الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن واثِلة عنه، وقد سمع مكحول من واثِلة، لكن قال التِّرْمِذيُّ وغيره: إن بقية إسناده فيه ضَعْف، ووجه الاستدلال به هو قوله:"وأحِبّ للناس، فإن الناس تَشْمَل الكفار، فَيُراد منهم الذِّمّي، لأنه هو الذي له معاملة مع المسلمين، اللهم إلا أن يقال: إن الناس المراد بهم المسلمون خاصة، كما مر عند حديث "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده".
تنبيه: المتن الذي ساقه البُخاري هُنا هو لفظ شُعبة، وأما لفظ حسين من رواية شعبة التي ذكرها فهي:"لا يؤمن عبدٌ حتى يُحِبَّ لأخيه ولجاره" وللإِسماعيلي عن حُسين: "حتى يُحِبَّ لأخيه المسلم ما يُحِبُّ لنفسه من الخيرِ" فبين المراد بالأخوة، وعين جهة الحب، وزاد مسلم في أوله:"والذي نفسي بيده".
ورجال الطريقين ستة:
الأول: مُسَدَّد بن مُسَرْهَد بن مُسَرْبل بن مُغَربل بن مُرَعبل بن أرَنْدل بن سَرَنْدل بن عَرَنْدل بن ماسِك بن مُستورد البَصْريّ الأسدي أبو الحسن الحافظ، قيل: اسمه عبد الملك بن عبد العزيز.
قال يَحيى بن سعيد القطان: لو أتيت مسدّدًا فحدثته في بيته لكان يَستاهل، وما أبالي كتبي كانت عندي أو عند مُسَدّد. وقال البخاري: هو مُسَدّد كاسمه، وقال أبو زُرعة: قال لي أحمد بن حَنْبل: مسدد صدوق فيما كتبت عنه، فلا تعده. وقال المَيْمُوني: سألت أبا عبد الله الكتاب إلى مُسَدّد، فكتب لي إليه، وقال: نعم الشيخ، عافاه الله. وقال جعفر بن أبي عُثمان: قلت لابن مَعين: عَمَّن أكتب بالبصرة، فقال: اكتب عن مُسَدّد، فإنه ثقة ثقة. وقال مُحمد بن هارون الفَلّاس عن ابن مَعين: صدوق. وقال النّسائي: ثقة. وقال العِجْليّ: مُسَدَّد بن مُسَرْهد بن مُسَربل بن مستورد الأسَديّ البَصْريّ ثقة، كان يُملي علي حتى أضْجَر، قال: يا أبا الحسن اكتب، فيُملي علي بعد ضَجَري خمسين حديثًا. قال: فأتيت في الرحلة الثانية، فأصبت عليه زِحاما، فقلت: قد أخَذْتُ بحظّي منك،
قال: وكان أبو نُعيم يسألني عن نَسَبِه، فأخبره، فيقول لي: يا أحمد، هذه رُقْيَةُ العقرب. وقال ابن أبي حاتم، عن أبيه: ثقة. وقال أبو حاتم الرّازِيّ في حديث مُسَدّد، عن يَحْيى بن سعيد، عن عُقبة، عن نافع، عن ابن عمر: الدنانير، ثم قال: كأنك سمعتها من في النبيّ صلى الله عليه وسلم. وقال ابن قانِع: كان ثقة. وقال ابن عَديّ: يقال: إنه أول من صَنَّفَ المسند بالبصرة. وذكره ابن حِبّان في "الثقات".
فالخمسة الأولى على لفظ صيغة اسم المفعول وهي عربية، فمُسَدّد من التسديد، ومُسَرْهد من سَرْهَدْتُه: أحسنت غِذاءه، وسمنته، ومُسَرْبل من سَرْبلْتُه، أي: ألبسته القميص، ومُغَرْبل من غربلته، أي: نقيته، ومُرَعْبل من رَعْبَلتُه: أي: مزقته وقطعته، والثلاثة التي تليها عجميات.
