الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكريم الذي تحداكم الله به إنما هو مؤلف من هذه الأحرف التي بها تقرءون وتكتبون، ولها تعرفون وهي: الألف واللام والميم والطاء والسين. . . إلخ، فدونكم إياها إن استطعتم الإتيان بمثله. . .
القول الثاني: أن التكلم بأسماء هذه الحروف لا يعرفه إلا من اشتغل بالتعلم والاستفادة، فلما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عنها من غير سبق تعلم كان ذلك إخبارا عن الغيب؛ فلهذا السبب قدم الله تعالى ذكرها ليكون أول ما يسمع من هذه السور معجزة دالة على صدقه (1).
القول الثالث: أن هذه الأحرف نصف الأحرف الهجائية ونصف كل نوع من صفاتها وغير ذلك، وقد جاءت على هذا النحو قبل وضع هذه المصطلحات ولا يجوز أن يقع هذا إلا ممن يعلم غيب السماوات والأرض، وذلك يجرى مجرى علم الغيب.
القول الرابع: حساب الجمل وما يتركب من هذه الأحرف من رموز وإشارات.
(1) تفسير الرازي، ج2 ص7.
وسأعرض هذه الأقوال بشيء من التفصيل:
القول الأول: أنها للتحدي والإعجاز:
وبسط هذا القول وبيانه أن هذا القرآن حين أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم معجزة يظهر بها على قومه، لم يكتف بالتحدي ثم ينزوي
يرجف فؤاده خشية أن يأتي أحد بمثل ما جاء به، بل برز إليهم مكررا تحديه عدة مرات، ومستثيرا للهمم وموقظا لها، ومسفها لأحلامهم، وساخرا، وناقضا لمعتقداتهم، ومبطلا لمبادئهم وعاداتهم، مما يرفع درجة التحدي إلى أعلاها.
وكرر عليهم التحدي بأساليب مختلفة ودعاهم إلى أن يجتمعوا مع من شاءوا حتى الجن، ويخبر سلفا - لزيادة الإثارة والتحدي - أنهم لن يستطيعوا مع ذلك الإتيان بمثله.
ونجد التحدي في أوائل السور فهو حين يقول: {الم} (1) يقول بعدها: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} (2)، أو يقول:{تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} (3). وحين يقول: {طس} (4) يقول بعدها: {تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ} (5)، أو يقول:{تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} (6).
وهكذا في الآيات الأخرى التالية للأحرف المقطعة نجدها تتحدث عن القرآن الكريم، وكأنما في هذا إشارة إلى أن القرآن الكريم الذي تحداكم الله سبحانه وتعالى به إنما هو مؤلف من هذه الأحرف التي تقرءون بها، وبها تكتبون، وهي الألف واللام
(1) سورة البقرة الآية 1
(2)
سورة البقرة الآية 2
(3)
سورة لقمان الآية 2
(4)
سورة النمل الآية 1
(5)
سورة النمل الآية 1
(6)
سورة القصص الآية 2
والميم، والطاء والسين. . . إلخ، وهي حروف تعقلونها وتعرفونها وتبنون كلامكم منها، فليست مادة هذا القرآن المعجز ببعيدة عن متناولكم، وليست بشيء لا تعرفونه، فدونكم إياها إن استطعتم الإتيان بمثله.
ولا شك أن في إلقائك لخصمك بقوسك وسهمك متحديا له أن يفعل مثل ما فعلت إثارة وأي إثارة وتحديا عظيما.
ومما يشهد لهذا الرأي ويقويه أن هذه الأحرف قد استهلت بها السور المكية إلا سورتي البقرة وآل عمران، حتى جعلوا ذلك من ضوابط السور المكية، ومعلوم أن التحدي بالقرآن وجه أصلا للخصوم المعاندين، وهم أهل مكة فصلة هذه الأحرف بالإعجاز والتحدي هنا ظاهرة (1).
وعلى هذا القول فإن هذه الفواتح أسماء لمسمياتها وهي الحروف المذكورة، بمعنى أن (ألف) اسم لهذا الحرف (ا) ولام اسم لهذا الحرف (ل) وميم اسم لهذا الحرف (م) وهكذا، والمراد بذلك ما ذكرناه وهو التحدي والإعجاز.
