الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني
غلاة التكفير والتحذير منهم
وفيه أربعة مباحث:
المبحث الأول: التعريف بالخوارج وبيان نشأتهم
.
المبحث الثاني: النصوص الواردة في التنفير منهم.
المبحث الثالث: أساس بدعة الخوارج.
المبحث الرابع: التحذير من الغلو في التكفير.
المبحث الأول: التعريف بالخوارج وبيان نشأتهم:
الخوارج: جمع خارجة، أي: طائفة، وهم الذين خرجوا على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ولهم عدة أسماء منها:
الحرورية والشراة والمحكمة وغيرها ..
فأما الخوارج فسموا به - على رأي ابن حجر - " لخروجهم عن الدين، وخروجهم على خيار المسلمين "(1)، أو " لخروجهم عن الجماعة وقيل لخروجهم عن طريق الجماعة "(2) لأن " كل من خرج على الإمام الحق الذي اتفقت الجماعة عليه يسمى خارجيا، سواء كان الخروج في أيام الصحابة على الأئمة الراشدين، أو كان بعدهم
(1) فتح الباري، ابن حجر: 12/ 283.
(2)
شرح النووي 7/ 164.
على التابعين بإحسان، والأئمة في كل زمان " (1).
وسموا بالحرورية لنزولهم بحروراء في أول أمرهم.
وبالمحكمة لإنكارهم أمر الحكمين، وقولهم: لا حكم إلا الله.
وبالشراة لقولهم: شرينا أنفسنا في طاعة الله، أي بعناها بالجنة (2).
إلا أن اسم الخوارج في معناه الأول الذي يشير إلى الانشقاق ومفارقة الجماعة أصبح الاسم السائر على هذه الجماعة.
ويجمعهم القول بتكفير عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وأصحاب الجمل، وصفين، والحكمين، ومن رضي بالتحكيم، وصوب الحكمين أو أحدهما، ويرون الخروج على الإمام إذا خالف السنة حقا واجبا، وأجمعوا على أن كل كبيرة كفر، وأن مرتكبي الذنوب كفار إلا النجدات خالفتهم في ذلك، وكذلك أجمعوا على أن الله سبحانه يعذب أصحاب الكبائر عذابا دائما إلا النجدات.
(1) الملل والنحل والشهرستاني 1/ 114.
(2)
مقالات الإسلاميين، الأشعري 1/ 206.
ويرى بعض المؤلفين في الفرق أن أول قرن طلع من الخوارج ظهر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو رجل طعن على النبي صلى الله عليه وسلم في قسمته، واسمه عبد الله ذو الخويصرة التميمي فقال: اعدل يا رسول الله. فقال صلى الله عليه وسلم: «ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل؟ (1)» فأراد عمر رضي الله عنه قتله فمنعه النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر الحديث في صفة الخوارج وأنهم يخرجون من ضئضيء هذا الرجل (2).
ورغم هذه الصلة القوية إلا أن الخوارج لم يظهروا كجماعة إلا بعد حادثة التحكيم (3).
ويرى جماعة من العلماء أن أصل الخوارج الجماعة التي أنكرت على عثمان بن عفان رضي الله عنه وكان يقال لهم القراء لشدة اجتهادهم في العبادة، واجتمعوا من بلدان شتى، وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنكروا سيرة بعض أقارب عثمان بن عفان، فطعنوا على عثمان بذلك، جاء في البداية والنهاية أن أهل البصرة خرجوا ومعهم حرقوص بن زهير - الذي صار من قادة الخوارج فيما بعد.
(1) البخاري المناقب (3414)، أحمد (3/ 56).
(2)
أخرجه البخاري: 6933.
(3)
دراسة عن الفرق جلي ص 40.
ومع ذلك فلم يجتمعوا، ولم تتبلور عقائدهم على ما صارت إليه إلا بعد حادثة التحكيم.
فالصحيح أن هؤلاء كانوا نواة للخوارج، إلا أن خروجهم الحقيقي كان في عهد علي رضي الله عنه فقد كانوا معه في حربه، فلما رفعت المصاحف في موقعة صفين، ألجئوا عليا إلى قبول ذلك وقالوا له: يا علي أجب إلى كتاب الله إذ دعيت إليه، وإلا دفعنا برمتك إلى القوم، أو نفعل بك ما فعلنا بابن عفان، إنه غلبنا أن يعمل بكتاب الله فقتلناه، والله لتفعلنها أو لنفعلن بك (1).