روى عن عبد الله بن يَحيى بن أبي كثير، وهُشَيم، ويزيد بن زُرَيع، وفُضَيل بن عِياض، وجُوَيرة بن أسماء، وعبد الواحد بن زياد، وعبد الوارث، ومُعتمر بن سليمان، ووكيع، والقطّان، وابن علية، وخلق.
وروى عنه: البُخاري، وأبو داود، وروى له أبو داود أيضًا، والترمذي، والنسائي، بواسطة محمَّد بن محمَّد بن خلاد الباهِلِيّ، وأبو زُرعة وأبو حاتم الرّازِيّان، ومحمد بن يحيى الذُّهْليّ، ويعقوب بن سُفيان، ويعقوب بن شَيبَة، وأبو خليفة وغيرهم.
وليس في الستة من اسمه مُسَدّد سواه، مات سنة ثمان وعشرين ومئتين.
والبَصْريّ في نسبه مر الكلام عليه في ترجمة شُعبة بن الحَجّاج، والأسَديّ في نسبه نسبة إلى أسد بالتحريك، وهو اثنان: أسد بن خُزَيْمة بن مُدْرِكة بن إلياس بن مُضَر أبو قبيلة عظيمة من مُضر، وأسد بن رَبيعة بن نِزار بن مَعد بن عدنان أبو قبيلة أخرى.
الثاني: يحيى بن سعيد بن فَرُّوخ -بفتح الفاء وتشديد الراء المضمومة
وفي آخره خاء معجمة غير منصرف للعلمية والعجمةَ- القطان التَّميْميّ ولاءً أبو سعيد البصري الأحول، الحافظ الإِمام الحجة، أحد أئمة الجرح والتعديل المتفق على جلالته وتوثيقه وتميزه في هذا الشأن.
قال ابن حِبان في "الثقات": كان من سادات أهل زمانه حفظًا وورعًا وفَهمًا وفَضْلًا ودينًا وعلمًا، وهو الذي مَهَّد لأهل الحديث رسم الحديث، وأمعن في البحث عن الثقات، وترك الضعفاء، ومنه تعلم أحمد ويحيى وعلي وسائر أئمتنا، وكان إذا قيل له في علته: عافاك الله تعالى، قال: أحبه إليّ أحبه إلى الله تعالى.
وقال الخَليليُّ: هو إمام بلا مدافعة، وهو أجل أصحاب مالك بالبصرة، وكان الثَّوْريّ يتعجب من حفظه، واحتج به الأئمة كلهم، وقالوا: "من تركه يحيى تركناه. وقال محمَّد بن بشّار: حدثنا يحيى بن سعيد إمام زمانه، وقال فيه ابن مَعين: أقام يحيى بن سعيد عشرين سنة يَخْتِمُ القرآن في كل يوم وليلة، ولم يَفُتْه الزوال أربعين سنة في المسجد، ورأى له زُهير بن نُعيم البَابيّ في المنام أن عليه قميصًا، وبين كتفيه مكتوب: بسم الله الرحمن الرحيم، كتاب من الله العزيز الحكيم، براءة ليحيى بن سعيد القطان من النار. وقال إسحاق بن إبراهيم بن أبي حبيب الشهيد: كنت أرى يحيى القطان يصلي العصر، ثم يستند إلى أصل منارة مسجده، فيقف بين يديه عَليّ بن المَدِينيّ، والشّاذَكُونِيّ، وعَمرو بن علِيّ، وأحمد بن حَنبل، ويحيى بن مَعين، وغيرهم يسألونه عن الحديث وهم قِيام على أرجلهم إلى أن تحين صلاة المغرب، ولا يقول لأحد منهم: اجلس، ولا يجلِسون هيبةً له. وقال ابن عمّار: كنت إذا نظرت إلى يحيى القطان، قلت: لا يحسن شيئًا، وإذا تكلم أنصت الفقهاء له. وقال بُنْدار: اختلفت إلى يحيى بن سعيد عشرين سنة، فما أظن أنه عصى الله تعالى قطُّ. وقال حفيدُه: لم يكن جَدّي يمزَحُ ولا يضحك إلا تبسمًا، وما دخل حمامًا قطُّ. وقال ابن سعد: كان ثقة مأمونًا رفيعًا حُجّة. وقال العِجْليّ: بصري ثقة في الحديث كان لا يحدّث إلَّا