وقد ذهب إلى هذا القول أئمة وعلماء كبار منهم ابن تيمية رحمه الله تعالى الذي قال عن هذه الأحرف: (وأما الحروف التي ينطق بها مفردة مثل: ألف لام ميم ونحو ذلك فهذه في الحقيقة أسماء الحروف)(2).
(1) انظر كتابي خصائص القرآن الكريم، ص 212، 213.
(2)
مجموع فتاوى ابن تيمية: جمع عبد الرحمن بن قاسم، ج 12 ص 448.
وقال الرازي: (اعلم أن الألفاظ التي يتهجى بها أسماء مسمياتها الحروف المبسوطة)(1) وذكر القول العاشر في المراد بالأحرف المقطعة: العاشر: ما قاله المبرد واختاره جمع عظيم من المحققين - إن الله تعالى إنما ذكرها احتجاجا على الكفار، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما تحداهم أن يأتوا بمثل هذا القرآن، أو بعشر سور، أو بسورة واحدة فعجزوا عنه؛ أنزلت هذه الحروف تنبيها على أن القرآن ليس إلا من هذه الحروف وأنتم قادرون عليها، وعارفون بقوانين الفصاحة، فكان يجب أن تأتوا بمثل هذا القرآن، فلما عجزتم عنه دل ذلك على أنه من عند الله لا من البشر (2).
ونقل الأنباري عن الفراء قوله: {طه} (3) بمنزلة ألم ابتدأ الله عز وجل بها مكتفيا بها من جميع حروف المعجم؛ ليدل العرب إلى أنه أنزل القرآن على نبيه باللغة التي يعلمونها، والألفاظ التي يعقلونها كي لا تكون لهم على الله حجة) (4).
ونقل الزجاج عن قطرب قوله: إن {الم} (5) و {المص} (6) و {المر} (7) و {كهيعص} (8) و {ق} (9) و {يس} (10) و {ن} (11) حروف المعجم ذكرت لتدل على أن
(1) تفسير الرازي، ج2 ص 2.
(2)
تفسير الرازي، ج 2 ص 6.
(3)
سورة طه الآية 1
(4)
الأضداد: د. محمد بن القاسم الأنباري، ص 404، 405.
(5)
سورة البقرة الآية 1
(6)
سورة الأعراف الآية 1
(7)
سورة الرعد الآية 1
(8)
سورة مريم الآية 1
(9)
سورة ق الآية 1
(10)
سورة يس الآية 1
(11)
سورة القلم الآية 1
هذا القرآن مؤلف من هذه الحروف المقطعة التي هي حروف أ، ب، ت، ث، فجاء بعضها مقطعا، وجاء تمامها مؤلفا ليدل القوم الذين نزل عليهم القرآن أنه بحروفهم التي يعقلونها لا ريب فيه).
ونقل أبو الليث السمرقندي عن بعضهم - ولم يسمه -: (أن المشركين كانوا يقولون: لا نفقه هذا القرآن، لأنهم قالوا: {قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ} (1) فأراد أن يبين لهم أن القرآن مركب على الحروف التي ركبت عليها ألسنتكم، يعني هو على لغتكم، وما لكم لا تفقهون؟ وإنما أراد بذكر الحروف: تمام الحروف، كما أن الرجل يقول: علمت ولدي: أ، ب، ت، ث،. . . وإنما يريد به جميع الحروف ولم يرد به الحروف الأربعة خاصة) (2).
أما الزمخشري فقد أفاض في بيان هذا المعنى للأحرف المقطعة فقال: (إنها كالإيقاظ وقرع العصا لمن تحدي بالقرآن وبغرابة نظمه، وكالتحريك للنظر في أن هذا المتلو عليهم - وقد عجزوا عنه عن آخرهم - كلام منظوم من عين ما ينظمون منه كلامهم ليؤديهم النظر إلى أن يستيقنوا إن لم تتساقط مقدرتهم دونه ولم تظهر معجزتهم عن أن يأتوا بمثله بعد المراجعات
(1) سورة فصلت الآية 5
(2)
تفسير أبي الليث السمرقندي، (بحر العلوم) ج1 ص 251.
