الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبأساميها، وكم سمعنا من أمي ينطق الحروف بأسمائها وهو لا يعرف صورتها ولا قراءتها ولا كتابتها ولا يخرجه مجرد النطق بها عن الأمية ولا يكون بمجرد نطقها متعلما ولم يقل أحد من العلماء: إن قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول: (ألم) حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف (1)» لم يقل أحد من العلماء: إن هذا الحديث معجز لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أمي نطق بالألف واللام والميم، وفيما ثبت من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم الظاهرة البينة الكثيرة غنى عن مثل هذه التكلفات، والله المستعان.
(1) رواه الترمذي، ج5 ص 175، والدارمي، ج 2 ص 521 بلفظ آخر، وقال الترمذي:" هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه ".
القول الثالث: أن فيها إعجازا لغويا
؛ وذلك أن الأحرف المقطعة في أوائل السور نصف حروف الهجاء، وهي أيضا نصفها على أي وجه من الوجوه التي اصطلح عليها علماء اللغة بعد نزول القرآن بزمن طويل (1).
ومن العجيب إجماع المفسرين وكل من كتب في هذا الموضوع على نسبة التنبيه لهذا المعنى إلى الزمخشري (ت 538 هـ)، مع أن أول من قال بذلك فيما نعلم الباقلاني (2)(ت 403 هـ) وقد سبقني إلى التنبيه لهذه المعلومة أحد الباحثين المعاصرين ونسيت الآن اسمه وأين قرأت ذلك فإن عثرت عليه فسأذكره في هذا الموضع إن شاء الله، إلا أن عرض الزمخشري أوفى، فقد قال:
(1) انظر الإعجاز البياني للقرآن: د. عائشة عبد الرحمن، ص 141.
(2)
انظر إعجاز القرآن: الباقلاني، ص 68 وما بعدها.
(واعلم أنك إذا تأملت ما أورده الله عز سلطانه في الفواتح من هذه الأسماء وجدتها نصف أسامي حروف المعجم أربعة عشر سواء، وهي الألف واللام والميم والصاد والراء والكاف والهاء والياء والعين والطاء والسين والحاء والقاف والنون في تسع وعشرين سورة على عدد حروف المعجم، ثم إذا نظرت في هذه الأربعة عشر وجدتها مشتملة على أنصاف أجناس الحروف، بيان ذلك أن فيها من المهموسة نصفها (1) ومن المجهورة نصفها. . ومن الشديدة نصفها. . ومن الرخوة نصفها. . ومن المطبقة نصفها. . ومن المنفتحة نصفها ومن المستعلية نصفها. . ومن المنخفضة نصفها. . ومن حروف القلقلة نصفها. . ثم إذا استقرأت الكلم وتراكيبها رأيت الحروف التي ألغى الله ذكرها من هذه الأجناس المعدودة مكثورة بالمذكورة منها، فسبحان الذي دقت في كل شيء حكمته) (2). وقد بين الباقلاني وجه الإعجاز في هذا التقسيم فقال:
(وإذا كان القوم الذين قسموا في الحروف هذه الأقسام لأغراض لهم في ترتيب العربية وتنزيلها بعد الزمان الطويل من عهد النبي صلى الله عليه وسلم رأوا مباني اللسان على هذه الجهة، وقد نبه بما ذكر في أوائل السور على ما لم يذكر على حد التنصيف الذي وصفنا دل على أن وقوعها الموقع الذي يقع التواضع عليه بعد العهد الطويل لا يجوز أن يقع إلا من الله عز وجل لأن ذلك يجري مجرى علم الغيوب). إلى أن قال (. . . وكل ذلك يوجب إثبات الحكمة في ذكر هذه الحروف على حد يتعلق به الإعجاز من وجه)(3).
(1) حذفت تعداد الحروف اكتفاء بالجدول التالي.
(2)
الكشاف: الزمخشري، ج1 ص 17.
(3)
إعجاز القرآن: الباقلاني، ص 69، 70.
