَ النبيِّ صلى الله تعالى عليه وسلم مِمَّا نُحِبُّ أن نكون عن يمينه"، وحديث سَمُرةَ: كان صلى الله تعالى عليه وسلم إذا صلى الصبح مما يقول لأصحابه: "مَنْ رأى منْكُمْ رؤيا؟ ".
ويؤيد هذا المعنى روايةُ البخاري في التفسير: إذا نَزَلَ جبريلُ بالوحي فكان مما يحرك به لسانه وشفتيه، فأتى بهذا اللفظ مجردًا عن تقدم العِلاج الذي قدره الكِرماني قائلًا: إن المعنى أي: كان العلاج ناشئًا من تحريك شفتين أي: مبدأ العلاج منه، وتُعُقِّبَ هذا بأن الشدةَ حاصلةٌ قَبْلَ التحريكِ، وأجيب بأن الشدةَ وإن كانت حاصلةً قبله إلا أنها لم تظهر إلا بتحريك الشفتين، إذ هي أمرٌ باطني لا يدركه الرائي إلا به.
وقيل: إن "ما" بمعنى "مَن" الموصولة، وأُطلقت على من يعقِل مجازًا، أي: وكان ممن يُحرِّك شفتيه، وكان يُكثر مِن هذا الفعلِ حتى لا ينسى أوله قبل أن يَفْرَغَ منه، أو لحلاوة الوحي في لسانه ومحبته إياه، ولا تنافي بين محبته إياه، والشدة التي تلحقه في ذلك.
وقوله: "فقال ابن عباس: فأنا أحركهما" إلى قوله: "فأنزل اللهُ": جملة معترضة بالفاء، وفائدتها زيادة البيان في الوصف على القول، وعَبَّر في الأول بقوله: كان يحركهما، وفي الثاني برأيت، لأن ابن عباس لم ير النبيَّ صلى الله تعالى عليه وسلم في تلك الحالة لأن سورة القيامة مكيةٌ باتفاق، والظاهر أن نزولها كان في بدء الأمر كما يدلُّ عليه صنيعُ البخاري، من إيراده هذا الحديث في بدء الوحي، وابنُ عباس لم يكن وُلِدَ إذ ذاك، لأنه وُلد قبل الهجرة بثلاث سنين، لكن يجوزُ أن يكون أخبره النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بذلك بعدُ، كما ثبت صريحًا في مسند أبي داود الطَّيالِسي، ولفظهُ: قال ابنُ عباس: فأنا أحرك لك شفتيَّ كما كان
رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم يحركهما، وأما سعيد بن جُبَيْر فرأى ذلك من ابن عباس بلا نزاع، وقوله تعالى:{لَا تُحَرِّكْ بِهِ} أي: بالقرآن، {لِسَانَكَ} قبل أن يَتِمَّ وحيُه {لِتَعْجَلَ بِهِ} أي: لتأخُذهُ على عجلةٍ مخافةَ أن يَنْفَلِتَ منك، ولا تنافيَ بين قوله: يحرك شفتيه، وبين قوله في الآية:{لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ} ، لأن تحريك الشفتين بالكلام المشتمل على الحروف التي لا يَنْطِق بها إلا اللسان يَلْزَم منه تحريكُ اللسان، أو اكتفي بالشفتين وحذف اللسان لوضوحه، لأنه الأصل في النُّطقِ، فيكون حذفه من باب الاكتفاء على حَدِّ {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} أي: والبرد، وللمؤلف في التفسير وابن جَرير في تفسيره: ويحرك به لسانه وشفتيه ، فجمع بينهما.
وقوله: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} [القيامة: 17] أي: قراءتَه، فهو مصدر مضاف لمفعوله، والفاعل محذوف تقديره: قراءتك إياه.
