الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالبيت فور قدومها؛ لكونها كانت حائضا، ولا أمرها النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.
5 -
أن طواف القدوم تحية للمسجد الحرام، فإذا طاف الداخل للفرض طواف الإفاضة أسقط طواف القدوم، كتحية المسجد تسقط بصلاة الداخل للفريضة.
6 -
الاتفاق على أن المعتمر لا يطوف للقدوم، بل يسقط بطواف العمرة، ودخوله فيه.
فكذلك المتمتع يسقط طواف القدوم عنه، ويجزئ عنه طوافه للعمرة ابتداء. وليس الذهاب للمشاعر مما يشرع للقادم منها طواف القدوم، للاتفاق على أن المفرد والقارن إذا طافا للقدوم قبل يوم عرفة لا يشرع لهما طواف القدوم مع طواف الزيارة. (والله أعلم).
المطلب الثالث: طواف القارن:
سبقت الإشارة في المطلب الثاني إلى مسألتين هما:
المسألة الأولى: حكم طواف القدوم للمفرد إذا دخل مكة قبل يوم عرفة
. فهل القارن مثل المفرد في هذه المسألة أم يختلف عنه؟ والنظر في هذه المسألة للقارن يدفع إلى النظر في أصل المسألة وهي: هل أفعال القارن مثل أفعال المفرد؟ وهل تدخل أفعال العمرة في أفعال الحج؟ أم أن أفعال القارن تختلف عن المفرد، وأن القارن تلزمه أفعال العمرة وأفعال الحج معا؟
هذا ما سأتطرق إليه لمعرفة ماذا يلزم القارن من طواف؟
أما المسألة الثانية: وهي هل يشرع طواف القدوم لمن لم يدخل مكة إلا بعد الوقوف بعرفة أم لا؟ فإنها تشمل القارن والمفرد على حد سواء، كما سبق التنبيه إليه.
مسألة: ماذا يلزم القارن من طواف؟
اختلف العلماء فيما يلزم القارن من طواف على قولين:
القول الأول: لا يلزم القارن بين الحج والعمرة إلا ما يلزم المفرد، وأنه يجزئه طواف واحد، وسعي واحد، لحجه وعمرته.
وإلى هذا ذهب: مالك، والشافعي، وأحمد - من أصحاب المذاهب - وبه قال: ابن عمر، وجابر بن عبد الله، وعائشة رضي الله عنهم وعطاء، وطاوس، ومجاهد، والحسن البصري، وأبو ثور، وإسحاق، وداود، وابن المنذر وابن حزم رحمهم الله.
القول الثاني: يلزم القارن طوافان وسعيان، طواف وسعي للعمرة، وطواف وسعي للحج، وإلى هذا ذهب أبو حنيفة وأحمد في رواية. وبه قال: مجاهد، والشعبي، والنخعي، وجابر بن زيد، وعبد الرحمن بن الأسود، والثوري، وحماد بن
أبي سليمان، والأوزاعي، وابن أبي ليلى، والحكم بن عتبة، وشريح القاضي، ومحمد بن علي بن الحسين، والأسود بن يزيد، والحسن بن صالح رحمهم الله وروي هذا عن علي، وابن مسعود رضي الله عنهما.
الأدلة:
1 -
استدل أصحاب القول الأول بما يلي:
1 -
بحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها - وقد قرنت بين الحج والعمرة -: «يسعك طوافك لحجك وعمرتك (1)» . .
2 -
وبحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحرم بالحج والعمرة، أجزأه طواف واحد، وسعي واحد منهما جميعا (2)» .
(1) أخرجه مسلم في صحيحه، وقد تقدم
(2)
أخرجه الترمذي في الحج، باب ما جاء أن القارن يطوف طوافا واحدا 2/ 212 (955)، وقال: حديث حسن غريب صحيح .. وقد رواه غير واحد عن عبيد الله بن عمر ولم يرفعوه، وهو أصح. وأخرجه البيهقي 5/ 107. قال النووي شرح المهذب 8/ 62:(ورواه البيهقي بإسناد صحيح مرفوعا).
