المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بيان حكم الشرع في الجاروديعلى ضوء المقابلة معه في مجلة المجلة - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٥٠

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌ الحكمة لمشروعية الأذان:

- ‌ نقول عن التفسير:

- ‌ نقول عن شراح الحديث

- ‌ نقول عن بعض الفقهاء:

- ‌ خاتم النبوة

- ‌ حياة النبي صلى الله عليه وسلم في بيته

- ‌ أول من أسلم من الرجال

- ‌ هل وقع بين المسلمين والمشركين مبارزة في غزوة تبوك

- ‌ صحة حديث مضمونه: «من أرضى فاطمة فقد أرضاني ومن أسخطها فقد أسخطني»

- ‌ نذكر الصحابي وغيره، فنقول: عليه الصلاة والسلام

- ‌ معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار

- ‌ معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان

- ‌ الفرق بين الواجب والمندوب والمستحب والسنة

- ‌ فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌حكم حسينيات الرافضة

- ‌حكم تتبع آثار الأنبياءليصلى فيها أو ليبنى عليها مساجد

- ‌ ذبح الذبائح عند الآبارالتي يقصدها الناس للاستشفاء بها

- ‌دفن الموتى في المساجد إحدى وسائل الشرك

- ‌تنبيه حول الاحتفال بالمناسبات الإسلامية

- ‌جماعة التبليغ والصلاة في المساجد التي فيها قبور

- ‌نصيحة لمن اعتقد بوفاة المسيحوعدم نزوله في آخر الزمان

- ‌حكم سفر المرأة للعمرةفي حافلة النقل الجماعي بلا محرم

- ‌سفر المرأة مع المرأة بدون محرم

- ‌حكم السفر لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الحياة في القبر

- ‌علة الربا في النقدين:

- ‌الحلول الشرعية لاجتماع الصرف والحوالة:

- ‌وجوه التحدي والإعجاز في الأحرف المقطعة في أوائل السور

- ‌تمهيد:

- ‌أنواع فواتح السور:

- ‌النوع الأول: الاستفتاح بالثناء على الله تعالى:

- ‌النوع الثاني: الاستفتاح بالنداء:

- ‌النوع الثالث: الاستفتاح بالجمل الخبرية:

- ‌النوع الرابع: الاستفتاح بالقسم:

- ‌النوع الخامس: الاستفتاح بالشرط:

- ‌النوع السادس: الاستفتاح بالأمر:

- ‌النوع السابع: الاستفتاح بالاستفهام:

- ‌النوع الثامن: الاستفتاح بالدعاء:

- ‌النوع التاسع: الاستفتاح بالتعليل:

- ‌النوع العاشر: الاستفتاح بأحرف التهجي:

- ‌أقوال العلماء في الأحرف المقطعة:

- ‌ مجمل أقوال العلماء في وجوه الإعجاز والتحدي في الأحرف المقطعة:

- ‌القول الأول: أنها للتحدي والإعجاز:

- ‌ من أبرز القائلين بهذا الرأي:

- ‌من أدلة أصحاب هذا الرأي:

- ‌شبه المنكرين لهذا الرأي والجواب عليها:

- ‌القول بأنها للتحدي والإعجاز لا يعتبر تفسيرا:

- ‌القول الثاني: أن ورود هذه الأحرف بهذه الصفة من رجل أمي أمر معجز

- ‌القول الثالث: أن فيها إعجازا لغويا

- ‌القول الرابع: أن وجه الإعجاز في أعداد الحروف (حساب الجمل)

- ‌أنواع الطواف وأحكامه

- ‌التمهيد:

- ‌المطلب الأول: في تعريف الطواف

- ‌ثانيا: في الاصطلاح:

- ‌المطلب الثاني: دليل مشروعية الطواف:

- ‌ثانيا: الأدلة من السنة المطهرة:

- ‌ثالثا: الإجماع:

- ‌المطلب الثالث: حكم الطواف بغير بيت الله العتيق:

- ‌أنواع الطواف

- ‌المبحث الأول: في طواف القدوم

- ‌المطلب الأول: طواف المعتمر:

- ‌المطلب الثاني: طواف المفرد:

- ‌المسألة الثانية:هل يشرع طواف القدوم لمن لم يدخل مكة إلا بعد الوقوف بعرفة أم لا