فلما قبل علي بذلك وكتب الكتاب بقبول التحكيم، أنكرت الخوارج ذلك، وحين رجع إلى الكوفة فارقته إلى مكان يقال له حروراء، ثم أرسل إليهم ابن عباس فناظرهم فرجع جماعة منهم، ثم خرج إليهم علي رضي الله عنه فأطاعوه ودخلوا معه الكوفة، وأشاعوا أن عليا تاب من الحكومة، فخطبهم وأنكر ذلك، فتنادوا من جوانب المسجد: لا حكم إلا لله، فقال رضي الله عنه: كلمة حق يراد بها باطل، وقال لهم: لكم علينا ثلاثة: أن لا نمنعكم من المساجد، ولا من رزقكم من
(1) البداية والنهاية، ابن كثير: 7/ 283.
الفيء، ولا نبدؤكم بقتال ما لم تحدثوا فسادا.
وخرجوا شيئا فشيئا إلى أن اجتمعوا بالمدائن، وأصروا على الامتناع من طاعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب حتى يشهد على نفسه بالكفر لرضاه بالتحكيم - مع أنهم هم الذين ألجؤوه إلى قبوله - ويتوب من ذلك، وأرادوا قتل رسول أمير المؤمنين، ثم قتلوا عبد الله ابن خباب بن الأرت، وكان واليا لعلي، وبقروا بطن سريته عن ولد له، فخرج إليهم علي رضي الله عنه في الجيش الذي هيأه للخروج إلى أهل الشام، وقاتلهم في موقعة النهروان، ولم ينج منهم إلا دون العشرة، ولم يقتل من جيش علي إلا عشرة.
وقد عرف عن الخوارج الشدة في القتال والثبات والإقدام على الموت (1).
ولكن لم تضع معركة النهروان نهاية للخوارج؛ بل أذكت فيمن
(1) فتح الباري، ابن حجر: 12/ 291.
بقي منهم روح القتال، وانضم إليهم من مال إلى رأيهم، حتى كان منهم عبد الرحمن بن ملجم المرادي الذي قتل عليا بعد أن دخل في صلاة الصبح، وقال لما ضربه: لا حكم إلا لله، ليس لك يا علي، ولا لأصحابك، وجعل يتلو قوله تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} (1)، ومدحه على فعله عمران بن حطان في ذلك:
يا ضربة من تقي ما أراد بها
…
إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إني لأذكره يوما فأحسبه
…
أوفى البرية عند الله ميزانا (2)
ثم كانوا مقموعين في إمارة زياد وابنه عبيد الله على
(1) سورة البقرة الآية 207
(2)
سير أعلام النبلاء، الذهبي 4/ 215.
العراق، وظهروا ثانية لما ادعى مروان بن الحكم الخلافة وغلب على الشام ومصر، فظهر الخوارج بالعراق مع نافع بن الأزرق، وباليمامة مع نجدة بن عامر، وزاد نجدة على معتقد الخوارج: أن من لم يخرج ويحارب المسلمين فهو كافر، ولو اعتقد معتقدهم " وعظم البلاء بهم وتوسعوا في معتقدهم الفاسد فأبطلوا رجم المحصن وقطعوا يد السارق من الإبط، وأوجبوا الصلاة على
الحائض في حال حيضها " (1). ثم لم يزل منهم بقايا في طول الدولة الأموية وصدر الدولة العباسية، ودخل طائفة منهم المغرب.
وسيأتي في المبحث القادم في النصوص الواردة في ذمهم الإشارة إلى صفة الرجل الذي يقتل معهم وهو ذو الثدية، وهي - كما يقول ابن تيمية -: علامة أول من يخرج منهم ليسوا مخصوصين بأولئك القوم، فإنه قد أخبر في غير هذا الحديث أنهم لا يزالون يخرجون إلى زمن الدجال، وقد اتفق المسلمون على أن الخوارج ليسوا مختصين بذلك العسكر (2). ومثلما كان للخوارج حضور في أول الفتن فسيكون لهم حضور في آخرها؛ قال حذيفة: أول الفتن: قتل عثمان، وآخر الفتن: الدجال (3).
فلا يزال الخوارج يخرجون حتى يدرك آخرهم الدجال، جاء عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«ينشأ نشأ يقرؤون القرآن، لا يجاوز تراقيهم، كلما خرج قرن قطع، قال ابن عمر: سمعت رسول الله يقول: " كلما خرج قرن قطع " أكثر من عشرين مرة، حتى يخرج في عراضهم الدجال (4)» .
(1) فتح الباري ابن حجر 12/ 284.
(2)
مجموع الفتاوى ابن تيمية: 28/ 495.
(3)
البداية والنهاية ابن كثير: 7/ 201.
(4)
سنن ابن ماجه المقدمة باب ذكر الخوارج (174) قال البوصيري: الحديث حسن.