وجه الاستدلال منهما:
أن إخبار النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها بأن طوافها للإفاضة يكفيها لحجها وعمرتها، وأن من أحرم بالحج والعمرة أجزأه طواف وسعي واحد منهما جميعا، دليل على أن القارن لا يلزمه إلا طواف واحد وسعي واحد لحجه وعمرته. وهو نص صريح في المراد.
3 -
وبحديث جابر رضي الله عنه في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دخلت العمرة في الحج (1)» .
وجه الاستدلال منه:
أن إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بدخول العمرة في الحج، أي: تداخل أفعالهما، واتحادهما، فيطوف لهما طوافا واحدا، ويسعى لهما سعيا واحدا، كما لا يحرم لهما إلا إحراما واحدا (2). .
4 -
وبحديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (. . . وأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة طافوا طوافا واحدا)(3).
5 -
وبحديث جابر رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرن
(1) أخرجه مسلم في الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم 8/ 179.
(2)
انظر: سنن البيهقي 5/ 107
(3)
أخرجه البخاري في الحج، باب طواف القارن (77) 2/ 168.
الحج والعمرة، فطاف لهما طوافا واحدا (1)».
6 -
وبحديث ابن عباس رضي الله عنهما: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف طوافا واحدا لحجه وعمرته (2)» . .
وجه الاستدلال منها:
أن هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم أخبروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن كان مثله ممن جمع بين الحج والعمرة إنما طافوا طوافا واحدا لحجهم وعمرتهم، فدل ذلك على أن القارن لا يلزمه إلا طواف واحد لحجه وعمرته.
7 -
وبأثر ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقول: (من جمع بين الحج والعمرة، كفاه طواف واحد، ولم يحل حتى يحل منهما جميعا)(3).
8 -
وقالوا: (إنه يدخل فيهما بتلبية واحدة، ويخرج منهما بحلاق واحد، فوجب أن يطوف لهما طوافا واحدا، ويسعى لهما سعيا واحدا كالمفرد بالحج)(4).
(1) أخرجه الترمذي في الحج، باب ما جاء أن القارن يطوف طوافا واحدا 2/ 212 (954) وقال: حديث حسن.
(2)
أخرجه الدارقطني 2/ 262 وقال صاحب (التنقيح) إسناده صحيح. انظر: نصب الراية 3/ 109، التعليق المغني على الدارقطني
(3)
أخرجه مسلم في الحج، باب جواز التحلل بالإحصار وجواز القران 8/ 214.
(4)
انظر: المغني 5/ 348 المهذب مع المجموع 8/ 263.
9 -
وقالوا: (إن العمرة والحج عبادتان من جنس واحد، فإذا اجتمعتا دخلت أفعال الصغرى في الكبرى، كالطهارتين)(1). .
واستدل الفريق الثاني بما يلي:
1 -
بقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (2) وجه الاستدلال منها:
أن إتمامها أن يأتي بأفعالهما على الكمال، ولم يفرق بين قارن وغيره، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه:(إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك)(3). .
2 -
وبحديث إبراهيم بن محمد بن الحنفية قال: (طفت مع أبي، وقد جمع الحج والعمرة، فطاف لهما طوافين، وسعى لهما سعيين. وحدثني أن عليا رضي الله عنه فعل ذلك، وحدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك).
3 -
وبحديث عمران بن حصين رضي الله عنه: «أن النبي
(1) انظر: المغني 5/ 348
(2)
سورة البقرة الآية 196
(3)
انظر: المغني 3/ 347، شرح فتح القدير 2/ 525
صلى الله عليه وسلم طاف طوافين وسعى سعيين (1)».
4 -
وبحديث الصبي بن معبد، وأنه لما طاف طوافين، وسعى سعيين، قال له عمر رضي الله عنه:(هديت لسنة نبيك).