- ‌المطلب الثالث: طواف القارن:

- ‌المسألة الأولى: حكم طواف القدوم للمفرد إذا دخل مكة قبل يوم عرفة

- ‌المبحث الثاني: طواف الإفاضة:

- ‌المطلب الثاني: وقت طواف الإفاضة:

- ‌مسألة: أول وقت الإفاضة:

- ‌مسألة: أول وقت رمي جمرة العقبة:

- ‌مسألة: آخر وقت طواف الإفاضة:

- ‌المطلب الثالث: ماذا يترتب على طواف الإفاضة

- ‌مسألة: ماذا يترتب على طواف الإفاضة من التحلل

- ‌فرع: ما الذي يحل بالتحلل الأصغر

- ‌المبحث الثالث: طواف الوداع::

- ‌المطلب الأول: حكم طواف الوداع، وعلى من يكون

- ‌المسألة الأولى: حكم طواف الوداع

- ‌فرع: من أراد الإقامة بمكة:

- ‌فرع: من كان منزله قريبا من مكة:

- ‌فرع: المرأة الحائض:

- ‌فرع: طواف الوداع لغير الحاج:

- ‌المطلب الثاني: وقت طواف الوداع، وما يلزم من خرج ولم يودع

- ‌المسألة الأولى: وقت طواف الوداع

- ‌الخاتمة

- ‌طلاق المكره والغضبان

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: تعريف الطلاق:

- ‌المطلب الأول: تعريف الطلاق لغة:

- ‌المطلب الثاني: تعريف الطلاق شرعا:

- ‌المبحث الثاني: أدلة مشروعية الطلاق:

- ‌المبحث الثالث: الحكمة من مشروعية الطلاق:

- ‌الفصل الأول: طلاق المكره:

- ‌تمهيد: تعريف الإكراه:

- ‌المبحث الأول: أنواع الإكراه وأحكامه وشروطه:

- ‌مسألة شروط الإكراه:

- ‌المبحث الثاني: طلاق المكره:

- ‌الفصل الثاني: طلاق الغضبان:

- ‌تمهيد: تعريف الغضب وحالاته:

- ‌ حكم طلاق الغضبان:

- ‌الخاتمة:

- ‌بيان حكم الشرع في الجاروديعلى ضوء المقابلة معه في مجلة المجلة

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌بيان حكم الشرع في الجاروديعلى ضوء المقابلة معه في مجلة المجلة

‌بيان حكم الشرع في الجارودي

على ضوء المقابلة معه في مجلة المجلة

لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقد كثر في الآونة الأخيرة في الصحف والمجلات الكلام عن الرجل المسمى (روجيه جارودي) الشيوعي الفرنسي؛ الذي ادعى أنه دخل الإسلام عن اقتناع ومحبة؛ ففرح بذلك بعض المسلمين وأظهروا حفاوة به، وأكرموه ومنحوه الثقة، وجعلوه عضوا في المجلس الأعلى العالمي للمساجد في رابطة العالم الإسلامي، وصار يحضر الندوات واللقاءات التي تعقد في العالم الإسلامي عن الإسلام متحدثا ومناظرا.

ثم لم يلبث أن تكشفت حقيقته وافتضح أمره، وبان ما كان يخفيه في صدره من حقد على الإسلام والمسلمين، وأنه لم يزل على كفره وإلحاده فانضم إلى أشكاله من المنافقين الذين قال الله فيهم:{وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ} (1).

(1) سورة آل عمران الآية 119

ص: 361

وآخر ما نشر عنه الحوار الذي أجرته معه مجلة المجلة في عددها (839) حيث جاء فيه: أنه لم يتخل عن اعتقاداته الخاصة، وأنه لم يعتنق الإسلام الذي عليه المسلمون، وإنما اعتنق إسلاما آخر تخيله بذهنه زعم أنه خليط من الأديان: اليهودية والنصرانية ومن الإسلام الذي تخيله هو، لا الإسلام الذي بعث الله به نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، وقال: إن هذا الإسلام المزعوم هو دين إبراهيم عليه السلام. فإبراهيم بزعمه هو أول المسلمين فالإسلام بدأ من عهد إبراهيم، قال: ولم يكن إبراهيم يهوديا ولا مسيحيا ولا مسلما بالإسلام التاريخي للكلمة أي الذي عليه المسلمون اليوم.

