الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفتاوى
من فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ
مفتي الديار السعودية رحمه الله
(نصيحتان)
الأولى: في التذكير بفريضة الزكاة، وبيان الحكمة في إيجابها، والأضرار والمفاسد المترتبة على منعها
من محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ إلى من يبلغه من المسلمين، وفقني الله وإياهم إلى صراطه المستقيم، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإني أحمد الله رب العالمين، وأصلي وأسلم على رسول الله وخاتم النبيين، نصح أمته وقال فيما صح عنه:«الدين النصيحة (1)» وأنزل الله عليه: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} (2).
ثم إن الباعث لكتابة هذه الكلمة هو النصح والتذكير بفريضة الزكاة التي تساهل بها بعض الناس وغفلوا عنها، مشتغلين بتدبير أموالهم عن فريضة من فرائض الدين، وركن من أركان الإسلام يكفر
(1) رواه مسلم وأبو داود والنسائي.
(2)
سورة الذاريات الآية 55
جاحده، وتقاتل الطائفة الممتنعة من أدائه، ولقد ذكر الله في كتابه الزكاة مقرونة بالصلاة فقال:{فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} (1)، وقال:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (2). وأمر تعالى رسوله بأخذها حيث يقول: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (3). وجاء الوعيد الشديد على من بخل بها وقصر فيها، قال الله تعالى:{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (4){يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} (5)، وفي الحديث الصحيح:«ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدى حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد (6)» وفي الصحيح: «من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته
(1) سورة الحج الآية 78
(2)
سورة البينة الآية 5
(3)
سورة التوبة الآية 103
(4)
سورة التوبة الآية 34
(5)
سورة التوبة الآية 35
(6)
أخرجه الستة إلا الترمذي، وفي رواية:" من آتاه الله مالا " إلخ.
مثل يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان، يطوقه به يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزمتيه - يعنى شدقيه - ثم يقول: أنا مالك، أنا كنزك (1)».
ولا يخفى ما من الله به على عباده من نعمة المال، ولا سيما في هذا الزمن الذي تكاثرت فيه المصالح والخيرات، واتسعت فيه أسباب الرزق، وتضخمت فيه أموال كثير من الناس، وما الأموال إلا ودائع في أيدي الأغنياء، وفتنة وامتحان لهم من الله لينظر أيشكرون أم يكفرون، ومن شكرها وقيد النعمة فيها أداء زكاتها، والصدقة على الفقراء والمساكين، والإنفاق مما استخلفهم الله فيه، قال تعالى:{آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} (2).
ومن الحكمة في تشريع الزكاة مواساة الأغنياء لإخوانهم الفقراء. فلو قام الأغنياء بهذه الفريضة حق القيام وصرفوا الزكاة مصرفها الشرعي لحصل للفقراء والمساكين ما يكفيهم، ولا يحتاجون معه إلى غيره، أما إذا منع الأغنياء ما أوجب الله عليهم من فريضة الزكاة فإنه ينشأ من هذا أضرار ومفاسد كثيرة من تعريض العبد نفسه للعذاب العظيم، وكراهة الله والناس له، وتسبب لإهلاك المال
(1) البخاري الزكاة (1338)، النسائي الزكاة (2482)، ابن ماجه الزكاة (1786)، مالك الزكاة (596).
(2)
سورة الحديد الآية 7
وانتزاع البركة منه، ففي الحديث:«ما خالطت الزكاة مالا قط إلا أهلكته (1)» ومن ظلم الفقراء والمساكين وإيصال الضرر إليهم، ودعوة لهم إلى ارتكاب شتى الحيل في الحصول على لقمة العيش، والتعرض للوقوف في المواقف الحرجة، والإلحاح في السؤال، بل ربما اضطرتهم فاقتهم وشدة الحاجة إلى السرقة والإقدام على بعض الجرائم، لما يقاسونه من آلام الفقر والمسكنة التي لو أحس بها الغني يوما من الدهر لتغيرت نظرته إليهم، ولعرف عظيم نعمة الله عليه.
