الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثامن: زكاة مؤخر الصداق:
فيه مطلبان:
المطلب الأول: بيان ما إذا كان مؤخر الصداق يؤثر في وجوب الزكاة في مال الزوج أم لا:
الزوج إذا لم يدفع المهر المؤخر لزوجته فإنه يكون باقيا في ذمته، وهو دين إذا مات الزوج قبل وفائه سدد من تركته، فإن لم تف التركة بجميع الديون قسمت التركة بين الدائنين بالحصص (1)، والصداق في الذمة دين للمرأة حكمه حكم الديون (2).
وهل يؤثر في وجوب الزكاة في مال الزوج المدين، فيحسم مقدار الدين من ماله الزكوي قبل إخراج الزكاة، فيه خلاف بين الفقهاء رحمهم الله تعالى، وهذا الخلاف أساسا في الدين، هل يمنع من وجوب الزكاة بعد مضي الحول في الأموال الظاهرة والباطنة، أو لا يمنع، أو يمنع في الباطنة دون الظاهرة؟ على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن الدين لا يمنع وجوب الزكاة مطلقا في الأموال
(1) المغني 10/ 188 - 189.
(2)
الحاوي الكبير 12/ 165 المغني 4/ 277.
الظاهرة والباطنة. وهذا قول الشافعي في الجديد، وهو المذهب (1)، ورواية عن أحمد (2)، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية (3)، وبه قال بعض الحنفية في المهر المؤجل، وبعض المالكية في المهر خاصة.
أدلة هذا القول:
(1) الوسيط 2/ 1033، روضة الطالبين 2/ 108.
(2)
الفروع 2/ 331، الإنصاف 6/ 339.
(3)
القواعد النورانية الفقهية ص 63.
الدليل الأول: العمومات الموجبة للزكاة كحديث أنس بن مالك رضي الله عنه في كتاب الصدقات الذي كتبه أبو بكر رضي الله عنه والذي ذكر فيه: وفي الرقة في كل مائتي درهم ربع العشر
…
ثم ذكر سائمة الأنعام «في كل خمس من الإبل شاة وفي كل أربعين شاة شاة» (1). فهذه العمومات لم تستثن الدين ولا غيره.
الدليل الثاني: ما رواه ابن السعدي المالكي قال: استعملني عمر بن الخطاب رضي الله عنه على الصدقة فلما فرغت منها وأديتها إليه أمر لي بعمالة، فقلت: إنما عملت لله وأجري على الله فقال: خذ ما أعطيت، فإني عملت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فعملني فقلت مثل قولك، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أعطيت شيئا من غير أن تسأل
(1) أخرجه البخاري في صحيحه مع الفتح، كتاب الزكاة، باب زكاة الغنم 3/ 371 - 372 برقم (1454).
فكل وتصدق (1)».
وجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث العمال الذين يقبضون الزكاة من أصحاب المواشي، ومن أصحاب الثمار، ولا يأمرهم بالاستفصال: هل عليهم دين أم لا؟ مع أن الغالب أن أهل الثمار عليهم ديون في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم لأن من عادتهم أنهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين، فيكون على صاحب البستان دين سلف، ومع ذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرص عليهم ثمارهم ويزكونها (2).
الدليل الثالث: استدلوا بأدلة عقلية وهي:
أولا: أن المديون مالك للنصاب، نافذ التصرف فيه، فوجبت الزكاة فيه كغيره (3).
ثانيا: أن الزكاة تتعلق بالعين، والدين يتعلق بالذمة، فلا يمنع أحدهما الآخر كالدين وأرش الجناية (4).
القول الثاني: أن الدين يسقط الزكاة في الأموال الباطنة، وأما الظاهرة
(1) أخرجه مسلم في صحيحه بشرح النووي كتاب الزكاة، باب جواز الأخذ بغير سؤال ولا تطلع 7/ 137.
(2)
الشرح الممتع 6/ 35.
(3)
مغني المحتاج 2/ 125.
(4)
المهذب 1/ 464.
