الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن محمدٍ، وفي التفسير عن سعيدٍ بن مروان، وفي الإِيمان عن ابن رافع، ومسلمٌ في الإِيمان، والتِّرمذيُّ والنسائي في التفسير.
الحديث الرابع
4 -
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِىَّ قَالَ -وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْي- فَقَالَ فِي حَدِيثِهِ «بَيْنَا أَنَا أَمْشِي، إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ، فَرَفَعْتُ بَصَرِي، فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَرُعِبْتُ مِنْهُ، فَرَجَعْتُ، فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ -إِلَى قَوْلِهِ- {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر: 1 - 5]. فَحَمِيَ الْوَحْيُ وَتَتَابَعَ» .
تَابَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ وَأَبُو صَالِحٍ، وَتَابَعَهُ هِلَالُ بْنُ رَدَّادٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ يُونُسُ وَمَعْمَرٌ «بَوَادِرُهُ» .
[الحديث 4 - أطرافه في: 3238، 4922، 4923، 4924، 4925، 4926، 4954، 6214].
إنَّما أتى بحرفِ العطفِ لِيُعْلَم أنَّه معطوفٌ على ما سَبق كأنه قال: أخبرني عروةُ بكذا، وأخبرني أبو سَلَمَة بكذا، فثُبوتُ الواوِ العاطفةِ دالٌّ على تَقَدُّم شيءٍ عَطَفتهُ.
وقوله: "بَينا أنا أمشي إذ سمعتُ صوتًا". بينا: أصلُهُ بين أُشبعَتْ فتحةُ النون بالألف وهي ظرفُ زمانٍ، وقد تُزادُ فيها الميمُ فيُقالُ: بينما ويُضافانِ غالبًا إلى الجملةِ، والتقديرُ بِحَسَبِ الأصلِ بينَ أوقاتٍ وقَدْ يُؤتى في جوابهما بإذ وإذا الفجائِيَّتين، الأولى كما في هذا الحديث:"إذ سمعتُ صوتًا من السماءِ". والثانيةُ كقول الشاعر:
فَبَينا نَسوسُ النّاسَ والأمرُ أمرُنا
…
إذا نحنُ فيهم سُوقةٌ ليسَ نُنصَفُ
والأكثرُ حذفُ إذ وإذا من جوابِهما كقول الشاعر:
فَبَيناهُ يَشري رَحْلَه قالَ قائلٌ:
…
لِمنْ جَملٌ رَخوُ المِلاط نَجيبُ؟
وقولُهُ: "فإذا المَلَكُ الذي جاءني بحراءَ جالسٌ على كرسيٍّ". الفاء
في "فإذا" فجائيةٌ، وجالسٌ خبرٌ عن المَلَكِ، والذي صفتُهُ نحوُ: خرجتُ فإذا الأسدُ بالبابِ، ويجوزُ نصب جالسٍ على الحال، ويكونُ الخبرُ مقدرًا، أي: فإذا الملَكُ حاضرٌ حالَ كونِه جالسًا، وكرسيُّ بضَمِّ الكافِ وقد تُكْسر، وقوله:"بين السماءِ والأرضِ" ظرفٌ في محلِّ جرٍّ صفةٌ لكرسي.
وقوله: "فَرُعِبْتُ مِنْهُ" بضم الراءِ وكسر العين المهملةِ بالبناءِ لما لم يُسمَّ فاعِلُه، وفي رواية بفتح الراء وضمِّ العين، أي فَزِعتُ.
وقوله: "فَرَجَعْتُ"، أي: إلى أهلي بسبب الرعب.
وقولهُ: "زَمِّلُوني زَمِّلُوني" بالتكرار مرتين لأَبَوَيْ ذرٍّ والوقت، وللمؤلف في التفسير ومسلم:"دَثِّروني" وهو أنسبُ لقولِه تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} ولأبوي ذرٍّ والوقتِ والأصيلي: عز وجل، بدلَ قولِه: تعالى، والتدثيرُ والتزميلُ بمعنى، ونداؤه بهذا إيناسٌ له وتلطفٌ، والمعنى يا أيُّها المدثرُ بثيابِه، وعن عكرمةَ أي: المدثرُ بالنبوِة وأعبائِها.
وقوله: {قُمْ فَأَنْذِرْ} أي: حَذِّرْ من العذابِ مَنْ لم يُؤمن بك، وفيه دلالةٌ على أنه أمرٌ بالإِنذارِ عَقِبَ نزولِ الوحي للإِتيانِ بفاء التعقيبِ، واقْتَصَرَ على الإِنذارِ لأن التبشيرَ إنما يكونُ لِمَنْ دَخَلَ في الإِسلامِ، ولم يكن إذ ذاك مَنْ دَخَلَ فيه، وقولهُ:{وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} أي: عَظِّمْ، {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} أي: من النَّجاساتِ، وقيلَ: الثيابُ: النفسُ كما قال الشاعرُ:
فَشككْتُ بالرُّمح الطويلِ ثيابهُ
…
ليسَ الكريمُ على القَنى بِمُحَرَّمِ
وتطهيرُها اجتنابُ النقائضِ، والرُّجْزُ هُنا الأوثانُ، وأصلُهُ العذابُ في اللغةِ، وسَمى الأوثانَ هُنا رِجزًا لأنّها سَبَبُهُ.
وقوله: "فَحَمِيَ الوحيُ" أي: جاءَ كثيرًا، وفيه مطابقة لتعبيرِهِ عن تأخُّرِهِ بالفُتور، إذ لم يَنْتَهِ إلى انقطاعٍ كليٍّ فَيُوصَفَ بالضدِّ وهُو البردُ.
وقوله: "وتَتَابَعَ" تأكيدٌ معنويٌّ، ويحتَمَلُ أن يُرادَ بحميَ قوِيَ، وتتابَعَ تَكاثَرَ، وفي روايةٍ: وتَواتَرَ بدلَ "وتتابَعَ"، والتواتُرُ مجيءُ الشيءِ يَتْلو بعضُهُ