جدول بتقسيم الحروف على صفاتها، والمذكور منها في فواتح السور، وما لم يذكر على ما أورده الباقلاني والزمخشري، ويليه زيادة الزركشي
صفة الحرف
…
عدد حروفها
…
المذكور منها في الأحرف المقطعة
…
ما لم يذكر منها
المهموسة
…
10
…
ص، ك، هـ، س، ح
…
خ، ش، ث، ف، ت
المجهورة
…
18
…
أ، ل، م، ر، ع، ط، ق، ي، ن، (لن يقطع أمر)
…
الشديدة
…
8
…
أ، ك، ط، ق (أقطك)
…
ج، ظ، ذ، ب
الرخوة
…
20
…
ل، م، ر، ص، هـ، ع، س، ح، ي، ن، (حمس على نصره)
…
المطبقة
…
4
…
ص، ط
…
ظ، ض
المنفتحة
…
24
…
أ، ل، م، ر، ك، هـ، ع، س، ح، ق، ي، ن
…
المستعلية
…
6
…
ق، ص، ط
…
المنخفضة
…
22
…
أ، ل، م، ر، ك، هـ، ي، ع، س، ح، ن
…
القلقلة
…
ق، ط
الصفير
…
3
…
س، ص
…
ز
اللين
…
3
…
أ، ي
…
والمكرر
…
1
…
ر
…
الهاوي
…
1
…
أ
…
المنحرف
…
1
…
ل
…
الحلق
…
6
…
ع، ح، هـ
…
ء، خ، غ
وقال بهذا أيضا البيضاوي وفصله وزاد عليه أقساما أخرى من غير إشارة للزمخشري أو الباقلاني (1)، كما نقل ابن كثير قول الزمخشري مجملا (2)، أما الألوسي فقد وصف هذا المعنى بأنه من عجائب هذه الفواتح (3)، كما ذكره الزركشي الذي تعقب الزمخشري وأضاف إلى تقسيماته ما ذكرته في الجدول المرفق، كما نقل ابن عاشور عبارة الزمخشري، وأشار إلى زيادة البيضاوي ثم عقب بذكر محصول كلامهما.
وقد عارض هذا الرأي بعض المفسرين وأولهم أبو حيان الذي قال: (وقد أطال الزمخشري وغيره الكلام على هذه الحروف بما ليس يحصل منه كبير فائدة في علم التفسير، ولا يقوم على كثير من دعاويه برهان)(4).
وأشهر المعارضين لهذا الرأي الإمام الشوكاني مع وصفه له بأنه (من أدق ما أبرزه المتكلمون في معاني هذه الحروف)(5) ونقله لقول الزمخشري كاملا بنصه إلا أنه عقب عليه بقوله: (وأقول هذا التدقيق لا يأتي بفائدة يعتد بها. . .)، ثم قال: (. . . ثم كون هذه الحروف مشتملة على النصف من جميع الحروف التي تركبت لغة العرب منها، وذلك النصف مشتمل على
(1) أنوار التنزيل: البيضاوي، ج1 ص 42، 43.
(2)
تفسير ابن كثير، ج1 ص 37.
(3)
روح المعاني: الألوسي، ج1 ص 151.
(4)
البحر المحيط: أبو حيان، ج1 ص 35.
(5)
فتح القدير: الشوكاني، ج1 ص 29.
أنصاف تلك الأنواع من الحروف المتصفة بتلك الأوصاف هو أمر لا يتعلق به فائدة لجاهلي ولا إسلامي، ولا مقر ولا منكر ولا مسلم ولا معارض، ولا يصح أن يكون مقصدا من مقاصد الرب سبحانه، الذي أنزل كتابه للإرشاد إلى شرائعه والهداية به) ثم قال:(وهب أن هذه صناعة عجيبة ونكتة غريبة، فليس ذلك مما يتصف بفصاحة ولا بلاغة، حتى يكون مفيدا أنه كلام بليغ أو فصيح، وذلك لأن هذه الحروف الواقعة في الفواتح ليست من جنس كلام العرب حتى يتصف بهذين الوصفين، وغاية ما هناك أنها من جنس حروف كلامهم ولا مدخل لذلك فيما ذكر)(1).
ومن المعاصرين، عارض هذا الرأي محمد أبو فراخ، ليس من ناحية الفكرة، وإنما لعدم انضباطها، فهو يقول:(وذكر الزمخشري حروف الصفات السابقة، وإننا لا نؤيده في هذه الطريق، حيث إنها غير منضبطة في جميع الصفات فكيف نقسم حروف القلقلة الخمسة إلى نصفين، والمجهورة تسعة عشر حرفا والمستعلية سبعة. . إلخ تلك الصفات التي لا تنصيف فيها)(2) ثم نقل رد الشوكاني.
أما الدكتور عبد المقصود جعفر فقد بنى كتابه الفواتح الهجائية وإعجاز القرآن على هذا الرأي وأشار إلى ذلك في مقدمته فقال عن الزمخشري: (. . . وهو صاحب الرأي الذي اخترته في
(1) فتح القدير: الشوكاني، ج1 ص 30.
(2)
حروف المعجم في فواتح السور: د. محمد أحمد أبو فراخ، ص 233.
هذا البحث، وتوسعت فيه على ضوء الدراسات اللغوية الحديثة، برغم أني - كما سوف نرى - قد اختلفت معه في بعض الأسس المنهجية التي انطلق منها في تطبيقه العملي لهذا الرأي) (1) وقال أيضا عن كلام للزمخشري:(وهذا الكلام - في الواقع - أحد الأسس الهامة التي يقوم عليها بحثنا هذا وسوف نرى في الباب القادم أن الدراسات اللغوية الحديثة تصدق كلام الزمخشري تمام التصديق)(2).