عن ثقة. وقال أبو زُرعة: كان من الثقات الحفاظ، وقال أبو حاتم: حجة حافظ. وقال النّسائي: ثقة ثبت مَرْضِيّ. قال علي بن المديني: سمعت يحيى بن سعيد يقول: اختلفت إلى شعبة عشرين سنة، وقال عبد الرحمن بن مَهْدي: اختلفوا يومًا مع شُعبة، فقالوا: اجعل بيننا وبينك حكمًا، فقال: قد رضيتُ بالأحول، يعني: يحيى بن سعيد القَطّان. وقال خالد بن الحارث: غلبنا يحيى بن سعيد بسفيان الثَّوريّ، وقال يحيى بن سَعيد: كنت إذا أخطأت قال لي الثَّوريّ: أخطأت يا يحيى، فحدث يومًا عن عُبيد الله، عن نافع، عن ابن عُمر بحديث الشُّرْب في آنية الذهب والفضة، فقلت: أخطأت يا أبا عبد الله، هذا أهون عليك، إنما حَدّثَنا عبيد الله، عن نافع، عن يزيد بن عَبد الله، عن عبد الله بن عبد الرحمن، عن أم سَلَمة، فقال لي: صدقت. وقال عَمرو بن عَليّ، عن يحيى بن سعيد: ما اجتمعت أنا وخالد بن الحارث ومعاذ بن معاذ إلا قَدَّماني. وقال ابن مَهْدي: ما رأيت أحسن أخذًا للحديث ولا أحسن طلبًا له من يَحيى القطّان أو سفيان بن حَبيب. وقال ابن المَدِينيّ: لم يكن ممن طلب، وعُنِي بالحديث، وأقام عليه، ولم يَزَل به إلا ثلاثة: القطان، وسفيان بن حَبيب، ويزيد بن زُرَيع. وقال ابن عَمّار: حدّث عبد الرحمن بن مَهدي عن يحيى بن سعيد بألفي حديث، وهو حي. وقال السّاجيّ: حدثت عن علي بن المَدِيني، قال: ما رأيت أعلم بالرِّجال من يَحيى القَطّان، ولا أعلم بصواب الحديث والخطأ من ابن مَهْدي، فإذا اجتمعا على ترك رجل تركته؛ وإذا أخَذَ عنه أحدهما حدثت عنه. وقال إبراهيم بن محمَّد التَّيْمِيّ: ما رأيت أعلم بالرجال من يحيى القطّان. وقال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي يقول: حدَّثَني يحيى القطان، وما رأت عيناي مثله، قال: فقلت لأبي: من أعلم من رأيت في هذا الشأن؟ قال: ما رأيت مثل يحيى القطان، قلت: فهُشَيْم؟ قال: هشيم شيخ، قلت: فعبد الرحمن بن مَهْدي؟ قال: لم يكن مثل يحيى. وقال أحمد أيضًا: كان إليه المنتهى في التثبت بالبَصْرة، وقال الفضل بن زياد: سمعت أحمد يقول: لا والله ما أدركنا مثله، ثم قال: سمعت ابن مَهْدي وذكره، فقال: لا والله لا
ترى عيناك مثله. وقال الأثرم: سمعت أحمد يقول: رحم الله تعالى يحيى القطان، ما كان أضبطه، وأشد ثقته، كان محدثًا وأثنى عليه، وأحسن الثناء عليه. وقال أبو داود عن أحمد: ما رأيت له كتابًا، كان يحدثنا من حفظه. وقال حَنْبل عن أحمد: ما رأيت أقل خطأ من يحيى، ولقد أخطأ في أحاديث، ثم قال: ومَنْ يَعرى من الخطأ والتصحيف؟ وقال صالح بن أحمد عن أبيه: يحيى بن سعيد أثبت من هؤلاء يعني ابن مَهْدي، ووكيعًا، وغيرهما، وقد روى عن خمسين شَيخًا ممن روى عنه سفيان، قيل له: كان يكتُب عند سُفيان، قال: إنما كان يتسمع ما لم يكُن سمعه، فيكتبه. وقال أبو بكر بن خلّاد: سمعت ابن مَهْدي يقول: لو كنت لقيت ابن أبي خالد لكتبت عن يحيى القطان، عنه، لأعرف صحيحها من سقيمها. قال أبو بكر: وسمعت يحيى يقول: جَهَدَ الثَّوريّ أن يدلس عليَّ رجلًا ضعيفًا فما أمكنه، قال مرة: حدثنا أبو سهل، عن الشَّعْبيّ، فقلت له: أبو سهل محمد بن سالم، فقال: يا يحيى، ما رأيت مثلك، لا يذهَب عليك شيء. وقال أبو زُرعة الدِّمَشْقي: قلت لابن مَعين: يحيى القطّان فوق ابن مَهْدي؟ قال: نعم.