وكذب في ذلك فإن الإسلام الذي هو توحيد الله بالعبادة وترك عبادة ما سواه هو موجود من قبل إبراهيم، من عهد آدم ونوح والنبيين من بعده، وهو دين جميع الرسل. وهو الذي بعث الله به نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى:{ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (1)، وهو دين المسلمين اليوم من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (2)، وقال تعالى:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (3)، وقال

(1) سورة النحل الآية 123

(2)

سورة آل عمران الآية 19

(3)

سورة يوسف الآية 108

ص: 362

تعالى: {قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (1)، ولم يكن دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام خليطا من الحق والباطل كما زعم هذا الضال؛ بل كان دينه التوحيد الخالص لله عز وجل والبراءة من الشرك وأهله، قال تعالى:{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} (2).

وهو الدين الذي بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم، ويرى هذا الضال أن البراءة من الكفر والشرك وما عليه اليهود والنصارى من الوثنيات والتحريفات الباطلة دين تفرقة؛ لأن الإسلام في مخيلته معناه التوحيد والتقارب بين المسلمين وغير المسلمين، يريد إسلاما يجمع بين المتناقضات والمتضادات، ويكفر المسلمين الذين يخالفونه في ذلك.

ويرى أيضا أن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن الفقه الإسلامي المستنبط من الكتاب والسنة انتهت صلاحيتهما في هذا الزمان؛ لأنهما كانا لزمان معين، وأنه يجب إحداث فقه جديد.

وهذا معناه ترك دين الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا يصلح لهذا الزمان وإحداث دين جديد، وهذا كفر بعموم رسالة الرسول لكل زمان ومكان، ولكل جيل، ولكل البشرية إلى أن تقوم الساعة، وكفر بختم الرسالة بمحمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين،

(1) سورة آل عمران الآية 95

(2)

سورة الممتحنة الآية 4

ص: 363

وكفر بصلاحية رسالته لكل زمان ومكان، وهذا كفر صريح وقول قبيح مناقض لقول الله سبحانه:{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} (1)، وقوله سبحانه:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} (2)، وقوله عز وجل:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (3)، وقوله سبحانه:{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} (4).

وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة (5)» متفق على صحته. وقوله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار (6)» ، أخرجه الإمام مسلم في صحيحه. والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.

وقد أجمع العلماء رحمهم الله من الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم إجماعا قطعيا على أن محمدا بن عبد الله بن عبد المطلب

(1) سورة الأعراف الآية 158

(2)

سورة سبأ الآية 28

(3)

سورة الأنبياء الآية 107

(4)

سورة الفرقان الآية 1

(5)

رواه الإمام البخاري في كتاب (التيمم) برقم 323) واللفظ له، ورواه الإمام مسلم في كتاب (المساجد ومواضع الصلاة) برقم (810).

(6)

رواه الإمام مسلم في كتاب (الإيمان) برقم (218)، ورواه الإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين) برقم (7856).

ص: 364

صلى الله عليه وسلم هو رسول الله إلى جميع الثقلين الإنس والجن، وهو خاتم النبيين لا نبي بعده.

ثم يتناول هذا الملحد الركن الثاني من أركان الإسلام الخمسة وهو الصلوات الخمس الثابت بالكتاب والسنة، والمعلوم من الدين بالضرورة، فيرى أن الصلوات ثلاث صلوات في اليوم والليلة لا خمس صلوات. ويزعم أن هذا هو ما يدل عليه القرآن. وهذا القول الباطل بل الكفر الصريح ناتج عن كفره بالسنة التي بينت الأوامر التي جاءت في القرآن، ومن ذلك الصلوات فقد بينت السنة الصحيحة المتواترة أنها خمس صلوات في اليوم والليلة، وأجمع المسلمون على ذلك.

ثم بين هذا الضال الصلاة التي يعنيها وأنها ليست الحركات التي هي عبارة عن القيام والقراءة والركوع والسجود، وإنما هو التفكير العميق في الذات الإلهية، وذلك يستغرق عنده ساعات الليل والنهار الأربع والعشرين ساعة، وهذه صلاة الباطنية الملاحدة لا صلاة الأنبياء وأتباعهم، وهذا القول كفر صريح وردة عن الإسلام عند جميع أهل العلم.