فلا يسقط الدين وجوب الزكاة فيها وهذا قول زفر من الحنفية (1) ومذهب المالكية، وقول عند الشافعية ورواية عن أحمد، واختيار الشيخ عبد الرحمن السعدي (2).
(1) الاختيار لتعليل المختار 1/ 131.
(2)
إرشاد أولي البصائر والألباب لنيل الفقه بأقرب الطرق وأيسر الأسباب للسعدي ص 74 - 75.
أدلة هذا القول:
الدليل الأول: قول الله تعالى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (1) الآية.
وجه الاستدلال: أن مقتضى هذا النص العام أن تؤخذ الزكاة من الأموال كلها، ولو كان على مالكها دين، فخرج من ذلك الأموال الباطنة بإجماع الصحابة، فإن عثمان رضي الله عنه قد صاح بالصحابة: هذا شهر زكاتكم، فمن كان عليه دين فليؤد دينه، حتى تخلص أموالكم، فتؤدون منها الزكاة.
وقال هذا بمحضر من الصحابة فلم ينكر عليه أحد، فصار إجماعا، وهذا في الأموال الباطنة، فبقي ما سوى ذلك على العموم
(1) سورة التوبة الآية 103
فلا يسقط الدين زكاة الحرث والماشية (1).
نوقش هذا الاستدلال: بأن الآية عامة تشمل الأموال الباطنة أيضا (2).
وأما أثر عثمان رضي الله عنه فإننا نسلم أنه إذا كان على الإنسان دين حال وقام بالواجب وهو أداؤه، فليس عليه زكاة، لأنه سيؤدى من ماله، وسبق الدين يقتضي أن يقدم في الوفاء على الزكاة، لأن الزكاة لا تجب إلا إذا تم الحول، والدين سابق فكان لسبقه أحق بالتقديم من الزكاة ونقول لمن اتقى الله وأوفى ما عليه لا زكاة عليك إلا فيما بقي أما إذا لم يوف ما عليه وماطل لينتفع بالمال، ثم نقول هذا الدين الذي عليك يسقط الزكاة فهذا لا يتطابق مع الأثر (3).
الدليل الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم وبعده أبو بكر وعمر، وعثمان رضي الله عنهم كانوا يرسلون السعادة إلى أرباب الأموال الظاهرة فكانوا يأخذون من المواشي والحبوب والثمار، ولا يسألون أرباب هذه الأموال إن كان عليهم دين أم لا؟ (4).
(1) المقدمات الممهدات 1/ 280، 332 البيان والتحصيل 2/ 394.
(2)
الشرح الممتع 6/ 38.
(3)
الشرح الممتع 6/ 36.
(4)
الشرح الكبير لابن قدامة 6/ 342، شرح الزركشي 2/ 484، المبدع 2/ 271.
نوقش هذا الدليل:
بأن كون النبي صلى الله عليه وسلم يبعث العمال ولا يستفصلون يدل على أن الزكاة تتعلق بالمال، ولا علاقة للذمة فيها، وهذا لا فرق فيه بين المال الظاهر والمال الباطن، لأن الدين أمر باطن تستوي فيه الأموال الظاهرة والأموال الباطنة (1).
الدليل الثالث: استدلوا بأدلة عقلية وهي:
أولا: أن الأموال الظاهرة أمرها موكول إلى الإمام، فجاز أن يأخذها قهرا بخلاف الأموال الباطنة إذ يقبل فيها قول رب المال في ادعاء الدين، أو إخراجها (2).
ثانيا: أن الأموال الباطنة لا مطالب لها من جهة العباد، لأن الأداء للمالك (3).
ثالثا: أن الدين يمنع تنمية العين إذ يجوز لصاحب المال أن يقوم مطالبا بدينه، فيؤدي ذلك إلى أن يحجر على رب المال التصرف في ماله وهذا يمنع نماءه في الذهب والفضة، وأما الحرث
(1) الشرح الممتع 6/ 38.
(2)
الفواكه الدواني 1/ 386 - 387 شرح الخرشي 2/ 202.
(3)
الاختيار لتعليل المختار 1/ 131.
