الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالطاهرة. وقد استوفينا ترجمتها، وتزويجه بها في كتاب بدء الوحي من هذا الكتاب، ثم شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بنيان الكعبة، وتراضت قريش بحكمه في موضع الحجر بعد ذلك بعشر سنين، وذلك سنة ثلاث وثلاثين، وقال محمَّد بن جبير: بنيت الكعبة على رأس خمس وعشرين من عام الفيل، وقيل: بل كان بين بنيان الكعبة، ومبعث النبي صلى الله عليه وسلم خمس سنين.
وقت البعثة
ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين سنة، وقيل: وأربعين يومًا، وقيل: وعشرة أيام، وقيل: وشهرين، يوم الاثنين، لسبع عشرة، خلت من رمضان، وقيل: لسبع، وقيل: لأربع وعشرين ليلة. وقال ابن عبد البر: يوم الاثنين، لثمان من ربيع الأول، سنة إحدى وأربعين من الفيل. وقيل: في أول ربيع، بعثه الله تعالى رحمة للعالمين، ورسولًا إلى كافة الناس أجمعين، وقولُ بعض العلماء تنبأه الله تعالى، وهو ابن أربعين، المراد به بعثه وإرساله للناس، لا أصل النبوة، لأنه صلى الله عليه وسلم كان نبيًا وآدم منجدلٌ في طينته، وولد نبيًا، وقد حررنا ذلك في أول "الفتوحات الربانية".
ولما أوحى الله إليه، عليه الصلاة والسلام، أسرَّ أمره ثلاث سنين أو نحوها. ثم أمره عز وجل بإظهار دينه، والدعاء إليه، فأظهره بعد ثلاث سنين من مبعثه. وأخرج ابن عبد البر، وأحمد بن حنبل عن الشعبي قال: أُنزلت عليه النبوة، وهو ابن أربعين سنة، فقرن بنبوته إسرافيل، عليه السلام، فكان يعلمه الكلمة والشيء، ولم ينزل عليه القرآن على لسانه، فلما مضت ثلاث سنين، قرن بنبوته صلى الله عليه وسلم، جبريل، عليه الصلاة والسلام، فنزل القرآن على لسانه عشرين سنة.
ولما دعا قومه إلى دين الله تعالى لم يبعدوا منه، ولم يردوا عليه حتى ذكر آلهتهم، وعابها، وكان ذلك في سنة أربع، فأجمعوا على خلافه، وعداوته إلا من عصمه الله تعالى منهم بالإِسلام.
وحَدَبَ عليه عَمُّه أبو طالب، ومنعه، وقام دونه، واشتدت العداوةُ، وتذامرت قريش على تعذيب من أسلم، وافتتانه، ومنع الله رسوله بعمه أبي طالب، وبني هاشم، غير أبي لهب، وبني المطلب؛ واجتمعت قريش، وطلبت من أبي طالب أن يسلم لهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهم: حين تروح الإِبل، فإن حنت ناقة على غير فصيلها، دفعته لكم، وقال:
واللهِ لَنْ يَصِلوا إليكَ بجَمعهمْ
…
حَتى أُوَسَّدَ في التُّراب دَفينَا
فاصْدَعْ بأَمرِكَ ما عليكَ غَضاضةً
…
وابشرْ وَقَرَّ بذاكَ مِنْكَ عُيونا
ودَعَوْتني وزَعَمْتَ أَنك ناصحي
…
ولَقد صَدَقْتَ وكُنْتَ ثَمَّ أمينا
وعَرَضْتَ دينًا لا مَحَالَة أنَّه
…
مِنْ خَيرِ أَديانِ البَرِيَّةِ دِينا
وحاصرت قريش النبي صلى الله عليه وسلم، وأهل بيته بني هاشم، ومعهم بنو المطلب في الشعب بعد المبعث لست سنين، فمكثوا في ذلك الحصار ثلاث سنين، وخرجوا منه في أول سنة خمسين من عام الفيل. وتوفي أبو طالب بعد ذلك بستة أشهر، وتوفيت خديجة بعده بثلاثة أيام، وقيل: بسبعة، وقيل: بشهر وخمسة أيام، وتوفي أبو طالب، وهو ابن بضع وثمانين سنة، وتوفيت خديجة وهي بنت خمس وستين سنة؛ فكان مكثُها مع النبي صلى الله عليه وسلم خمسًا وعشرين سنة. وتوالت على النبي صلى الله عليه وسلم مصيبتان بوفاة عمه، ووفاة خديجة. وقد استوفينا في كتاب الاستسقاء ما قيل في أبي طالب، حيث جاء ذكره هناك وكان أبو طالب قد أسلم ولده عليًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك أن قريشًا أصابتهم أزمةٌ شديدة، وكان أبو طالب ذا عيال كثير، فقال النبي، عليه الصلاة والسلام، لِعمه العباس، وكان من أيسر بني هاشم: يا عباس، إن أخاك أبا طالب كثير العيال، فانطلق بنا، فلنخفف عنه من عياله، فقال: نَعَمْ، فانطلقا حتى أتيا أبا طالب وقالا له: إنا نُريد أن نخفف من عيالك حتَّى يكشِفَ الله عن الناس ما هم فيه، فقال لهما أبو طالب: إذا تركتما لي عقيلًا فاصنعا ما شئتما، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًا، وضمه إليه، وأخذ العباس جعفرًا وضمه إليه، ولم يزل علي