المتطاولة - وهم (1) أمراء الكلام، وزعماء الحوار، وهم الحراص على التساجل في اقتضاب الخطب، والمتهالكون على الافتنان في القصيد والرجز، ولم يبلغ من الجزالة، وحسن النظم، المبالغ التي بزت بلاغة كل ناطق، وشقت غبار كل سابق، ولم يتجاوز الحد الخارج من قوى الفصحاء، ولم يقع وراء مطامح أعين البصراء - إلا لأنه ليس بكلام البشر وأنه كلام خالق القوى والقدر، وهذا القول من القوة والخلاقة بالقبول بمنزل) (2).
وقال البيضاوي: إنها (. . . إيقاظا لمن تحدي بالقرآن، وتنبيها على أن أصل المتلو عليهم كلام منظوم مما ينظمون منه كلامهم)(3) ثم وصف هذا القول بأنه: (أقرب إلى التحقيق وأوفق للطائف التنزيل وأسلم من لزوم النقل ووقوع الاشتراك في الأعلام. . . .)(4) وقال أبو السعود العمادي: (وإليه جنح أهل التحقيق)(5).
وقال ابن كثير رحمه الله تعالى: (وقال آخرون: بل إنما ذكرت هذه الحروف في أوائل السور التي ذكرت فيها بيانا لإعجاز القرآن، وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله، هذا مع أنه مركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها، وقد حكى
(1) من قوله (وهم) إلى قوله (أعين البصراء) جملة اعتراضية.
(2)
الكشاف: الزمخشري ج1 ص 16.
(3)
أنوار التنزيل وأسرار التأويل: البيضاوي، ج1 ص 42.
(4)
المرجع السابق، ج1 ص 45.
(5)
إرشاد العقل السليم: أبو السعود العمادي، ج1 ص 21.
هذا المذهب الرازي في تفسيره عن المبرد وجمع من المحققين، وحكى القرطبي عن الفراء وقطرب نحو هذا، وقرره الزمخشري في كشافه ونصره أتم نصر، وإليه ذهب الشيخ الإمام العلامة أبو العباس ابن تيمية وشيخنا الحافظ المجتهد أبو الحجاج المزي وحكاه لي عن ابن تيمية).
ثم قال: (قلت: ولهذا كل سورة افتتحت بالحروف فلا بد أن يذكر فيها الانتصار للقرآن وبيان إعجازه وعظمته، وهذا معلوم بالاستقراء، وهو الواقع في تسع وعشرين سورة) ثم ذكر أمثلة قال بعدها: (وغير ذلك من الآيات الدالة على صحة ما ذهب إليه هؤلاء لمن أمعن النظر، والله أعلم)(1).
وقال الراغب الأصفهاني: (وقال: - ألم - ذلك الكتاب، تنبيها أن هذا الكتاب مركب من هذه الحروف التي هي مادة الكلام)(2) وقال: (إن المفهوم الأظهر بلا واسطة ما ذهب إليه المحققون من أهل اللغة، كالفراء وقطرب وهو قول ابن عباس وكثير من التابعين. . . . وهو: أن هذه الحروف لما كانت هي عنصر الكلام ومادته التي تركب منها بين تعالى أن هذا الكتاب من هذه الحروف التي أصلها عندكم، تنبيها على إعجازهم وأنه لو كان من عند البشر لما عجزتم - مع تظاهركم - عن معارضته)(3).
(1) تفسير ابن كثير، ج1 ص 37، 38.
(2)
مقدمة جامع التفاسير: الراغب الأصفهاني، ص 105.
(3)
مقدمة جامع التفاسير: الراغب الأصفهاني، ص 142.