والماشية فلا يمنع الحجر نماءها لأنها نامية بنفسها وليست محتاجة في نمائها إلى تصرف ربها بها (1).
رابعا: أن الدراهم والدنانير لا تتعلق الحقوق بأعيانها بل بالذمة، فيتعلق بالذمة في الأموال الباطنة حقان: حق الزكاة، وحق الدين، فيقدم حق الدين، بخلاف الأموال الظاهرة فإن الزكاة تتعلق بأعيانها، ولا يتعلق الدين بأعيانها، فتقدم الزكاة (2).
خامسا: أن المال الظاهر ينمو بنفسه والباطن إنما ينمو بالتصرف فيه والدين يمنع من ذلك، ويحوج إلى صرفه في قضائه (3).
سادسا: أن تعلق الأطماع من الفقراء بالأموال الظاهرة أكثر، والحاجة إلى حفظها أوفر بخلاف الباطنة.
سابعا: أن وجوب الزكاة في الأموال الباطنة أضعف من وجوبها في الظاهرة، بدليل أن للإمام حقا في المطالبة في الظاهرة، ويجب
(1) الفواكه الدواني 1/ 386 - 387 شرح الخرشي 2/ 202 البيان والتحصيل 2/ 394.
(2)
المنتقى شرح الموطأ 2/ 114.
(3)
مغني المحتاج 2/ 125 - 126.
الرفع إليه، فيصير كأنه قد تعلق به حقان: حق الله تعالى، وحق للإمام وهو الأخذ وهذا المعنى معدوم في الأموال الباطنة، فكانت أضعف، فجاز أن تسقط الزكاة فيها بالدين لضعف سببها، ولأن من أصلنا أنه إذا كان عليه دين وله مال ناض وعروض من ماشية وغيرها، فإنه يجعل الدين في مقابلة الناض دون المواشي والحيوان، وهذا أيضا يدل على نقصان الملك في الأموال الباطنة لتوجه المطالبة نحوها، وقوة الملك في الأموال الظاهرة، لسلامتها عن المطالبة (1).
ثامنا: أن المصدق لو جاء فوجد إبلا وغنما لم يسأل صاحبها أي شيء عليك من الدين، ولكن يزكيها، وليس المال كذلك (2).
نوقشت التعليلات السابقة: بأن ما ذكر من الأموال الباطنة فيه نظر، فالتاجر عند الناس تاجر ومعروف فقد يكون عنده معارض سيارات ومخازن وأدوات وأنواع عظيمة من الأقمشة، ودكاكين كثيرة من المجوهرات، فأيهما أظهر هذا، أو غنيمات في فلاة بين
(1) الاختيار لتعليل المختار 1/ 131 الروايتين والوجهين 1/ 244.
(2)
المغني 4/ 149 - 150.
رمال عند بدوي لا يعرف في السوق؟ وما من شك أن الأول هو الأظهر فالخفاء والظهور أمر نسبي، فقد يكون الظاهر باطنا وقد يكون الباطن ظاهرا (1).
القول الثالث: إن الدين يمنع وجوب الزكاة في الأموال كلها، وقد روي هذا القول عن ابن عباس رضي الله عنه ومكحول والثوري (2) وهو مذهب الحنفية وقول الشافعي في القديم ورواية عن أحمد
(1) الشرح الممتع 6/ 39.
(2)
المغني 4/ 150.
وهي المذهب وعليها جماهير الأصحاب (1).
أدلة هذا القول:
الدليل الأول:
ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لمعاذ بن جبل رضي الله عنه حين بعثه على اليمن: «
…
فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم .. (2)» الحديث.
(1) الإنصاف 6/ 340.
(2)
جزء من حديث أخرجه البخاري في صحيحه مع الفتح، كتاب الزكاة، باب أخذ الصدقة من الأغنياء، وترد في الفقراء حيث كانوا 3/ 418 برقم (1496)، ومسلم في صحيحه بشرح النووي كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين، وشرائع الإسلام 1/ 196.
وجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر برد الزكاة إلى الفقراء والمدين فقير، فلا تجب عليه الزكاة كالفقير الذي ليس عنده نصاب (1).
