الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بين يدي الإمام تحت المنبر في جماعة، كما كانوا يفعلون عندنا في الدول الماضية، وكل ذلك محدث).
3 -
نقول عن شراح الحديث
أ - قال البخاري رحمه الله: باب الأذان يوم الجمعة:
حدثنا آدم، قال: حدثنا ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن السائب بن يزيد، قال:«كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فلما كان عثمان رضي الله عنه وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء (1)» .
قال ابن حجر رحمه الله: قوله: (باب الأذان يوم الجمعة) أي متى يشرع.
قوله: عن (السائب بن يزيد) في رواية عقيل عن ابن شهاب أن السائب بن يزيد أخبره، وفي رواية يونس عن الزهري سمعت السائب، وسيأتيان بعد هذا.
قوله: (كان النداء يوم الجمعة) في رواية أبي عامر عن ابن أبي ذئب عند ابن خزيمة (كان ابتداء النداء الذي ذكره الله في القرآن يوم الجمعة)، وله في رواية وكيع عن ابن أبي ذئب:«كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر أذانين يوم الجمعة (2)» . قال ابن خزيمة: قوله: أذانين، يريد الأذان والإقامة. يعني: تغليبا أو لاشتراكهما في الإعلام، كما تقدم في أبواب الأذان.
(1) صحيح البخاري الجمعة (912)، سنن الترمذي الجمعة (516)، سنن النسائي الجمعة (1392)، سنن أبو داود الصلاة (1087).
(2)
مسند أحمد بن حنبل (3/ 450).
قوله: (إذا جلس الإمام على المنبر) في رواية أبي عامر المذكورة (إذا خرج الإمام وإذا أقيمت الصلاة -)، وكذا للبيهقي من طريق ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب، وكذا في رواية الماجشون الآتية عن الزهري ولفظه:«وكان التأذين يوم الجمعة حين يجلس الإمام، يعني: على المنبر (1)» وأخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن الماجشون بدون قوله (يعني)، وللنسائي من رواية سليمان التيمي عن الزهري:«كان بلال يؤذن إذا جلس النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر، فإذا نزل أقام (2)» . وقد تقدم نحوه في مرسل مكحول قريبا.
قال المهلب: الحكمة في جعل الأذان في هذا المحل؛ ليعرف الناس بجلوس الإمام على المنبر فينصتون له إذا خطب. كذا قال، وفيه نظر، فإن في سياق ابن إسحاق عند الطبراني وغيره عن الزهري في هذا الحديث، أن بلالا كان يؤذن على باب المسجد، فالظاهر أنه كان لمطلق الإعلام لا لخصوص الإنصات. نعم لما زيد الأذان الأول كان للإعلام، وكان الذي
(1) صحيح البخاري الجمعة (913)، سنن النسائي الجمعة (1393)، سنن أبو داود الصلاة (1087)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 449).
(2)
سنن النسائي الجمعة (1394)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1135).
بين يدي الخطيب للإنصات.
قوله: (فلما كان عثمان) أي: خليفة.
قوله: (وكثر الناس) أي: بالمدينة وصرح به في رواية الماجشون، وظاهره أن عثمان أمر بذلك في ابتداء خلافته.
لكن في رواية أبي ضمرة عن يونس عند أبي نعيم في المستخرج، أن ذلك كان بعد مضي مدة من خلافته.
قوله: (زاد النداء الثالث) في رواية وكيع عن ابن أبي ذئب (فأمر عثمان بالأذان الأول)، ونحوه للشافعي من هذا الوجه ولا منافاة بينهما لأنه باعتبار كونه مزيدا يسمى ثالثا، وباعتبار كونه جعل مقدما على الأذان والإقامة يسمى أولا. ولفظ رواية عقيل - الآتية بعد بابين - أن التأذين بالثاني أمر به عثمان، وتسميته ثانيا أيضا متوجه بالنظر إلى الأذان الحقيقي لا الإقامة.
قوله: (على الزوراء): بفتح الزاي وسكون الواو وبعدها راء ممدودة، وقوله:(قال أبو عبد الله) هو المصنف وهذا في رواية أبي ذر وحده، وما فسر به الزوراء هو المعتمد، وجزم ابن بطال بأنه حجر كبير عند باب المسجد، وفيه نظر لما في رواية ابن إسحاق عن الزهري عند ابن خزيمة وابن ماجه بلفظ:(زاد النداء الثالث على دار في السوق يقال لها الزوراء)، وفي روايته عند الطبراني «فأمر بالنداء الأول على دار له يقال لها الزوراء، فكان يؤذن له عليها فإذا جلس على المنبر أذن مؤذنه الأول، فإذا نزل أقام الصلاة (1)» . وفي رواية له من هذا الوجه «فأذن بالزوراء
(1) صحيح البخاري الجمعة (916)، سنن الترمذي الجمعة (516)، سنن النسائي الجمعة (1394)، سنن أبو داود الصلاة (1087)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1135)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 450).