ومع هذا فهو ينقل كلام الزمخشري ثم يقول بعده: (ومع أن هذا الغرض الذي يرمي إليه صحيح في أصله، إلا أننا نختلف معه حول بعض التفاصيل في كلامه السابق برغم أن بعض المفسرين والدارسين المحدثين تلقوا كلامه هذا بالتسليم التام)(3).
وفي موضع آخر كشف وجه الإعجاز في الأحرف المقطعة فقال: (ثم إن انتقاء هذه الحروف على الصورة التي ذكرناها - وانتقاء تراكيبها أيضا كما سنعرف في الفصل القادم - لا يقصد به الغرض السابق فقط وإنما يقصد به أيضا التلاؤم مع المستوى الرفيع للبيان القرآني، فلا يتردد على لسان قارئه أو سامعه - أثناء تلاوة الفواتح الهجائية - ما يشق عليه من أصوات اللغة أو ما لا
(1) الفواتح الهجائية: د. السيد عبد المقصود جعفر، ص 9.
(2)
الفواتح الهجائية: د. السيد عبد المقصود جعفر، ص 53.
(3)
الفواتح الهجائية: د. السيد عبد المقصود جعفر، ص 52.
يألفه منها، بل يتردد على لسانه وسمعه أحب هذه الأصوات إليه نطقا وسمعا واستعمالا.
وإذا كان يمكن القول بأن العربي الأول يتجه في لغته نحو هذه الأصوات الأخيرة اتجاها فطريا تلقائيا، فإنه لا يمكن القول إطلاقا بأنه حاول في إحدى المرات أن يستقرئ حروف هذه اللغة حرفا حرفا؛ ليعرف أيها أسهل مخرجا أو أقوى سمعا أو أكثر انتشارا. . . ولا كانت الوسائل العلمية على عهده تعينه أصلا على شيء من ذلك. فإذا تحقق ذلك فعلا على يد أحدهم فإنه لا يمكن أن يكون مصادفة عشوائية ولا يمكن أن يكون غير معجزة حقيقية) (1).
ومع اعتماده لهذا الرأي وأخذه به فقد نقده نقدا دقيقا، فوصف تقسيم الزمخشري هذه الأحرف إلى مجهورة ومهموسة. . . إلخ بأنه - يعني الزمخشري - بذل فيه جهده ولم يعارضه فيه أحد من القدماء. . . بل سلم به أيضا فريق من المحدثين خلال تعرضهم في بعض أبحاثهم لمسألة الحروف المقطعة وهذا - في الواقع - مسلك غير دقيق (2).
ثم ذكر بعض التعليقات وهي التي تهمنا في بيان المآخذ والردود على هذا الرأي فمنها:
أولا: أن اختيار القرآن لحروف الفواتح الهجائية - وإن دل على إعجازه حين ينظر إليه في ضوء الدراسات اللغوية - إلا أنه لم يبن أصلا على أساس أن يكون في جملته وتفصيله نسخة من
(1) الفواتح الهجائية: د. السيد عبد المقصود جعفر، ص 115، 116.
(2)
الفواتح الهجائية: د. السيد عبد المقصود جعفر، ص 116، 117.
التقسيمات والتصنيفات المتبعة في هذه الدراسات.
ثانيا: أن القرآن كتاب له طبيعته الخاصة، وله أهدافه المحددة، وله وسائله البيانية أيضا في تحقيق هذه الأهداف، ويدخل في هذه الوسائل بلا شك الفواتح الهجائية. . . وليست الفواتح منزلة. . . كي تكون تابعا لمسألة أقسام الحروف وأنواعها، أو لتصب صبا في قوالبها، وإنما هي تابعة أصلا لأهداف الكتاب الذي أنزلت فيه ولوسائله البيانية الخاصة. . .
ثالثا: ليس هناك اتفاق أصلا بين اللغويين والباحثين على نتائج هذه الدراسات اللغوية. . . خصوصا بين القدماء والمحدثين، بل بين المحدثين أنفسهم أحيانا، ففي صفات الحروف مثلا نجد أن الطاء والقاف من الأصوات المجهورة عند القدماء. . . وهما من الأصوات المهموسة عند المحدثين، وكذلك الضاد الرخوة قديما. . . وهي من الأصوات الشديدة حديثا، ويعلل البعض ذلك بأنه قد يرجع إلى اختلاف النطق بيننا وبينهم في هذه الأصوات. . . فبأي معيار نأخذ لو أردنا - ولو تكلفا - أن نضبط حروف الفواتح على أساس أن فيها النصف من كل نوع من أنواع الحروف؟
رابعا: أن هذا الضبط الذي ذكرناه أمر مستحيل أصلا - على أي معيار - في أغلب التصنيفات الخاصة بصفات الحروف؛ لأن هذه التصنيفات متعددة متنوعة فمنها ما هو زوجي العدد، ومنها ما هو فردي، ومنها ما هو حرف واحد، ومنها ما هو متميز، ومنها ما هو مندرج في غيره. . . فكيف يمكن الإتيان بالنصف.