ثم تناول الركن الرابع من أركان الإسلام وهو الصيام وقال: إنه ليس هو الامتناع عن الأكل والشرب، وإنما هو معاني الصيام وأهدافه. ثم إنه أعفى سكان المناطق القطبية من الصيام؛ لأنه لا يمكن تطبيقه في مناطقهم؛ لأنه ليس عندهم طلوع فجر ولا غروب شمس. وهذا تكذيب لله ولرسوله ولإجماع المسلمين في

ص: 365

أن الصيام ترك الأكل والشرب وسائر المفطرات، قال تعالى:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} (1)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:«إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم (2)» متفق على صحته.

فمن أعظم منافيات الصيام الأكل والشرب. وأما الاقتصار على معاني الصيام وأهدافه فليس صياما شرعيا وإنما هو صيام الباطنية الذين يقولون: الصيام هو كتم الأسرار، وهذا إلحاد في دين الله عز وجل، وكذلك لا يعفى أحد من الصيام في جميع أقطار الأرض؛ لأن أحكام الشريعة عامة للبشرية أينما كانت، وإنما يصوم المسلم حسب استطاعته.

وكيفية صيام أهل المناطق القطبية قد بحثها علماء المسلمين قديما وحديثا وقرروا فيها رأيهم حسب ما ظهر من أدلة الكتاب والسنة. ثم إن هذا الملحد يجهل علماء المسلمين فيقول: (قد عملت معهم عندما كنت عضوا في المجلس الأعلى العالمي للمساجد واكتشفت أنهم أناس جهلة، بل إنهم من أجهل الناس إطلاقا يرددون بطرق آلية الأحاديث النبوية وآراء فقهاء القرون الوسطى التي حفظوها عن ظهر قلب، ولا أعتقد أن لدي استعدادا للتعاون مع هؤلاء بشان أي موضوع كان بسبب الانطباعات السيئة التي تركوها في ذهني).

(1) سورة البقرة الآية 187

(2)

رواه الإمام البخاري في كتاب (الأذان) برقم (587)، ورواه الإمام مسلم في (الصيام) برقم (1829) واللفظ متفق عليه.

ص: 366

هذا شعوره نحو علماء الإسلام الذين اغتر الكثير منهم به، وأحسنوا به الظن وأكرموه وأشركوه معهم في مؤتمراتهم وندواتهم.

وإنها لموعظة للعلماء أن لا يتسرعوا بمنح الثقة لكل من تظاهر بالإسلام خصوصا من أمثال جارودي ممن عرفوا بالإلحاد والزندقة والشيوعية قبل ادعاء الإسلام حتى يتثبتوا في شأنه.

ومن كفر جارودي الصريح أنه يدعو إلى تعطيل حد السرقة، وتغيير مقادير المواريث، فيرى أن قطع يد السارق اليوم غير مناسب، وهذا اتهام للإسلام بالقصور وعدم صلاحيته لكل زمان ومكان. بل هو وصف لله سبحانه بالجهل، وأنه لا يعلم ما يجد في المستقبل وما يناسبه من العقوبة، فإن الله سبحانه أمر بقطع يد السارق والسارقة جزاء بما كسبا ثم ختم الآية بقوله سبحانه:{وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (1)، فهو سبحانه يشرع لكل ذنب من العقوبة ما يناسبه ويمنع وقوعه في كل زمان ومكان. ثم يقول:(لو كنت قاضيا وجاءني أخ وأخت يتنازعان في قضية ميراث لأعطيت البنت ضعف ما أعطي الذكر)، وهذا مصادم لقول الله تعالى في شأن الإخوة في آخر سورة النساء:{وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} (2)، ولقوله تعالى في أول السورة:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} (3)، فهو اعتراض على الله في

(1) سورة المائدة الآية 38

(2)

سورة النساء الآية 176

(3)

سورة النساء الآية 11

ص: 367

حكمه، وكفى بذلك كفرا وإلحادا.

ثم يدعو علماء الإسلام أن يتمردوا على شرع الله كما تمرد المسيحيون على البابا وثاروا في وجه الكنيسة، فهو يسوي بين الدين الحق الذي هو دين الإسلام ودين الكفر الذي هو دين البابوات ورجال الكنيسة المغير لشرع الله.

