الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأشار إلى هذا المعنى أحد الباحثين فقال: (ولعل مراد المفسرين القائلين بالأقوال الأخرى كونها حكما أو فوائد، تستفاد من الفواتح دون القصد إلى كون هذه الأقوال هي المعنى المراد من الفواتح) وقال: (ولا مانع من وجود حكم أو فوائد تعرف من هذه الفواتح كأن يتحقق بها الإعجاز للمخاطبين. . .)(1).
وبعد هذا العرض المفصل الذي أظهر قوة هذا الرأي وكثرة القائلين به من علماء اللغة والتفسير القدماء والمعاصرين ووجوه استدلالهم وحججهم على ما ذهبوا إليه والرد على ما يرد عليه من مآخذ وشبه مما جعله فيما أرى أقوى الآراء وأظهرها وأصحها.
وسأذكر بعد هذه بقية الآراء في وجه الإعجاز في الأحرف المقطعة من غير إطالة؛ إما لقلة القائلين بها أو لضعفها أو لبعدها عن الصواب.
(1) مختصر البيان في فواتح سور القرآن، د. حسن عبيدو، ص 59.
القول الثاني: أن ورود هذه الأحرف بهذه الصفة من رجل أمي أمر معجز
. وبيان ذلك وتفصيله ذكره الزمخشري فقال: (أن ترد السور مصدرة بذلك ليكون أول ما يقرع الأسماع مستقلا بوجه من الإعراب وتقدمه من دلائل الإعجاز؛ وذلك أن النطق بالحروف أنفسها كانت العرب فيه مستوية الأقدام - الأميون منهم وأهل الكتاب - بخلاف النطق بأسامي الحروف فإنه كان مختصا بمن خط وقرأ وخالط أهل الكتاب وتعلم منهم، وكان مستغربا مستبعدا من الأمي التكلم بها استبعاد الخط والتلاوة كما قال عز وجل: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} (1)
(1) سورة العنكبوت الآية 48
فكان حكم النطق بذلك مع اشتهار أنه لم يكن ممن اقتبس شيئا من أهله حكم الأقاصيص المذكورة في القرآن التي لم تكن قريش ومن دان بدينها في شيء من الإحاطة بها في أن ذلك حاصل له من جهة الوحي، وشاهد بصحة نبوته، وبمنزلة أن يتكلم بالرطانة من غير أن يسمعها من أحد) (1).
وذكر هذا القول الرازي في تفسيره فقال: (إن التكلم بهذه الحروف وإن كان معتادا لكل أحد، إلا أن كونها مسماة بهذه الأسماء لا يعرفه إلا من اشتغل بالتعلم والاستفادة، فلما أخبر الرسول عليه الصلاة والسلام عنها من غير سبق تعلم واستفادة كان ذلك إخبارا عن الغيب فلهذا السبب قدم الله تعالى ذكرها ليكون أول ما يسمع من هذه السورة معجزة دالة على صدقه)(2).
ووصف البيضاوي هذا الوجه بأنه خارق للعادة واستدل له (3). كما ذكره الزركشي في البرهان، واستدل له بآية العنكبوت السابقة (4) كما أورده ابن عاشور إلا أنه وصفه بأنه:(بين البطلان لأن الأمي لا يعسر عليه النطق بالحروف)(5).
(قلت) والذي يظهر لي صواب ما ذهب إليه ابن عاشور رحمه الله تعالى في أن الأمي لا يعسر عليه النطق بالحروف
(1) الكشاف: الزمخشري، ج1 ص 16، 17.
(2)
تفسير الرازي، ج 2 ص 7.
(3)
أنوار التنزيل: البيضاوي، ج1 ص 42.
(4)
البرهان في علوم القرآن: الزركشي، ج1 ص 176.
(5)
التحرير والتنوير: ابن عاشور، ج1 ص 201.