روى عن: سليمان التَّيميّ، وحُميد الطّويل، وإسماعيل بن أبي خالد، وهشام بن عُروة، وعِكْرمة بن عَمّار، وابن جُرَيج، والأوْزاعيّ، ومالك، وشعبة، والثَّوريّ، وابن أبي عَروبة، وقُرّة بن خالد، وفُضيل بن غَزْوان، وخلق.
وروى عنه ابنه محمَّد، وحفيده أحمد بن مُحمد، وأحمد، وإسحاق، وابن المَدِينيّ، ويَحيى بن مَعين، وعمرو بن عليّ الفَلّاس، ويعقوب الدَّوْرقيّ، وخلق كثير آخرهم موتًا أبو يَعْلى بن شَدّاد المِسْمَعيّ، وحدث عنه من شيوخه شُعبة والسُّفيانان، ومن أقرانه مُعْتَمر بن سُليمان، وعبد الرّحمن بن مَهْدي.
ولد سنة عشرين ومئة، ومات في صفر سنة ثمان وتسعين ومائة.
ويحيى بن سعيد في الستة سواه أربعة، ومر الكلام عليهم أول حديث، ومر الكلام على التَّميْميّ في عبد الله بن المُبارك، وعلى البَصْرِي في ترجمة شعبة.
الثالث: شُعبة، وقد مر تعريفه في الثالث من كتاب الإِيمان هذا.
الرابع: قتادة بن دِعامة -بكسر الدال المهملة وتخفيف العين المهملة- بن قَتَادة بن عَزيز بن عَمْرو بن رَبيعة بن عُمر بن الحارث بن سَدُوس أبو الخطّاب السَّدوسِيّ البَصْرِيّ.
ولد أكمه. قال الزَّمَخْشَرِيّ: لم يكن في هذه الأمة أكمه: أي ممسوح العين غير قَتادة. روى مَعْمر عن قَتَادة أنه أقام عند سعيد بنِ المُسَيِّب ثمانية أيام، فقال له في اليوم الثالث: ارتَحِل يا أعمى فقد أنْزَفْتَني. وقال عَمرو ابن عبد الله: لما قَدِمَ قتادة على سعيد بن المُسَيِّب، فجعل يسأله أيامًا وأكثر، فقال له سعيد: أكُلُّ ما سألتني عنه تحفظُه؟ قال: نعم، سألتك عن كذا، فقلت فيه كذا، وسألتك عن كذا فقلت فيه كذا، وقال فيه الحَسن كذا، حتى ردَّد عليه حديثًا كثيرًا، قال: فقال سعيد: ما كنت أظن أن الله خلق مثلك. وقال سعيد بن المُسيِّب: ما أتاني أحسن من قتادة.