وأخيرا فإن روجيه جارودي لا يحكم عليه بأنه مرتد عن دين الإسلام كما توهمه بعضهم، وإنما هو كافر أصلي لم يدخل في الإسلام كما اعترف هو بذلك حيث يقول:(انتهيت إلى الإسلام دون التخلي عن اعتقاداتي الخاصة وقناعاتي الفكرية).

إن دين الإسلام لا يجتمع مع القناعات الإلحادية ولا يجتمع مع اليهودية والنصرانية؛ لأنهما ديانتان محرفتان ومنسوختان بدين الإسلام الذي بعث الله به نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، وأمره أن يقول:{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (1).

وقال صلى الله عليه وسلم: «والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار (2)» أخرجه الإمام مسلم في

(1) سورة الأعراف الآية 158

(2)

رواه الإمام مسلم في كتاب (الإيمان) برقم (218)، والإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين) برقم (7856).

ص: 368

صحيحه كما تقدم، وفي الصحيحين عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي المغانم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة (1)» وبذلك يعلم أنه لا يسع أحدا من هذه الأمة جنها وإنها إلا اتباع محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يقبل الله من أحد بعد بعثته إلا دينه.

ودينه هو الإسلام، وهو صالح لكل زمان ومكان إلى أن تقوم الساعة، قال الله تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (2)، وقال تعالى:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (3)، وقال سبحانه:{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (4) وقال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} (5)

(1) رواه الإمام البخاري في كتاب (التيمم) برقم (323) واللفظ له، ورواه الإمام مسلم في كتاب (المساجد ومواضع الصلاة) برقم (810)، والنسائي في (الغسل والتيمم) برقم (429.

(2)

سورة المائدة الآية 3

(3)

سورة آل عمران الآية 19

(4)

سورة آل عمران الآية 85

(5)

سورة آل عمران الآية 81

ص: 369

وتقدم قوله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار (1)» . وذلك أن الله سبحانه أخذ الميثاق على الأنبياء كلهم من أولهم إلى آخرهم بالإقرار بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وعموم رسالته، وأنه لو بعث وأحد منهم حي وجب عليه اتباعه وطاعته ومناصرته، وهذا الحكم يتناول أتباعهم أيضا، فإن من زعم أنه يتبع موسى وعيسى يجب عليه أن يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم بعدما بعثه الله ويتبعه؛ لأن رسالته ختمت الرسالات، وشريعته نسخت الشرائع ولم يبق دين مقبول عند الله سوى الدين الذي بعثه الله به كما قال تعالى:{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (2).

وهذا الحكم واجب على جميع المكلفين من الجن والإنس إلى يوم القيامة، كما تقدم ذلك في قوله سبحانه آمرا نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يقول للناس:{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} (3) الآية من سورة الأعراف. وتقدم قوله سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} (4)

(1) رواه الإمام مسلم في كتاب (الإيمان) برقم (218)، ورواه الإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين) برقم (7856).

(2)

سورة آل عمران الآية 85

(3)

سورة الأعراف الآية 158

(4)

سورة سبأ الآية 28

ص: 370

وقوله عز وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (1)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم:«كان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة (2)» متفق على صحته، وقوله صلى الله عليه وسلم:«والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار (3)» ، والآيات القرآنية والأحاديث النبوية في هذا المعنى كثيرة، وأسأل الله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يصلح أحوال المسلمين جميعا، وأن يثبتنا وإياهم على دينه، وأن يمنحنا جميعا الفقه فيه، والاستقامة عليه، وأن يعيذنا وجميع المسلمين من شر أعداء الله ومكائدهم كالجارودي وأشباهه من سائر الملحدين، والكافرين، إنه على كل شي قدير وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

(1) سورة الأنبياء الآية 107

(2)

رواه الإمام البخاري في كتاب (التيمم) برقم 323) واللفظ له، ورواه الإمام مسلم في كتاب (المساجد ومواضع الصلاة) برقم (810)، والنسائي في (الغسل والتيمم) برقم (429).

(3)

رواه الإمام مسلم في كتاب (الإيمان) برقم (218)، ورواه الإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين) برقم (7856).

ص: 371