الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: أنواع النفاق
ينقسم النفاق إلى نوعين:
أحدهما: النفاق الأكبر، وهو النفاق الاعتقادي، أي في أصل الدين، وهو مخرج من الإسلام، وصاحبه في الدرك الأسفل من النار، وعامة الآيات القرآنية يقصد بها هذا المعنى (1).
والثاني: النفاق الأصغر، وهو النفاق العملي أي النفاق في فروع الدين، وهو دون الكفر، لكنه اختلاف بين السريرة والعلانية، فمن أظهر أنه صادق أو موف أو أمين، وأبطن الكذب والغدر والخيانة ونحو ذلك فهذا هو النفاق الأصغر الذي يكون صاحبه فاسقا، لا أن يبطن في قلبه كفرا وشكا وتكذيبا يخفيه عن الناس، ويظهر إسلاما لا حقيقة له. وهذا النوع من النفاق جاءت به السنة. والأصل فيه ما ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو وأبي هريرة وغيرهما من الصحابة رضي الله عنهم في ذكر آية المنافق فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي
(1) انظر النفاق وأثره د. عادل الشدي ص (46).
صلى الله عليه وسلم أنه قال: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان (1)» .
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا ائتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر (2)» .
فهذه كلها أعمال إذا كان فاعلها مؤمنا بالله وحده، قد سلم اعتقاده مما يخرجه من الدين، فنفاقه نفاق أصغر، وهذه الخصال قد توجد في المسلم الصادق الذي ليس فيه شك. قال النووي رحمه الله عند شرح هذا الحديث:" وقد أجمع العلماء على أن من كان مصدقا بقلبه ولسانه، وفعل هذه الخصال لا يحكم عليه بكفر ولا هو منافق يخلد في النار، فإن إخوة يوسف عليه السلام جمعوا هذه الخصال "(3)، وهذا النفاق الأصغر هو النفاق الذي كان يخافه السلف على نفوسهم (4).
(1) رواه البخاري في كتاب الإيمان (1/ 89) ومسلم في كتاب الإيمان (1/ 78) رقم (59).
(2)
رواه البخاري في الإيمان (1/ 89)، ومسلم في الإيمان (1/ 78) رقم (58)
(3)
صحيح مسلم بشرح النووي (2/ 46 و 47).
(4)
مجموع الفتاوى لابن تيمية (7/ 428) وفتح الباري (1/ 111).
قال ابن أبي مليكة (ت 17 هـ): أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه، (1) قال ابن حجر (ت 852 هـ): " والصحابة الذين أدركهم ابن أبي مليكة من أجلهم عائشة وأختها أسماء وأم سلمة والعبادلة الأربعة وأبو هريرة
…
، وقد أدرك بالسن جماعة أجل من هؤلاء كعلي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص. وقد جزم بأنهم كانوا يخافون النفاق في الأعمال ولم ينقل عن غيرهم خلاف ذلك، فكأنه إجماع، ولا يلزم من خوفهم من ذلك وقوعه منهم، بل ذلك على سبيل المبالغة منهم في الورع والتقوى رضي الله عنهم " (2).
فخوفهم كان من النفاق الأصغر لا الأكبر، لأنه لا يعقل أن يكون النفاق الذي خافه أولئك الصحابة هو إبطان الكفر، فإنهم يعلمون من أنفسهم أنهم لا يبطنون كفرا، وقد زكاهم الله وأثنى عليهم، فهم يعلمون براءتهم من هذا النفاق المخرج من الإسلام، فتعين أن يكون مقصودهم النفاق الأصغر.
(1) رواه البخاري معلقا في صحيحه كتاب الإيمان (1/ 109).
(2)
فتح الباري (1/ 110 و 111).