وإذا كان في الزكاة مصلحة للفقراء والمساكين وبهم ضرورة إليها فإن فيها مصلحة لأرباب الأموال، وبهم ضرورة إلى أدائها من تطهير وتزكية لهم، وبعد عن البخل المذموم، وقرب من فعل الكرم والجود، واستجلاب للبركة والزيادة والنماء، وحفظ للمال ودفع للشرور عنه، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:«من أدى زكاة ماله فقد ذهب عنه شره» رواه الطبراني وابن خزيمة في صحيحه، وعن أنس رضي الله عنه قال: أتى رجل من تميم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! إني ذو مال كثير وذو أهل ومال وحاضرة فأخبرني كيف أصنع وكيف أنفق؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تخرج الزكاة من مالك فإنها طهرة تطهرك، وتصل
(1) أخرجه البزار عن عائشة.
أقرباءك، وتعرف حق المسكين، والجار، والسائل» رواه أحمد، وعن الحسن رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«حصنوا أموالكم بالزكاة، وداووا مرضاكم بالصدقة، واستقبلوا أمواج البلاء بالدعاء والتضرع» رواه أبو داود في المراسيل.
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو لمن جاء بالزكاة فتارة يقول: «اللهم بارك له (1)» وتارة يقول: «اللهم صل عليه (2)» .
هذا ولقد تولى الله قسمة الزكاة بنفسه وجزأها إلى ثمانية أجزاء.
أما الأشياء التي تجب فيها الزكاة فهي أربعة أصناف: الخارج من الأرض كالحبوب والثمار، وبهيمة الأنعام، وعروض التجارة والذهب والفضة، وقد تجب في غيرهن.
ولكل من هذه الأصناف الأربعة نصاب محدود لا تجب الزكاة فيما دونه، فنصاب الحبوب والثمار خمسة أوسق، وأدنى نصاب
(1) فمن الأول ما رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن أبي أوفى، قال:"كان أبي من أصحاب الشجرة وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: اللهم صل على آل فلان، قال فأتاه أبي بصدقته، فقال: اللهم صل على آل أبي أوفى"، ومن الثاني ما رواه النسائي عن وائل بن حجر:"أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ساعيا فأتى رجلا فآتاه فصيلا مخلولا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم بعثنا مصدق الله ورسوله، وإن فلانا أعطاه فصيلا مخلولا، اللهم لا تبارك فيه ولا في إبله، فبلغ ذلك الرجل فجاء بناقة حسناء، فقال أتوب إلى الله عز وجل وإلى نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم بارك فيه وفي إبله".
(2)
فمن الأول ما رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن أبي أوفى، قال:"كان أبي من أصحاب الشجرة وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: اللهم صل على آل فلان، قال فأتاه أبي بصدقته، فقال: اللهم صل على آل أبي أوفى"، ومن الثاني ما رواه النسائي عن وائل بن حجر:"أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ساعيا فأتى رجلا فآتاه فصيلا مخلولا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم بعثنا مصدق الله ورسوله، وإن فلانا أعطاه فصيلا مخلولا، اللهم لا تبارك فيه ولا في إبله، فبلغ ذلك الرجل فجاء بناقة حسناء، فقال أتوب إلى الله عز وجل وإلى نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم بارك فيه وفي إبله".
الغنم أربعون شاة، وأدنى نصاب الإبل خمس، وأدنى نصاب البقر ثلاثون، ونصاب الفضة مائتا درهم، ونصاب الذهب عشرون مثقالا. فإذا ملك الإنسان نصابا من الذهب وقدره إحدى عشر جنيها ونصفا أو ملك نصابا من الفضة وقدره ستة وخمسون ريالا عربيا تقريبا وحال عليه الحول وجبت فيه الزكاة ربع العشر، وكذلك الأوراق التي كثرت في أيدي الناس وصار التعامل بها أكثر من غيرها فإذا ملك الإنسان منها ما يقابل نصابا من الفضة وحال عليها الحول فإنه يخرج منها زكاتها ربع عشرها، أما العروض وهي ما اشتراها الإنسان للربح فإنها تقوم في آخر العام ويخرج ربع عشر قيمتها، وإذا كان للإنسان دين على أحد فإنه يزكيه إذا قبضه، فإن كان الدين على مليء فالأفضل أن يزكيه عند رأس الحول، وله أن يؤخر زكاته حتى يقبضه.