وقال بُكَير بن عبد الله المُزَنيّ: ما رأيت الذي هو أحفظ منه، ولا أجْدَرُ أن يؤدي الحديث كما سمعه. وقال ابن سِيرين: قتادة هو أحفظ الناس. وقال مَطَرٌ الورّاق: كان قتادة إذا سمع الحديث أخذه العويل والزَّويل حتى يَحْفَظَهُ، أي: القلق والانزعاج، بحيث لا يَسْتَقرُّ على مكان. وقال مَعْمر: قال قَتادة لسعيد بن أبي عَروبة: خذ المُصْحَف، فَعَرضَ عليه سورة البَقَرَة، فلم يُخْطِىء فيها حرفًا واحدًا، فقال له: يا أبا النَّضْر أحْكَمْتُ؟ قال: نعم، قال: لأنا لصحيفة جابر أحفظ مني لسورة البقرة، وكانت قُرئَت عليه. وقال مَطَر الوَرّاق: ما زال قَتَادة متعلمًا حتى مات. وقال رجلٌ لأبي قِلابة: من أسأل؟ أسأل قتادة؟ قال: نعم. وقال شعبة: حدثت سُفيان بحديث عن قتادة، فقال لي: وما كان في الدنيا مثل قَتادة.
وقال مَعمر: قلت للزُّهرِيّ: قتادة أعلم عندك أم مَكْحول؟ قال: لا بل قتادة. وقال ابن مَهْدي: قَتادة أحفظ من خمسين مثل حُميد الطّويل. قال أبو حاتم: صَدَق ابنُ مَهْدي. وقال مَعْمر، عن قتادة: ما قُلتُ لمحدثٍ قطُّ أعِد عليَّ، وما سمعت أذناي شيئًا قطُّ إلا وعاه قلبي. وقال أبو حاتم: سمعت أحمد ابن حَنْبل، وذُكِرَ قتادة، فأطْنَبَ في ذكره، فجعل ينشُر من علمه وفقهه ومعرفته بالاختلاف والتفسير، ووصفه بالحفظ والفقه، وقال: قلما تجد من يتقدمه، أما المِثْل فلَعَلَّ. وقال الأثْرم: سمعت أحمد يقول: كان قتادة أحفظ من أهل البصرة، لم يَسْمعَ شيئًا إلا حفظه، وقُرِىء عليه صحيفة جابر مرة واحدة فحفظها، وكان سليمان التَّيْميُّ وأيوب يحتاجون إلى حفظه ويسألونه، وقال ابن حِبان: كان من علماء الناس بالقرآن والفقه، ومن حفاظ أهل زمانه. وقال ابن مَعين: ثقة. وقال أبو زُرعة: قتادة من أعلم أصحاب الحَسَن. وقال أبو حاتم: أثبت أصحاب أنس الزُّهريّ، ثم قتادة، قال: وهو أحب إلي من أيوب ويزيد الرّشك إذا ذَكَرَ الخبر، يعني: إذا صرح بالسماع. وقال ابن سعد: كان ثقة، مأمونًا، حجّةً في الحديث، وكان يقول بشيءٍ من القدر. وقال همام: لم يكن يَلْحَن. وقال أبو عُبيدة: ما كنا نَفْقِد راكبًا من ناحية بني أمية يُنيخُ على باب قَتَادة فيسأله عن خبر أو نسب أو شعر. وقال مَعْمر: سألت أبا عمرو بن العلاء عن قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} [الزخرف: 13]، فلم يُجبْني، فقلت: إني سمعت قتادة يقول: مُطيقين، فسكت، فقلت له: ما تقول يا أبا عَمْرو؟ فقال: حسبُك قَتادة، فلولا كلامُهُ في القدر، وقد قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"إذا ذُكر القدر فأمسكوا"، لما عدلت به أحدًا من أهل دهره.
وكان قتادة من أنسب الناس، وقد أدْرَكَ دَغْفَلًا -بفتح الدال- النسابة، وكان يَدُور البصرة أعلاها وأسفلها بغير قائد، ودخل يومًا مسجد البصرة، فإذا بعمرو بن عُبيد ونفر معه قد اعْتَزَلوا حَلْقة الحسن البَصْريّ، وحَلَّقوا، وارتفعت أصواتهم، فأمَّهم، وهو يظُن أنها حلقة الحسن، فلما صار معهم عرف أنها ليس هي، فقال: إنما هؤلاء المعتزلة، ثم قام
عنهم، فمذ يومئذٍ سُمّوا المعتزلة.