نوقش هذا الاستدلال: بأن الخبر لا حجة فيه، لأن أول دليله لا ينفي أخذ الصدقة ممن ليس بغني، وثاني دليله مدفوع بالإجماع على وجود قسم ثالث يؤخذ منه ويدفع إليه، وهو ابن السبيل تؤخذ منه الصدقة عن أمواله الغائبة، وتدفع إليه الصدقة في سفره للحاجة الماسة (2).
الدليل الثاني:
قوله صلى الله عليه وسلم «خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى (3)» .
وجه الاستدلال: أن المدين محتاج، والصدقة إنما تجب على الأغنياء (4).
(1) المبسوط 2/ 184، بدائع الصنائع 2/ 817 - 818، رؤوس المسائل ص 218، الحاوي الكبير 4/ 324.
(2)
الحاوي الكبير 4/ 325.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه مع الفتح، كتاب الزكاة، باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى 3/ 345 برقم (1426)، ومسلم في صحيحه بشرح النووي، كتاب الزكاة، باب بيان أن اليد العليا خير من اليد السفلى 7/ 125، واللفظ لهما.
(4)
المغني 4/ 150.
نوقش هذا الاستدلال: بأن المدين أحد الأصناف الذين تدفع إليهم الزكاة لقضاء حاجتهم فهو من الغارمين فنقول نحن نقضي دينك من الزكاة، وأنت تتعبد الله بأداء الزكاة (1).
الدليل الثالث: أثر عثمان رضي الله عنه السابق وقد قاله عثمان بمحضر من الصحابة، ولم ينقل عن أحد منهم مخالفته فيكون إجماعا (2) وهو شامل للأموال كلها الظاهرة والباطنة.
نوقش هذا الأثر: بأنه لا دليل فيه على إسقاط الزكاة بالدين، وإنما يدل على تقديم قضاء الدين على الزكاة (3).
الدليل الرابع: استدلوا بأدلة عقلية وهي:
أولا: أن الزكاة أنما وجبت لمواساة الفقير ودفع حاجته، وحاجة المدين إلى وفاء دينه مقدمة على حاجة الفقير، فليس من الحكمة تعطيل حاجة المالك للوفاء بحاجة غيره (4).
نوقش هذا التعليل: بقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: نمانع من هذا الشيء فأهم شيء في الزكاة ما ذكره الله عز وجل
(1) الشرح الممتع 6/ 37.
(2)
شرح الزركشي 2/ 484، شرح منتهى الإرادات 1/ 369.
(3)
الحاوي الكبير 4/ 325.
(4)
شرح الزركشي 2/ 484، شرح منتهى الإرادات 1/ 369.
{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (1) الآية فهي عبادة يطهر بها الإنسان نفسه من الذنوب فإن الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار وتزكو بها النفوس، ويشعر الإنسان إذا بذلها بانشراح صدر واطمئنان قلب، فليس المقصود من الزكاة هو المواساة فقط، ثم على فرض أن من أهدافها المواساة فإن هذا لا يقتضي تخصيص العمومات، لأن تخصيص العمومات معناه إبطال جانب منها، وهو الذي أخرجناه بالتخصيص، وإبطال جانب من مدلول النص ليس بالأمر الهين الذي تقوى عليه علة مستنبطة قد تكون عليلة، وقد تكون سليمة، وقد تكون حية وقد تكون ميتة (2).
ثانيا: أن مال المدين مشغول بحاجة صاحبه الأصلية إليه، لقضاء الدين فكان كالمعدوم، وكمن عنده ماء لكن يحتاجه لدفع العطش فإنه يتيمم (3).
ثالثا: أن ملكه غير مستقر، لأنه ربما أخذه الحاكم بحق الغرماء (4)
(1) سورة التوبة الآية 103
(2)
الشرح الممتع 6/ 36 - 37.
(3)
البناية شرح الهداية 3/ 355.
(4)
المهذب 1/ 464.
كما أن ملكه له ضعيف لتسلط المستحق (1).
