الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شيئا من نسكه فليهرق لذلك دما). فالجواب عنه. أنه ضعيف. وعلى تقدير الصحة فيلزم الأخذ به في كل شيء من الأربعة المذكورة، وقد تقدم بيان أن ابن عباس رضي الله عنهما ممن روى رفع الحرج في التقديم والتأخير لأعمال يوم النحر. فالمراد بالحديث - والله أعلم - ما عدا أيام يوم النحر، للأدلة الأخرى.
5 -
وأما أثر ابن عمر رضي الله عنهما وأمره من قدم الإفاضة على الحلق والتقصير بإعادتها.
فالجواب عن ذلك: أن ذلك لعله مما خفي على ابن عمر رضي الله عنهما كما خفي عليه سقوط طواف الوداع عن الحائض - كما سيأتي - أو يحمل ذلك على الاستحباب (1).
(1) انظر القرى للطبري ص 469.
مسألة: ماذا يترتب على طواف الإفاضة من التحلل
؟
لا خلاف بين العلماء أن التحلل من الإحرام ينقسم إلى قسمين: تحلل أصغر، وتحلل أكبر. واتفقوا على أن التحلل الأكبر يحصل بفعل أعمال يوم النحر، وأنه يحل به كل شيء كان
حراما بالإحرام حتى النساء.، واختلفوا في التحلل الأصغر بم يحصل، وما الذي يحل به؟ وهذا ما سأتناوله في فرعين:
(الأول): بم يحصل التحلل الأصغر؟
(الثاني): ما الذي يحل بالتحلل الأصغر؟
فرع: بم يحصل التحلل الأصغر؟
اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال:
القول الأول: يحصل برمي جمرة العقبة، أو بخروج وقت أدائها. وإلى هذا ذهب مالك، وهو وجه للشافعية، ورواية عن أحمد، وبه قال عطاء، وأبو ثور. .
القول الثاني: يحصل بفعل اثنين من ثلاثة وهي: الرمي، والحلق، والطواف (1). . وإلى هذا ذهب الشافعي، وأحمد في المشهور عنهما.
القول الثالث: يحصل بالحلق بعد الرمي، ولا يحل له بالرمي قبل الحلق شيء. وإلى هذا ذهب أبو حنيفة.
الأدلة:
1 -
استدل أصحاب القول الأول، القائلون بأن التحلل يحصل برمي جمرة العقبة، بما يلي:
(1) إن كان قد سعى للحج قبل ذلك، وإلا فإنه لا يحل إلا بالطواف والسعي معا
بحديث أم سلمة رضي الله عنها وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن هذا يوم رخص لكم إذا أنتم رميتم الجمرة أن تحلوا - يعني من كل ما حرمتم منه - إلا النساء (1)» .
2 -
وبحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا رمى أحدكم جمرة العقبة فقد حل له كل شيء إلا النساء (2)» .
(1) أخرجه أحمد 6/ 295، وأبو داود في المناسك، باب الإفاضة في الحج 2/ 207 (1999)، والحاكم 1/ 489، 490، وسكت عنه هو والذهبي، والبيهقي 5/ 136، 137، كلهم من طريق ابن إسحاق عن أبي عبيدة عبد الله بن زمعة عن أبيه وعن أمه زينب بنت أبي سلمة، عن أم سلمة، وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث: قال الهيثمي في مجمع الزوائد 3/ 361: (رواه أحمد والطبراني في الكبير، ورجال أحمد ثقات) وقال البنا في بلوغ الأماني 12/ 203: (وسنده جيد).
(2)
أخرجه أبو داود في المناسك، باب في رمي الجمار 2/ 202 (1978)، من طريق الحجاج بن أرطأة عن الزهري، عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة رضي الله عنها. قال أبو داود:(هذا حديث ضعيف، الحجاج لم ير الزهري ولم يسمع منه)، وقال النووي في المجموع 8/ 226:(رواه أبو داود بإسناد ضعيف جدا)، وأخرجه الطحاوي 2/ 228، ولم يذكر لفظه، وإنما أحال على حديث الحجاج عن أبي بكر بن محمد بن عمرو ابن حزم - المتقدم - وحديث الحجاج رواه الدارقطني من عدة طرق 2/ 276، وزاد فيه الذبح وبهذا تبين أن حديث عائشة رضي الله عنها جاء تعليق الإحلال فيه بثلاثة أمور: ا - بالاقتصار على الرمي وحده. 2 - بالرمي والحلق. 3 - بالرمي والحلق والذبح. وكلها من طريق الحجاج بن أرطأة، وقد عنعنه، وقد قال عنه ابن حجر في التقريب ص 64:(صدوق كثير الخطأ والتدليس)، فالحديث مع ضعف سنده مضطرب متنا. (والله أعلم) ثم رأيت الألباني نبه إلى ذلك في الصحيحة 1/ 427 وفي الضعيفة 3/ 74 (1013).
3 -
وبحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شيء إلا النساء (1)» . فقال رجل: والطيب؟ فقال ابن عباس: أما أنا فقد «333117 رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضمخ رأسه بالمسك، أفطيب ذاك أم لا؟»
4 -
وبحديث عائشة رضي الله عنها قالت: «طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي بذريرة لحجة الوداع للحل والإحرام، حين أحرم، وحين رمى جمرة العقبة يوم النحر، قبل أن يطوف بالبيت (3)» .
(1) سنن النسائي مناسك الحج (3084)، سنن ابن ماجه المناسك (3041)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 344).
(2)
أخرجه أحمد 6/ 244، وأصله في الصحيحين دون قوله:(حين أحرم، وحين رمى جمرة العقبة يوم النحر قبل أن يطوف بالبيت) أخرجه البخاري في اللباس، باب الذريرة (81) 7/ 61، ومسلم في باب استحباب الطيب قبل الإحرام 8/ 99، 100.
