الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 -
أن الخارج من مكة مفارق للبيت، ويستوي في ذلك القريب والبعيد. (والله أعلم).
فرع: المرأة الحائض:
إذا حاضت المرأة قبل أن تطوف للوداع هل يلزمها أن تقيم بمكة إلى أن تطهر ثم تطوف للوداع أم لا يلزمها ذلك؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: أن المرأة إذا حاضت قبل أن تطوف للوداع، لا يلزمها أن تقيم لتودع، بل لها أن تخرج، ولا وداع عليها، ولا فدية. وإلى هذا ذهب عامة الفقهاء، من الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار. .
القول الثاني: أنه يلزمها أن تقيم بمكة إلى أن تطهر، ثم تطوف للوداع. وإلى هذا ذهب عمر بن الخطاب، وابن عمر، وزيد بن ثابت رضي الله عنهم (1). .
(1) انظر: المغني 5/ 341
الأدلة:
1 -
استدل أصحاب القول الأول بما يلي:
1 -
بحديث عائشة رضي الله عنها: «أن صفية بنت حيي رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم حاضت، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " أحابستنا هي؟ " قالوا: إنها قد أفاضت. قال: " فلا إذا ". وفي رواية: " فلتنفر (1)» . .
وجه الاستدلال منه:
قول النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن علم أن صفية قد أفاضت: " فلا إذا " وقوله: " فلتنفر " دليل على أن المرأة الحائض لا تحبس لطواف الوداع كما تحبس لطواف الإفاضة، وأن لها أن تنفر من مكة من غير وداع، ولا شيء عليها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوجب عليها شيئا.
2 -
وبحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن المرأة الحائض).
وجه الاستدلال منه:
إخبار ابن عباس رضي الله عنهما بأن الناس أمروا بطواف الوداع إلا أنه خفف عن المرأة الحائض، دليل على أن المرأة الحائض ليست مأمورة كغيرها بطواف الوداع، وأن لها أن تنفر، ولا شيء عليها.
(1) صحيح مسلم بشرح النووي، في الحج، باب وجوب طواف الوداع 9/ 81، 82
2 -
واستدل أصحاب القول الثاني بما يلي:
1 -
بحديث الحارث بن عبد الله بن أوس الثقفي قال: سألت عمر بن الخطاب عن المرأة تطوف بالبيت ثم تحيض؟ قال: (ليكن آخر عهدها الطواف بالبيت). فقال الحارث: (كذلك أفتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: عمر رضي الله عنه: (أربت. عن يديك، سألتني عن شيء سألت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لكيما أخالف).
وجه الاستدلال منه:
إخبار الحارث رضي الله عنه بأن الرسول صلى الله عليه وسلم أفتاه بما أفتاه به عمر رضي الله عنه بأن على الحائض أن يكون آخر عهدها بالبيت، دليل على وجوب طواف الوداع على المرأة الحائض.
2 -
وبحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال كان الناس ينصرفون في كل وجه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت (1)» .
وجه الاستدلال منه:
أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن ينفر أحد حتى يطوف طواف الوداع، فدل ذلك على وجوبه على كل أحد حتى على المرأة الحائض.
3 -
«وبفعله صلى الله عليه وسلم وأنه طاف للوداع قبل خروجه (2)» ، وقد قال عليه الصلاة والسلام:«خذوا عني مناسككم (3)» . .
وجه الاستدلال منه:
أمره صلى الله عليه وسلم الحجاج بأن يفعلوا في مناسكهم كفعله، وقد طاف صلى الله عليه وسلم للوداع، فدل ذلك على وجوبه على جميع الحجاج ومنهم الحائض.
3 -
وبأثر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (لا يصدرن أحد من الحاج حتى يطوف بالبيت، فإن آخر النسك الطواف
(1) أخرجه مسلم في الحج، باب وجوب طواف الوداع 9/ 78.
