الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول
مفهوم الكفر وأنواعه
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: الكفر في اللغة والشرع
.
المبحث الثاني: الكفر الأكبر حده وحكمه وبعض الأمثلة عليه.
المبحث الثالث: الكفر العملي حده وحكمه وبعض الأمثلة عليه.
المبحث الأول: الكفر في اللغة والشرع:
الكفر في اللغة: مصدر كفر يكفر كفرا، وكفورا، وكفرانا، وكفره بالتشديد: نسبه إلى الكفر، أو قال له: كفرت بالله، وأكفره إكفارا: أي حكم بكفره.
قال ابن فارس: " الكاف والفاء والراء أصل صحيح يدل على معنى واحد، وهو الستر والتغطية ".
فأصل الكفر هو تغطية الشيء، وسمي الفلاح كافرا لتغطيته الحب بتراب الأرض؛ قال تعالى:{كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا} (1).
وسمي الليل كافرا لتغطيته كل شيء؛ قال لبيد بن ربيعة:
حتى إذا ألقت يدا في كافر
…
وأجن عورات الثغور ظلامها (2)
يريد الليل لأنه يغطي كل شيء ويستره بظلمته.
وجاء في كتاب العين: " والكافر: الليل والبحر ومغيب الشمس، وكل شيء غطى شيئا فقد كفره ". (3)
وليس الكافر اسما للفلاح أو الليل ولكنه وصف لهما، وكفران النعمة: جحودها وسترها، وهو ضد الشكر. وتستعمل كلمة الكفر في الدين أكثر من استعمالها في كفران النعمة، والكفران في جحود
(1) سورة الحديد الآية 20
(2)
الشعر والشعراء، عبد الله بن مسلم بن قتيبة، تحقيق: أحمد شاكر، القاهرة 1966م، 156.
(3)
كتاب العين، الخليل بن أحمد الفراهيدي، تحقيق: مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي، 5/ 357.
النعمة، والكفور فيهما جميعا.
وأما الكفر في الاصطلاح الشرعي فهو: ضد الإيمان، سمي بذلك لأنه تغطية وستر للحق.
والإيمان عند أهل السنة والجماعة: قول وعمل ونية، وأنكر السلف على من أخرج الأعمال عن الإيمان إنكارا شديدا، وأهم الأعمال عندهم عمل القلب؛ وإذا زال عمل القلب مع اعتقاد الصدق فأهل السنة مجمعون على زوال الإيمان، وأنه لا ينفع التصديق مع انتفاء عمل القلب، ويرى أهل السنة أن أعمال الجوارح تابعة لأعمال القلب ولازمة له " فإذا كان القلب صالحا بما فيه من الإيمان علما وعملا قلبيا لزم ضرورة صلاح الجسد ".
ومن اعتقادات أهل السنة أن الإيمان يزيد وينقص، وممن نقل الإجماع على ذلك البغوي: رحمه الله فقال: " اتفقت الصحابة
والتابعون فمن بعدهم من علماء السنة على أن الأعمال من الإيمان، وأن الإيمان قول وعمل وعقيدة، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية على ما نطق به القرآن في الزيادة، وجاء في الحديث بالنقصان في وصف النساء ".
والإيمان عند أهل السنة ذو شعب متعددة كما في الحديث الثابت: «الإيمان بضع وسبعون شعبة؛ أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان (1)» .
وهذه الشعب متفاوتة: منها ما يزول الإيمان بزوالها مثل: الشهادة، ومنها ما لا يزول الإيمان بزواله - بالاتفاق مثل: الإماطة،
(1) أخرجه البخاري (9)، ومسلم (35)، وأبو داود (4676)، والترمذي (2614)، والنسائي: 8/ 110، وابن ماجه (57)، وأحمد: 2/ 414.
ومنها ما يضعف الإيمان بزواله. فليست شعب الإيمان على درجة واحدة، فالإيمان مثل شجرة لها أصل، وفروع، وشعب، فاسم الشجرة يشمل ذلك كله، ولو زال شيء من شعبها وفروعها، لم يزل عنها اسم الشجرة، وإنما يقال: هي شجرة ناقصة أو غيرها أتم منها (1).
وكذلك الكفر - عند أهل السنة - ذو شعب متعددة منها ما يوجب الكفر، ومنها ما هو من خصال الكفار؛ فالكفر على مراتب: كفر دون كفر، كما أن الإيمان على مراتب: إيمان دون إيمان.
وقد أورد محمد بن نصر المروزي رحمه الله هذا الأصل وحكاه عن السلف فقال: " والكفر ضد الإيمان، إلا أن الكفر كفران: كفر هو جحد بالله وبما قال، فذلك ضد الإقرار بالله، والتصديق به، وبما قال، وكفر هو عمل ضد الإيمان الذي هو عمل ".
(1) ينظر الفتاوى، ابن تيمية، 7/ 597، كتاب الصلاة، ابن القيم، ص 53.