الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال النووي في شرح المهذب: (واعلم أن العمرة ليس فيها طواف قدوم، وإنما طواف واحد يقال له طواف الفرض، وطواف الركن).
وقال ابن النجار الحنبلي: (وأركان العمرة: إحرام، وطواف، وسعي)(1) وحكم المتمتع حكم المعتمر، لأن دخوله إلى مكة أولا بالعمرة، فلا يسن له طواف للقدوم إلا عند الإمام أحمد رحمه الله فإنه ذهب إلى أن المتمتع يسن له طواف القدوم بعد الوقوف بعرفة. ففي رواية الأثرم:(قال: قلت لأبي عبد الله رحمه الله فإذا رجع إلى منى يطوف ويسعى؟ قال: يطوف ويسعى لحجه، ويطوف طوافا آخر للزيارة. عاودناه في هذا غير مرة، فثبت عليه)(2). قال الموفق في المغني: (ولا أعلم أحدا وافق أبا عبد الله على هذا الطواف)(3).
(1) منتهى الإرادات لابن النجار 1/ 287، وانظر: غاية المنتهى 1/ 442.
(2)
انظر المغني، 5/ 315.
(3)
انظر المغني، 5/ 315. وسيأتي مزيد تفصيل لهذا القول ودليله في المطلب الثاني.
المطلب الثاني: طواف المفرد:
المحرم بالحج وحده - المفرد - لا يخلو حاله إما أن يكون دخوله إلى مكة قبل يوم عرفة؛ وإما أن يتأخر ويضيق عليه
الوقت، فلا يتمكن من دخولها إلا بعد الوقوف بعرفة.
فهل يشرع له طواف القدوم أم لا؟ وهل لطواف القدوم وقت يفوت بمضيه أم لا؟ هذا ما نسعى للتعرف عليه في هذا المطلب من خلال بحث المسألتين التاليتين وهما:
المسألة الأولى: حكم طواف القدوم للمفرد إذا دخل مكة قبل يوم عرفة.
المسألة الثانية: هل يشرع طواف القدوم لمن لم يدخل مكة إلا بعد الوقوف بعرفة أم لا؟
المسألة الأولى: حكم طواف القدوم للمفرد إذا دخل مكة قبل يوم عرفة. لا خلاف بين العلماء أن المفرد إذا دخل مكة قبل يوم عرفة يشرع له طواف القدوم، وإنما اختلفوا في حكم ذلك على قولين:
القول الأول: أن طواف القدوم سنة، وليس بواجب، فلا يترتب على تركه دم، ولا إثم. وإلى هذا ذهب: أبو حنيفة، والشافعي، وأحمد، وبه قال الثوري، وابن المنذر، ورواية عن مالك.
القول الثاني: أنه واجب، يجب بتركه دم. إلا إن تركه تداركا لإدراك الوقوف بعرفة. وإلى هذا ذهب: مالك، ورواية عن أحمد، وبه قال أبو ثور.
الأدلة:
1 -
استدل أصحاب القول الأول بما يلي:
بقوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (1).
وجه الاستدلال منها: أن أمر الله بالطواف، والأمر المطلق لا يقتضي التكرار (2).
(1) سورة الحج الآية 29
(2)
الهداية وشرح فتح القدير 2/ 457.
وقالوا: إن المراد بالطواف في الآية طواف الإفاضة، وسياق الآية دال عليه، لأن هذا الطواف جاء في معرض التحلل وقضاء المناسك، من حلق - ونحوه مما فيه إزالة التفث - ونحر، وطواف. وهي التي يحصل بها التحلل. فصدر الآية تعالى:{ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (1).
وقالوا: إن طواف القدوم لا يجب على أهل مكة بالإجماع، ولو كان ركنا لوجب عليهم، لأن الأركان لا تختلف بين أهل مكة وغيرهم، كطواف الزيارة (2).
وقالوا: أجمع أهل التفسير أن المراد بالطواف في الآية طواف الإفاضة (3). قال القرطبي: (الطواف المذكور في هذه الآية هو طواف الإفاضة، الذي هو من واجبات الحج. قال الطبري: لا خلاف بين المتأولين في ذلك)(4).
2 -
واستدل أصحاب القول الثاني بما يلي:
أ - بقوله تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} (5) وقال في سياق
(1) سورة الحج الآية 29
(2)
انظر: بدائع الصنائع 2/ 146، بداية المجتهد 1/ 344.
(3)
بدائع الصنائع 2/ 146.
(4)
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 12/ 50.
(5)
سورة الحج الآية 27
الآية: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (1).
وجه استدلالهم منها:
أن الله عز وجل لم يفترض على الحاج إلا طوافا واحدا ولم يحدد وقته، لأن الواو لا تقتضي الترتيب، وطواف القدوم يجزئ عن طواف الإفاضة، كما أن طواف الإفاضة يجزئ عن طواف القدوم، فدل ذلك على أن طواف القدوم واجب (2).
ب - بقوله صلى الله عليه وسلم: «من أتى البيت فليحيه بالطواف (3)» .
وجه الاستدلال منه:
أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من أتى البيت بالطواف، والأمر للوجوب، فدل ذلك على وجوب طواف القدوم.
ج - بفعله صلى الله عليه وسلم وأنه طاف للقدوم، مع قوله صلى الله عليه وسلم:«خذوا عني مناسككم (4)» .
وجه الاستدلال منه:
أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف للقدوم حين دخل مكة، وقد قال:«خذوا عني مناسككم (5)» فدل ذلك على أن طواف القدوم من
(1) سورة الحج الآية 29
(2)
انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 12/ 52، بداية المجتهد 1/ 343.
(3)
أورده المرغيناني في الهداية 2/ 457. وقال في شرح فتح القدير: هذا غريب جدا، ولو ثبت كان الجواب بأن هناك قرينة تصرف الأمر عن الوجوب، وهو التحية، فإن مفهومها التبرع. ا. هـ بتصرف.
(4)
سنن النسائي مناسك الحج (3062).
(5)
سنن النسائي مناسك الحج (3062).