الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأن ذلك يختلف باختلاف أحوال الناس.
المبحث الثاني: طلاق المكره:
والمراد بالبحث الإكراه على الطلاق بغير حق هل هو واقع أم لا؟
فذهب مالك والشافعي وأحمد وداود الظاهري أن طلاقه غير واقع، وقال بهذا القول عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن عمر وابن الزبير وابن عباس، وجماعة كثيرون.
وذهب أبو حنيفة وصاحباه إلى إيقاع هذا الطلاق، وقال به الشعبي والنخعي والثوري.
وسبب خلافهم هو هل المكره مختار أم لا، فإن المطلق غير مريد لإيقاع الطلاق وهو في الوقت ذاته قد اختار أهون الشرين من الطلاق أو حصول ما أكره به (1).
استدل الأحناف ومن وافقهم لمذهبهم بما يلي:
1 -
2 -
حديث أبي هريرة مرفوعا: «ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة (3)» .
(1) بداية المجتهد (2/ 61)، فتح القدير (3/ 344) جامع العلوم والحكم (ص 375).
(2)
أخرجه العقيلي كما في نصب الراية (3/ 222)، وابن حزم في المحلى (10/ 203) متصلا وفي سنده بقية بن الوليد وهو مدلس وقد عنعن، وروي مرسلا وليس فيه بقية، وفي المتصل والمرسل الغازي بن جبلة قال البخاري: حديثه منكر في طلاق المكره، وكذا قال أبو حاتم: انظر لسان الميزان (4/ 479)، الكامل لابن عدي (6/ 9)، نصب الراية (3/ 222).
(3)
أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الطلاق، باب الطلاق على الهزل رقم (2194)، والترمذي في جامعه، كتاب الطلاق، باب ما جاء في الجد والهزل رقم (1184)، وابن ماجه في سننه، كتاب الطلاق، باب من طلق أو نكح أو راجع لاعبا رقم (2039)، والحاكم في مستدركه كتاب الطلاق (4/ 18) وفي سنده عبد الرحمن بن حبيب قال عنه النسائي: منكر الحديث. ذكره ابن حبان في الثقات وقال الحاكم: من ثقات المدنيين، (التهذيب 6/ 144، 145) الكاشف (2/ 143) وقال عنه ابن حجر: لين الحديث (التقريب 1/ 476)، وفى الباب عن فضالة بن عبيد وعبادة بن الصامت وأبي ذر. انظر تلخيص الحبير (3/ 236)، مختصر البدر المنير (ص 213)، التعليق المغني (4/ 19)، وغالبها ضعاف لكنها تتقوى بطرقها، وحسن الحديث الترمذي وابن حجر والألباني في إرواء الغليل (1826) وصحيح سنن ابن ماجه برقم (1658).
ووجه الاستدلال:
أن الهازل لم يقصد إيقاع الطلاق وإنما قصد اللفظ فقط، وقد أوقع طلاقه فدل على أن الطلاق يعتبر فيه مجرد التلفظ به، فيقاس المكره على الهازل؛ لأنهما قصدا النطق ولم يردا المعنى (1).
3 -
ما روي عن عمر موقوفا: (أربع مبهمات مقفولات ليس فيهن رد: النكاح والطلاق، والعتاق والصدقة).
4 -
حديث حذيفة وأبيه حين حلفهما المشركون فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: «نفي لهم بعهدهم ونستعين الله عليهم (2)» .
وجه الاستدلال:
أن اليمين حال الطواعية وحال الإكراه سواء، فعلم أنه لا
(1) فتح القدير (3/ 344) والعناية بحاشيته). بدائع الصنائع (3/ 99).
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب الوفاء بالعهد برقم (1787).
تأثير للإكراه في نفي الحكم المتعلق بمجرد اللفظ كالطلاق (1).
5 -
استدلوا بأنه طلاق من مكلف في محل يملكه فينفذ كطلاق غير المكره (2).
