الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 -
سقوطه عن المقيم، والحائض لا يستلزم أن يكون غير نسك؛ لأن طواف القدوم يسقط عن الحائض، ولا يلزم المقيم، وهو كما قال ابن جماعة:(من المناسك بلا شك)(1). .
3 -
لا يشكل على هذا حديث العلاء، وإخبار النبي صلى الله عليه وسلم بأن الحاج قد قضى مناسكه قبل طواف الوداع؛ لأن المراد - والله أعلم - قضى أغلبها وأكثرها، أو يكون المراد: قضى المناسك المؤقتة كالوقوف، والمبيت، والرمي.
(1) هداية السالك 1232
المطلب الثاني: وقت طواف الوداع، وما يلزم من خرج ولم يودع
؟
سأتناول دراسة هذا المطلب في مسألتين:
المسألة الأولى: وقت طواف الوداع
.
المسألة الثانية: ماذا يلزم من خرج ولم يودع؟
مسألة: وقت طواف الوداع:
إذا أراد أحد الخروج من مكة طاف للوداع، ليكون آخر عهده من تلك المناسك والأماكن بالبيت، كما يودع المسافر إخوانه وأهله إذا أراد مفارقتهم، لقوله صلى الله عليه وسلم «لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت (1)» . .
وإن قضى حاجة في طريقه، أو اشترى زادا أو شيئا لنفسه
(1) أخرجه مسلم في الحج، باب وجوب طواف الوداع 9/ 78
في طريقه، لم يعده؛ لأن ذلك ليس بإقامة تخرج طوافه عن أن يكون آخر عهده بالبيت (1).
وكذا إن اشتغل بأسباب الخروج كحزم الأمتعة، وإعداد الرواحل. .
أما إن اشتغل بعده بغير أسباب الخروج كتجارة، أو إقامة، فهل عليه إعادة الطواف مرة أخرى؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: أن عليه الإعادة. وإلى هذا ذهب مالك، والشافعي، وأحمد، وبه قال عطاء، والثوري، وأبو ثور، وأبو يوسف، والحسن، وابن حزم. .
(1) قال الموفق في المغني 5/ 339: (وبهذا قال مالك، والشافعي، ولا نعلم مخالفا لهما).
القول الثاني: إذا طاف للوداع، أو طاف تطوعا بعد طواف الزيارة، أجزأه عن طواف الوداع، وإن أقام شهرا أو أكثر. وإلى هذا ذهب أبو حنيفة. وأشهب من المالكية.
الأدلة:
أ - استدل أصحاب القول الأول بما يلي:
1 -
بحديث ابن عباس رضي الله عنهما: أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت. .
2 -
وبحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت (1)» . .
وجه الاستدلال منهما:
أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يكون آخر العهد الطواف بالبيت، فمن أقام بعد طوافه لم يكن آخر عهده الطواف بالبيت، فدل ذلك على أنه يلزمه إعادة الطواف مرة أخرى.
3 -
وقالوا: إذا أقام بعد الطواف، خرج أن يكون طوافه وداعا، فلم يجزئه، كما لو طاف قبل حل النفر (2).
2 -
واستدل أصحاب القول الثاني بما يلي:
1 -
بالأحاديث السابقة.
وجه استدلالهم منها:
قالوا إن المراد بالحديثين أن يكون آخر عهده بالبيت
(1) أخرجه مسلم في الحج، باب وجوب طواف الوداع 9/ 78
(2)
انظر: المغني 5/ 339.
نسكا، لا إقامة، والطواف آخر مناسكه بالبيت، وإن تشاغل بغيره.
2 -
وبأثر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (لا يصدرن أحد من الحاج، حتى يطوف بالبيت، فإن آخر النسك الطواف بالبيت).
وجه الاستدلال منه:
إخبار عمر رضي الله عنه أن الطواف آخر المناسك، دليل على أنه ينبغي أن يكون آخر المناسك، ولو أقام بعده.
