الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رضي الله عنهما أحاديث صحيحة، وفيها تعليق التحلل بالرمي وحده، دون الحلق. وكذا حديث ابن الزبير رضي الله عنهما مع ما فيه من خلاف في الحكم عليه بالرفع أو بالوقف.
3 -
أن ما أشار إليه أصحاب القول الثالث من نظر. محل اعتبار، لولا وجود النصوص المشار إليها، إذ لا مجال له في مقابل النص. ومع هذا الاختيار، فالأولى بالحاج أن يؤخر التحلل حتى يحلق أو يقصر رأسه، خروجا من الخلاف. (والله أعلم).
فرع: ما الذي يحل بالتحلل الأصغر
؟
اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال:. .
القول الأول: يحل به كل شيء إلا النساء (من الوطء، والقبلة، واللمس لشهوة، وعقد النكاح). وإلى هذا ذهب جمهور العلماء، فبه قال أبو حنيفة، والشافعي، وأحمد، وهو قول ابن الزبير، وعائشة، وعلقمة، وسالم، وطاوس، والنخعي،
وعبيد الله بن الحسن، وخارجة بن زيد، وأبي ثور.
القول الثاني: يحل به كل شيء إلا الوطء. وإلى هذا ذهب الشافعي في قول، وأحمد في رواية، وهو مروي عن ابن عباس. .
القول الثالث: يحل به كل شيء إلا النساء، والصيد. وإلى هذا ذهب مالك، والليث. وكره
مالك الطيب. .
الأدلة:
ا - استدل أصحاب القول الأول بما يلي:
1 -
بحديث عائشة رضي الله عنها قالت: «طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي هاتين حين أحرم، ولحله حين أحل، قبل أن يطوف، وبسطت يديها (1)» . .
2 -
وبحديث عائشة رضي الله عنها قالت: «طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي بذريرة لحجة الوداع للحل والإحرام، حين أحرم، وحين رمى جمرة العقبة يوم النحر، قبل أن
(1) أخرجه البخاري. في الحج، باب الطيب بعد رمي الجمار والحلق قبل الإفاضة (143) 2/ 195 واللفظ له، ومسلم في الحج، باب الطيب للمحرم عند الإحرام 8/ 98
يطوف بالبيت (1)». . وجه الاستدلال منهما:
إخبار عائشة رضي الله عنها بأنها طيبت الرسول صلى الله عليه وسلم حين أحل قبل أن يطوف بالبيت، نص صريح في إباحة الطيب بالتحلل الأول.
- وبحديث أم سلمة رضي عنها أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: «إن هذا يوم رخص لكم إذا أنتم رميتم الجمرة قبل أن تحلوا - يعني من كل ما حرمتم منه - إلا النساء (2)» . .
وجه الاستدلال منه:
إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بأن من رمى الجمرة تحلل إلا من النساء، دليل على أن التحلل الأصغر يحل به كل شيء من طيب، وصيد، وغيرهما إلا النساء.
4 -
وبأثر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (إذا رميتم الجمرة، وذبحتم، وحلقتم، فقد حل لكم كل شيء حرم عليكم إلا النساء والطيب). قال سالم بن عبد الله: وقالت عائشة: «أنا طيبت رسول صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله بعد أن رمى جمرة العقبة، وقبل أن يزور البيت (3)» قال سالم: (وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع).
(1) تقدم تخريجه
(2)
أخرجه أحمد 6/ 295، وأبو داود في المناسك باب الإفاضة في الحج 2/ 207 (1999)، والحاكم 1/ 489، 490، وسكت عنه هو والذهبي، والبيهقي 5/ 136، 137، كلهم من طريق ابن إسحاق عن أبي عبيدة عبد الله بن زمعة عن أبيه وعن أمه زينب بنت أبي سلمة، عن أم سلمة، وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث: قال الهيثمي في مجمع الزوائد 3/ 361: (رواه أحمد والطبراني في الكبير، ورجال أحمد ثقات) وقال البنا في بلوغ الأماني 12/ 203: (وسنده جيد)
(3)
صحيح البخاري الغسل (270)، صحيح مسلم الحج (1189)، سنن الترمذي الحج (917)، سنن النسائي مناسك الحج (2685)، سنن أبو داود المناسك (1745)، سنن ابن ماجه المناسك (2926)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 175)، موطأ مالك الحج (727)، سنن الدارمي المناسك (1802).