وقال حَنْظَلة بن أبي سُفيان: كان طاووس يَفرُّ من قَتادة، وكان قتادة يُرْمَى بالقدر. وقال علي بن المَدِيني: قلت ليحَيى بن سعيد: إن عبد الرحمن يقول: اترك كل من كان رأسًا في بدعة يدعو إليها، قال: كيف تصنع بقتادة، وابن أبي روّاد، وعمر بن ذَرّ؟ وذكر قومًا ثم قال يحيى: إن تركت هذا الضرب تركت ناسًا كثيرًا. وقال أبو عَمْرو بن العّلاء: كان قتادة وعمرو بن شُعيب لا يَغِثُّ عليهما شيء يأخذان عن كل أحد، وقال الشَّعبيّ: قتادة حاطِب ليل. وقال شُعبة: كان قَتادة إذا جاء ما سمع، قال: حدثنا، وإذا جاء ما لم يَسْمَع، قال: قال فلان. وقال شُعبة أيضًا: لم يَسمع قتادةُ من أبي العالية إلا ثلاثة أشياء، قول علي: القضاة ثلاثة، وحديث يونس بن مَتّى، وحديث: لا صلاة بعد العصر. وقال وَكيع عن شُعبة: كان قتادةُ يَغْضبُ إذا أوقفته على الإِسناد، فحدثته يومًا بحديث، فأعجبه، فقال: من حَدَّثك ذا؟ فقلت: فلان عن فلان، فكان بعد ذلك.
روى عن: أنس بن مالك، وعبد الله بن سَرجِس، وأبي الطُّّفَيْل، وصَفيّة بنت شَيْبة، وأرسل عن سفينة، وأبي سعيد الخُدري، وعِمران بن حُصَين، وروى عن سعيد بن المُسيِّب، وعِكرمة، وأبي الشَّعثاء جابر بن زَيْد، وحُمَيد بن عبد الرحمن بن عَوْف، والحسن البَصْريّ، وعطاء بن أبي رَباح، والنَّضْر، وأبي بكر ابني أنس بن مالك، وأبي بُردة بن أبي موسى، وحَفصة بنت سيرين، وغيرهم.
وروى عنه: أيوب السَّخْتياني، وسليمان التَّيمي، وشُعبة، ومِسْعر، وشَيْبان النَّحْوِي، وسعيد بن أبي عَروبة، وحَمّاد بن سَلَمة، والأوْزاعيّ، وقُرّة بن خالد، وأبو عَوانة، وغيرهم.
مات بواسطٍ في الطاعون سنة سبع عشرة ومئة، بعد الحسن البصري بسبع سنين، وهو ابن ست أو سبع وخمسين سنة.
وفي الستة قَتادة غيره ثلاثة: ابن الفُضيل بن قَتادة الحَرَشي أبو حُمَيْد
روى عن سليمان الأعمش وغيره. وابن مِلْحان القَيْسيّ الجَريريّ صحابي.
وابن النُّعمان بن زَيْد بن عامر الأنْصارِيّ، شهد بدرًا، وسقطت عينه يوم أُحُد فأتى بها النبي صلى الله عليه وسلم، فردها، وكانت من أحسن عينيه، أخوه لأمه أبو سعيد الخُدْريّ.
والسَّدُوسي في نسبه نسبة إلى سَدوس بن شَيبْان، وقيل: ابن ثعلبة بن عكابة بن صعب قبيلة كثيرة، كثيرة العلماء، وفي تَميم أيضًا سَدُوس بن دارم بن مالك بن حَنْظلة، قيل: كل سَدُوس في العرب مفتوح السين إلا سدوس طيّء وهو سدوس بن أجمع بن أبي عُبيد بن رَبيعة بن نَضْر بن سَعْد بن نَبْهان ومما هو بالفتح: الحارث بن سَدوس كان له واحد وعشرون ولدًا ذكرًا قال الشاعر:
فإنْ شَاءَ رَبّي كَانَ أيْرُ أبِيكُمُ
…
طويلًا كأيْرِ الحارِثِ بن سَدُوسِ
الخامس: حسين بن ذَكْوان المعلم العَوْذيّ -بفتح فسكون- البَصْريّ المكتب.