وقال ابن عاشور: (إنها سيقت مساق التهجي مسرودة على نمط التعديد في التهجية تبكيتا للمشركين، وإيقاظا لنظرهم في أن هذا الكتاب المتلو عليهم وقد تحدوا بالإتيان بسورة مثله هو كلام مؤلف من عين حروف كلامهم، كأنه يغريهم بمحاولة المعارضة، ويستأنس لأنفسهم بالشروع في ذلك بتهجي الحروف ومعالجة النطق تعريضا بهم بمعاملتهم معاملة من لم يعرف تقاطيع اللغة، فيلقنها كتهجي الصبيان في أول تعلمهم بالكتاب حتى يكون عجزهم عن المعارضة بعد هذه المحاولة عجزا لا معذرة لهم فيه، وقد ذهب إلى هذا القول المبرد وقطرب والفراء، وقال في الكشاف: وهذا القول من القوة والخلاقة بالقبول بمنزلة. (وقلت): وهو الذي نختاره وتظهر المناسبة لوقوعها في فواتح السور أن كل سورة مقصودة بالإعجاز لأن الله تعالى يقول: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} (1) فناسب افتتاح ما به الإعجاز بالتمهيد لمحاولته، ويؤيد هذا القول أن التهجي ظاهر في هذا المقصد فلذلك لم يسألوا عنه لظهور أمره، وأن التهجي معروف عندهم للتعليم، فإذا ذكرت حروف الهجاء على تلك الكيفية المعهودة في التعليم في مقام غير صالح للتعليم عرف السامعون أنهم عوملوا معاملة المتعلم لأن حالهم كحاله في العجز عن الإتيان بكلام بليغ.
ويعضد هذا الوجه تعقيب هاته الحروف في غالب المواقع
(1) سورة البقرة الآية 23
بذكر القرآن وتنزيله أو كتابيته إلا في {كهيعص} (1) و {الم} (2){أَحَسِبَ النَّاسُ} (3) و {الم} (4){غُلِبَتِ الرُّومُ} (5) ووجه تخصيص بعض تلك الحروف بالتهجي دون بعض، وتكرير بعضها لأمر لا نعلمه، ولعله لمراعاة فصاحة الكلام.
ويؤيده أن معظم مواقع هذه الحروف في أوائل السور المكية عدا البقرة على قول من جعلوها كلها مدنية، وآل عمران، ولعل ذلك لأنهما نزلتا بقرب عهد الهجرة من مكة، وأن قصد التحدي في القرآن النازل بمكة قصد أولي.
ويؤيده أيضا الحروف التي أسماؤها مختومة بألف ممدودة مثل الياء، والهاء، والراء، والطاء، والحاء، قرئت فواتح السور مقصودة على الطريقة التي يتهجى بها للصبيان في الكتاب طلبا للخفة) (6).
ولم يكتف ابن عاشور بترجيح هذا القول، بل بنى عليه ترجيح أن جميع الأحرف المقطعة آيات مستقلة وليست بأجزاء من آيات، فقال: (والصحيح عن الكوفيين أن جميعها آيات وهو اللائق بأصحاب هذا القول إذ التفصيل تحكم، لأن الدليل مفقود والوجه عندي أنها آيات، لأن لها دلالة تعريضية كنائية، إذ المقصود إظهار عجزهم أو نحو ذلك فهي تطابق مقتضى الحال
(1) سورة مريم الآية 1
(2)
سورة العنكبوت الآية 1
(3)
سورة العنكبوت الآية 2
(4)
سورة الروم الآية 1
(5)
سورة الروم الآية 2
(6)
التحرير والتنوير: ابن عاشور، ج1 ص 198، 199.
مع ما يعقبها من الكلام، ولا يشترط في دلالة الكلام على معنى كنائي أن يكون له معنى صريح، بل تعتبر دلالة المطابقة في هذه الحروف تقديرية، إن قلنا باشتراط ملازمة دلالة المطابقة لدلالة الالتزام) (1).
أما الأستاذ رشيد رضا، فقد أورد رأي أستاذه محمد عبده الذي قال: ألم هو وأمثاله أسماء للسور المبتدأة به. . . إلخ).
ولم يرتض الأستاذ هذا المعنى، وبين ما يراه بقوله: (وأقول الآن - أولا - إن هذه الحروف تقرأ مقطعة بذكر أسمائها لا مسمياتها فنقول: ألف، لام، ميم، ساكنة الأواخر؛ لأنها غير داخلة في تركيب الكلام فتعرب بالحركات.
ثانيا: إن عدم إعرابها يرجح أن حكمة افتتاح بعض السور المخصوصة بها للتنبيه لما يأتي بعدها مباشرة من وصف القرآن، والإشارة إلى إعجازه. . .