الرأي المختار:
الذي أختاره هو ما ذهب إليه جمهور العلماء: أن من أقام بعد طواف الوداع، أو اشتغل بعده بغير أسباب الخروج، فعليه إعادة الطواف مرة أخرى؛ لما يلي:
1 -
أن المراد بالأحاديث أن يكون آخر العهد بالبيت، أي: لمن أراد الخروج من مكة وعدم الإقامة بها، ويدل على ذلك أيضا: قول ابن عباس رضي الله عنهما: (كان الناس ينصرفون في كل وجه)(1). فحمل ذلك على أن المراد أن يكون آخر العهد بالبيت نسكا، فيه بعد ظاهر.
2 -
أن الإقامة بعد الطواف، تخرجه عن أن يكون آخر العهد
(1) أخرجه مسلم في الحج، باب وجوب طواف الوداع 9/ 78
بالبيت، وأن يكون توديعا له؛ لأن الوداع إنما يكون عند إرادة المفارقة. (والله أعلم).
مسألة: ماذا يلزم من خرج ولم يطف للوداع؟
سبقت الإشارة إلى أن على من أراد الخروج من مكة، ألا يخرج منها حتى يكون آخر عهده بالبيت، فإن خرج ولم يطف لجهل أو خطأ أو غير ذلك، فإن زال ذلك السبب فلا يخلو حاله من أحد أمرين:
أ - إما أن يكون قريبا.
ب - إما أن يكون بعيدا.
(أ) فإن كان قريبا: ولم يمنع من رجوعه مانع كفوات رفقة أو مال، فإن عليه أن يعود، ويطوف ثم يخرج، ولا شيء عليه، بلا خلاف بين العلماء، سواء من قال بوجوبه أو باستحبابه.، فقد أخرج مالك عن يحيى بن سعيد: (أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رد رجلا من مر الظهران. - لم يكن ودع
البيت - حتى ودع) (1).، فإن لم يرجع، فعليه دم، على القول بوجوبه؛ لأنه ترك واجبا من واجبات الحج، ويستوي في ذلك العمد والخطأ، والعلم والجهل، والعذر وعدمه.
(ب) أما إن كان بعيدا: فلا يلزمه الرجوع إلى مكة ليطوف، وعليه دم - على القول بوجوبه - لتركه واجبا من واجبات الحج.
فإن رجع، فهل يسقط عنه الدم أم لا؟ اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: أنه يسقط عنه الدم؛ لأن الواجب عليه الطواف، وقد أتى به، فلم يجب عليه بدله كالقريب. وإلى هذا ذهب أبو حنيفة، والشافعية في وجه، وجعله الموفق ابن قدامة احتمالا. .
القول الثاني: أنه لا يسقط عنه الدم؛ لأنه استقر عليه، فلم يسقط برجوعه كمن تجاوز الميقات غير محرم، فأحرم دونه ثم
(1) الموطأ في الحج، باب وداع البيت 1/ 370 (121)
رجع إليه. وإلى هذا ذهب الشافعية في الأصح، وأحمد. .
واختلفوا في حد القرب والبعد على أقوال:
القول الأول: القريب: هو الذي بينه وبين مكة دون مسافة القصر. والبعيد: من بلغ مسافة القصر. وإلى هذا ذهب الشافعي، وأحمد. .
القول الثاني: القريب: ما دون المواقيت، والبعيد: ما جاوز المواقيت. وإلى هذا ذهب أبو حنيفة، ومالك القول الثالث: القريب: من كان في الحرم، والبعيد: من خرج عنه. وإلى هذا ذهب الثوري (1).
الرأي المختار:
سبق أن المختار: وجوب الدم بترك طواف الوداع، والذي أختاره في هذه المسألة هو الرأي الأول: أن من رجع ليطوف للوداع، سقط عنه الدم؛ لأنه أتى بالواجب، فلم يجب عليه
(1) انظر: المغني 5/ 339، وحكي عن عطاء أنه كان يرى الطائف قريبا.