الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من حج البيت أو اعتمر، فليكن آخر عهده بالبيت (1)» واللفظ ظاهر في العموم، ثم سأل عمر عن صورة من صور العموم، فأفتاه بما يطابق العموم، ولم يعلما أن تلك الصورة مخصوصة من هذا اللفظ (2).، يبين ذلك ما جاء في بعض طرق الحديث عن الحارث أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حج البيت أو اعتمر، فليكن آخر عهده بالبيت (3)» فبلغ حديثه عمر، فقال له: خررت من يديك. سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم تخبرنا به.
(1) سنن الترمذي الحج (946)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 417).
(2)
انظر: المحلى 7/ 172، شرح العمدة في بيان مناسك الحج لابن تيمية 2/ 571
(3)
سنن الترمذي الحج (946)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 417).
فرع: طواف الوداع لغير الحاج:
اختلف العلماء - رحمهم الله تعالى - في طواف الوداع، هل هو خاص بالحاج فقط، أم هو لكل من أراد الخروج من مكة وإن كان من أهلها؟ على عدة أقوال:
القول الأول: أنه خاص بالحج، فمن دخل مكة حاجا فلا يخرج منها حتى يكون آخر عهده بالبيت. وإلى هذا ذهب
أبو حنيفة، وأحمد في المشهور.
القول الثاني: أنه خاص بالنسك، فمن دخل مكة حاجا أو معتمرا فعليه أن يطوف للوداع. وإلى هذا ذهب الشافعي، والحسن، وابن حزم.
القول الثالث: أن طواف الوداع لكل خارج من مكة، ولو كان من أهلها، إذا قصد مسكنه، أو الإقامة الطويلة - ولو كان المكان قريبا - أو قصد مكانا بعيدا، ولو بنية العودة. أما إذا قصد
التردد عليها، أو قصد مكانا قريبا بنية العودة، فلا وداع عليه. وإلى هذا ذهب مالك، والشافعي في الأصح، وهو المعتمد، وأحمد. الأدلة:
1 -
استدل أصحاب القول الأول بما يلي:
1 -
بحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كان الناس ينفرون من منى إلى وجوههم، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون آخر عهدهم بالبيت، ورخص للحائض (1)» . .
(1) أخرجه الحاكم 1/ 476، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، والدارقطني 2/ 299. من طريق عبد الرزاق أنبا زكريا بن إسحاق عن سليمان الأحول أنه سمع طاوسا يحدث عن ابن عباس به، وهذا إسناد صحيح - إن شاء الله - وأصله عند مسلم من طريق سفيان عن سليمان الأحول، دون هذه الزيادة، وقد تقدم
وجه الاستدلال منه:
إخبار ابن عباس رضي الله عنهما أن الناس كانوا ينفرون بعد فراغهم من الحج من منى، فأمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن لا ينفروا حتى يكون آخر عهدهم بالبيت، فدل ذلك على أن الوداع خاص بالحجاج دون غيرهم من المعتمرين أو المقيمين.
2 -
وبفعله صلى الله عليه وسلم إذ طاف للوداع، وأمر به، وقد قال عليه الصلاة والسلام:«خذوا عني مناسككم (1)» .
وجه الاستدلال منه:
طوافه صلى الله عليه وسلم للوداع، مع قوله:«خذوا عني مناسككم (2)» دليل على أنه من مناسك الحج.
3 -
وبأن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر أكثر من مرة، ولم يرو أنه طاف للوداع أو أمر به، فدل ذلك على أنه خاص بالحج. .
4 -
وبأثر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (لا يصدرن أحد من الحاج، حتى يطوف بالبيت، فإن آخر النسك الطواف بالبيت).
(1) جزء من حديث أخرجه مسلم في الحج، باب استحباب رمي جمرة العقبة 9/ 44.
(2)
سنن النسائي مناسك الحج (3062).
5 -
وقالوا: إن معظم الركن في العمرة الطواف، وما هو معظم الركن في النسك لا يتكرر عند الصدر كالوقوف في الحج؛ لأن الشيء الواحد لا يجوز أن يكون معظم الركن في نسك، وهو بعينه غير ركن في ذلك النسك، ولأن ما هو معظم الركن مقصود، وطواف الصدر تبع، يجب لقصد توديع البيت، والشيء الواحد لا يكون مقصودا وتبعا (1). .
وجه الاستدلال منه:
نهي عمر رضي الله عنه الحاج عن الصدور حتى يطوف بالبيت، وإخباره بأنه آخر المناسك، دليل على أن طواف الوداع من مناسك الحج.
2 -
واستدل أصحاب القول الثاني بما يلي:
1 -
بحديث الحارث الثقفي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حج البيت أو اعتمر فليكن آخر عهده بالبيت (2)» . .
وجه الاستدلال منه:
أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الحاج والمعتمر بأن يكون آخر عهده بالبيت، فدل ذلك على أنه مرتبط بالنسك من حج أو عمرة.
2 -
وقد يقال: بأن العمرة أحد النسكين، فيجب فيها ما يجب في الحج من الوداع عند الخروج.
(1) انظر: المبسوط 4/ 35
(2)
تقدم تخريجه، وبيان ضعفه
3 -
استدل أصحاب القول الثالث بما يلي:
1 -
بحديث العلاء بن الحضرمي رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقيم المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثا (1)» . .
وجه الاستدلال منه:
إباحة النبي صلى الله عليه وسلم للمهاجر أن يقيم بمكة ثلاثا، بعد قضاء نسكه. وطواف الوداع إنما يكون آخر العهد بمكة، وسماه قبله قاضيا للمناسك، وحقيقته أن يكون قضاها كلها، فدل ذلك على أن طواف الوداع ليس من المناسك (2). .
2 -
أن المكي إذا حج ونوى الإقامة بوطنه، وكذا الآفاقي إذا حج ونوى الإقامة بمكة قبل النفر لا وداع عليه، فلو كان من جملة المناسك لعم الحجيج (3). .
الرأي المختار:
الذي أختاره هو ما ذهب إليه أصحاب القول الأول: أن طواف الوداع خاص بالحاج إذا أراد الخروج من مكة. وذلك لما يلي:
1 -
ما جاء من الأحاديث المطلقة الآمرة بأن يكون آخر عهد الناس بالبيت، قد بين حديث ابن عباس الآخر أن المراد بذلك الحجاج الذين كانوا ينفرون من منى، فإنهم المأمورون بذلك دون غيرهم.
(1) أخرجه مسلم في الحج، باب جواز الإقامة بمكة للمهاجر 9/ 121
(2)
انظر: شرح مسلم للنووي 9/ 122، المجموع 8/ 256
(3)
انظر: شرح مسلم للنووي 9/ 122، المجموع 8/ 256. الفروع 3/ 521