وجه الاستدلال منه:
إخبار عمر رضي الله عنه بأن التحلل الأصغر يحل به كل شيء إلا النساء والطيب، ومخالفة عائشة رضي الله عنها له في الطيب، وإخبارها بأمر شهدته، وعلمته أكثر من غيرها؛ لأنها باشرت بنفسها تطييب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهذا قال سالم: وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع. فدل ذلك على أن التحلل الأصغر يحل به كل شيء إلا النساء.
2 -
واستدل أصحاب القول الثاني بما يلي:
1 -
بحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا رميتم، وحلقتم، فقد حل لكم الطيب، والثياب، وكل شيء إلا النساء (1)» .
وجه الاستدلال منه:
أن إباحة الطيب والثياب وكل شيء إلا النساء بالتحلل الأصغر دليل على أنه لم يبق من المحرمات شيء إلا الوطء في الفرج؛ لأن الطيب من دواعي الجماع.
2 -
وقالوا: إن الوطء في الفرج أغلظ المحرمات، ويفسد
(1) أخرجه أحمد 6/ 143، وابن خزيمة في صحيحه 4/ 203 (2937)، والطحاوي 2/ 228، والدارقطني 2/ 276، والبيهقي 5/ 136. كلهم من طريق الحجاج بن أرطأة عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عمرة، عن عائشة رضي الله عنها والحديث منقطع سندا، مضطرب متنا كما تقدم بيانه في استدلال أصحاب القول الأول به، وقد استدل به صاحب المهذب من الشافعية
النسك بخلاف غيره (1).
3 -
وقالوا: إن القبلة والملامسة وغيرها من دواعي الجماع لا تفسد الإحرام، فتحل بالتحلل الأصغر كالطيب.
واستدل أصحاب القول الثالث على تحريم قتل الصيد بما يلي:
- بقوله تعالى: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} (2). .
وجه الاستدلال منها:
أن الله سبحانه وتعالى نهى عن قتل الصيد حال الإحرام، ومن تحلل التحلل الأصغر، لم يزل محرما؛ لأن التحلل الأكبر إنما يكون بعد الطواف. فدل ذلك على تحريم الصيد، فلا ترتفع حرمته إلا بتمام الإحلال.
الرأي المختار:
الذي أختاره هو ما ذهب إليه جمهور العلماء: أنه يحل بالتحلل الأصغر كل شيء إلا النساء، وذلك لما يلي:
1 -
الأدلة التي استدلوا بها صحيحة، صريحة، فقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أم سلمة نص في الموضوع، إذ أخبر أن المحرم يحل له برمي جمرة العقبة ما حرم عليه بالإحرام، ولم يستثن إلا النساء، فدل ذلك على أنه يحل له كل شيء إلا النساء.
(1) انظر: المغني، 5/ 308.
(2)
سورة المائدة الآية 95
2 -
أن من استثنى الوطء وحده، إنما خصه لمخالفته بقية المحظورات، إذ يفسد النسك دون غيره من المحظورات، وهذا استثناء عقلي، لا يصح تخصيص عموم الحديث به.
3 -
أن قياس القبلة، والمباشرة على الطيب بجامع أن كلا منهما من دواعي الجماع لا يسلم، لمخالفة الطيب لهما وغيرهما في كثير من الأمور، فهو مشروع في اجتماعات الناس ولقاءاتهم، بخلاف القبلة، والمباشرة فإنهما من قضاء الشهوة المتعلقة بالنساء.
4 -
أن قياس الطيب عليهما أيضا غير صحيح للفارق بينهما، ولأنه قياس في مقابل النص الدال على جوازه وإباحته.
5 -
أن الاستدلال بالآية لتحريم الصيد لا يسلم؛ لأن المحرم إذا تحلل من إحرامه - وإن لم يكن الحل كله - فليس في الآية ما يدل على عدم إباحته بالتحلل. وحديث أم سلمة - كما تقدم - لم يستثن إلا النساء فقط، فيكون الصيد من الأشياء التي حلت بالتحلل الأصغر، وقياسه على النساء فيه بعد ظاهر. (والله أعلم).