الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمرجفون في المدينة: هم أهل النفاق، الذين يرجفون برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالمؤمنين، والإرجاف الكذب الذي نافقه أهل النفاق، وكانوا يقولون: أتاكم عدد وعدة، ليوقعوا في الناس الرعب. فتوعدهم الله سبحانه لئن لم ينتهوا لنحرشنك عليهم فلا يسكنون المدينة معك، ملعونين على كل حال أخذوا وقتلوا تقتيلا، إذا هم أظهروا النفاق.
المبحث الخامس:
الصفة الخامسة: تجريح القيادة، ونسبة ما يصيب المسلمين من سيئة لسوء تصرفها:
وصف الله المنافقين بأنهم قوم إذا أصابتهم حسنة من خير أو نصر أو غنيمة قالوا: هذه من عند الله، وإذا أصابتهم سيئة كالهزيمة والقتل تشاءموا بمحمد صلى الله عليه وسلم، وقالوا: هذه من عندك يا محمد، أسأت التصرف وأسأت النظر، ما أحسنت التدبير وما أصابنا من شر فهو بسبب اتباعنا لك، وإذا كانوا يقولون هذا لمحمد صلى الله عليه وسلم، فهم يقولونه لغيره من قيادات الجيوش بعده من باب أولى، وهم بهذا يلبسون على العوام، ويوهمون الناس بخلاف الواقع، ويجرحون القيادة ويحطمونها، قال تعالى:{وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} (1)،
(1) سورة النساء الآية 78
وقد شابهوا في هذا قوم موسى عليه السلام قال تعالى: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (1).
والمنافقون دخلوا في الإسلام ظاهرا، وإلا فهم كارهون له في نفس الأمر، ولهذا إذا أصابهم شر نسبوه إلى اتباعهم للإسلام، ولو فهموا وعقلوا لعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء إلا بالخير والبركة والفلاح لمن آمن به واتبعه.
وقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يخبرهم بأن الحسنة والسيئة والنصر والظفر والقتل والهزيمة كل ذلك من الله دون محمد صلى الله عليه وسلم ودون غيره، ولما كانت هذه المقولة من المنافقين ناشئة عن شك وريب، وعدم توكل على الله، وقلة فهم وعلم، وكثرة جهل، عيرهم سبحانه بهذا الجهل فقال:{فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} (2) فهم لا يكادون يعلمون حقيقة ما تخبرهم به من أن كل ما أصابهم من خير أو شر فمن عند الله، ولا يصيب أحدا شيء إلا بتقديره فإن مفاتيح الأشياء بيده لا يملك غيره شيئا منها (3).
(1) سورة الأعراف الآية 131
(2)
سورة النساء الآية 78
(3)
انظر: تفسير الطبري (5/ 174) المجلد الرابع وتفسير البغوي (1/ 454) وتفسير ابن كثير (1/ 528).
وما أصاب هؤلاء المنافقين سببه أفعالهم وكفرهم وسوء عقيدتهم وقبح أعمالهم، وذلك بقضاء الله وقدره وحكمته وعدله، لكن المنافق يعبد الله على حرف قال تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} (1)، على حرف أي على شك، فإن أصابه خير وهو النصر والسعة من العيش وما يشبهه من أسباب الدنيا، اطمأن به واستقر على الإسلام، وثبت عليه، وإن أصابته فتنة وهو العذاب والمصيبة والضيق بالعيش وما يشبهه انقلب على وجهه أي: ارتد كافرا (2)، قال الحسن البصري: هو المنافق يعبده بلسانه دون قلبه (3)، والمنافق حين ينسب الهزيمة إلى القيادة يكون قد تطير وأشرك، والطيرة هي: التشاؤم بمرئي أو مسموع ولا يكون إلا في قلوب أهل الشرك والعقائد الضعيفة الذين لا يجعلون توكلهم على الله، ولا يعلمون أن للكون إلها مدبرا وأن ما أصابهم من الله وليس من قادتهم.
والتطير شرك ينافي كمال التوحيد الواجب، لأن التوحيد عبادة واستعانة، قال تعالى:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (4)، كما أن
(1) سورة الحج الآية 11
(2)
انظر تفسير الطبري (17/ 122) المجلد العاشر.
(3)
تفسير البغوي (3/ 277).
(4)
سورة الفاتحة الآية 5