وجه الاستدلال منها:
إخبار عمر، وعلي، وعمران رضي الله عنهم «بأن
(1) أخرجه الدارقطني 2/ 264 وقال: (قال الشيخ أبو الحسن: يقال: إن محمد بن يحيى الأزدي حدث بهذا من حفظه، فوهم في متنه، والصواب بهذا الإسناد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قرن الحج والعمرة، وليس فيه ذكر الطواف ولا السعي، وقد حدث به محمد بن يحيى الأزدي على الصواب مرارا، ويقال: إنه رجع عن ذكر الطواف والسعي إلى الصواب والله أعلم).
النبي صلى الله عليه وسلم طاف طوافين وسعى سعيين - وقد كان قارنا (1)». فدل ذلك على أن القارن يلزمه طوافان وسعيان لحجه وعمرته.
5 -
بأثر علي رضي الله عنه أنه قال: (إذا أهللت بالحج والعمرة فطف لهما طوافين واسع لهما سعيين بالصفا والمروة).
6 -
وبأثر علي، وابن مسعود رضي الله عنهما أنهما قالا في (القارن):(يطوف طوافين ويسعى سعيين). .
(1) القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم حج قارنا، هو ما تؤكده الأدلة، وأثبته العلماء المحققون، وليس هذا مجال ذكره وإثباته فانظر: شرح السنة للبغوي 7/ 71، نصب الراية 3/ 99، وغيرهما
7 -
قالوا: إن القران ضم عبادة إلى عبادة، وذلك إنما يتحقق بأداء عمل كل واحدة على الكمال؛ لأنه لا تداخل في العبادات.
مناقشة أدلة القول الثاني:
1 -
من الكتاب:
ليس في الآية ما يصلح أن يكون دليلا على أن القارن يأتي بأفعال الحج والعمرة على الكمال، والأثر دليل على ذلك؛ لأن المراد بالإتمام في الآية: إما أداؤهما والإتيان بهما، كقوله تعالى:{فَأَتَمَّهُنَّ} (1). وقوله سبحانه: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} (2). أي: ائتوا بالصيام. وإما أن المراد بها: تمامهما بعد الشروع فيهما؛ لأن من أحرم بنسك وجب عليه المضي فيه ولا يفسخه (3).
وليس في الأثر ما يدل على أنه يفرد عمل كل واحد من النسكين إذا قرن بينهما، بل غايته أن يدل على أن النسكين يمكن جمعهما بسفر واحد، فتحرم بهما من دويرة أهلك. وهذا لا خلاف فيه. .
(1) سورة البقرة الآية 124
(2)
سورة البقرة الآية 187
(3)
انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 2/ 365.
2 -
من السنة:
قد أشرت على كل واحد منها في التعليق عليه بما يغني عن إعادته، وجملة القول فيها: أنها لا تخلو من مقال في سندها أو في متنها، أو فيهما معا. ولو قيل: بتعاضدها وارتقائها إلى درجة الاحتجاج.، فإنها لا تقوى على معارضة الأدلة الصحيحة الصريحة التي استدل بها أصحاب القول الأول، وقد تعين في هذه المسألة عند التعارض الترجيح، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يحج إلا مرة واحدة.
3 -
من الآثار:
قد أشرت عند الاستدلال بها إلى اختلاف العلماء فيها صحة وضعفا، وذكرت قول ابن المنذر رحمه الله:(لا يثبت عن علي خلاف قول عمر). وأزيد هنا قول سلمة بن كهيل: (حلف طاوس ما طاف أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لحجه وعمرته إلا طوافا واحدا).
قال الحافظ ابن حجر: (وفيه بيان ضعف ما روي عن علي، وابن مسعود من ذلك)(1) وعلى التسليم بصحتها فإنها لا تكون معارضة للسنة الصحيحة الصريحة في أن القارن يسعه طواف واحد لحجه وعمرته. .
