الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر أهل العلم عن فرد من أفراد الجاهلية الذين وقع التحدي لهم بالقرآن أنه بلغ فهمه إلى بعض هذا فضلا عن كله) (1).
قلت: ويمكن الجواب على هذا الإشكال بأن الرمز والإشارة لا يلزم منه فهم الناس له، فقد لا يفهمه إلا القليل ولا يدركه إلا النادر من الرجال، فقد فهم أبو بكر رضي الله عنه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يفهمه غيره، حين قال عليه الصلاة والسلام:«إن عبدا خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده فاختار ما عنده، فقال أبو بكر: فديناك يا رسول الله بآبائنا وأمهاتنا قال: فعجبنا (2)» . وفهم ابن عباس وغيره إشارات في بعض الآيات لم يفهمها غيره، فإذا كان الأمر كذلك فلا عجب أن يكون في هذه الفواتح من الرموز ما لا يفهمه إلا القليل.
ولا يلزم من فهم أحد لمعنى من المعاني أن ينقل ذلك عنه تلكم الأحرف السبعة بلغت أحاديثها حد التواتر ولا يعرف أحدنا الآن معناها يقينا فهل يصح لأحدنا أن يقول: إن الأحرف السبعة لا معنى لها لأن أهل العلم لم يعرفوا معناها.
(1) فتح القدير: الشوكاني، ج1، ص 30.
(2)
رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح، ج 5 ص 609.
القول بأنها للتحدي والإعجاز لا يعتبر تفسيرا:
وذلك أن القائلين بأن الأحرف المقطعة للتحدي والإعجاز قالوا: إنها مجرد رمز لذلك، ولا يعني هذا الخوض في معناها أو القول بتفسيرها، أو أن هذا هو المراد بها، بل يقولون: إن
الأحرف أسماء لمسمياتها الحروف المبسوطة من غير تعرض لمعناها بتفسير، بل صرح بعضهم بالتفويض.
وهذا ابن كثير رحمه الله تعالى ينقل عن بعضهم كلاما جامعا في معنى هذه الأحرف وفي الحكمة من إيرادها ويصرح بالفرق بين المعنى والحكمة فقال: (ومن هنا لخص بعضهم في هذا المقام كلاما فقال: لا شك أن هذه الحروف لم ينزلها سبحانه وتعالى عبثا ولا سدى، ومن قال من الجهلة: إن في القرآن ما هو تعبد لا معنى له بالكلية، فقد أخطأ خطأ كبيرا، فتعين أن لها معنى في نفس الأمر فإن صح لنا فيها عن المعصوم شيء قلنا به، وإلا وقفنا حيث وقفنا وقلنا: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} (1) ولم يجمع العلماء فيها على شيء معين، وإنما اختلفوا فمن ظهر له بعض الأقوال بدليل فعليه اتباعه، وإلا فالوقف حتى يتبين، هذا مقام. المقام الآخر: في الحكمة التي اقتضت إيراد هذه الحروف في أوائل السور ما هي مع قطع النظر عن معانيها في أنفسها؟) (2) ثم عد الأقوال في الحكمة ومن ضمنها القول بأنها للتحدي والإعجاز.
وابن عاشور اعتبر هذا القول معنى كنائيا لا معنى صريحا حيث قال: (لأن لها دلالة تعريضية كنائية، إذ المقصود إظهار عجزهم أو نحو ذلك فهي تطابق مقتضى الحال مع ما يعقبها من
(1) سورة آل عمران الآية 7
(2)
تفسير ابن كثير: ج1 ص 37.
الكلام، ولا يشترط في دلالة الكلام على معنى كنائي أن يكون له معنى صريح. . . إلخ) (1).
وصرح السيد رشيد رضا بأن هذا القول مجرد إشارة إلى الحكمة فقال: (اقتصر على جعل حكمتها الإشارة إلى إعجاز القرآن بعض المحققين من علماء اللغة وفنونها. . . إلخ)(2).
وقال أيضا: (. . . إن عدم إعرابها - يقصد الأحرف المقطعة - يرجح أن حكمة افتتاح بعض السور المخصوصة بها للتنبيه لما يأتي بعدها مباشرة من وصف القرآن، والإشارة إلى إعجازه)(3).
ومن القائلين بهذا الرأي الشيخ محمود شلتوت مع تفويضه العلم بمعناها وتحذيره من الخوض فيما لا سبيل إلى علمه حيث يقول: (ولعل من الخير للناس بعد الذي قررناه في هذا المقام أن يوفروا على أنفسهم عناء البحث في معاني هذه الحروف، وأسرار ترتيبها، واختيارها على هذا النحو، وأن يكفوا عن الخوض فيما لا سبيل إلى علمه، ولم يكلفهم الله به، ولم يربط شيئا من أحكامه أو تكاليفه، وحسبهم أن يعرفوا أن الإتيان بهذه الفواتح. . . .)(4) ثم ذكر القول إنها للتحدي والإعجاز.
(1) التحرير والتنوير: ابن عاشور، ج1 ص 204.
(2)
تفسير المنار: محمد رشيد رضا، ج1 ص 122.
(3)
تفسير المنار: محمد رشيد رضا، ج1 ص 122.
(4)
تفسير القرآن الكريم: محمود شلتوت، ص 61 - وقد سبق نقل بقية النص عنه بما يغني عن إيراده هنا.