قال يحيى بن مَعين، وأبو حاتم، والنَّسائي: ثقة. وقال أبو حاتم: سألت ابن المديني: من أثبت أصحاب يحيى بن أبي كثير؟ قال: هشام الدَّسْتُوائي ثم الأوْزَاعيّ، وحُسين المُعَلِّم. وقال أبو زُرعة: ليس به بأس.
وقال الدَّارَقُطنيّ: من الثقات. وذكره ابن حِبّان في "الثقات" وقال ابن سَعْد والعِجليّ وأبو بكر البَزّار: بَصريّ ثقة. وقال ابن المَدِينيّ: لم يرو الحسين المعلم عن ابن بُريدة إلا حرفًا واحدًا، وكلها من رِجال آخرين.
وقال العُقَيليّ: ضعيف مضطرب الحديث.
روى عن عَطاء، ونافع، وعبد الله بن بُريدة، ويحيى بن أبي كثير، وعمرو بن سعيد، وسليمان الأحْول، وعدة.
وروى عنه: إبراهيم بن طَهْمان، وشُعبة، وابن المُبارك، وعبد الوارث بن سَعيد، والقَطّان، وغُندر، ويزيد بن زُرَيع، ويزيد بن هارون.
مات سنة خمس وأربعين ومئة.
وليس في الكتب الستة حسين بن ذكوان سواه، وأما حسين فكثير.
والعَوْذيُّ في نسبه نسبةً إلى عَوذ بطن من الأزْد، وهو عَوْذ بن سود بن الحجر بن عمران بن عمرو مُزَيقيا، منهم أبو عبد الله هَمّام بن يحيى بن دينارالأزْديّ العَوْذيّ مولاهم.
السادس: أنس بن مالك بن النَّضر -بفتح فسكون- بن ضَمْضَم كجعفر حملًا على ما في القاموس بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار أبو حَمْزة الأنْصاري الخزرجي خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد المكثرين من الصحابة عنه كما مر، وأمه أم سُلَيْم بنت مِلْحان.
صح عنه أنه: أتى النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهو ابن عشر سنين، وأن أمه أم سُلَيم أتت به النبي صلى الله عليه وسلم لما قَدِمَ، فقالت له: هذا أنس غلام يخدِمك، فقَبِلهُ، وأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كَنَاه أبا حَمْزة ببقلة كان يَجْتنيها، ومازحه النبي صلى الله عليه وسلم، فقاَل له: يا ذا الأُذُنَيْن.
خرج أنس مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى بدر، وهو غُلام يخدِمه، وسأله مولى له، فقال له: أشهدت بدرًا، قال: وأين أغيب عن بدر لا أمَّ لك؟ قال ابن حَجَر: وإنما لم يَذْكروه في البدريين لأنه لم يَكُن في سِنِّ من يُقاتل.
وعن أبي العالية قال: خدم أنس النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم، وكان له بستانٌ يحمل الفاكهة في السنة مرتين، وكان فيه رَيْحان، ويجيءُ منه ريح المِسْك، وكانت إقامته بعد النبيّ صلى الله عليه وسلم بالمدينة، ثم شهد الفُتوح، ثم قَطَن بالبصرة إلى أن مات بها.
وفي "الطَّبَرانيّ" عن أنس، قال: قالت أم سُلَيم يا رسول الله، خُوَيْدِمُكَ أنس، فادعُ الله له، فقال:"اللَّهم أكثر ماله وولده، وأطِل عُمُرَه، وبارك له، واغفر له ذنبه" وفي رواية: "وأدْخِلْه الجنة" فقال: لقد
دفنت من صُلْبي سوى ولد ولدي مئة وخمسة وعشرين، وإن أرضي لَتُثْمِر في السنة مرتين، وفيها رَيْحان يجيء منه ريح المسك، ولقد بقيت حتى سئمت من الحياة، وأنا أرجو الرابعة.