الرأي المختار:
الذي أختاره هو ما ذهب إليه جمهور العلماء من أن القارن بين الحج والعمرة إنما يلزمه طواف واحد، وسعي واحد لحجه وعمرته. وذلك لما يلي:
1 -
قوة أدلة الجمهور بكثرة طرقها وتعدد رواتها، وصحتها، وصراحتها في الموضوع، فهي نص في المسألة.
2 -
ضعف أدلة أصحاب القول الثاني، إذ لا تقوى على معارضة أدلة أصحاب القول الأول.
3 -
تعارض الأدلة في هذه المسألة يقتضي الترجيح بينها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحج إلا مرة واحدة والله أعلم.
(1) فتح الباري 3/ 495.
مسألة: هل يشرع للقارن طواف القدوم أم لا؟
تبين لنا من المسألة السابقة (1). أن العلماء اختلفوا فيما يلزم
(1) انظر: مسألة ما يلزم القارن من طواف
القارن من الطواف، على قولين:
القول الأول: لا يلزمه إلا طواف واحد كالمفرد. وعلى هذا القول، فإن القارن يشرع له طواف القدوم كالمفرد، وقد سبق تفصيل القول في حكم طواف القدوم للمفرد. .
القول الثاني: يلزمه طوافان، طواف لعمرته، وآخر لحجه. وإلى هذا ذهب الأحناف. وعلى هذا القول، فإن الطواف الذي يبتدئ به القارن حين دخوله مكة إنما هو طواف العمرة. فهل يشرع للقارن بعد هذا الطواف، طواف آخر للقدوم أم لا؟ ذهب الأحناف إلى أنه يشرع للقارن بعد الفراغ من طواف العمرة وسعيها، أن يطوف طوافا آخر للقدوم، وأن يسعى بعده للحج.
قال صاحب البداية: (فإذا دخل مكة ابتدأ فطاف بالبيت سبعة أشواط يرمل في الثلاث الأول منها، ويسعى بعد بين الصفا والمروة، وهذه أفعال العمرة، ثم يبدأ بأفعال الحج فيطوف طواف القدوم سبعة أشواط ويسعى بعده كما بينا في المفرد)(1).
ويصح كذلك أن يطوف للقدوم قبل الفراغ من مناسك العمرة، بأن يطوف طوافين متواليين دون أن يفصل بينهما بسعي
(1) بداية المبتدي مع شرحها الهداية مع شرح فتح القدير 2/ 525
العمرة، قال الكاساني:(ولو طاف القارن طوافين متواليين، وسعى سعيين متواليين أجزأه، وقد أساء، أما الجواز فلأنه أتى بوظيفة من الطوافين والسعيين. وأما الإساءة، فلتركه السنة، وهي تقديم أفعال الحج على أفعال العمرة)(1).، ويرى الأحناف أن تقديم القارن لطواف القدوم على طواف العمرة، لغو لا يصح، فلو نوى بطوافه للقدوم وقع عن العمرة.
يقول الكاساني: (ولو طاف أولا لحجته وسعى لها، ثم طاف لعمرته وسعى لها، فنيته لغو، وطوافه الأول وسعيه يكونان للعمرة)(2).
وفي النفس من تسمية الطواف الثاني بعد طواف العمرة، طواف القدوم شيء؛ لأن تسميته طواف القدوم مأخوذ من كونه أول أفعال القادم، والاتفاق على أن الداخل إلى مكة بالعمرة يبدأ بأفعالها (3)، فلو قيل: بسقوط طواف القدوم عن القارن، ووجوب تأخير سعي الحج كالمتمتع، لكان أقيس. والله أعلم.
(1) بدائع الصنائع 2/ 150، وانظر: المبسوط 4/ 37
(2)
بدائع الصنائع 2/ 150، وانظر: المبسوط 4/ 37.
(3)
وقد سبق تقرير ذلك في مطلب طواف القدوم للمعتمر.