المناقشة:
1 -
أما حديث «لا قيلولة في الطلاق» فضعيف كما ذكرت في تخريجه. قال عنه ابن حزم: (هذا خبر في غاية السقوط)(3) فيسقط الاستدلال به.
2 -
وأما استدلالهم بحديث: «ثلاث جدهن جد (4)» . . . " الحديث. وقياسهم المكره على الهازل فهو قياس فاسد، فإن المكره غير قاصد للقول ولا لموجبه، وإنما حمل عليه وأكره على التكلم به، ولم يكره على القصد، وأما الهازل فإنه تكلم باللفظ اختيارا وقصد به غير موجبه، وهذا ليس إليه بل إلى الشارع، فإن من باشر سبب ذلك باختياره لزمه مسببه ومقتضاه وإن لم يرده، وأما المكره فإنه لم يرد هذا ولا هذا فقياسه على الهازل غير صحيح.
(1) فتح القدير (3/ 344)
(2)
الهداية (3/ 344) والعناية وحاشية سعدي جلبي (بحاشية الهداية). وانظر المغني (10/ 350).
(3)
المحلى (10/ 204).
(4)
سنن الترمذي الطلاق (1184)، سنن أبو داود الطلاق (2194)، سنن ابن ماجه الطلاق (2039).
3 -
وأما أثر عمر فإنا لم نعلم سنده، ولم نقف على مخرجه حتى نعلم ثبوته، وعلى اعتبار صحته فإنه محمول على أن من أوقع الطلاق فإنه لا يمكنه أن يعود فيه، أما المكره فإنه لم يوقع الطلاق وإنما تلفظ به تخلصا من مكرهه، ثم إن الصحيح عن عمر رضي الله عنه إلغاء طلاق المكره (1). وأما ما روي أن امرأة استلت سيفا فوضعته على بطن زوجها وقالت: والله لأنفذنك أو لتطلقني، فطلقها ثلاثا فرفع ذلك إلى عمر فأمضى طلاقها، فهذا ضعيف لا يثبت عنه رضي الله عنه.
4 -
وأما خبر حذيفة وأبيه رضي الله عنهما، وقياس الطلاق على اليمين باعتبارهما متعلقين بمجرد اللفظ فإن الجواب أن هذا القياس غير صحيح، فليس الاعتبار في الطلاق خاصا باللفظ بل لا بد معه من إرادة التكلم بالصيغة والعلم بمدلولها، ألا ترى أن الشارع لم يمض طلاق النائم والناسي وزائل العقل (2)،
(1) زاد المعاد (5/ 206 - 209)، المحلى (10/ 202، 203)، وانظر نصب الراية (3/ 223، 224).
(2)
زاد المعاد (5/ 204، 205) حكم طلاق الغضبان ص (46، 61، 67)، وانظر المحلى (10/ 205).
وبهذا يظهر الفرق بينهما، ولا قياس مع وجود الفارق.
5 -
وأما قولهم هو طلاق من مكلف في محل يملكه فينفذ كطلاق غير المكره، فنقول: هذا الدليل أشبه ما يكون بالمصادرة، فإنه إقرار لتكليف المكره، ثم إن قياسكم المكره على غيره هو في غاية الغرابة، يرده ما سنشير إليه من أدلة القول الثاني.