ثالثا: اقتصر على جعل حكمتها الإشارة إلى إعجاز القرآن بعض المحققين من علماء اللغة وفنونها، كالفراء، وقطرب، والمبرد، والزمخشري، وبعض علماء الحديث، كشيخ الإسلام أحمد تقي الدين بن تيمية، والحافظ المزي، وأطال الزمخشري في بيانه وتوجيهه بما يراجع في كشافه، وفي تفسير البيضاوي
(1) التحرير والتنوير: ابن عاشور، ج1، ص 204.
وغيره) (1).
وقال بهذا الرأي وأطال في بيانه الشيخ محمود شلتوت حيث حذر من الخوض في معاني هذه الحروف ودعا الناس إلى الكف عن الخوض فيما لا سبيل إلى علمه ثم قال: (وحسبهم أن يعرفوا أن الإتيان بهذه الفواتح على هذا الأسلوب الذي لم يكن مألوفا في الكلام، ولا معروفا عند العرب، كان قرعا لإسماع أولئك الجاحدين الذين تواصوا فيما بينهم ألا يسمعوا لهذا القرآن وأن يلغوا فيه لعلهم يغلبون - كان هزا لقلوبهم ودفعا بهم إلى إلقاء السمع، وتدبر ما يلقى، وقد جاء بعد هذه الحروف في الأعم الأغلب نبأ ذلك الشأن العظيم، وهو كتاب الله الذي أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم، وختم به رسالته إلى خلقه، وبين فيه شريعته وسننه في كونه، وكان لنبيه معجزة خالدة تنطق بأنه رسول الله رب العالمين، اقرأ إن شئت: {الم} (2){ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ} (3){الم} (4){اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} (5){نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ} (6)، {المص} (7) {كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ} (8). . . . . . ثم ذكر أغلب السور المفتتحة بأحرف التهجي وما بعدها من الآيات ثم قال: (اقرأ ذلك إن شئت تجد هذه السور كلها تتحدث عن القرآن، وتنزيل
(1) تفسير المنار: محمد رشيد رضا، ج1 ص 122.
(2)
سورة البقرة الآية 1
(3)
سورة البقرة الآية 2
(4)
سورة آل عمران الآية 1
(5)
سورة آل عمران الآية 2
(6)
سورة آل عمران الآية 3
(7)
سورة الأعراف الآية 1
(8)
سورة الأعراف الآية 2
القرآن أو إنزاله، وهو الكتاب الذي كان موضع الأخذ والرد فيما بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم. . . . .) (1).
أما الأستاذ سيد قطب فأبدع - كعادته - رحمه الله تعالى في بيان هذا الوجه وفي استنباط الإشارات إلى دقائق المعاني، فهو أولا يختار هذا الوجه في الأحرف المقطعة فيقول عنها:(وقد وردت في تفسيرها وجوه كثيرة، نختار منها وجها، إنها إشارة للتنبيه إلى أن هذا الكتاب مؤلف من جنس هذه الأحرف وهي في متناول المخاطبين به من العرب ولكنه - مع هذا - هو ذلك الكتاب المعجز، الذي لا يملكون أن يصوغوا من تلك الحروف مثله. . .) ثم يكشف رحمه الله تعالى عن معنى دقيق وانتقال عجيب من المقارنة بين أجزاء الكلمات وما يتركب منها إلى معنى أعم فيقول: (والشأن في هذا الإعجاز هو الشأن في خلق الله جميعا، وهو مثل صنع الله في كل شيء وصنع الناس. . . إن هذه التربة الأرضية مؤلفة من ذرات معلومة الصفات، فإذا أخذ الناس هذه الذرات فقصارى ما يصوغونه منها لبنة أو آجرة، أو آنية أو أسطوانة، أو هيكل أو جهاز كائنا في دقته ما يكون. . . ولكن الله المبدع يجعل من تلك الذرات حياة، حياة نابضة خافقة، تنطوي على ذلك السر الإلهي المعجز. . . سر الحياة. . ذلك السر الذي لا يستطيعه بشر ولا يعرف سره بشر. . وهكذا القرآن. . . حروف وكلمات يصوغ منها البشر كلاما وأوزانا. ويجعل منها الله
(1) تفسير القرآن الكريم: محمود شلتوت، ص 61 - 63.