وقوله: قال: جَمَعَه لك صدرُك، القائل هو ابن عباس في تفسيره، وجَمَعَه بفتح الجيم والميم فعلُ ماضٍ، ولك: اللام فيها للتعليل أي: لأجلك أو للتبيين، وصدرك فاعل، وفيه إسناد الجمع إلى الصدر مجازًا، لأن الجامعَ هو الله أي: جَمَعَهُ اللهُ في صدرك، فهو على حد: أنبت الربيعُ البقلَ، أي: أنبتَ اللهُ في الربيع البقلَ، وفي رواية لأبوي ذَرٍّ والوقتِ:"جَمْعَهُ لَك صَدْرُك" بإسكان الميم مصدر، وصدرك بالرفع فاعله، وفي رواية "جَمْعَهُ لك في صدرِك" وهي توضح الأولى، وفي رواية:"جَمْعَه له" بإسكان الميم أي: جمع اللهُ تعالى للقرآنِ في صدرك، الضمير الأول لله تعالى، والثاني للقرآن، وفي رواية:"جَمْعَه له في صدرك"، بزيادة "في".
وقوله: "وتقرأه": قاله ابن عباس في تفسيره، وقال البيضاوى: إثبات قرآنه في لسانك وهو تعليل للنهي.
وقوله: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة: 18]؟ أي: إذا قرأناه بلسان
جبريل عليك، وقوله:"فاستمع له وأَنْصِت"، قاله ابنُ عباس في تفسير قوله تعالى {فَاتَّبِعْ} ، والاستماع من باب الافْتِعال المقتضي للسعي في ذلك، أي: لا تكون قراءَتُك مع قراءته، بل تكون تابعةً لها متأخرةً عنها، وقوله:"وأنصِت" -بهمزة قطع- مِن الإِنصات، وفيه نَصَت ينصُت نَصْتًا، ومعناه: سكت واستمع للحديث، أي تكون حال قراءته ساكتًا، والاستماع أخصُّ من الإِنصات، لأنَّ الاستماعَ الإِصغاءُ، والإِنصاتَ السكوتُ، ولا يلزم من السكوت الإِصغاء.
وقوله: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: 19] فَسَّرهُ ابن عباس بقوله: ثم إن علينا أنْ نقرأه، وفَسَّره غيرُه ببيان ما أشكل عليك من معانيه، وفيها دليلٌ على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب، لا عن وقت الحاجة، لما تقتضيه، ثُمَّ مِنَ التَّراخي، ولكنَّ هذا لا يَتِمُّ إلا على تأويل البيان بتبيين المعنى، وإلا فإذا حُمل على أن المراد استمرار حفظه له بظهوره على لسانه فلا، والبيانُ: الإِظهار، يقال: بانَ الكوكبُ إذا ظهرَ، ويؤيدُ هذا أن المرادَ بيانُ جميعِ القرآنِ والمُجمل إنما هو بعضه، ولا اختصاص لبعضه بالأمر المذكور دون بعض، وقال أبو الحسين البَصْري: يجوز أن يُراد البيان التفصيليُّ، ولا يلزم منه جواز تأخير البيان الإِجمالي، فلا يتمُّ الاستدلال، وتُعُقِّب باحتمال إرادة المعنيين: الإِظهار والتفصيل، وغير ذلك، لأنَّ قوله: بيانه، جنس مضافٌ، فيعم جميعَ أصنافه من إظهاره، وتبيين أحكامه، وما يتعلق بها من تخصيص وتقييد ونسخ وغير ذلك، وهذه الآية كقوله تعالى في سورة طه:{وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} [الآية: 114] فنهاه فيها عن الاستعجال في تلقي الوحي من المَلَك، ومسابقته في القرآن حتى يَتِمَّ وحيُه.
وقوله: "فكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إذا أتاه جبريلُ اسْتَمَع، فإذا انطلق جبريل قَرَأَهُ النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كما قرأ". وفي رواية: "كما قرأه"، بضمير المفعول أي: القرآن، والفاعل ضميرُ جبريل، وفي رواية:"كما كان قَرَأ"، والحاصل أن الحالةَ الأولى