الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم أثار سؤالا ثالثا عن وجه اختصاص كل سورة بالأحرف التي افتتحت بها فأجاب: (إذا كان الغرض هو التنبيه، والمبادئ كلها في تأدية هذا الغرض سواء لا مفاضلة، كان تطلب وجه الاختصاص ساقطا، كما إذا سمى الرجل بعض أولاده زيدا والآخر عمرا، لم يقل له لم خصصت "، ولدك هذا بزيد، وذاك بعمرو لأن الغرض هو التمييز. . . .)(1).
(1) الكشاف: الزمخشري، ج1 ص 18.
شبه المنكرين لهذا الرأي والجواب عليها:
ومع كثرة القائلين بهذا الرأي فإن بعض المفسرين قد رده وأنكره، ويظهر أن إنكارهم ليس لذات الرأي خاصة وإنما لتوقفهم المطلق عن القول في أي معنى، أو استنباط أي إشارة لهذه الأحرف المقطعة.
ومن أشهر المعارضين لهذا الرأي الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى وغيره، وسنذكر بعض ما أورده على هذا القول، وقد ينطبق بعضها على غيره من الأقوال في الأحرف المقطعة:
أولا: أنه لا يلزم من ذكر القرآن ووصفه بعد هذه الفواتح أن يكون المراد من الفواتح ما ذكروه من الإشارة إلى التحدي والإعجاز، إذ لا مانع من أن يكون المراد منها كونها أسماء للقرآن أو لسورة أو لله تعالى الذي أنزله أو غير ذلك، ولا يخفى مناسبة الحديث عن القرآن بعده لمثل ذلك أيضا، فلا يتعين ما
ذكروه والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال (1) ويمكن أن يجاب على هذا الإشكال من وجهين:
الأول: أن القائلين بأنها إشارة للتحدي والإعجاز لم يجزم أحدهم بذلك ولم يقل أحد منهم إن المراد بها كذا وإنما قالوها وهم يعلمون أن ما قالوه ليس بتفسير لها وسيأتي مزيد بيان لذلك.
الثاني: أن قوله: (لا مانع أن يكون المراد منها كونها أسماء للقرآن. . .) غير صحيح. فلو كان المراد بها اسما من أسماء القرآن لكان المناسب أن لا يذكر اسم القرآن بعدها وإنما يذكر وصفه لأن في ذلك تكرارا للاسم فلو كانت (ألم) مثلا اسما للقرآن لكان المعنى القرآن ذلك الكتاب وفي هذا تكرار للمسمى والقول أنها أسماء للقرآن يقتضي أن تكون الآية هكذا (ألم ذلك لا ريب فيه) وكذا قوله تعالى: {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} (2) يقتضي أن تكون (ق المجيد)؟! ولما لم يصح هذا بطل ذاك، وأبعد من ذلك أن تكون اسما لله تعالى فكيف ستفهم الآية {الم} (3) {ذَلِكَ الْكِتَابُ} (4) إذا قيل: إن (ألم) اسم لله تعالى حيث ستكون العبارة الله ذلك الكتاب؟!! وهي عبارة ليس لها معنى صحيح.
ثانيا: أنه إذا كان المراد بالأحرف الرمز إلى التحدي بالقرآن المركب من الأحرف التي يعرفونها فإنه من المتيسر أن يقال لهم صراحة: (هذا القرآن هو من الحروف التي تتكلمون بها، ليس - هو من حروف مغايرة لها، فيكون هذا تبكيتا وإلزاما يفهمه كل
(1) مختصر البيان في فواتح القرآن: د. حسن يونس عبيدو، ص 19.
(2)
سورة ق الآية 1
(3)
سورة البقرة الآية 1
(4)
سورة البقرة الآية 2
سامع منهم دون إلغاز وتعمية وتفريق لهذه الحروف في تسع وعشرين سورة، فإن هذا مع ما فيه من التطويل الذي لا يستوفيه سامعه إلا بسماع جميع هذه الفواتح) (1).
ويمكن أن يجاب على هذا الإشكال بما نقلناه عن الزمخشري في بيان الحكمة في تنويع الأحرف واختلاف أعدادها، فيقال هنا: إن عدم التصريح على سبيل التفنن في أساليب الكلام وتصرفهم فيه على سبل شتى ومذاهب متنوعة (2). ويمكن أن يقال: إن التصريح قد ورد في آيات التحدي بالقرآن وبعشر سور وبسورة وبحديث مثله فاكتفى بالتصريح بالتحدي فيها، وجاء التحدي في أوائل السور على سبيل الرمز.
ثالثا: وهو ما أورده إسماعيل حقي من إشكال على هذا الرأي فقال بعد أن ذكره: (هذا ما جنح إليه أهل التحقيق، ولكن فيه نظر لأنه يفهم من هذا القول أن لا يكون لتلك الحروف معان وأسرار)(3) ولعل الجواب على هذا الإشكال يفهم من الأجوبة السابقة إذ إن القائلين بهذا لم يثبتوا لها معنى ولم ينفوه.
رابعا: أن القول بأن هذه الأحرف رمز للتحدي والإعجاز لا دليل عليه (وهو أيضا مما لا يفهمه أحد من السامعين. . . ولا
(1) فتح القدير: الشوكاني، ج1، ص 30.
(2)
الكشاف: الزمخشري، ج1 ص 18.
(3)
روح البيان: إسماعيل حقي ج1 ص 28، وانظر مختصر البيان: حسن عبيدو ص 19.