وعن ثابت البُناني، قال: كنت عند أنس بن مالِك، فجاء قَهرُمانُه، فقال: يا أبا حمزة، عطِشت أرضُنا، فقام أنس وتوضأ، وخرج إلى البرية، فصلى ركعتين، ثم دعا، فرأيت السحاب تلتئم، ثم مَطَرت حتى ملأت كل شيء، فلما سكن المطر بعث أنس بعض أهله، فقال: انظر أين بلغت السماء؟ فنظر، فلم تَعْدُ أرضه إلا يسيرًا، وذلك في الصيف.
وعن ثابت أيضًا، قال: قال أبو هريرة: ما رأيت أحدًا أشبه صلاة بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من ابن أم سُلَيم. وفي "الأوسط" للطَّبَراني عن أبي هُريرة، قال: أخبرني أنس بن مالك، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُشير في الصلاة.
قال عُبَيْد بن عَمْرو الأصْبَحيّ: لا نعلم روى أبو هُريرة عن أنس غير هذا الحديث.
وعن موسى بن أنس أن أبا بكر لما استُخْلِف بعث إلى أنس ليوجهه إلى البحرين على السِّعاية، فدخل عليه عُمر، فاستشاره، فقال: ابعثه فإنه لبيب كاتب، فبعثه.
وفي البُخاري أن إسحاق بن عُثمان سأل موسى بن أنس كَمْ غَزَا أنس مع النبيّ صلى الله عليه وسلم؟ قال: ثماني غزوات.
وعن ثابت البُناني، قال: قال لي أنس: هذه شعرة من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضعها تحت لِساني، قال: فوضعتها تحت لسانه، فدفن وهي تحت لسانه.
وقال مَعْمر، عن أبيه: سمعت أنس بن مالِك يقول: لم يَبْق أحدٌ صلى إلى القِبلتين غيري.
وعن إسحاق بن يزيد، قال: رأيت أنس بن مالِك مختومًا في عُنُقِهِ ختم الحجَّاج، أراد أن يُذِلّه بذلك.
رُوِي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألفا حديث ومئتان وستة وثمانون حديثًا، اتفقا على مائة وثمانية وستين منها، وانفرد البخاري بثلاثة وثمانين، ومسلم بأحد وتسعين.
روى عن: رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعبد الله بن
رَوَاحة، وفاطمة الزهراء، وثابت بن قَيْس بن شَمّاس، وعبد الرحمن بن عَوْف، وابن مسعود، وأبي ذَرّ، وأبي بن كعب، وعُبادة بن الصّامِت، ومُعاذ بن جَبَل، وأمه أم سُلَيم، وخالته أم حرام، وجماعة.
وروى عنه: الحسن، وسليمان التَّيمي، وأبو قِلابة، وأبو مجلز، وثابت البُناني، وقَتَادة، وحُمَيْد الطّويل، ومحمد بن سيرين، وأخوه أنس، وأبو أُمامة بن سَهْل بن حُنَيف، وخلائق من الآفاق.
مات في قصره بالطَّفِّ على فرسخين من البصرة سنة إحدى وتسعين، ودفن هنالك، وعمره مئة سنة إلا سنة. وقيل: مئة وسنة، وقيل: وثلاث، وقيل: وسبع، وهو آخر الصحابة موتًا بالبصرة.
وفي الصحابة أنس بن مالك الكَعْبيّ القُشَيْرِيّ أبو أُمَيَّة أو أُمَيْمة، نزل البصرة. وأنس في الصحابة جماعة، وليس في الستة أنس بن مالك غيره سوى الكَعْبيّ هذا. وفي الستة أنس سواه ستة.
ولنذكر نظم العراقي هنا في آخر الصحابة موتًا في كل البلدان تتميمًا للفائدة، فقال:
آخِرُهُم موتًا بدُون مِرْيَه
…
أبُو الطّفَيْل ماتَ عامَ مايه
وقَبْلَهُ السّائبُ بَالمدينَةِ
…
أوْ سَهلٌ أو جابِرٌ أو بِمَكّةِ
وقِيلَ آخِرُهم ابنُ عُمَرَا
…
ان لا أبو الطُّفَيْل فِيهَا قُبِرَا
وأنَسُ بنُ مَالِكٍ بالبَصرَةِ
…
وابنُ أبي أوْفَى قَضَى بالكُوفَةِ