ويجب إخراج الزكاة في بلد المال إلا لعذر شرعي.
ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب.
ولا يجوز صرفها لغير أهلها الثمانية الذين ذكرهم الله بقوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ} (1).
(1) سورة التوبة الآية 60
والزكاة حق الله فلا تجوز المحاباة بها ولا أن يجلب الإنسان بها لنفسه نفعا أو يدفع ضرا.
فاتقوا الله أيها المسلمون وتذكروا ما أوجب الله عليكم من الزكاة وما يقاسيه الفقراء والمساكين من ويلات الفقر والفاقة، وبادروا إلى إخراج زكاة أموالكم طيبة بها نفوسكم، خالصة لوجه الله، لا من فيها، ولا أذى، ولا رياء ولا سمعة، اغتنموا الفرصة قبل فوات الأوان:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (1).
جعلني الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ونفعنا بهذه الذكرى، وهدانا جميعا إلى طريق الحق والخير والفلاح، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
في يوم الجمعة 10 رمضان المبارك 1375 هـ
(هذه الفتوى قدمها لي عبد الله بن إبراهيم بن جار الله أثابه الله).
الثانية: في الموضوع أيضا
من محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف إلى من تبلغه النصيحة من إخواننا المسلمين، سلك الله بنا وبهم صراطه المستقيم، وجنبنا
(1) سورة البقرة الآية 254
وإياهم سبل أصحاب الجحيم، ووفقنا جميعا للتمسك بشرائع الدين القويم، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد: فالموجب لهذه الكلمة هو النصيحة والشفقة وإقامة الحجة والإعذار من كتمان ما يلزم بيانه للناس، ومن أهم ذلك في هذه الأيام بيان ما يلزم من أحكام الزكاة التي هي ثالث أركان الإسلام، وثانية الصلاة وقرينتها، قرنها الله تعالى بالصلاة في نيف وثلاثين موضعا من كتابه العزيز؛ لكون هذه الأيام غالبا وقت إخراج الزكاة، ولمزيتها بمضاعفة الحسنات، وورود الوعيد الشديد على تركها، والتغليظ في منعها، قال الله تعالى:{وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (1)، وقال تعالى:{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} (2)، وهذا الوعيد مفسر بالحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من آتاه
(1) سورة آل عمران الآية 180
(2)
سورة التوبة الآية 34
الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه - يعنى شدقيه - ويقول: أنا مالك، أنا كنزك، ثم تلا هذه الآية: وقال تعالى: الآية (3)».
وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره (4)» والآيات والأحاديث في التغليظ في مانع الزكاة وعقوبته كثيرة معروفة.
والأموال التي تجب فيها الزكاة:
أحدها: سائمة بهيمة الأنعام، وهي: الإبل، والبقر، والغنم.
الثاني: الخارج من الأرض: من الحبوب والثمار، وما يلحق بها كالعسل.
الثالث: الأثمان، وهي النقود: من الذهب، والفضة، وما يقوم
(1) البخاري الزكاة (1338)، النسائي الزكاة (2482)، ابن ماجه الزكاة (1786)، مالك الزكاة (596).
(2)
(3)
سورة التوبة الآية 35 (2){يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ}
(4)
تقدم هذا الحديث، والحديث الآتي بعده في النصيحة قبله.
مقامها من فلوس وأوراق نقدية، وكذلك حلي الذهب والفضة إذا بلغ نصابا بنفسه أو بما يضم إليه من جنسه وفي حكمه، ولم يكن معدا للاستعمال ولا للعارية، وأقل نصاب الذهب عشرون مثقالا، وبالجنيه السعودي وكذلك الإفرنجي أحد عشر جنيها ونصف جنيه تقريبا، وأقل نصاب الفضة مائتا درهم، وبالريال العربي ستة وخمسون ريالا، وبالفرنسي ثلاثة وعشرون ريالا تقريبا.