رابعا: أن الزكاة حق يجب بوجود المال، فوجب أن يمنع الدين منه كالحج، فإنه يجب بوجود الزاد والنفقة لكن يمنع ذلك الدين (2).
نوقش هذا التعليل:
بأن القياس على الحج غير صحيح، لوجوب الزكاة على الصبي والمجنون وإن لم يجب الحج عليهما، ولوجوب الحج على الفقير إذا كان مقيما بمكة، وإن لم تجب الزكاة عليه فثبت أن اعتبار أحدهما بالآخر في الوجوب غير صحيح (3).
خامسا: قياس الأموال الظاهرة على الأموال الباطنة في سقوط الزكاة بالدين بجامع أن كلا منهما مال تجب فيه الزكاة (4).
سادسا: أن مستحق الدين تلزمه الزكاة فلو أوجبنا على المديون أيضا لزم منه تثنية الزكاة في المال الواحد (5).
نوقش هذا التعليل: بأن قولهم إن هذا يؤدي إلى إيجاب زكاتين
(1) المجموع 4/ 346، الانتصار 3/ 259.
(2)
الحاوي الكبير 4/ 324 الروايتين والوجهين 1/ 244، الانتصار 2/ 259.
(3)
الحاوي الكبير 4/ 325.
(4)
الروايتين والوجهين 1/ 244.
(5)
الحاوي الكبير 4/ 324، المجموع 4/ 346.
في مال واحد دعوى بلا برهان، بل هما مالان لرجلين، فزكاة هذا المال في عينه، وزكاة الدين على مالكه، والعين غير الدين (1).
سابعا: أنه بالقضاء يصير موفيا ما كان عليه، ورب الدين يصير مستوفيا ما كان له في الحقيقة لا أنه متملك ابتداء، والزكاة لا تجب على الإنسان لأجل مال يستحقه غيره، لأنه كالملك لذلك الغير في الحقيقة فصار كملك المكاتب (2).
ثامنا: أن المدين ناقص الملك فلا تجب الزكاة عليه كالمكاتب، فإن الدين سبب في الحجر عليه ويمنع تبرعاته كما يمنع المكاتب (3).
تاسعا: أنه مال يستحق إزالة يده عنه، فوجب أن لا تجب فيه الزكاة كمال المكاتب (4).
نوقش قياس المدين على المكاتب:
بأنه قياس مع الفارق، لأنه ليس المعنى في المكاتب أنه ممن يستحق إزالة يده عن ماله، وإنما المعنى فيه أنه غير تام الملك، ألا ترى أن المكاتب لو كان معه قدر دينه فأكثر لم يستحق إزالة يده عنه،
(1) الحاوي الكبير 4/ 326.
(2)
الانتصار 3/ 259.
(3)
الانتصار 3/ 258 - 259.
(4)
الحاوي الكبير 4/ 324.
ثم مع هذا لا زكاة عليه (1).
عاشرا: أن الزكاة مال يملك بغير عوض، فوجب أن يكون الدين مانعا منه كالميراث، لا يستحق مع ثبوت الدين (2).
نوقش هذا التعليل:
بأن قياسهم على الميراث قياس مع الفارق، فليس الدين مانعا من الميراث لأن الميراث حاصل، وقضاء الدين واجب، ألا ترى أن الوارث لو قضى الدين من ماله لاستحق ميراث ميته، على أنه باطل بزكاة الفطر (3).
الراجح ووجه الترجيح:
يترجح - والله تعالى أعلم بالصواب - القول الأول وهو: أن الزكاة واجبة مطلقا، ولو كان عليه دين ينقص النصاب، إلا دينا وجب قبل حلول الزكاة ويريد المدين أداءه، فإنه يؤديه ثم يزكي ما بقي بعده، وإنما ترجح هذا القول لقوة أدلته، ولمناقشة أدلة الأقوال الأخرى، ولأن مال المدين يتعلق به حقان حق للدائن وحق لله، فإذا سقط حق الله ولم يف بحق الدائن تعطل الحقان معا، ولأنه بذلك
(1) الحاوي الكبير 4/ 326.
(2)
الحاوي الكبير 4/ 324.
(3)
الحاوي الكبير 4/ 326.