(2)
أخرجه البخاري في الحج باب قوله تعالى: (الحج أشهر معلومات)(33) 2/ 150، ومسلم في الحج باب بيان وجوه الإحرام 8/ 149 من حديث عائشة رضي الله عنها وفيه (فأذن في أصحابه بالرحيل فخرج فمر بالبيت، فطاف به قبل صلاة الصبح، ثم خرج إلى المدينة) وهذا لفظ مسلم
(3)
جزء من حديث أخرجه مسلم في الحج، باب استحباب رمي جمرة العقبة 9/ 44
بالبيت). .
الرأي المختار:
الذي أختاره هو ما ذهب إليه جمهور العلماء: أن طواف الوداع لا يلزم المرأة الحائض، وأن لها أن تنفر، ولا شيء عليها. وذلك لما يلي:
1 -
أن قصة صفية رضي الله عنها، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم لها أن تنفر، دليل صريح صحيح، أن المرأة الحائض لا يلزمها أن تقيم لتطوف للوداع.
2 -
أن ما روي عن زيد بن ثابت، وابن عمر رضي الله عنهم قد ثبت عنهما الرجوع عنه، فقد أخرج مسلم في صحيحه بسنده عن طاوس قال:(كنت مع ابن عباس إذ قال زيد بن ثابت: تفتي أن تصدر الحائض قبل أن يكون آخر عهدها بالبيت). فقال له ابن عباس: (إما لا فسل فلانة الأنصارية، هل أمرها بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟) فرجع زيد بن ثابت إلى ابن عباس يضحك، وهو يقول: ما أراك إلا قد صدقت) (1). .
(1) أخرجه مسلم في الحج، باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض 9/ 79
وأخرج البخاري بسنده عن طاوس - أيضا - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (رخص للحائض أن تنفر إذا أفاضت) قال: وسمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول: (لا تنفر)، ثم سمعته يقول بعد:(أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لهن).
فهذا دليل على أنهما كانا يفتيان بذلك؛ لعدم علمهما بالرخصة للحائض، فلما علما بها رجعا عن قولهما، وكذلك رجع عمر رضي الله عنه عن قوله، فقد أخرج ابن حزم من طريق عبد الرزاق عن نافع قال: رد عمر بن الخطاب نساء من ثنية هرشى. كن أفضن يوم النحر، ثم حضن، فنفرن فردهن حتى يطهرن ويطفن بالبيت، ثم بلغ
عمر بعد ذلك حديث غير ما صنع فترك صنعه الأول (1). (والله أعلم).
2 -
أن حديث الحارث الثقفي رضي الله عنه إنما كان في أول الأمر، ثم رخص وخفف عن المرأة الحائض، وأذن لها بأن تنفر إن هي طافت للزيارة، كما أخبر بذلك ابن عباس رضي الله عنهما، ولم يعلم عمر رضي الله عنه ومن وافقه برخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقاموا على ما معهم من علم، ولو علموا بالرخصة لرجعوا عن قولهم كما رجع غيرهم - وقد تبين أنهم رجعوا -.
قال الطحاوي رحمه الله بعد أن أورد الآثار الدالة على الرخصة للحائض بترك طواف الوداع: (فهذه الآثار قد ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الحائض لها أن تنفر قبل أن تطوف طواف الصدر إذا كانت قد طافت طواف الزيارة قبل ذلك طاهرا.
ورجع قوم إلى ذلك من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن كان قد قال بخلافه، فثبت بذلك نسخ هذه الآثار، لحديث الحارث بن أوس، وما كان ذهب إليه عمر من ذلك) (2).
وذهب آخرون إلى أن حديث الحارث الثقفي، وإن كان ظاهره: أن النبي صلى الله عليه وسلم أفتاه بأن على الحائض أن يكون آخر عهدها بالبيت. فليس ذلك مرادا، بل مراده رضي الله عنه
(1) المحلى 7/ 171، 172
(2)
شرح معاني الآثار 2/ 235