الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكرهم وتعيينهم، ذلك أن بدعة التكفير أشد من غيرها من البدع (1).
(1) ينظر مجموع الفتاوى ابن تيمية 28/ 233.
المبحث الثالث: أساس بدعة الخوارج:
جاء في الأحاديث السابقة - وغيرها - الإشارة إلى اجتهاد الخوارج في العبادة من صلاة، وصيام، وتلاوة قرآن وما إلى ذلك من إظهار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكذلك جاء التحذير الشديد منهم في الأحاديث وعلى لسان الصحابة - كما سبق من وصف ابن عمر لهم بأنهم شرار الخلق، وذلك أن أساس بدعتهم كما يقول الآجري - أنهم " قوم يتأولون القرآن على ما يهون، ويموهون على المسلمين "(1). فمذهبهم قام على الغلو والتشدد في فهم الدين (2).
فهم كانوا جهالا فارقوا السنة والجماعة يتأولون القرآن على غير المراد منه، ويستبدون برأيهم، ويتنطعون في الزهد والخشوع (3)، ووصفهم ابن عباس عند ذهابه لمناظرتهم فقال: " فأتيت فدخلت
(1) الشريعة، الآجري ص:21.
(2)
تاريخ المذاهب الإسلامية أبو زهرة ص: 79.
(3)
فتح الباري، ابن حجر: 12/ 283.
على قوم لم أر أشد اجتهادا منهم، أيديهم كأنها ثفن الإبل، ووجوههم معلمة من آثار السجود) (1).
وكان لعسكرهم مثل دوي النحل من قراءة القرآن، وفيهم أصحاب البرانس الذين كانوا معروفين بالزهد والعبادة (2).
فالخوارج كان فيهم غلو في الديانة وتشديد في غير موضع التشديد، وتنطع في العبادة بحمل النفس على ما لم يأذن فيه الشرع مع وصف الشارع الشريعة بأنها سهلة سمحة، ومع أنه ندب إلى الشدة مع الكفار وإلى الرأفة بالمؤمنين فعكس ذلك الخوارج (3).
ولما ذكر لابن عباس الخوارج وما يلقون عند قراءة القرآن، قال: يؤمنون بمحكمه ويهلكون عند متشابهه (4).
وكان علي يقول وهو يمشي بين القتلى منهم: بؤسا لكم، لقد ضركم من غركم. فقال أصحابه: يا أمير المؤمنين: ومن غرهم؟ قال: الشيطان والنفس الأمارة بالسوء، غرتهم بالأماني، وزينت لهم المعاصي، ونبأتهم أنهم ظاهرون (5).
(1) تلبيس إبليس ابن الجوزي: 91، فتح الباري، ابن حجر: 12/ 289.
(2)
فتح الباري، ابن حجر: 12/ 296.
(3)
فتح الباري، ابن حجر: 12/ 301 ينظر شرح النووي: 7/ 166.
(4)
فتح الباري، ابن حجر: 12/ 300 وقال: إسناده صحيح.
(5)
البداية والنهاية، ابن كثير: 7/ 299.
وكان عبد الله بن وهب الراسبي - أحد أمراء الخوارج - قد قحلت مواضع السجود منه من شدة اجتهاده وكثرة السجود (1).
فلا ينازع في أن الخوارج كان لهم من الصلاة والصيام والقراءة والعبادة والزهادة ما لم يكن لعموم الصحابة، ولكن ضلالهم كان في اعتقادهم في أئمة الهدى وجماعة المسلمين أنهم خارجون عن العدل، وأنهم ضالون، وأنهم هم - أي الخوارج - أعلم من علي بن أبي طالب وسائر الصحابة الذين عاصروا التنزيل فهم أعلى بالتأويل منهم، وهذا ما ذكره ابن عباس لهم عندما ذهب لمناظرتهم فقال: أتيتكم من عند المهاجرين والأنصار، ومن عند صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليهم نزل القرآن، وهم أعلم بتأويله منكم (2).
فالخوارج لم يتحملوا ما فعله أميرا المؤمنين عثمان وعلي رضي الله عنهما من أنواع التأويل فجعلوا - كما يقول ابن تيمية: " موارد الاجتهاد بل الحسنات ذنوبا، وجعلوا الذنوب كفرا، ولهذا لم يخرجوا في زمن أبي بكر وعمر لانتفاء تلك التأويلات وضعفهم "(3).
ولا غرو في أن ينكر الخوارج على الصحابة رضوان الله عليهم
(1) المصدر نفسه 7/ 300.
(2)
تلبيس إبليس ابن الجوزي 92.
(3)
مجموع الفتاوى ابن تيمية 28/ 495.
وعلى علي رضي الله عنه ما فعله من قصد المصلحة من التحكيم ومحو اسمه وما تركه من سبي نساء المؤمنين وصبيانهم، فقد أنكر أولهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم إعطاء المؤلفة قلوبهم مع ما فيه من المصلحة، وهذا إنما ينكره ذوو الدين الفاسد الذي لا يصلح به دنيا ولا آخرة، فلهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم وقال:«لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد (1)» أي قتلا عاما مستأصلا، وأخبر أنهم شر الخلق والخليقة (2).
قال الآجري: " فلا ينبغي لمن رأى اجتهاد خارجي قد خرج على إمام عدلا كان الإمام أو جائرا، فخرج وجمع جماعة، وسل سيفه، واستحل قتال المسلمين، فلا ينبغي له أن يغتر بقراءته للقرآن، ولا بطول قيامه في الصلاة، ولا بدوام صيامه، ولا بحسن ألفاظه في العلم، إذا كان مذهبه مذهب الخوارج "(3).
ويجدر هنا التأكيد على أن حسن النية، وسلامة القصد بمجردها لا تكفي، فالخوارج ضلوا من حيث أرادوا الخير (4). وهذا يذكرنا بقول ابن مسعود رضي الله عنه لما رأى قوما في المسجد ينتظرون الصلاة معهم حصى وفيهم رجل يقول: كبروا مائة، فيكبرون مائة، ثم يقول:
(1) أخرجه مسلم (1064).
(2)
ينظر: مجموع الفتاوى ابن تيمية 28/ 497، 502.
(3)
الشريعة، الآجري:21.
(4)
تاريخ المذاهب الإسلامية أبو زهرة ص: 76.