قبل خروجه؛ ليعلم الناس أن الجمعة قد حضرت» ونحوه في مرسل مكحول المتقدم. وفي صحيح مسلم من حديث أنس «أن نبي الله وأصحابه كانوا بالزوراء، والزوراء بالمدينة عند السوق (1)» الحديث، زاد أبو عامر عن ابن أبي ذئب (فثبت ذلك حتى الساعة). وسيأتي نحوه قريبا من رواية يونس بلفظ (فثبت الأمر كذلك). والذي يظهر أن الناس أخذوا بفعل عثمان في جميع البلاد إذ ذاك لكونه خليفة مطاع الأمر. لكن ذكر الفاكهاني أن أول من أحدث الأذان الأول بمكة الحجاج، وبالبصرة زياد. وبلغني أن أهل المغرب الأدنى الآن لا تأذين عندهم سوى مرة. وروى ابن أبي شيبة من طريق ابن عمر قال:(الأذان الأول يوم الجمعة بدعة)، فيحتمل أن يكون قال ذلك على سبيل الإنكار، ويحتمل أنه يريد أنه لم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وكل ما لم يكن في زمنه يسمى بدعة، لكن منها ما يكون حسنا، ومنها ما يكون بخلاف ذلك. وتبين بما مضى أن عثمان أحدثه لإعلام الناس بدخول وقت الصلاة قياسا على بقية الصلوات، فألحق الجمعة بها وأبقى خصوصيتها بالأذان بين يدي الخطيب، وفيه استنباط معنى من الأصل لا يبطله.
وأما ما أحدث الناس قبل وقت الجمعة من الدعاء إليها بالذكر والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فهو في بعض البلاد دون بعض، واتباع السلف الصالح أولى.
(1) صحيح مسلم الفضائل (2279).
(تنبيهان)
الأول: ورد ما يخالف هذا الخبر أن عمر هو الذي زاد الأذان، ففي تفسير جويبر عن الضحاك من زيادة الراوي، عن برد بن سنان، عن مكحول، عن معاذ، (أن عمر أمر مؤذنين أن يؤذنا للناس الجمعة خارجا من المسجد حتى يسمع الناس، وأمر أن يؤذن بين يديه، كما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، ثم قال عمر: نحن ابتدعناه؛ لكثرة المسلمين). انتهى.
وهذا منقطع بين مكحول ومعاذ، ولا يثبت لأن معاذا كان خرج من المدينة إلى الشام في أول ما غزوا الشام، واستمر إلى أن مات بالشام في طاعون عمواس. وقد تواردت الروايات أن عثمان هو الذي زاده فهو المعتمد. ثم وجدت لهذا الأثر ما يقويه، فقد أخرج عبد الرزاق عن ابن جريج قال: قال سليمان بن موسى: أول من زاد الأذان بالمدينة عثمان، فقال عطاء: كلا إنما كان يدعو الناس دعاء ولا يؤذن غير أذان واحد، انتهى، وعطاء لم يدرك عثمان فرواية من أثبت ذلك عنه مقدمة على إنكاره، ويمكن الجمع بأن الذي ذكره عطاء هو الذي في زمن عمر، واستمر على عهد عثمان، ثم رأى أن يجعله أذانا، وأن يكون على مكان عال، ففعل ذلك فنسب إليه؛ لكونه بألفاظ الأذان، وترك ما كان فعله عمرة لكونه مجرد إعلام.
الثاني: تواردت الشراح على أن معنى قوله: (الأذان الثالث) أن الأولين: الأذان والإقامة، لكن نقل الداودي أن
الأذان أولا كان في سفل المسجد، فلما كان عثمان جعل من يؤذن على الزوراء، فلما كان هشام - يعني: ابن عبد الملك - جعل من يؤذن بين يديه فصاروا ثلاثة، فسمي فعل عثمان ثالثا لذلك. انتهى.
