الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما (1)» .
وفيه: «من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما (2)» .
فإذا كانت هذه عقوبة قاتل عدو الله إذا كان في عهده وأمانه، فكيف عقوبة قاتل عبده المؤمن الذي صح أن الله يعادي من يؤذيه ويؤذنه بالحرب (3).
فإذا كان للتكفير هذه الآثار والتي من أعظمها القتل، فإنه لا يحكم به إلا القضاة الذين يتولون الفصل والقضاء في سائر الحدود، فمن باب أولى ألا يحكم بارتداد المرتد غيرهم.
ويؤخذ من قول الفقهاء وعامة أهل العلم أن قتل المرتد إلى الإمام حرا كان أو عبدا؛ أن الإمام أو نائبه هو الذي يتولى إقامة حد القتل (4).
(1) أخرجه البخاري: 6862 وأخرجه أحمد: 2/ 94.
(2)
أخرجه البخاري (3166).
(3)
العواصم والقواصم ابن الوزير: 9/ 34.
(4)
ينظر: المغني ابن قدامة: 12/ 272.
الخاتمة:
الحمد الله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على خير خلق الله وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد، فقد كان أهم ما
تضمنه البحث ما يلي:
1 -
أن الكفر في اللغة هو الستر والتغطية، وهو في الشرع ضد الإيمان، وسمي بذلك لأنه تغطية للحق وستر له، ولما كان الإيمان عند أهل السنة والجماعة ذا شعب متعددة، منها ما يزول الإيمان بزوالها، ومنها ما يضعف الإيمان بزوالها، فكذلك الكفر ذو شعب متعددة، منها ما يوجب الكفر ومنها ما هو من خصال الكفار، وموجبة للذم والعقاب، فما كان من النوع الأول سمي الكفر الأكبر الاعتقادي، وأما النوع الثاني فهو الكفر الأصغر العملي.
2 -
تحصل الردة بالقول والفعل والاعتقاد والشك، وأعظم المكفرات الشرك بالله، ومن المكفرات التي ذكرها العلماء: جحد ربوبية الله أو وحدانيته، أو سب الله أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم، تجويز الكذب على الأنبياء، والقاعدة في هذا: من أنكر شيئا معلوما من الدين بالضرورة فهو كافر، وكذلك من جحد ما علم بالضرورة أنه واجب أو أنه محرم.
3 -
جاء في كثير من النصوص تسمية بعض الذنوب كفرا، ومن تلك الذنوب: قتال المسلمين بعضهم لبعض، تكفير المسلم لأخيه المسلم، الحكم بغير ما أنزل الله، إتيان الكهان، إتيان النساء في أدبارهن، الحلف بغير الله، الطعن
في النسب، والنياحة على الميت؛ وأجمع أهل السنة أن صاحبها لا يكفر الكفر الأكبر المخرج عن الملة. وأتى في نصوص أخرى نفي الإيمان عن الزاني والسارق وشارب الخمر، وأجمع أهل السنة أن المراد نفي كمال الإيمان. كذلك جاء في النصوص إطلاق النفاق على الكذب والخيانة والغدر والفجور، وأجمع أهل السنة أن المراد النفاق الأصغر. فأهل السنة مجمعون إجمالا على أن مرتكب الكبيرة لا يكفر كفرا مخرجا عن الملة، إذ لو كان كذلك لكان مرتدا يقتل على كل حال، فلا يقبل عفو ولي القصاص، ولا تجرى الحدود.
4 -
كان الخوارج أشهر من خالف في مسألة التكفير فقالوا بكفر صاحب الكبيرة، وكان خروجهم الحقيقي في عهد علي رضي الله عنه وقد جاءت نصوص كثيرة في ذمهم والتنفير منهم في السنة النبوية وفي أقوال الصحابة رضي الله عنهم.
5 -
يتمثل منهج الخوارج في تأويل القرآن على غير المراد منه وعلى التشدد في فهم الدين والتنطع والاستبداد بالرأي ولا ينازع أن لهم من العبادة ما لم يكن لغيرهم، وهذا بمجرده لا يغني من الحق شيئا ..
6 -
أن التكفير من الأحكام الشرعية والتي يجب التثبت فيها
غاية التثبت، فلا يصار إليه بمجرد الظن والهوى، فمن أعظم البغي أن يشهد على مؤمن معين أنه مخلد في النار، ومما يدل على خطورته ما ذكره الفقهاء من الأحكام الخاصة بالمرتد مثل: قتله، وترك الصلاة عليه، وتحريم ذبيحته، وعدم صحة تزويجه، وكون ماله يصير فيئا، وما إلى ذلك من عقوبات هي أعظم من عقوبة الكافر الأصلي، ولما كان الأمر بهذه الخطورة وللتكفير هذه الآثار والتي من أعظمها القتل فإنه لا يحكم به إلا القضاة المشهود لهم بالعلم والفقه، ولا يقيم الحدود ومن أعظمها حد الردة إلا الإمام أو نائبه.
ختاما أسأل الله بمنه وكرمه أن ينفع بهذا البحث وأن يجعله خالصا لوجهه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.