الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: الكفر الأكبر حده وحكمه وبعض الأمثلة عليه:
ينقسم الكفر إجمالا إلى نوعين (1):
الأول: كفر اعتقادي ينقل عن الملة، وهذا هو الكفر الأكبر، وهو موجب للخلود في النار.
والثاني: كفر عملي لا اعتقادي، وهو الكفر الأصغر. وهذا النوع موجب لاستحقاق الوعيد، دون الخلود في النار.
فأمر الكفر الاعتقادي: فيكون بتكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم، أو مخالفته ومعاداته بدون تكذيب، وهو مضاد للإيمان من كل وجه؛ ذلك أنه " لا بد في الإيمان الذي في القلب من تصديق بالله ورسوله، وحب الله ورسوله، وإلا فمجرد التصديق مع البغض لله ولرسوله، ومعاداة الله ورسوله ليس إيمانا باتفاق المسلمين ".
وهذا الكفر لما كان مضادا للإيمان من كل وجه فإنه يخرج صاحبه من الدين والملة، ويحبط عمله، ويوجب له الخلود في النار. وهو يتنوع إلى ستة أنواع هي:
1 -
كفر الإنكار: وهو أن ينكر بقلبه ولسانه؛ بأن لا يعرف الله
(1) ينظر مجموع الفتاوى، ابن تيمية، 7/ 228.
أصلا، ولا يعترف به، ولا يعرف ما يذكر له من التوحيد.
2 -
كفر الجحود: وهو أن يعرف الله بقلبه ولا يقر ولا يعترف بلسانه؛ قال تعالى عن كفر فرعون وأتباعه: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} (1).
3 -
كفر الإباء والاستكبار: مثل كفر إبليس فإنه لم يجحد أمر الله ولم ينكره، فهو لم يخبر بخبر، وإنما أمره الله بالسجود فقابله بالإباء والاستكبار، وكذلك كان كفر كثير من الأمم.
4 -
كفر الإعراض: وذلك بأن يعرض بسمعه وقلبه عن الرسول، لا يصدقه ولا يكذبه، ولا يواليه ولا يعاديه، ولا يصغي إليه البتة.
5 -
كفر الشك: بأن لا يجزم بصدق النبي ولا كذبه، بل يشك في أمره.
6 -
كفر النفاق: وذلك بأن يظهر بلسانه الإيمان ويطوي بقلبه التكذيب؛ قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} (2).
(1) سورة النمل الآية 14
(2)
سورة البقرة الآية 8
فهذه أنواع الكفر الأكبر التي ذكرها العلماء، وهي كلها تضاد الإيمان كما سبق، قال ابن تيمية:(الكفر عدم الإيمان بالله ورسله سواء كان معه تكذيب، أو لم يكن معه تكذيب، بل شك وريب، أو إعراض عن هذا كله حسدا أو كبرا أو اتباعا لبعض الأهواء الصارفة عن اتباع الرسالة)(1).
أمثلة الكفر الأكبر:
تحصل الردة التي هي الكفر بعد الإسلام بالقول، والفعل، والاعتقاد، والشك.
(1) مجموع الفتاوى، ابن تيمية، 12/ 335.
وأعظم المكفرات: الشرك بالله: مثل دعاء الأموات، والاستعانة بهم، ودعاء الأصنام، والأشجار، والكواكب، ونحو ذلك.
وكذلك جحد ربوبية الله، أو وحدانيته؛ قال القاضي عياض:" كل مقالة صرحت بنفي الربوبية، أو الوحدانية، أو عبادة أحد غير الله أو مع الله فهي كفر ".
وقال: " وكذلك من اعترف بإلهية الله ووحدانيته، ولكنه اعتقد أنه غير حي، أو غير قديم، وأنه محدث، أو مصور، أو ادعى له ولدا، أو صاحبة، أو والدا، أو أنه متولد من شيء، أو كائن عنه، أو أن معه في الأزل شيئا قديما غيره، أو أن ثم صانعا للعالم سواه، أو مدبرا غيره، فذلك كله كفر بإجماع المسلمين "(1).
وقال: " كذلك من ادعى مجالسة الله، والعروج إليه، ومكالمته،
(1) المصدر السابق نفسه، ص 605.
أو حلوله في أحد الأشخاص .. وكذلك من قال بقدم العالم أو بقائه أو شك في ذلك ".