وهذا الذي ذكره يغني ذكره عن تكلف رده، فليس له فيما قاله سلف، ثم هو خلاف الظاهر، فتسمية ما أمر به عثمان ثالثا يستدعي سبق اثنين قبله، وهشام إنما كان بعد عثمان بثمانين (1) سنة. واستدل البخاري بهذا الحديث أيضا على الجلوس على المنبر قبل الخطبة خلافا لبعض الحنفية. واختلف من أثبته هل هو للأذان أو لراحة الخطيب؟ فعلى الأول لا يسن في العيد إذ لا أذان هناك، واستدل به أيضا على أن التأذين قبيل الخطبة، وعلى ترك تأذين اثنين معا، وعلى أن الخطبة يوم الجمعة سابقة على الصلاة، ووجهه أن الأذان لا يكون إلا قبل الصلاة. وإذا كان يقع حين يجلس الإمام على المنبر دل على سبق الخطبة على الصلاة (2).
ب - قال أبو عيسى الترمذي رحمه الله: باب ما جاء في أذان الجمعة:
حدثنا أحمد بن منيع حدثنا حماد بن خالد الخياط، عن ابن أبي ذئب عن الزهري، عن السائب بن يزيد قال: «كان الأذان
(1) صوابه: سبعين.
(2)
فتح الباري، ج2 ص393 - 395، دار الفكر العربي.
على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر - إذا خرج الإمام [وإذا]، أقيمت الصلاة، فلما كان عثمان [رضي الله عنه]، زاد النداء الثالث على [الزوراء](1)».
قال أحمد محمد شاكر رحمه الله:
[وإذا] الزيادة ليست في شئ من النسخ التي بيدي، إلا أنها ذكرها القاضي أبو بكر بن العربي في شرحه حين حكى لفظ الحديث، وهي ثابتة في رواية البيهقي من طريق ابن أبي ذئب (ج 3 ص 192)، وكذلك نقل الحافظ في الفتح (ج 2 ص 326) أن رواية ابن خزيمة من طريق ابن أبي ذئب (إذا خرج الإمام وإذا أقيمت الصلاة).
وهي زيادة ضرورية؛ لأن النداء لصلاة الجمعة كان أذانا واحدا عند خروج الإمام، ثم الإقامة عند الصلاة، وهي النداء الثاني، ثم زاد عثمان الأذان عند الزوراء قبل خروج الإمام إلى المسجد.
[رضي الله عنه] الزيادة من ع، م، ب.
[الزوراء] بفتح الزاي وسكون الواو، قال البخاري في صحيحه:(الزوراء موضع السوق بالمدينة). قال ابن حجر: (هو المعتمد)، وقواه بما نقله عن صحيح مسلم من حديث أنس:«أن نبي الله وأصحابه كانوا بالزوراء، والزوراء بالمدينة عند السوق (2)» .
وقوله: (الثالث) إنما سماه (ثالثا) لأنه زيد على
(1) صحيح البخاري الجمعة (912)، سنن الترمذي الجمعة (516)، سنن النسائي الجمعة (1392)، سنن أبو داود الصلاة (1087)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 449).
(2)
صحيح مسلم الفضائل (2279).
النداءين، وإن كان هو الأول في الوقوع؛ لأنه يبدأ به قبل خروج الإمام. وفي بعض روايات الحديث (فأمر عثمان بالأذان الأول)، وهو موافق للواقع فعلا. وفي بعض رواياته أيضا تسميته الثاني باعتبار أنه زيد على الأذان الذي كان قبل، وعدم اعتبار الإقامة في العدد لأنها ليست أذانا، وإن كانت من النداء للصلاة.
ولفظ (الثالث) أوجب شبهة عجيبة، فقد نقل القاضي أبو بكر بن العربي (ج 2 ص 305) أنه كان بالمغرب:(يؤذن ثلاثة من المؤذنين بجهل المفتين، فإنهم لما سمعوا أنها ثلاثة لم يفهموا أن الإقامة هي النداء الثالث، فجمعوها وجعلوها ثلاثة غفلة وجهلا بالسنة، فإن الله تعالى لا يغير ديننا، ولا يسلبنا ما وهبنا من نعمه)(1).
فائدة: في رواية عند أبي داود في هذا الحديث: «كان يؤذن بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس على المنبر يوم الجمعة على باب المسجد (2)» فظن العوام، بل كثير من أهل العلم أن هذا الأذان يكون أمام الخطيب مواجهة، فجعلوا مقام المؤذن في مواجهة الخطيب، على كرسي أو غيره. وصار هذا الأذان تقليدا صرفا، لا فائدة له في دعوة الناس إلى الصلاة وإعلامهم حضورها، كما هو الأصل في الأذان والشأن فيه، وحرصوا على ذلك حتى لينكرون على من يفعل غيره. واتباع
(1) هكذا في العارضة في الأصل.
(2)
سنن أبو داود الصلاة (1087).