(3)
الذريرة: نوع من الطيب جموع من أخلاط. انظر النهاية لابن الأثير 2/ 157 (2)
5 -
وبحديث عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: من سنة الحج. . . - وفيه - فإذا رمى الجمرة الكبرى، حل له كل شيء حرم عليه، إلا النساء والطيب حتى يزور البيت.
6 -
وبأثر عمر رضي الله عنه أنه قال: (إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم ما حرم عليكم إلا النساء والطيب).
وجه الاستدلال منها:
تعليق النبي صلى الله عليه وسلم الإحلال من الإحرام برمي جمرة العقبة، دليل على أن التحلل الأصغر يحصل برميها دون التوقف على أشياء أخر. وقد أبان عن ذلك فعله صلى الله عليه وسلم، كما أخبرت به عائشة رضي الله عنه، وأن تطييبها إياه كان عقب جمرة العقبة. وهو مفسر للروايات الأخرى، بأن المراد بقبل الطواف، أي: بعد رمي الجمرة.
2 -
واستدل أصحاب القول الثاني بما يلي:
1 -
بحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا رميتم، وحلقتم، فقد حل لكم الطيب، والثياب، وكل شيء إلا النساء (1)» . .
وجه الاستدلال منه:
إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بأن من رمى، وحلق، قد حل له الطيب، والثياب، وكل شيء إلا النساء، دليل على حصول التحلل الأصغر بالرمي والحلق.
(1) أخرجه أحمد 6/ 143، وابن خزيمة في صحيحه 4/ 203 (2937)، والطحاوي 2/ 228، والدارقطني 2/ 276، والبيهقي 5/ 136. كلهم من طريق الحجاج بن أرطأة عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عمرة، عن عائشة رضي الله عنها والحديث منقطع سندا، مضطرب متنا كما تقدم بيانه في استدلال أصحاب القول الأول به
2 -
وبحديث عائشة رضي الله عنها قالت: «طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي هاتين حين أحرم، ولحله حين أحل قبل أن يطوف، وبسطت يديها (1)» .
وجه الاستدلال منه:
إخبار عائشة رضي الله عنها بأنها طيبت النبي صلى الله عليه وسلم حين أحل قبل أن يطوف، دليل على أن التحلل الأصغر حصل قبل الطواف، أي بعد الرمي والحلق.
(1) متفق عليه. أخرجه البخاري في الحج، باب الطيب بعد رمي الجمار والحلق قبل الإفاضة (143) 2/ 195 واللفظ له، ومسلم في الحج، باب الطيب للمحرم عند الإحرام 8/ 98.
3 -
وقالوا: إنهما نسكان يعقبهما الحل، فكان حاصلا بهما (1).
3 -
واستدل أصحاب القول الثالث بما يلي:
بقوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} (2). .
وجه الاستدلال منها:
نهي الله سبحانه وتعالى عن الحلق، إلى حين الذبح - ليس واجبا على كل أحد - فدل ذلك على أن التحلل يكون بالحلق بعد الرمي) (3).
2 -
واستدلوا كذلك بجملة ما استدل به أصحاب القول الأول، إلا أنهم ذهبوا إلى أن التحلل إنما حصل بالحلق بعد الرمي، وليس بالرمي وحده.
3 -
وحاولوا الجمع بين أدلتهم، وأدلة أصحاب القول الثاني التي فيها تعليق التحلل بالرمي وحده، بأن تلك الأحاديث لم تذكر الحلق، فيحتمل أن يكون التحلل والتطيب بعد الحلق، ويحتمل أن يكون بعد الرمي، فالأولى أن يحمل ذلك على ما يوافق حديث عائشة، لا على ما يخالفه، فيكون التحلل والتطيب بعد الحلق (4).
(1) انظر: المغني 5/ 310.
(2)
سورة البقرة الآية 196
(3)
نظر: المبسوط 4/ 21.
(4)
انظر: شرح معاني الآثار للطحاوي 2/ 229.
4 -
وقالوا: إن المعتمر إذا طاف وسعى لا يحل له الطيب والنساء إلا بعد الحلق، فدل ذلك على أن التحلل يكون به، فكذلك في الحج لا يحل له الطيب إلا بعد الحلق (1). .
5 -
وقالوا: إن التحلل من العبادة هو الخروج منها، ولا يكون ذلك بركنها، بل بما ينافيها أو بما هو محظورها، والحلق قبل أوانه محظور بخلاف الرمي، فدل ذلك على أن التحلل يكون بالحلق لا بالرمي (2).
الرأي المختار:
الذي أختاره هو ما ذهب إليه أصحاب القول الأول: أن التحلل الأصغر يحصل برمي جمرة العقبة. وذلك لما يلي:
1 -
أن ما استدل به أصحاب الأقوال الأخرى لا تنهض لمعارضة أدلة هذا القول، فأحاديثهم إما غير صحيحة، كحديث عائشة رضي الله عنها وهو أقوى أدلتهم ومحورها، ولهذا سعى الطحاوي إلى حمل الأحاديث الأخرى عليه. وإما غير صريحة كحديث عائشة الآخر في الصحيحين، فإنهم حملوا قولها (. . . قبل أن يطوف) أي: بعد الرمي، والحلق، وهو احتمال فقط.
2 -
أن أدلة أصحاب هذا القول صحيحة، وصريحة فيما ذهبوا إليه. فحديث أم سلمة، وحديث عائشة - في الذريرة -
(1) انظر: شرح معاني الآثار للطحاوي 2/ 229
(2)
انظر: الهداية مع شرح فتح القدير 2/ 492.