الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما الحكمة الخاصة للأذان الأول يوم الجمعة فهي الإعلام بدخول الوقت لصلاة الجمعة، ففيه تنبيه الغافلين والمشتغلين بمعايشهم.
وأما الحكمة الخاصة للأذان الثاني الذي بين يدي الخطيب فهي الإعلام بقرب شروع الخطيب في الخطبة لينصت الناس ويتركوا الكلام.
2 -
نقول عن التفسير:
(أ) قال الجصاص رحمه الله: (وروي عن ابن عمر والحسن في قوله: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} (1)، قال: إذا خرج الإمام وأذن المؤذن فقد نودي للصلاة.
وروى الزهري عن السائب بن يزيد قال: «ما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مؤذن واحد، يؤذن إذا قعد على المنبر، ثم يقيم إذا نزل، ثم أبو بكر كذلك، ثم عمر كذلك، فلما كان عثمان وفشا الناس وكثروا زاد النداء الثالث (2)» .
وقد روي عن جماعة من السلف إنكار الأذان الأول قبل خروج الإمام: روى وكيع قال: حدثنا هشام بن الغار، قال: سألت نافعا عن الأذان الأول يوم الجمعة قال: قال ابن عمر: بدعة، وكل بدعة ضلالة، وإن رآه الناس حسنا.
وروى منصور عن الحسن قال: النداء يوم الجمعة الذي
(1) سورة الجمعة الآية 9
(2)
صحيح البخاري الجمعة (912)، سنن الترمذي الجمعة (516)، سنن النسائي الجمعة (1392)، سنن أبو داود الصلاة (1087)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 450).
يكون عند خروج الإمام والذي قبل محدث.
وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال: إنما كان أذان يوم الجمعة فيما مضى واحدا ثم الإقامة، وأما الأذان الأول الذي يؤذن به الآن قبل خروج الإمام وجلوسه على المنبر فهو باطل، أول من أحدثه الحجاج، وأما أصحابنا فإنهم إنما ذكروا أذانا واحدا، إذا قعد الإمام على المنبر، فإذا نزل أقام، على ما كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
وأما وقت الجمعة فإنه بعد الزوال.
وروى أنس وجابر وسهل بن سعد وسلمة بن الأكوع «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الجمعة إذا زالت الشمس (1)» .
وروى شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة قال: صلى بنا عبد الله بن مسعود وأصحابه الجمعة ضحى، ثم قال: إنما فعلت ذلك مخافة الحر عليكم.
وروي عن عمر وعلي أنهما رضي الله عنهما صلياها بعد الزوال، ولما قال عبد الله: إني قدمت مخافة الحر عليكم، علمنا أنه فعلها على غير الوجه المعتاد المتعارف بينهم، ومعلوم أن فعل الفروض قبل أوقاتها لا يجوز لحر ولا لبرد، إذا لم يوجد أسبابها، ويحتمل أن يكون فعلها في أول وقت الظهر الذي هو أقرب أوقات الظهر إلى الضحى، فسماه الراوي ضحى؛ لقربه منه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتسحر: «تعال إلى
(1) صحيح البخاري الجمعة (904)، سنن الترمذي الجمعة (503)، سنن أبو داود الصلاة (1084)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 128).
الغداء المبارك (1)»، فسماه غداء لقربه من الغداء، وكما قال حذيفة:«تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان نهارا» - والمعنى قريب من النهار - ولما اختلف الفقهاء في الذي يلزم من الفرض بدخول الوقت، فقال قائلون: فرض الوقت الجمعة، والظهر بدل منها. وقال آخرون: فرض الوقت الظهر، والجمعة بدل منه، استحال أن يفعل البدل إلا في وقت يصح فيه فعل المبدل عنه، وهو الظهر، ولما ثبت أن وقتها بعد الزوال، ثبت أن وقت النداء لها بعد الزوال، كسائر الصلوات) (2).
(ب) قال القرطبي رحمه الله (3): (فقد تقدم حكم الأذان في سورة المائدة مستوفى، وقد كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في سائر الصلوات، يؤذن واحد إذا جلس النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر. وكذلك كان يفعل أبو بكر وعمر وعلي بالكوفة. ثم زاد عثمان على المنبر أذانا ثالثا على داره التي تسمى الزوراء (4) حين كثر الناس
(1) سنن النسائي الصيام (2163)، سنن أبو داود الصوم (2344)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 127).
(2)
أحكام القرآن للجصاص، ج 3 ص 444، 445، دار الكتاب العربي.
(3)
راجع ج 6 ص 224 وما بعدها.
(4)
الزوراء: موضع بالسوق بالمدينة، قيل إنه مرتفع كالمنارة. وقيل: حجر كبير عند باب المسجد.
بالمدينة. فإذا سمعوا أقبلوا حتى إذا جلس عثمان على المنبر أذن مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يخطب عثمان. خرجه ابن ماجه في سننه من حديث محمد بن إسحاق عن الزهري عن السائب بن يزيد قال:«ما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مؤذن واحد، إذا خرج أذن، وإذا نزل أقام، وأبو بكر وعمر كذلك، فلما كان عثمان وكثر الناس زاد النداء الثالث على دار في السوق يقال لها: (الزوراء)، فإذا خرج أذن، وإذا نزل أقام (1)» . خرجه البخاري من طرق بمعناه. وفي بعضها: أن الأذان الثاني يوم الجمعة أمر به عثمان بن عفان حين كثر أهل المسجد، وكان التأذين يوم الجمعة حين يجلس الإمام. وقال الماوردي: فأما الأذان الأول فمحدث، فعله عثمان بن عفان، ليتأهب الناس لحضور الخطبة عند اتساع المدينة وكثرة أهلها. وقد كان عمر رضي الله عنه أمر أن يؤذن في السوق قبل المسجد؛ ليقوم الناس عن بيوعهم، فإذا اجتمعوا أذن في المسجد، فجعله عثمان رضي الله عنه أذانين في المسجد. قاله ابن العربي. وفي الحديث الصحيح: أن الأذان كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدا، فلما كان زمن عثمان زاد الأذان الثالث على الزوراء، وسماه في الحديث ثالثا لأنه أضافه إلى الإقامة. كما قال عليه الصلاة والسلام:«بين كل أذانين صلاة لمن شاء (2)» يعني: الأذان والإقامة. ويتوهم الناس أنه أذان أصلي، فجعلوا المؤذنين ثلاثة فكان وهما، ثم جمعوهم في وقت واحد فكان وهما على وهم. ورأيتهم يؤذنون بمدينة السلام بعد أذان المنار
(1) صحيح البخاري الجمعة (912)، سنن الترمذي الجمعة (516)، سنن النسائي الجمعة (1392)، سنن أبو داود الصلاة (1087)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 449).
(2)
صحيح البخاري كتاب الأذان (624)، صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (838)، سنن الترمذي الصلاة (185)، سنن النسائي الأذان (681)، سنن أبو داود الصلاة (1283)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1162)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 56)، سنن الدارمي الصلاة (1440).