الرابع: عروض التجارة، وهي كل ما أعد للبيع والشراء لأجل الربح والتكسب من جميع سلع التجارة كالمجوهرات ونحوها، وكذلك السيارات والمكائن وغيرها من المنقولات والثابتات كالعقارات من أرض وبيوت ونحوها إذا تملكها بفعله بنية التجارة فإنها تعتبر سلعة تجارة، ويلزمه أن يقومها عند الحول بما تساوي من الثمن لدى أهل الصنف، ولا ينظر إلى رأس مالها الذي اشتراها به، وعليه أن يؤدي قيمتها عند الحول إذا بلغت نصاب الذهب والفضة، لعموم حديث سمرة:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعده للبيع (1)» رواه أبو داود، كما عليه أن يزكي الديون التي له في ذمم الناس إذا قبضها.
وإذا استفاد مالا مستقلا خارجا عن ربح التجارة كالأجرة والراتب ونحوها فإنه يبتدئ له حولا من حين استفاده، ويزكيه إذا تم حوله.
(1) أبو داود الزكاة (1562).
وأما مصرفها فقد بينه الله تعالى بقوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (1). فلا يجوز صرفها إلى غير هؤلاء الأصناف الثمانية كبناء المساجد والمدارس وتكفين الموتى ووقف المصاحف وكتب العلم وغير ذلك من جهة الخير.
ويجب إخراجها عند تمام الحول فورا إلا لعذر شرعي.
ولا يدفعها إلا لمن يغلب على الظن أنه من أهلها لأنها لا تحل لغني ولا لقوي مكتسب كما في حديث عبيد الله بن عدي بن الخيار رواه أبو داود والنسائي، فليتق الله من لا تحل له أن يأخذ منها شيئا فإنها سحت ومحق لما في يده قبلها من المال.
ولا يجزئ إخراجها إلا بنية سواء أخرجها بنفسه أو بوكيله، وسواء دفعها إلى مستحقها أو إلى نائب الإمام ليفرقها على مستحقيها لحديث:«إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى (2)» .
ولا يجوز دفعها إلى أصوله أو إلى فروعه أو زوجته أو إلى أحد ممن تلزمه نفقته، ولا يحابي بها قريبه، أو يقي بها ماله، ولا يدفع بها مذمة.
(1) سورة التوبة الآية 60
(2)
متفق عليه.
وينبغي للإنسان الاستكثار من صدقة التطوع أيضا في هذا الشهر الكريم والموسم العظيم، لحديث أنس:«سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الصدقات أفضل؟ فقال: صدقة في رمضان (1)» رواه الترمذي، وقال صلى الله عليه وسلم:«من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يصعد إلى الله إلا الطيب فإن الله يقبلها بيمنه ثم يربيها لصاحبها حتى تكون مثل الجبل العظيم (2)» متفق عليه، وعن أنس مرفوعا:«إن الصدقة لتطفئ غضب الرب، وتدفع ميتة السوء (3)» والآيات والأحاديث في هذا كثيرة معروفة.
نسأل الله أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه، وأن يشملنا وإياكم بعفوه ومغفرته ورحمته، وأن ينصر دينه، ويعلي كلمته، ويذل أعداءه، ويؤيد إمام المسلمين، ويأخذ بناصيته لما فيه الخير والصلاح، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. في 10 - 9 - 1376 هـ.
(هذه النصيحة قدمها لي ناصر الخطيب - أثابه الله).
(1) الترمذي الزكاة (663).
(2)
البخاري الزكاة (1344)، مسلم الزكاة (1014)، الترمذي الزكاة (661)، النسائي الزكاة (2525)، ابن ماجه الزكاة (1842)، أحمد (2/ 331)، مالك الجامع (1874)، الدارمي الزكاة (1675).
(3)
الترمذي الزكاة (664).