أيضا من المكفرات التي أجمع العلماء على كفر صاحبها: سب الله، أو سب رسول الله صلى الله عليه وسلم، سواء كان الساب يعتقد أن ذلك محرم، أو كان مستحلا له، أو كان ذاهلا عن اعتقاده.
ومن المكفرات: تجويز الكذب على الأنبياء، وادعاء النبوة، أو تصديق من ادعاها؛ لأن مسيلمة الكذاب لما ادعى النبوة فصدقه قومه صاروا مرتدين، وكذلك ذو الخمار ومصدقوه (1).
(1) ينظر: الشفا، القاضي عياض: 2/ 67 - 69، المغني ابن قدامة: 12/ 298.
ومنها الاستهزاء بالله تعالى أو بآياته أو برسله (1).
وكذلك لو استهان بالمصحف وألقاه في القاذورات؛ قال القاضي عياض: " واعلم أن من استخف بالقرآن أو المصحف، أو بشيء منه، أو سبهما، أو جحده، أو حرفا منه أو آية، أو كذب به، أو بشيء منه، أو بشيء مما صرح به فيه من كلم أو خبر، أو أثبت ما نفاه، أو نفى ما أثبته على علم منه بذلك، أو شك في شيء من ذلك فهو كافر عند أهل العلم بإجماع "(2).
ويكفر من أنكر شيئا مما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وكان معلوما من الدين بالضرورة؛ فهو كافر، مثل من ينكر: الملائكة، أو الكتب، أو الرسل، أو الجنة والنار، والبعث، وغير ذلك.
وكذلك من جحد ما علم من الدين بالضرورة أنه واجب؛ كالصلاة والزكاة، ومن جحد ما علم من الدين بالضرورة أنه محرم كالزنا والسرقة فهو كافر (3).
(1) ينظر: المغني، بن قدامة: 12/ 298.
(2)
الشفا، القاضي عياض: 2/ 646.
(3)
ينظر: المصدر السابق: 2/ 613 - 615، فتاوى اللجنة الدائمة: 2/ 3 - 4.
قال القاضي عياض: " وكذلك نقطع بتكفير كل من كذب وأنكر قاعدة من قواعد الشرع، وما عرف يقينا بالنقل المتواتر من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ووقع الإجماع المتصل عليه "(1).
وقد اتفق المسلمون على أن من لم يأت بالشهادتين فهو كافر (2)، أما بقية أركان الإسلام الأربعة فاختلفوا في تكفير تاركها، وأشهر ما اختلفوا فيه تكفير تارك الصلاة تهاونا وكسلا - مع إقراره بوجوبها - فالأكثرون على كفره ومن أدلتهم قوله صلى الله عليه وسلم:«بين الرجل والكفر ترك الصلاة (3)» .
وكذلك حديث عبد الله بن شقيق قال: «كان أصحاب رسول الله لا يرون من الأعمال شيئا تركه كفر غير الصلاة (4)» .
وذهب إلى هذا القول جماعة من السلف والخلف، وهو قول ابن
(1) الشفا، القاضي عياض: 2/ 612.
(2)
ينظر: مجموع الفتاوى، ابن تيمية: 7/ 302، جامع العلوم والحكم، ابن رجب 1/ 327.
(3)
أخرجه مسلم (82)، وأبو داود (4678)، والترمذي (2618)، وابن ماجه (1078).
(4)
أخرجه الترمذي (2622)، ورواه ابن أبي شيبة في المصنف: 11/ 49.
المبارك وأحمد وإسحاق، وحكى إسحاق عليه إجماع أهل العلم.
وقال محمد بن نصر المروزي: هو قول جمهور أهل الحديث (1).
والمذهب الثاني: عدم تكفير تارك الصلاة، وهو مذهب كثير من الفقهاء، وقول أبي حنيفة ومالك والشافعي، واختيار
(1) تعظيم قدر الصلاة، المروزي 2/ 636، وينظر: جامع العلوم والحكم، ابن رجب 1/ 147.
ابن بطة.
قال ابن الوزير: (أما إطلاق الكفر عليه فصحيح، ولكنه يحتمل كفرا دون كفر، ودلت على هذا دلائل منها حديث عبادة عنه صلى الله عليه وسلم: «ومن لم يحافظ عليها فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء غفر له (1)».
(1) رواه أبو داود (425) و (1420)، والنسائي 1/ 230، وابن ماجه (1401)، وأحمد: 5/ 315، 317، 319، 323.