واستدل الجمهور لقولهم بما يلي:
1 -
عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا طلاق ولا عتاق في إغلاق (1)» . ومن الإغلاق
(1) أخرجه أحمد في مسنده (6/ 276)، وأبو داود في سننه، كتاب الطلاق، باب في الطلاق على غضب رقم (2193)، وابن ماجه في سننه، كتاب الطلاق، باب طلاق المكره رقم (2046)، والحاكم في مستدركه، كتاب (الطلاق)، باب لا طلاق في إغلاق (2/ 198)، والدارقطني في سننه (4/ 36) وفي سنده محمد بن عبيد بن أبي صالح، وقد وقع في سنن ابن ماجه عبيد بن أبي صالح، وهو خطأ كما نبه عليه الحافظ أبي حجر في تهذيب التهذيب (7/ 63)، وتقريبه (1/ 543) ومحمد هذا ضعيف، وقد تابعه زكريا بن إسحاق ومحمد بن عثمان كما عند الدارقطني والبيهقي والحاكم إلا أن الراوي عنهم قزعة بن سويد، وهو ضعيف كما في التقريب (2/ 126) والتهذيب (8/ 336)، وفي الحديث ابن إسحاق وهو مدلس وقد عنعن، انظر مراتب الموصوفين بالتدليس ص (132) وتابعه عبد الله ابن سعيد الأموي كما عند الحاكم، وهو ثقة من رجال الشيخين كما في التقريب (1/ 420). فالحديث حسن إن شاء الله تعالى، وقد رمز السيوطي لحسنه كما في الجامع الصغير رقم (9905). وحسنه المحدث الألباني في إروائه (2047)، وفي صحيح سنن ابن ماجه (1665).
الإكراه؛ لأن المكره مغلق عليه أمره وتصرفه.
2 -
حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه موقوفا: «كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه والمكره (1)» .
3 -
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما موقوفا: «ليس لمستكره ولا لمجنون طلاق (2)» .
4 -
عن ثابت بن الأحنف أنه تزوج أم ولد لعبد الرحمن بن زيد بن الخطاب قال: فدعاني عبد الله بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب فجئته فدخلت عليه، فإذا سياط موضوعه، وإذا قيدان من حديد وعبدان له قد أجلسهما، وقال لي: تزوجت
(1) أخرجه البخاري في صحيحه معلقا مجزوما به في كتاب الطلاق، باب الطلاق في الإغلاق والمكره والسكران، قال الحافظ في الفتح (9/ 305)، وصله البغوي في الجعديات عن علي بن الجعد عن شعبة عن الأعمش عن إبراهيم النخعي عن عابس بن ربيعة أن عليا قال. . فذكره، وهكذا أخرجه سعيد بن منصور عن جماعة من أصحاب الأعمش عنه، وصرح في بعضها بسماع عابس بن ربيعة من علي. اهـ.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه معلقا مجزوما به، كتاب (الطلاق) باب الطلاق في الإغلاق والمكره، قال الحافظ في الفتح (9/ 303): وصله ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور جميعا - عن هشيم عن عبد الله بن طلحة الخزاعي عن أبي يزيد المزني عن عكرمة عن ابن عباس. اهـ.
أم ولد أبي بغير رضاي، فأنا لا أزال أضربك حتى تموت، ثم قال: طلقها وإلا فعلت، فقلت هي طالق ألفا، فلما خرجت من عنده أتيت عبد الله بن عمر فأخبرته فقال: ليس هذا بطلاق، ارجع إلى أهلك، فأتيت عبد الله بن الزبير فقال مثل ذلك (1).
5 -
ولأنه قول حمل عليه بغير حق، فلم يثبت له حكم ككلمة الكفر إذا أكره عليها (2).
هذا وقد قدمنا الأدلة العامة التي استدل بها الجمهور على إلغاء طلاق المكره فراجعها.
الترجيح:
يتبين مما مضى أن الراجح هو ما ذهب إليه الجمهور من إلغاء طلاق المكره وعدم اعتباره، وذلك لأمور:
1 -
قوة أدلة الجمهور.
2 -
ضعف أدلة الأحناف؛ لما ورد عليها من مناقشة.
3 -
أنه الأليق بأصول الشريعة وقواعدها كما مر معنا. وفيه دفع لمفاسد عظيمة، وإليك ما قاله الشيخ أحمد الدهلوي رحمه الله:
(1) أخرجه مالك في الموطأ، كتاب الطلاق، باب جامع الطلاق ص (376) برقم (1245) وإسناده صحيح.
(2)
المغني (10/ 351)، زاد المعاد (5/ 204).