الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعريف الإكراه شرعا:
هو حمل إنسان على عمل - أو ترك - بغير رضاه، ولو ترك بدون إكراه لما قام به.
وقال بعضهم فعل يفعله إنسان لغيره. . إلخ والمعنى متقارب.
المبحث الأول: أنواع الإكراه وأحكامه وشروطه:
للإكراه أنواع متعددة باعتبارات مختلفة؛ فيكون في الأفعال، ويكون في الأقوال، والإكراه في الأفعال نوعان ملجئ وغير ملجئ.
فأما الملجئ وهو الكامل، فلا يكون للفاعل إرادة البتة، كمن حلف لا يدخل دار زيد مثلا فقهره من هو أقوى منه وكبله وحمله حتى أدخله فيها، فهذا غير مكلف إجماعا ولا إثم عليه، ولا يحنث عند الجمهور.
وأما غير الملجئ وهو الناقص فهو كمن أكره بضرب أو غيره حتى فعل. فهذا وقع فيه خلاف بين أهل العلم، سببه أن هذا المكره يستطيع الفعل والترك، فهو مختار للفعل ولكن ليس غرضه نفس الفعل وإنما مراده دفع الضرر عن نفسه، وليس هذا مرادنا فأرجع فيه لمضانه.
وأما الإكراه في الأقوال:
فقد اتفق العلماء على صحته وأن من أكره على قول محرم إكراها معتبرا أن له أن يفتدي نفسه به ولا إثم عليه، والإكراه متصور في سائر الأقوال، فمتى أكره على قول من الأقوال لم
يترتب عليه حكم من الأحكام وكان لغوا وذهب الأحناف إلى التفريق بين ما يحتمل الفسخ كالبيع والإجارة فيفسخ، وما لا يحتمل الفسخ كالطلاق والعتاق والنكاح فهو لازم، فمن أكره على البيع ففعل فهو بالخيار إن شاء أمضى البيع وإن شاء فسخه ورجع بالمبيع بخلاف ما لا يحتمل الفسخ.
وعدم التفريق أنسب وألبق بأصول الشريعة وأدلتها، قال تعالى:{أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} (1)، قال الشافعي في تقرير الاستدلال بهذه الآية:(أن الله سبحانه وتعالى لما وضع الكفر عمن تلفظ به حال الإكراه أسقط عنه أحكام الكفر، كذلك سقط عن المكره ما دون الكفر؛ لأن الأعظم إذا سقط سقط ما هو دونه من باب أولى).
(1) سورة النحل الآية 106
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه (1)» .
قال ابن القيم: (. . وعلى هذا فكلام المكره كله لغو لا عبرة به، وقد دل القرآن على أن من أكره على التكلم بكلمة الكفر لا يكفر، ومن أكره على الإسلام لا يصير به مسلما، ودلت السنة على أن الله سبحانه تجاوز عن المكره فلم يؤاخذه بما أكره عليه، وهذا يراد به كلامه قطعا وأما أفعاله ففيها تفصيل. . . إلى أن قال. . . والفرق بين الأقوال والأفعال في الإكراه، أن الأفعال إذا وقعت لم ترتفع مفسدتها، بل مفسدتها معها بخلاف الأقوال، فإنها يمكن إلغاؤها وجعلها بمنزلة أقوال النائم والمجنون، فمفسدة الفعل الذي لا يباح بالإكراه ثابتة بخلاف مفسدة القول، فإنها تثبت إذا كان قائله عالما به مختارا له).
(1) أخرجه الدارقطني (497)، وابن حبان (360)، والحاكم (2/ 198) وصححه ووافقه الذهبي، وأخرجه ابن ماجه، كتاب (الطلاق)، باب طلاق المكره والناسي برقم (2045) لكن سنده منقطع، وفي الباب عن ابن عمر وعقبة بن عامر وثوبان كما في (نصب الراية)(2/ 65)، و (جامع العلوم والحكم) (ص 371) والغالب فيها الضعف لكنها تتقوى بطرقها. قال السخاوي في (المقاصد الحسنة) ص (230):(ومجموع هذه الطرق يظهر أن للحديث أصلا) اهـ. وقال الشنقيطي في مذكرته ص (33): (وقد تلقاه العلماء بالقبول، وله شواهد ثابتة في الكتاب والسنة) اهـ. وصححه العلامة الألباني في (إرواء الغليل)(82). وفي (صحيح سنن ابن ماجه)(1/ 348) برقم (1664).